المرزوقي في حوار مع «القدس العربي»: لا يمكن أن نضحي بمستقبل مئة مليون مغاربي لأجل مئتي ألف صحراوي

حجم الخط
52

المطبعون مع العدو يحاولون إيهام الرأي العام بأنهم يسعون للسلام

وهذا ليس سلاما بل استسلام

سوسة (تونس) أجرى المقابلة نزار بولحية:

بحلول الرابع والعشرين من الشهر الجاري يكون قد مضى عام كامل على إعلان الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، الانسحاب من الحياة السياسية في بلاده. ورغم قلة ظهوره الإعلامي والظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فقد قبل الدكتور المرزوقي، وبكثير من رحابة الصدر، أن يستقبلنا في بيته في سوسة على الساحل الشرقي لتونس للحديث حول عدد من القضايا والملفات التي تخص تداعيات قراره ترك العمل السياسي المحلي ودور المجلس العربي الذي يرأسه وإمكانية شغله لمنصب في إحدى المنظمات الدولية وقراءته للانتخابات الأمريكية وموقفه من قضية الرسوم المسيئة للرسول -محمد صلى الله عليه وسلم- وتصوره لمسار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ورأيه في مخرجات الحوار الليبي في تونس ومستقبل الوضع في الجزائر ثم رؤيته لحل القضية الصحراوية التي لا تزال تكبل الاتحاد المغاربي والمتمثل في ضرورة منح الصحراويين الحكم الذاتي ضمن المغرب وداخل المغرب الكبير كما قال ليختتم حديثه بتوجيه دعوة للسلطات السعودية بمناسبة استضافتها قمة العشرين لإطلاق سراح سجناء الرأي والسجناء السياسيين المعتقلين لديها ويجدد التأكيد في الختام على أن الحرب ضد الاستبداد العربي بدأت ولن تتوقف إلا بزواله.
وفيما يلي نص المقابلة:

■ أعلنت قبل عام من الآن “من الحياة السياسية في تونس وأكدت بالمقابل أنك لن تتخلى عن الدفاع عن قضايا الشعب التونسي. لكن ما حصل هو أن من تصفهم بالمنظومة القديمة استغلوا ذلك لإبعادك تماماً لا عن المشهد السياسي فحسب، بل حتى الإعلامي. وطوال عام كامل لم تظهر تقريباً إلا في وسائل الإعلام العربية والدولية مع غياب عن الإعلام المحلي. كما أن السلطات الحالية لم توجه لك أي دعوة لتقدم أفكارك ومقترحاتك حول الحلول الممكنة للأزمات التي تمر بها تونس مثلما فعلت مع مسؤولين سابقين. فكيف تنظر إلى ذلك وهل تعتبر أن إعلانك الانسحاب من الحياة السياسية كان هدية على طبق لمن أرادوا إبعادك عن الشأن العام في تونس؟
■ السؤال متعدد الأبعاد. أولاً فيما يخصني أنا انسحبت من الحياة السياسية الحزبية بمعاركها وصراعاتها ومشاكلها التي أخذت الكثير من وقتي وجهدي لكني لم أنسحب من الحياة السياسية في المطلق باعتباري مواطناً أعيش في هذا الوطن وأتابع آلامه وأعتبر نفسي مسؤولاً عنه مثل كل المواطنين خاصة أني دفعت خمسين سنة من أجله، ولذا فلن أتخلى عنه. لكني الآن خارج لعبة الصراع على السلطة ويمكنك أن تقول إنني في موقع “ستاند باي”، إذا وقعت تهديدات على الدستور أو على النظام الديمقراطي أو تهديدات خارجية فإنني آنذاك سأتدخل بكل قوة. فهذا وطني ولن أتخلى عنه أبداً.
أما مسالة تغييبي فهذا شيء طبيعي، فهناك قوى سياسية وإعلامية تريد أن تمسح ذكري تماماً من الوجود وكأنه ليس أنا من أدخل “النظافة” إلى قصر قرطاج ومن حارب الفساد ومن مهر الدستور ووقع عليه. إن هؤلاء يريدون فسخي من الذاكرة وهذا ما اعتبره تصرفاً صغيراً. وأريد فقط أن أذكر أني لما استلمت الرئاسة بادرت بزيارة الأستاذ أحمد المستيري في بيته لأخبره أننا سنواصل السير على نهج نضالاته من أجل تونس. كما زرت عدة مناضلين آخرين في بيوتهم. يعني أنني لم أدع أبداً أن التاريخ بدأ معي بل كنت مجرد حلقة من ذلك التاريخ. لكن هناك ناس تدعي الآن أن التاريخ بدأ معها وأنها الشخصيات الوحيدة في البلاد وأنا غير معني بما تقوله. أما بالنسبة للإعلام فسأكون صريحاً معك أنا أعتبر أن الإعلام التونسي قد أضر كثيراً بي وبالثورة وبكل ما أؤمن به وأنا آسف لذلك لأني ناضلت من أجل حرية الرأي والتعبير وكنت أول ضحايا للإعلام الحر الذي ناضلت من أجله. وأنت تعلم أنه ورغم كل ما جناه علي هذا الإعلام فإني لم أرفع قضية بأي صحافي. لكن لدي احتراز كبير من الإعلام التونسي في الوقت الحالي ولست مستعداً الآن للتعامل معه. إن هناك نوعاً من الحاجز النفسي بيني وبين هذا الإعلام الذي لعب دوراً مخرباً وهداماً وساهم في تشويهي وإسقاطي في الانتخابات وضرب الثورة وهو اليوم أحد أكبر المشاكل في تونس وطالما لم يتم إصلاحه فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في البلاد.
■ تترأس منذ ست سنوات المجلس العربي أو ما كان يعرف بالمجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية. هل تعتقد أن ما يقوم به المجلس الآن يجد صدى حقيقياً في الشارع العربي أو يؤثر في مسار الثورات والانتفاضات التي تحصل في بعض الأقطار العربية؟
■ لقد أسسنا المجلس العربي أنا والأخت توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام وأيمن نور أبرز معارضي السيسي وعضدي الأيمن كما يقال عماد الدايمي ليجمع نخبة من الناس الذين يفكرون في الثورة ويجتهدون لاستنباط أفكار للمستقبل. يعني أنه ليس حزباً أو مجموعة لقيادة الجماهير بل هو عبارة عن مختبر للتفكير الاستراتيجي العربي. وقد بدأنا في العمل ونظمنا اجتماعاً كبيراً في إسطنبول منذ سنتين وحددنا التوجهات الكبرى لهذا العمل الفكري وللأسف الشديد جاءت جائحة كورونا وأوقفت العمل مؤقتاً ونبحث في صيغ جديدة.

الإعداد لكتاب «المراجعات»

■ يتحدث البعض عن إمكانية أن يسند إليك منصب دولي هام كأن يتم تعيينك مبعوثاً أممياً في إحدى مناطق النزاعات في العالم. فهل هذا وارد؟
■ في الوقت الحالي لم يعرض علي شيء من هذا القبيل. لكني مستعد أن أخدم حقوق الإنسان والديمقراطية في الوطن العربي وفي إفريقيا وفي أي مكان في العالم. غير أن كل شغلي الآن هو التفكير والإعداد لكتاب سميته “المراجعات” أراجع فيه نفسي وتجربتي وأبحث فيه عن الفكر السياسي في القرن الحادي والعشرين وأراكم فيه تلك الخبرة التي اكتسبها على مدى خمسين عاماً في المعارضة والصراع مع الأيديولوجيات القومية والوطنية والديمقراطية وسأحاول أن أجمع كل ذلك كي تستفيد منه الأجيال المقبلة. وكما قلت لكانا دائماً على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن، وخاصة إذا وقع تهديده داخلياً أو خارجياً.

بايدن أصلح مليون مرة من ترامب

■ لنتحدث الآن عن الانتخابات الأمريكية. لقد أبديت نوعاً من التفاؤل بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن. فهل تعتقد أننا سنشهد بالفعل انعطافة في السياسة الأمريكية تجاه عدة قضايا في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ وهل سيكون بوسع بايدن أيضاً أن يسحب البساط من تحت أقدام الطغاة العرب ويوقف الحماية التي كان يوفرها لهم ترامب مما يفعلونه بشعوبهم؟
■ أنا أنظر للمسألة من عدة مستويات. وأولها مستوى العالم، فأنا لا أحصر نفسي في كوني عربياً مسلماً. فأنا أنتمي للإنسانية ولهذا فليس هناك شك في أن بايدن أصلح مليون مرة من ترامب من ناحية مصلحة البشرية. ويمكن القول إن تسعة وتسعين بالمئة من الأشياء التي تجعلني أفضل بايدن هي قبوله باتفاقية باريس حول المناخ. وربما لا يفهم الكثيرون أهمية قضية المناخ. ثم في الجانب الحقوقي هل يمكن أن تقارن بين شخص عنصري معاد للعرب والمسلمين والسود وشخص آخر يقول إنه سيرفع الحظر عن دخول المسلمين لأمريكا ويصرح أنه ضد العنصرية؟ فهل هناك إنسان عاقل يساوي بين الاثنين؟ إن المشكل هو أن العرب لا يفكرون إلا من زواية واحدة. لكني أقول إنه فقط لأجل قضية الاحتباس الحراري والعنصرية داخل أمريكا فإن الأفضلية لبايدن. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فكيف يقول البعض إنهما وجهان لعملة واحدة؟ الهمّ فيه ما تختار كما يقال وعربياً لو انتخب ترمب لرأيت التهاب الثورة المضادة على الأقل سيحاول المستبدون التخفيف من غلوائهم وربما يؤدي هذا لسراح بعض المعتقلين.

ترامب ليس رئيساً عربياً

■ في علاقة بالانتخابات الأمريكية هل تتوقع حصول اضطراب أو حتى فوضى من هنا إلى حلول موعد تسليم السلطة في البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل؟
■ أنا لا أقرأ الفنجان. أنا فقط أتابع ما يجري في أمريكا بشكل دقيق. لقد كان هناك تخوف من حصول فوضى إبان الانتخابات لكن هذا لم يحصل مما يدل على أن الديمقراطية الأمريكية قوية. غير أن هناك الآن من يحاول التشكيك في النتائج. وخلافاً لما قد يعتقده البعض لا يجب أن تنسى أن ترامب ليس رئيساً عربياً أي أنه ديكتاتور يتحكم في كل شيء. فأمريكا دولة مؤسسات وهو لا يملك دوليب الدولة، وبالتالي فلا خوف من حصول فوضى وسيطرد شر طردة وسننتهي من هذا الكابوس ومن هذا النوع من الزعماء الشعبويين. وأنا أرى أن هزيمة ترامب هي هزيمة الشعبوية وهذا جيد ويدل على أن الديمقراطية لا زالت لها مخالب وأنياب.

اليمين المتطرف الفرنسي يتغذى

من الحركات الإسلامية المتطرفة

وهي بدورها تتغذى منه

■ لننتقل الآن إلى قضية الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- هل تعتقد أن الرد على تلك الإساءة يكون بمقاطعة البضائع والمنتجات الفرنسية لأن الطبقة السياسية الفرنسية كما يرى البعض لن تغير مواقفها من المسألة ما لم تشعر بأن المصالح الاقتصادية لفرنسا قد باتت مهددة بشكل من الأشكال؟
■ أنا أخذت موقفاً واضحاً وصريحاً في هذا الموضوع وأدنت تلك الرسوم وتحملت مسؤوليتي. وأستغرب كيف أن الزعماء العرب لم يتحدثوا عن ذلك، هذه النقطة الأولى. أما النقطة الثانية فهي أنني دائماً ما أقول إننا لسنا في حرب مع فرنسا ولكننا في حرب مع اليمين الفرنسي المتطرف. وهذا اليمين المتطرف الفرنسي يتغذى من الحركات الإسلامية المتطرفة وهي بدورها تتغذى منه. وبالتالي فلا يجب أن نسقط في فخ المزايدة بين التطرفين لبعث الانشقاق والفرقة بين الشعوب. وأنا أعتقد أنه يجب على الحكومات العربية والإسلامية أن تكون واضحة وصريحة في التعبير عن رفضها المس بالمقدسات وأن تبلغ فرنسا ذلك. وبالمقابل فإننا يجب أن نتحكم أكثر في أعصابنا وأن لا نرد أو ندخل في مناكفات أو مزايدات قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
■ الإعلان عن عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، هل سيكون برايك مبرراً لالتحاق دول عربية أخرى بقطار التطبيع واقتناعها بما قاله وزير خارجية البحرين، الأربعاء الماضي، في مطار بن غوريون من أنه “حان الوقت لأن ننتهج سياسات أخرى للتوصل إلى حل شامل يحقق الازدهار والنماء للجميع”؟
■ إن أكبر خديعة يقوم بها هؤلاء هي محاولة إيهام الرأي العام بأنهم يسعون إلى السلام. وأنا أقول هذا ليس سلاماً، بل استسلام. من لا يريد السلام؟ نحن نريد السلام بإنهاء معاناة الفلسطينيين وفك الحصار عن أخوتنا في غزة لكن ليس بالاستسلام. والقضية إذن ليست التطبيع أو عدم التطبيع وبين قوسين فلفظ التطبيع خاطئ. فما معنى التطبيع؟ هل كانت لنا علاقات طبيعية في السابق لنعود الآن إليها؟ إن القضية -كما قلت- هي إما سلام أو استسلام. ونحن مع السلام، أما هؤلاء فهم مع الاستسلام. نحن نريد سلاماً حقيقياً مبنياً على احترام حقوق الشعب الفلسطيني، أما هؤلاء فهم مستعدون لرميها والاستسلام مقابل توفير الحماية لهم. وإذا نظرت إلى الأسباب التي تدفع دولاً كالبحرين والإمارات إلى الاستسلام فستجد أنهم يساومون أمريكا بورقة فلسطين لتحميهم من البعبع الإيراني ومن الثورات العربية. هذه هي كل القصة. أما نحن فلسنا بحاجة إلى تلك الحماية ويجب أن نستمر في القول نعم للسلام لا للاستسلام.

حفتر والعراب الإماراتي لن يسمحا بانتخابات ليبيا

■ دعنا نتحدث الآن عن ليبيا. كيف تنظر إلى الإعلان في أعقاب جلسات منتدى الحوار الليبي في تونس عن تنظيم انتخابات عامة في ليبيا في ديسمبر/كانون الأول من العام المقبل. هل ترى ذلك ممكناً في ظل حالة الانقسام التي تشهدها وحدة الاستقطابات والتدخلات الخارجية فيها؟
■ لا أعتقد أن ذلك الحل سيكون ممكناً. وللأسف الشديد فإن ما حصل هو إرجاء المشكل. والأكيد هو أن هناك أطرافاً إقليمية ستتدخل، فحفتر والعراب الإماراتي الذي وراءه لن يسمحا مثلاً بذلك. وللأسف، بالنسبة للشعب الليبي فالطريق ما زالت طويلة للوصول إلى السلام. وهذا بفعل التدخلات الخارجية. والاستنتاج الذي يدل عليه ذلك هو أننا أصبحنا أمة تحت الوصاية. فهناك الآن تقريباً ثلاث أو أربع دول عربية غير موجودة فعلياً كدول مستقلة أي تحت الوصاية المباشرة. فمن يتحكم في القرار الليبي اليوم للأسف هي الأطراف الخارجية وإخوتنا الليبيون هم ضحايا لفقدانهم استقلالهم، أما أغلب الدول العربية الأخرى فهي تحت الوصاية المقنعة. والمعركة اليوم في الدول العربية هي وبالقدر نفسه استعادة الاستقلال الوطني ومحاربة الاستبداد.

يجب على الحكومات العربية والإسلامية أن تكون

واضحة وصريحة في التعبير عن رفضها المس بالمقدسات

الملف الصحراوي

■ بخصوص الملف الصحراوي وبعد التوتر الأخير وما حصل في منطقة “الكركارات” لاحظنا نوعاً من الصمت الرسمي في بلدين مغاربيين هما تونس وموريتانيا. هل ترى الأمر مبرراً؟ وهل تعتقدان مثل ذلك الموقف قد أنهى فعلياً آخر فرصة لإعادة إحياء اتحاد المغرب العربي؟ ثم هل ترى أن تمسك تونس وموريتانيا بالحياد في هذا الملف بالذات ما زال الآن مناسباً؟
■ أنت تعلم إلى أي مدى أنا مغاربي سعيت وأسعى إلى الدفع بهذا المشروع. لكن من الواضح أن هناك قوى مصممة على إجهاضه. وبالتالي فكلما تقدمنا ووجد حل معقول للمشكل الصحراوي في إطار الحكم الذاتي داخل المغرب واتحاد مغاربي كبير إلا تقوم قوى معينة بنوع من الضربات الإرهابية لمنع ذلك. والناس التي تتحمل مسؤولية إفشال المشروع المغاربي هي التي تقف وراء عمليات البوليزاريو الأخيرة التي لا هدف من ورائها إلا منع أي تقارب أو تحقيق للحلم المغاربي. وأنا لدي أمل في أن التغيير الذي سيحصل في الجزائر بتغيير القيادات وبالحراك وبالديقراطية سيأتي بجيل جديد من الحكام تكون لهم الشجاعة والوطنية ليفهموا أن هذه السياسة التي ضيعت علينا أربعين عاماً يجب أن تنتهي وينبغي علينا اليوم أن ندخل في عملية إيجابية للتقارب بين الشعوب. فلا يمكن أن نضحي بمستقبل مئة مليون مغاربي لأجل مئتي ألف صحراوي في حين إن هؤلاء يجدون أنفسهم معززين ومكرمين داخل اتحاد مغاربي وضمن الحكم الذاتي في الدولة المغربية. نحن نريد توحيد الدول ولا نريد إعادة التقسيم. لأنه إن قبلنا بذلك فما الذي سيمنع غداً من المطالبة بتقسيم الجزائر أو تونس؟ لقد كنا للأسف الشديد رهائن لدى مجموعة في النظام الذي ثار ضده الشعب الجزائري. وأملي الكبير في أن الجيل الجديد من الحكام الجزائريين الذي سيأتي به الحراك والديمقراطية هو من سيسعى إلى إنهاء هذه المشكلة وأن نبني اتحاد المغرب الكبير الذي لن يكون بالبوليزاريو وبتقسيم المغرب.
■ لكن هل ترى أن الحياد التونسي والموريتاني في ملف الصحراء ما زال له معنى؟
■ لا ليس لم يعد له معنى ولم يعد ممكناً. إن مستقبلنا في الاتحاد المغاربي. والاتحاد معطل بسبب هذه المسألة. طيب كيف نتجاوزها؟ هناك حل وهو الحكم الذاتي داخل المغرب ثم بناء اتحاد مغاربي أوسع يضم الصحراويين وباقي مكونات الشعوب المغاربية.
■ هل تقول إذن بناء الاتحاد المغاربي يمر من خلال قبول كل الأطراف بحل المشكل الصحراوي في إطار الحكم الذاتي للصحراء داخل المغرب؟
■ طبعاً بالضبط. وهذا هو موقفي دائماً وأبداً.
■ لكنك خلال فترة حكمك لم تقل ذلك بوضوح. لقد ظل الموقف الرسمي التونسي في تلك المسالة حتى حين كنت رئيساً محافظاً على الحياد.
■ لا لا… من بداية الثورة إلى حين رحيلي عن الحكم كان موقف النظام الجزائري القديم مني ومن تونس سلبياً وسلبياً جداً حتى لا أقول أكثر. لماذا؟ لأنهم كانوا يعرفون أن موقفي وموقف تونس هو عدم الإيمان بالرؤية الجزائرية لملف الصحراء.
■ عفواً، ولكننا لم نسمع منك خلال مدة حكمك أي تصريح بذلك.
■ كنت أسعى خلال فترة حكمي إلى جمع القادة المغاربيين وطلبت منهم الاجتماع في تونس. وقد قبلوا كلهم عدى قادة الجزائر وكنت أفكر في أن أعرض عليهم في ذلك الوقت عدة مقترحات وهي أولاً مسألة الحريات الخمس، أي حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك والمشاركة في الانتخابات البلدية للمغاربيين في الدول الخمس ثم إيجاد حل لقضية الصحراء في إطار الحكم الذاتي. وكانت هناك فكرة تروج في أن يكون للجزائر منفذ على المحيط الأطلسي إن وافق المغرب بالطبع. كل هذه الأفكار في إطار حسن النوايا كان بوسعها تحريك الملف في مصلحة الشعوب والدول، لكن الحسابات الخاطئة والأحقاد القديمة غلبت للأسف.

بعبع الدولة المخابراتية العسكرية في الجزائر انتهى

■ قبل خمسة شهور تقريباً قلت لي إن الحراك الجزائري قد حقق مطالبه.. الآن وفي ظل الظروف الحالية، هل ما زلت تعتقد في ذلك؟
■ إن مطلب الحراك كان في الأساس إنهاء احتقار الذكاء الجزائري والكرامة بخصوص إعادة ترشيح شخص كان عجزه لا يخفى على أحد وإنهاء سيطرة مجموعة معينة. وهذا أعتقد أنه تحقق وعندي قناعة أن بعبع الدولة المخابراتية العسكرية في الجزائر قد انتهى وأنه مات في عقول وقلوب الجزائرين وأنهم لم يعودوا يشعرون بالخوف من الدولة العميقة، ولدي قناعة أن الجزائر في السنوات العشر المقبلة ستكون جزائر مختلفة بحكم تجدد الطبقة السياسية، وأنا لدي ثقة تامة في الشعب الجزائري سيقدم لنا في السنوات العشر المقبلة قيادة سياسية جديدة ستبني الاتحاد المغاربي وستفتح الباب للأحلام التي أمني بها نفسي منذ سنوات.
■ تستضيف السعودية غد ٍالسبت قمة العشرين التي تعقد هذه المرة افتراضياً وعن بعد. كيف تنظر لمثل هذه الاجتماعات وهل تراها مجدية؟
■ ربما سيكون النفع الوحيد لهذه القمة هو إطلاق سراح لجين الهذلول وبقية المناضلات والشيوخ والعلماء المعتلقين ومنهم الشيخ العودة. وإذا لم يطلق النظام السعودي سراح مجموعة كاملة من المعتقلين السياسيين إسلاميين وعلمانيين فتكون بالفعل معرة لقادة الدول الغربية المشاركة في القمة لأن حضورهم معناه أنهم يوافقون على السياسات القمعية وهذا سيضرب مصداقيتهم أكثر فأكثر لدى أربعمئة مليون عربي. وأنا آمل أن تبادر السلطات السعودية بإطلاق سراح كل المعتقلين قبل القمة.

موجة ثالثة للربيع العربي

■ قلت لي في مناسبة سابقة إن الثورات العربية مستمرة. لكن ما نراه الآن في الواقع هو أن الاستبداد العربي متواصل. هل ما زال لديك أمل في صحوة مقبلة للشعوب العربية؟
■ أرجع لما كان يقال مثلاً في 2009 في برنامج الاتجاه المعاكس من أن الشعوب العربية انتهت لكن بين عشية وضحاها قامت الثورة. ثم في 2013 عادت الدكتاتورية في مصر وقال البعض إن الربيع العربي مات وصار ما صار في تونس واليمن وسوريا وليبيا. لكن ماذا حصل بعدها؟ انتفاضة في السودان ولبنان والجزائر والعراق. والآن يقولون الشيء نفسه. انتظر وسترى في العشرية الثانية للثورة موجة ثالثة في نفس البلدان وبلدان أخرى. إن المسار قد انطلق وهو يشبه مسار انطلاق المعركة ضد الاستعمار. فهل توقفت تلك المعركة لأنه حصل تعطل في بلد ما. لقد تواصلت إلى أن خرج الاستعمار. نحن الآن في الوضع نفسه. إن الحرب ضد الاستبداد بدأت، هي لن تتوقف إلا بزواله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول امين الجميل:

    تحية من القلب الى رجل الحكمة و العقل من تونس الخضراء. الجزاير تعاني من مرض عضال و عقدة نفسية و عقدة نقص اسمها المغرب. تحسد المغرب على حضارته و تاريخه و عراقته و اصالته، هذه الحضارة الضاربة في اعماق التاريخ منذ 1200 سنة من الادارسة الى الامبراطورية المرابطية و الموحدين و السعديين و بني مرين ثم العلويين. هذا اختصار القصة بكل بساطة. لن يركع المغرب و لن يتنازل عن حبة رمل واحدة و السلام عليكم.

  2. يقول أيوب:

    أين كان هذا المرزوقي حين اندلعت الثورة التونسية وحققت ما حققت حيث تسلق على ظهر التوانسة الذين أوصلوه – رغم قلة عدد الاصوات التي حصل عليها- الى سدة الرئاسة وأصبح الان ينظر الى نفسه وكأنه رجل سياسي ومحنك وأصبح يتكلم في مواضيع لاتعنيه فالشعب الصحراوي حقق ما لم يحققه المرزوقي ولا يمكن أن يتطاول على حقه في الوجود

  3. يقول عبدالكريم رشاشي:

    على السيد المرزوقي أن يراجع الآية الكريمة ( قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِی بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَقَلِیلࣱ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ ۩) ،يضحي بالآلاف من أجل الملايين. سبحان الله. بشر أم سلعة.

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية