لماذا فجّر الهجوم على غزة انتفاضة الجامعات؟

حجم الخط
0

نشاهد حاليا ظاهرة لافتة تتمثّل في الاتساع المتزايد للحراك الطلابي في جامعات العالم رغم تعرض الجامعات والطلاب لضغوط هائلة، تبدأ من قمة الهرم السياسي (مثل تدخلات رؤساء أمريكا وفرنسا وألمانيا، ورؤساء وزراء بريطانيا وغيرها) مرورا بتشريعات الكونغرس الأمريكي بخصوص تشديد تعريف «معاداة السامية» وأشكال الضغط الأخرى في البرلمانات والأحزاب الحاكمة (والمعارضة) الغربية، وصولا إلى التدخّل المباشر، كما حصل في جامعة كولومبيا، مع هجوم قرابة 100 طالب من المؤيدين لإسرائيل على محتجين في مخيم اعتصام.
شهدت هذه الظاهرة تمددا ضمن قوس جغرافي هائل الاتساع من أستراليا واليابان حتى البرازيل مرورا بأوروبا وأمريكا، وكان آخر تطوّر في هذا السياق انضمام مجموعة من أعضاء هيئة تدريس في كلية في نيويورك لمخيم الاعتصام في جامعتهم ومطالبتهم بإنهاء وجود الشرطة في الحرم الجامعي وإلغاء التهم التأديبية ضد الطلاب الذين تم اعتقالهم.
كان هناك شبيه لهذه الواقعة في ألمانيا حيث أرسل نحو 100 محاضر جامعي في جامعاتها رسالة لوزيرة التعليم العالي يستنكرون فيه قمع الشرطة للطلاب، ويطالبون بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، وكان طبيعيا، ضمن هذا الميزان المهتز بين السلطات والطلاب (مدعومين بكثير من الأساتذة) أن تعبّر وزيرة التعليم المذكورة عن «صدمتها» من الرسالة لأنها «لم تتخذ موقفا واضحا مناهضا للكراهية ضد إسرائيل» و«لتحويلها محتلي الجامعات الى ضحايا»!، وهو يشبه ما فعلته وزيرة التعليم البريطانية التي تحدثت، بعد نصب خيام طلابية في أكثر من 12 جامعة في المملكة المتحدة، عن الخوف من أن تصبح الجامعات «أمكنة غير آمنة للطلاب والعاملين» وتبعت ذلك تصريحات لرئيس الوزراء ريشي سوناك يدعو قيادات الجامعات «لحماية الطلاب اليهود» (في تجاهل طبعا لتواجد العديد من الطلاب اليهود مع المحتجين على الحرب).
عكست انتقادات «المجلس المركزي ليهود ألمانيا» للاعتصام في جامعة برلين الحرة نمطا خطيرا من ردود الفعل. لم يشف فضّ الجامعة للاعتصام غليل «المجلس» المذكور فهاجم «عدم تطرق إدارة الجامعة للأساس الأيديولوجي» للاعتصام، معتبرا «كراهية إسرائيل والخلفية المعادية للصهيونية» «جزءا من الحمض النووي لهؤلاء الأشخاص» وهو تذكير بائس بطريقة تفكير النازيين تجاه اليهود أنفسهم (إضافة إلى الأقليات الإثنية والعرقية والبيولوجية والسياسية التي تعرّضت بدورها للمحرقة).
في مقاربة كاشفة، اعتبر أكاديمي أمريكي معروف أن الطلاب المشاركين في الحراك الذي أججته الحرب الإسرائيلية على غزة هم «أساتذة يعلمون الناس ما يفترض بهذه الجامعات أن تفعله وهو التعليم والصقل والارتقاء والتميز الفكري والثقافي والأخلاقي كونهم يخرجون الناس من الجهل إلى الفهم». لا أحد، في تلك الجامعات، على حد رأيه، «يفعل هذا حاليا أكثر من هؤلاء. إنهم يعلّمون أساتذتهم الكبار وإداراتهم. إنهم يعلمون كل المجتمع والحضارة. ليست هذه دروسا في العلوم السياسية والاقتصادية والشؤون الدولية أو التاريخ، برأيه، بل هي دروس تشريح الإمبراطورية الأمريكية، والاستعمار، فاضحين بيولوجيا العنصرية وأهم أورامها: الصهيونية.
قدّمت مجلة «كاونتربنش» اليسارية الأمريكية في مقال لأكاديمي عرضا يشرح الإطار العامّ للأزمة الجارية، ضمن إطار العلاقة الاستتباعية للجامعات الأمريكية بالشركات العسكرية المرتبطة، طبعا، بآلة الحرب الصناعية الإسرائيلية وتزويدها (وهو نمط يكرر نفسه في بلدان أخرى مثل كندا وأستراليا وبريطانيا).
هدف مزاعم «معاداة السامية» ضمن هذا السياق التغطية على قضاء المركّب العسكري ـ السياسي على حرية الجامعات، مما أدى للهيمنة عليها وجعلها مورّدا أساسيا لموظفيها، كما تفعل شركة «لوكهيد مارتن» في حرم الجامعات الأمريكية. فضح مطلب سحب استثمارات الجامعات في إسرائيل، الذي رفعه الطلاب، العلاقات الوثيقة بين الشركات العسكرية، والساسة، وإدارات الجامعات، وهو ما يفسّر الغضب الشديد الذي قوبل الحراك به، من جهة، كما يفسّر، اتساعه رغم القمع، فإلى كشفه علاقة إسرائيل بهذه الشبكة الأخطبوطية من المصالح، فقد كشف أيضا دور الطلاب والأساتذة الخطير في الدفاع عن الديمقراطية والمدنية والحضارة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية