المجلس الأعلى يرفض محاولات وصم المسلمين في ألمانيا وينتقد ازدواجية المعايير في حرب غزة

علاء جمعة
حجم الخط
0

برلين ـ “القدس العربي”:

أعلن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا رفضه الشديد لصياغة جديدة لفقرة مثيرة للجدل بشأن المسلمين في مسودة البرنامج الأساسي للحزب المسيحي الديمقراطي.

وقال رئيس المجلس أيمن مزيك في تصريحات لصحف شبكة “دويتشلاند” الألمانية الإعلامية الصادرة الأربعاء: “هذه محاولة أخرى من الحزب المسيحي الديمقراطي للاصطياد في المياه العكرة بغرض وصم المسلمين… تبني صياغة تُخاطب جميع الرؤى العالمية والمجتمعات الدينية كانت ستصبح مقبولة إن وجدت، بدلا من استهداف واحدة على وجه الخصوص وتصنيفها بشكل سلبي”، مضيفا أن هذا النهج الانتقائي يخدم تأجيج “الاستياء والقوالب النمطية المعادية للمسلمين، وينأى عن النقاش الأوسع حول ما يسمى بالثقافة الرائدة”.

وقام الحزب المسيحي الديمقراطي بتغيير الصياغة المثيرة للجدل بشأن المسلمين في مسودة برنامجه الأساسي الجديد. وفي الأصل تضمنت مسودة البرنامج العنوان الفرعي التالي: “المسلمون الذين يشاركوننا قيمنا ينتمون إلى ألمانيا”، ثم تم تعديله إلى: “المسلمون جزء من التنوع الديني في ألمانيا ومجتمعنا”، ثم تم إدراج هذه العبارة في الفقرة التالية للعنوان: “الإسلام الذي لا يشاركنا قيمنا ويرفض مجتمعنا الحر لا ينتمي إلى ألمانيا”.

وتمت الموافقة على الصيغة الجديدة من قبل لجنة مختصة بالنظر في المقترحات مطلع هذا الأسبوع. وكانت الصيغة الأصلية أثارت بالفعل انتقادات شديدة، وتحدث زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لارس كلينجبيل، عن إقصاء خطابي لمجموعة سكانية بأكملها.

ويرى مراقبون أن المسودة الجديدة تعكس المسار المختلف الذي يريده رئيس الحزب الحالي فريدريش ميرتس الذي فشل في السابق ثلاث مرات بالوصول إلى المنصب أمام منافسة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. وعقب توليه رئاسة الحزب، تعهد ميرتس بالعودة إلى نهج محافظ تقليدي بعد سنوات من توجه وسطي قادته ميركل إذ يعمل على توجيه الحزب نحو مجموعة من قضايا محددة أبرزها الطاقة والهجرة مع إيلاء اهتمام خاص بالأقلية المسلمة في البلاد.

وخلال حقبتها، تولت ميركل معظم سنوات حكمها للبلاد والتي امتدت لأكثر من 16 عاما في إطار “ائتلاف كبير” مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إلى طيف اليسار الوسط.  وعلى ضوء ذلك تعرضت المستشارة السابقة للسخرية من قبل بعض الأوساط السياسية التي قالت إنها “أضفت نمطا ديمقراطيا اجتماعيا” على الحزب، لكن عقب تولي ميرتس منصبه، تكرر الهجوم على الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

الجدير بالذكر أن عدد المسلمين في ألمانيا يصل إلى أكثر من خمسة ملايين شخص، بيد أن العقبات الهيكلية جعلت إنشاء مؤسسات دينية محلية أمرا صعبا، فيما يرجع ذلك بشكل كبير إلى الاعتماد على أئمة ووعاظ من خارج البلاد، وهذا ما عزز الشكوك حول “وجود نفوذ أجنبي” يقول الحزب الديمقراطي المسيحي إنه يريد وقفه.

ويرى مراقبون أن تحول بوصلة الحزب إلى اليمين تعد محاولة لكسب ود أنصار حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، لكن أصواتا معارضة تقول إن هذا النهج سوف يأتي بنتائج عكسية. وفي هذا الصدد، نقلت مجلة “شتيرن” عن أيمن مزيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، قوله إن “قيام الحزب الديمقراطي المسيحي بمحاولة تكرار نهج حزب “البديل” ليس بالأمر الذكي”، مضيفا “أثبتت التجارب أن الناخبين سيصوتون للحزب صاحب الأفكار الأصلية”.

ويطالب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD) الحكومة المركزية وحكومات الولايات بدراسة وتنفيذ توصيات تقرير لجنة الخبراء الخاصة بمحاربة الإسلاموفوبيا في ألمانيا، وفي مقدمتها ضرورة تعيين مفوض حكومي من أجل تعزيز الحياة الإسلامية في ألمانيا للحد من أوجه التضييق والعداء ضد المسلمين، والتي أقرها التقرير.

وقد سبق للأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين عبد الصمد اليزيدي أن راسل بشأنه الحكومة المركزية وحكومات  الولايات بخصوص تعيين هذا المفوض، لكن الردود كانت متفاوتة من حيث المعاني والمضمون، غير أن ورود التوصية ضمن التقرير، يعتبرها الأمين العام  تعزيزا لما تقدم به المجلس الأعلى للمسلمين ولم يحظ بالاهتمام والقبول اللازم من قبل، مما يفرض على الجهات الحكومية التسريع في تنفيذ هذه التوصية، والتي ستكون مؤشرا واضحا على الالتزام بالتفاعل الإيجابي والعملي مع توصيات ونتائج التقرير، كما أنها تعتبر خطوة أولى في مسالك الحد من الظاهرة التي تهدد أسس التماسك المجتمعي القائم على التعددية والاختلاف في وطننا ألمانيا.

ونظرا لأهمية التقرير في رصده لأوجه الكراهية والعداء ضد المسلمين والرموز الدينية الإسلامية في ألمانيا، والخلاصات التي انتهى إليها، يطالب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بدراسة توصيات هذه اللجنة دراسة معمقة ومن ثم تفعيلها على مستوى الواقع والمؤسسات، ذلك أن حجم انتشار ظاهرة العداء، أصبح مخيفا بشكل كبير، بحيث وصلت إلى أن واحدا من شخصين في ألمانيا يوافق على التصريحات المعادية للمسلمين، والتي تمس بشكل أكبر الفئات الفاعلة في المجتمع المدني بخلفية تعبر عن البعد الديني والقيمي الإسلامي، مما يعكس في واقع الأمر تضييقا على مجال الحريات الدينية.

كما انتقد رئيس المجلس المركزي أيمن مزيك في مقال له في صحيفة تاتس (taz) الألمانية ازدواجية المعايير في حرب غزة. وقال مزيك لقد بات جليا، نظرا إلى تطورات حرب غزة، أن كل الأعمال العسكرية تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي: فهناك مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، والصحفيين، والعاملين في المجال الإنساني، وهناك دمار واسع النطاق في قطاع غزة – بما في ذلك المستشفيات، والمساجد، والكنائس، والمدارس – إضافة إلى التجويع المتعمد للسكان.

لم يسبق أن برز التناقض الكبير بين مبادئ القانون الدولي، والحروب المعاصرة بهذا الشكل الذي يقع يوميا، واستغرق كل هذه الفترة الطويلة. إن لهذا بلا ريب عواقب وخيمة على سلامة العلاقات الدولية، والنظام الدولي.

لقد دمرت القوى العالمية النظام العالمي، الذي أنشأته – إلى حد كبير – بعد الحرب العالمية الثانية، لأسباب عديدة، أبسطها المعايير المزدوجة. إذ تطالب في حالات بالاحترام غير المشروط لحقوق الإنسان، ولكنها تقوم في حالات أخزى بتجاهلها على نحو صارخ.

إن الرسالة التي تبعث بها حرب غزة هي أن المؤسسات، والقواعد، والأعراف التي تقوم عليها السياسة الخارجية القائمة على القيم، والنظام العالمي أصبحت بلا معنى. فنحن نعيش مرحلة السقوط الحر في نظام عالمي باتت فيه سلطة الحكومات، والقناعات الأساسية على المحك. وهذا يغير كل شيء.

إن غزة لم تصبح مقبرة لـ 33 ألف شخص فحسب، بل أصبحت أيضا مقبرة للنظام الدولي.

وهناك الآن شك كبير فيما إذا كان بالإمكان إنشاء نظام عالمي جديد عادل خال من الصراعات، والحروب العالمية واسعة النطاق، علاوة على من سيضع أسسه، وسيتولى تشكيله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية