قيظ النهار يقلب حياة نازحي الحرب وسكان الخيام إلى جحيم.. “القدس العربي” تسلط الضوء على المعاناة مع بداية موجات الحر

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

انقلبت حياة نازحي الحرب في هذه الأوقات إلى الأسوأ، مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما جعل الحياة في “مراكز الإيواء”، وخيام النزوح، صعبة جدا، وهو أمر ينذر بمخاطر كبيرة مع الاقتراب أكثر من فصل الصيف.

ولم يعد العيش سهلا في هذه الأوقات داخل مراكز الإيواء ولا خيام النزوح، التي تنتشر بكثافة في كافة مناطق قطاع غزة، مع بدء أولى موجات الحر، حيث لا تصلح هذه الأماكن التي عانى فيها نازحو الحرب من برد الشتاء، للعيش أيضا في فصل الصيف.

لا كهرباء ولا تهوية

وهذه المراكز وهي عبارة عن مدارس حكومية وأخرى تدار من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، لم يجر تأسيسها بالأصل لتصبح أماكن للسكن في ظروف الحرب، وكذلك الأمر بالنسبة لخيام النزوح التي أقيمت في مناطق عشوائية أغلبها إما أراض زراعية فارغة، أو شوارع وساحات عامة.

ويشتكي ساكنو “مراكز الإيواء” من عدم توفر أي وسائل للتهوية بداخلها، وهي عبارة عن غرف فصلية، يتكدس في كل واحدة عدة عائلات، بسبب كثرة عدد النازحين، خاصة وأن بعض المراوح المعلقة في سقف تلك الغرف، ولا تعمل بالشكل المطلوب، يرتبط تشغيلها بوصول التيار الكهربائي، وهو أمر لا يتم إلا لساعتين في أحسن الأحوال يوميا، لاعتماد المدارس حاليا على مولدات كهرباء، تعمل وفق جدول محدد من قبل إدارة المراكز، بسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل منذ بدايات الحرب.

يشتكي ساكنو “مراكز الإيواء” من عدم توفر أي وسائل للتهوية بداخلها، وهي عبارة عن غرف فصلية

وهذا الحال أيضا، يعايشه سكان خيام النزوح، المصنوعة من البلاستيك، والتي لا يتوفر فيها بالمطلق أي وسائل تهوية، ولا يصلها أيضا تيار كهربائي.

ويقطن قطاع غزة أكثر من 2.2 مليون فلسطيني، وقد اضطر أكثر من 1.9 مليون للنزوح القسري بسبب الحرب، غالبيتهم من مدينة غزة ومناطق الشمال، الذين أجبروا على ذلك منذ الأسبوع الأول للحرب، حين صنف جيش الاحتلال مناطق سكنهم بأنها “مناطق حرب”، فيما النسبة الباقية من سكان مناطق وسط القطاع وخان يونس، الذين إما هدمت منازلهم، أو كانوا يقطنون في مناطق قام جيش الاحتلال بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة فيها، مثل مدينة خان يونس والمناطق الشرقية لوسط القطاع.

وتؤكد المنظمات الإغاثية التي ترعى النازحين، وفي مقدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، أن أوضاع هؤلاء النازحين تزداد سوءا مع استمرار الحرب الدامية، في ظل انعدام كل أسس الحياة، وتفشي الأمراض الموسمية بسبب تقلبات درجات الحرارة، والنقص الحاد في المواد التموينية.

وكما عانى هؤلاء من عدم توفر ملابس وأغطية كافية في فصل الشتاء، ما أدى إلى تفشي الأمراض الموسمية وفي مقدمتها الانفلونزا والحكة وغيرها من الأمراض، فإن هذا الحال يعيشه السكان وبطريقة مشابهة مع بدء ارتفاع درجات الحرارة في غزة، إذ يحتاجون بشكل شبه بومي إلى تبديل ملابسهم، بسبب التعرق، حيث لا تتوفر ملابس كافية لهؤلاء الذين تركوا منازلهم ولم يحملوا منها قبل النزوح إلا القليل من الملابس، ولم يستطيعوا إلا شراء القليل منها بسبب ارتفاع أثمانها وقلة الأموال المتوفرة حاليا.

ومن شأن ارتفاع درجات الحرارة، وانعدام وسائل التهوية، أن يصيبا الغزيين بأمراض عدة في مقدمتها الأمراض الجلدية.

وفي ظل قصير بجوار خيمة نزوح في وسط مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، جلس سالم خليفة، وبجواره والدته وشقيقه وزوجته وأطفاله، وقد حمل بيده قطعة من الكرتون، واستمر يلوح بها أمام وجهه، بغية تبريد الجو، والتخفيف من وطأة ارتفاع درجات الحرارة.

قال رجل في منتصف الأربعينات لـ “القدس العربي” إنه يضطر حاليا للحاق بظل الخيمة هربا من أشعة الشمس

وقال هذا الرجل في منتصف الأربعينات لـ “القدس العربي”، إنه يضطر حاليا للحاق بظل الخيمة هربا من أشعة الشمس، ويضطر حين تعامد الشمس ظهرا، حيث تصل الحرارة إلى ذروتها، إلى الدخول في الخيمة وفتح كل شبابيكها ورفع بعض أجزائها إلى الأعلى للسماح للهواء بالمرور، ويشير إلى أنه رغم ذلك تبقى الحرارة مرتفعة ويتصبب جميع أفراد عائلته عرقا.

ويشير هذا الرجل إلى أن ظروف النزوح وقلة امدادات المياه، تحول دون تمكنه من الاستحمام اليومي أو تبديل الملابس وغسلها.

الخيام “غرف ساونا”

وبالكاد يستطيع الرجل شحن بطارية صغيرة يوميا من مكان يبعد مئات الأمتار عن مكان سكنه، لاستخدامها في إضاءة الخيمة ليلا، دون تشغيل أي جهاز تهوية.

ويوضح أيضا أن ما يقوم به في النهار من فتح باب الخيمة ونوافذها وبعض جوانبها، لا يمكن فعله ليلا، خشية من أن تدخل الخيمة الزواحف الصغيرة أو الحشرات والقوارض، ما يجبره على العيش بمكان شبيه بـ “الساونا” حسب وصفه.

وقد دفعت ظروف الحر، جيران هذا الرجل في خيام النزوح، إلى تعبئة أوان بلاستيكية كبيرة بالمياه، ليقوم أطفالها بالنزول بداخلها لتبريد أجسادهم.

وليس بعيدا عن هذه المعاناة يكابد أيضا سكان مراكز الإيواء كثيرا في هذه الأجواء، وتقول أم مازن إنها والسيدات والفتيات اللواتي يقطن هذا المركز (عبارة عن مدرسة للأونروا)، في ظل انعدام “الخصوصية” يضطررن للبقاء باللباس الطويل والكامل طوال النهار والليل، ما يزيد من معاناتهم في ظل انقطاع الكهرباء وعدم وجود وسائل تهوية.

وتقول هذه السيدة إنها لجأت إلى سكب مياه على رؤوس أطفالها كغيرها من نساء المركز، لتبريدهم خلال موجة الحر الأخيرة.

وفي المركز لاحظت “القدس العربي” أن غالبية الرجال يفضلون قضاء وقتهم يستظلون تحت الطوابق السفلية من المدرسة، حيث قال أحدهم “زي (كما) عانينا في الشتا، ستكون الحياة أصعب في الصيف”.

الهروب للبحر رغم الخطر

وقد دفع ارتفاع درجات الحرارة الغزيين الذين يعانون من قلة وسائل التهوية والتبريد، خلال الأيام الماضية إلى النزوح إلى البحر، حيث يتمتعون بنسمات هواء باردة، فيما أقدم الكثير منهم على النزول للماء، لتبريد أجسادهم من الحر.

ولم يأبه هؤلاء إلى الغارات الإسرائيلية المستمرة في سياق الحرب، وأكد أحدهم ويقطن مدينة دير البلح وسط القطاع، أنه ذهب قبل انتصاف شمس النهار إلى البحر برفقة عائلته التي تقيم معه على بعد مئات الأمتار من الشاطئ في خيمة نزوح، ليس للاستجمام بقدر ما ذهب بحثا عن جو بارد، وقال هذا الرجل ويدعى أبو الحسن، إنه استمتع مع العائلة بالجو هناك، بعد ان كاد يختنق داخل خيمته.

وقد أشار في حديثه لـ “القدس العربي”، إلى أنه في الظروف الحالية، حيث تنعدم في هذه الأوقات فرص التوصل إلى تهدئة تنهي الحرب ومعاناة السكان المتفاقمة، ستدفعه والكثيرون من النازحين وغير النازحين إلى تكرار الأمر في الصيف مرات عدة، لافتا إلى أن أكثر الأشخاص حظا هم من أقاموا خيامهم قبالة الشاطئ، رغم أنهم كانوا فترة الشتاء من أكثر ممن تأذوا حيث تشتد هناك الرياح، التي اقتلعت في مرات سابقة خيامهم.

وليس بعيدا عن مشهد نازحي الخيام، قدم الكثيرون من سكان المدينة إلى البحر بحثا عن الجو اللطيف، وقال محمد البحيصي لـ “القدس العربي”، إن المنازل لم تعد تطاق في هذا الوقت، ويشير إلى أن الأمر سيكون أسوأ مع موجات الحر القادمة، وفي حال شهدت منطقة سكنه غارات أو هجمات، تحول دون وصوله إلى البحر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية