الحقوقية المغربية عائشة ألحيان لـ«القدس العربي»: 22 مناضلة نسائية تلقين تهديدات بسبب رأيهن في إصلاح قانون الأسرة

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط -«القدس العربي»: قالت الناشطة الحقوقية المغربية عائشة ألحيان، إن زميلات لها في “التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة” تعرضن لتهديدات جراء التعبير عن رأيهن في إصلاح قانون الأسرة المغربي، وطالبت بحمايتهن وفتح تحقيق في “تهديد إرهابي” توصلن به عبر البريد الإلكتروني.
وكشفت رسالة موجّهة إلى رئاسة النيابة العامة عن تهديدات تعرضت لها 22 سيدة تنشط في مجال حقوق النساء، وتقاطرت الشكايات على الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، منها الفردية وحتى الجماعية التي تقدمت بها جمعية نسائية حول موضوع “التهديد والوعيد” الذي تعرضت له “مناضلات” عبّرن عن رأيهن في قانون الأسرة.
وأوضحت الحقوقية عائشة ألحيان، المنسقة الوطنية لـ”التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة”، في حديث لـ”القدس العربي”، أن الرسالة المفتوحة التي توجهت بها لرئاسة النيابة العامة “تأتي في إطار تضامن كل الجمعيات النسائية والحقوقية مع المناضلات النسائيات اللواتي استهدفن بالتهديد بالقتل والتصفية هن وأبناؤهن وأفراد عائلاتهن، وهي تعبير عن استيائنا وتنديدنا بهذه الأفعال التي تعتبر جرائم إرهابية يعاقب عليها قانون مكافحة الإرهاب الذي يعتبر الاعتداء عمداً على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو على حرياتهم جريمة إرهابية”.
وأكدت المتحدثة أن “الدولة من خلال مؤسساتها مسؤولة على ضمان سلامة السكان وأمنهم، كما أن الدستور المغربي يحظر المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة، ويمنع أن يعامل الغير معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية”.
وطالبت الناشطة الحقوقية بـ”أخذ التهديدات التي تعرضت لها المناضلات النسائيات بالحزم اللازم لمنع إيذائهن وحماية حياتهن وأمنهن، وكذلك أمن أسرهن، ومتابعة مرتكبي هذه الأفعال وفق ما يقتضيه القانون”. كما دعت إلى “تأمين كل شروط النقاش الهادئ والمثمر بين المواطنات والمواطنات ليس فقط فيما يتعلق بمدونة الأسرة، إنما في كل القضايا الوطنية، ومحاربة كل تجليات العنف ضد النساء في الفضاء العام، وخاصة الفضاء الرقمي الذي أصبح مجالاً خصباً للعنف ضد النساء وتمرير خطابات الكراهية والتمييز ضدهن”، وفق تعبيرها.
وفي الرسالة الموجهة إلى رئاسة النيابة العامة والتي اطلعت عليها “القدس العربي”، عبّرت “التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة” عن استيائها الشديد من “موجة العنف والتهديد التي استهدفت مجموعة من المناضلات النسائيات بسبب آرائهن ومواقفهن الحقوقية، على إثر مساهمتهن في النقاش العمومي حول مراجعة مدونة الأسرة”.
وأوضحت التنسيقية في شكايتها أن هذه التهديدات “لا يخلو منها الفضاء الرقمي وبعض الخطب والتصريحات والفتاوى، التي تحرض على الكراهية وتهدف لترهيب المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وإسكات أصوات النساء والحيلولة دون حقهن في التعبير والانخراط في الاهتمام بقضايا الشأن العام، في تعارض تام مع اختيارات المغرب الرسمية ومع ما ينص عليه الدستور المغربي من حقوق للمواطنات والمواطنين، وما ترسخه القوانين الوطنية وتتضمنه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
واستعرضت التنسيقية تعرض “مناضلات” لكل “أنواع السب والقذف الحاطة من الكرامة الإنسانية للنساء التي نعاينها يومياً على مختلف منصات التواصل الاجتماعي”، والتي لم تكن كافية في نظر ممارسي التعنيف الرقمي، لتتوصل “مجموعة من المناضلات النسائيات برسائل رقمية بتاريخ 28 آذار/مارس 2024 تحمل تهديدات إرهابية خطيرة في حقهن من طرف مجموعة من الأشخاص الذين توعدوهن بالقتل وبالانتقام من أبنائهن وأفراد أسرهن، معتمدين صيغاً ترهيبية تدل على أن هناك ممارسات تجسس وملاحقة لهؤلاء الناشطات الحقوقيات ولذويهن”.
وشددت التنسيقية على أن هذا الواقع “يفرض التدخل العاجل لمؤسسات الدولة من أجل توفير الحماية للنساء المستهدفات، وتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذه التهديدات والتصدي لها وفق مقاربة أمنية وقضائية في مستوى ما تبذله الدولة من خلال رئاسة النيابة العامة من مجهودات في سياق محاربة ظواهر التطرف والكراهية والإرهاب”.
وحسب الشكاية، فإن “هذه التهديدات بالإضافة إلى أنها تمس بأمن وسلامة المناضلات وعائلاتهن وتنتهك الحق في حرية الرأي والتعبير، فإنها تهدد السلم الاجتماعي وتضرب في العمق كل المكتسبات الدستورية والقانونية التي حققتها بلدنا في مجال حقوق الإنسان، وهدفها الحقيقي والمعلن هو تقويض ونسف أسس المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي يعتبر خياراً دستورياً استراتيجياً لا رجعة فيه”.
ولفتت الانتباه إلى أن “الرسائل التي توصلت بها كل المناضلات النسائيات تشكل جرائم إرهابية يعاقب عليها القانون الجنائي”، ومن ثم استحضرت “التنسيقية” النسائية التزامات المغرب الدولية وكذا مقتضيات الدستور التي تجعل من حماية الأشخاص في حياتهم وحرياتهم وسلامتهم النفسية والجسدية من صميم مسؤولية الدولة ومؤسساتها، لتلتمس من رئيس النيابة العامة “اتخاذ كل الإجراءات اللازمة والأبحاث القضائية الضرورية للكشف عن هوية الجناة ومتابعتهم وفق ما يقتضيه القانون، مع ضمان الحماية اللازمة للمناضلات النسائيات ضحايا العنف والإرهاب وكذا أسرهن”.
على صعيد آخر، انتقد عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، بشدة “ما يروج من تسريبات بخصوص مراجعة مدونة الأسرة”، والتي تخص ـ بحسبه ـ “مضامين أغلبها مستقاة من مذكرة قدمتها جهة واحدة”، وقال إنها “مضامين مرفوضة ومناقضة للهوية الإسلامية والثوابت الدستورية والتأطير الملكي والتوجهات الشعبية”.
ووفق البيان الأخير الصادر عن الحزب المعارض، فقد ذكر بن كيران “أننا أحجمنا عن الكلام في الموضوع بعد رفعه إلى النظر السامي لجلالة الملك ودخول الملف مرحلة جديدة”، واستنكر “كون هذه التسريبات في هذا الوقت بالذات يبدو أنها لا تحترم المقام السامي لأمير المؤمنين والذي لا ينبغي أن يمس، كما أنها لا تقدر خطورة مثل هذه التسريبات”، بحسب تعبيره.
وبعد أن نبّه إلى أنه “لا يظن أن هذه التسريبات الموجهة متضمنة في اقتراحات الهيئة المكلفة باقتراح مراجعة مدونة الأسرة، أكد أنه من المفروض أن يفتح تحقيق في هذا الأمر الخطير”، وذكر أنه “سبق وفُتح تحقيق في أقل من هذا عندما كان الحزب في رئاسة الحكومة، لما لمثل هذه التسريبات من خطورة سواء من جهة عدم احترامها لمؤسسات الدولة وعلى رأسها مكانة ومقام الملك أمير المؤمنين، أو من حيث موضوعها وما يمكن أن تثيره من فتنة وتشويش لدى عموم المواطنين”، وفق ما جاء في البيان.
وكانت الهيئة المكلفة بمراجعة قانون الأسرة قد سلّمت رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، تقريراً على هامش استقباله أعضاء الهيئة المكلفة بذلك. ووجّه بدوره التعديلات المقترحة إلى العاهل المغربي محمد السادس، من أجل البت فيها.
وتتمحور معظم النقط الخلافية حول موضوع المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، واقتسام ممتلكات الزوجين بينهما عند الطلاق، فضلاً عن زواج القاصرات أقل من 18 سنة، والمطالبة بمنع تعدد الزوجات بالنسبة للرجال.
وكان ملك المغرب قد أعلن خلال دعوته إلى إصلاح قانون الأسرة، أنه لن يحلل ما حرّم الله، ولن يحرّم ما حلل الله، في إشارة إلى الالتزام بالثوابت المذكورة في القرآن الكريم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية