«الكارثة مستمرة»: مبادرات فنية وثقافية لدعم ضحايا الزلزال في سوريا

حجم الخط
1

في السابع من شباط/فبراير الفائت، أي بعد يوم على وقوع الزلزال الذي راح ضحيته عشرات الآلاف في كل من تركيا وسوريا، كانت رولا سليمان وهي مديرة صالة عرض «زوايا» في العاصمة السورية دمشق، تفكّر بما يمكن أن تقوم به، كفنانة وفاعلة في الشأن الثقافي، في مواجهة الكارثة.
«عشنا ليلة الزلزال 60 ثانية من الخوف، لكنها لا تعادل سوى جزء يسير جداً مما حصل مع سكان حلب واللاذقية وإدلب وطرطوس وغيرها من المحافظات السورية. مجرد تفكيري بأنني ما زلت أتمتع برفاهية وجود سقف فوق رأسي وغطاء يمكنني أن أتدفأ به، دفعني فوراً للتحرك ضمن النطاق الذي أعمل فيه، وهو الفن» تقول سليمان في حديثها لـ«القدس العربي».
من هنا، خرجت فكرة مبادرة «الفن لسوريا» التي تضمنت إقامة معرض ضمن صالة «زوايا» بالتوازي مع إطلاق منصة إلكترونية، والهدف عرض مجموعة من أعمال فنانين وفنانات سوريين وبيعها، على أن تعود كامل الأرباح لدعم المتضررين في أنحاء البلاد. وخلال أيام قليلة، وبعد الإعلان عن المبادرة عبر منصات الصالة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال التواصل الشخصي، وصل عدد المشاركين إلى 58 فنانا وفنانة، مع 74 عملاً منوعاً بين التشكيل والنحت، منها ما هو موقعّ بأسماء بعض من أهم فناني سوريا مثل عبدالله مراد وإدوارد شهدا. ومع انتهاء التحضيرات انطلق المعرض والمنصة في الحادي عشر من فبراير.
تشير سليمان إلى مستوى عالٍ من اللهفة والتضامن لمسته في كل مراحل العمل، ابتداءً من تطوع الفريق لتنظيم المعرض وإنشاء المنصة الإلكترونية خلال أيام قليلة مع انشغال البعض منهم بأعمال تطوعية لإنقاذ المصابين في المحافظات المنكوبة، والعدد الكبير من الطلبات التي تلقتها من الفنانين والفنانات للمشاركة في تقديم الأعمال الفنية للبيع، وبعضهم من غير السوريين، وصولاً إلى شركات الشحن وعمال المطار المياومين، الذين رفضوا الحصول على أي أجر أو رسوم لقاء نقل وشحن الأعمال إلى خارج البلاد، وشبكات الدعم والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وإثر إطلاق المنصة وفي الأيام التالية، بيع العديد من الأعمال الفنية، والتي كانت مطروحة بقيمة أقل من قيمتها الفعلية بهدف تشجيع الناس على الاقتناء والتبرع، وكان هدف الفريق الوصول إلى مبيعات بقيمة 50 مليون ليرة سورية، إلا أن مجمل المبيعات مع انتهاء المعرض وصل إلى 60 مليون ليرة (قرابة 8500 دولار أمريكي) ومعظم المقتنين هم من السوريين المغتربين خارج البلاد. وأشارت مديرة الصالة إلى أن بعض عمليات الشراء لم تكتمل بسبب تعقيدات تتعلق بتحويل الأموال إلى سوريا نتيجة العقوبات المفروضة على البلاد. تقول رولا: «الفن ليس محصوراً بأوقات الرفاهية، رغم أن كثيرين يعتقدون العكس. الفن قادر على فعل الكثير، ورأينا فنانين وفنانات كثيرين من مختلف الأجيال كانوا من أوائل المتبرعين بأعمالهم وهي تمثل جهدهم وتعبهم وكل ما يملكونه، لدعم من خسروا كل شيء» وتشير إلى إمكانية تكرار الفعالية في الفترة المقبلة، خاصة أن حجم الكارثة الحقيقي لم يتكشف بعد تماماً، فهناك تداعيات سنرى تأثيرها خلال الأيام والأسابيع المقبلة وتتعلق بضرورة تأمين المسكن والتعليم وغيرها من الأمور الأساسية للعائلات المتضررة.

مسؤولية مجتمعية

من دمشق أيضاً وفي منتصف فبراير الفائت، أطلقت «دار أطلس للنشر» مبادرة لدعم المتضررين من الزلزال، ونشر القائمون على الدار إعلاناً عبر مواقع التواصل الاجتماعي تضمن أنه «انطلاقاً من مسؤوليتنا المجتمعية، نعلن أننا سنخصص 25% من مبيعات الدار لمساعدة العائلات المتضررة، وسوف نستمر في هذا الإجراء لغاية آخر شهر حزيران/ يونيو 2023».

تتحدث صاحبة دار «أطلس» سمر حداد لـ«القدس العربي» عن «إحساس كبير بالصدمة والعجز خلال الأيام الأولى للكارثة، تبعته تساؤلات عما يمكن لفريق الدار القيام به، فكان قرار إطلاق المبادرة كسعي لتسجيل رد فعل إيجابي على ما حدث، ولإشراك القراء والقارئات وحثّهم على التفاعل والعطاء، وهو جزء من دور دار النشر في نشر الوعي خلال أوقات كهذه». إطلاق المبادرة أعطى نوعاً من الشعور بالراحة لفريق دار أطلس، «فالإنسان يرتاح بالعطاء أثناء الكوارث، وعندما لا يكتفي بأن يكون مجرد آلة، يمارس أعماله الاعتيادية ويقرأ الأخبار دون أي تفاعل إيجابي، ونحن بادرنا بما نتقن فعله، وهو الدعم من خلال الكتب والقراءة». وتشير حداد أيضاً إلى أهمية الفن والثقافة في المرحلة اللاحقة، من خلال فعاليات يمكن أن تقدم الدعم النفسي عن طريق المسرح أو الموسيقى أو الكتابة والقراءة، وهو أمر ضروري اليوم للسوريين جميعاً. تقول: «الأولوية الآن بكل تأكيد هي لتأمين السكن اللائق والحاجات الأساسية للعائلات التي خسرت منازلها، أما في المستقبل القريب فأرى أن الفنون والثقافة يمكن أن تكون مدخلاً كي ننسى الحزن والكارثة ولو قليلاً. اليوم جميعنا بحاجة لدعم نفسي حقيقي، خاصة أن بلدنا منكوب من قبل الزلزال نتيجة سنوات الحرب».

الحاجة للعطاء وتخطي الشعور بالعجز

هذه المبادرات ومشاريع الدعم كانت أيضاً عابرة للحدود وللجنسيات، فمن العاصمة الفرنسية باريس، ومنذ الأيام الأولى للكارثة، اجتمعت الفنانتان السوريتان سارة القنطار وجاد كحالة والفنانة اللبنانية عود نصر، لإطلاق منصة جديدة تحمل اسم «0602» (في إشارة لتاريخ وقوع الزلزال في السادس من فبراير) وهي عبارة عن «مشروع فني يهدف إلى دعم الاستجابة الطارئة عقب الزلزال، من خلال بيع مطبوعات الأعمال الفنية التي تبرع بها عدد من الفنانين في المنطقة، وتخصيص كامل الأرباح لمنظمات محلية موثوقة تعمل في سوريا».
في حديثها لـ«القدس العربي» تشير القنطار إلى أن رغبتهم الكبيرة بمساعدة من هم داخل سوريا، وإتاحة المجال للفنانين عبر العالم للتبرع، دون الاكتفاء بطلب التبرعات من الناس، هو ما دفعهم للاجتماع والتفكير على الفور في هذه المنصة التي كان لا بد من إنشائها بشكل افتراضي، للوصول لجمهور أوسع، سواء من الفنانين أو المقتنين، دون أن يقتصر الأمر على مكان إقامتهم في فرنسا، وكذلك التركيز على فكرة بيع المطبوعات لأعمال تنتمي لفن التصوير والرسوم التوضيحية Illustration art، بهدف بيع أكبر عدد ممكن من الطبعات، وتسهيل وتسريع الوصول والتوزيع. «شعرنا للحظة بأن كل ما نملكه من معارف وقدرات على الوصول، لا بد من أن نوظفه بأفضل صورة ممكنة. إلى جانب ذلك، أعتقد أننا جميعاً كنا نشعر بالعجز ممزوجاً بالذنب، والحاجة للتخلص من هذا الإحساس الذي يتفاقم خلال فترات الكوارث كهذه، من خلال التضامن وعدم التخلي عن الناس حتى لو كنا في قارّة أخرى» تضيف الفنانة. خلال الأيام والأسابيع التالية لاقت منصة «0602» إقبالاً كبيراً وفق ما تقوله القنطار، إذ إن الفريق الذي تواصل مبدأياً مع خمسين فناناً وفنانة تلقى طلبات من سبعين آخرين للمشاركة والتبرع، وهو أمر فاق أحياناً قدرة الفنانات الثلاث على الرد على كل الرسائل إلى جانب تجهيز الطلبات وطباعتها وتغليفها وشحنها، مع تلقيهن أيضاً طلبات يومية للشراء من الجمهور «أعطانا كل هذا بعضاً من الأمل، بأن الناس فعلاً يرغبون بمساعدة بعضهم بعضا. نحضّر الآن كذلك لفعالية فنية نهاية آذار/مارس في باريس، ستتضمن معرضاً فنياً خاصاً بالمشروع وأنشطة أخرى للتضامن مع ضحايا ومتضرري الزلزال».
ترى القنطار، وفريق المنصة أن المبادرات الفنية خلال الكوارث، رغم أنها تبدو غير ذات أولوية أمام احتياجات أكثر إلحاحاً كالإنقاذ والإغاثة، إلا أنها تخلق فرصة للفنانين كمجتمع للمساهمة والمساعدة بما يملكون، وتجاوز أي شعور بالعجز أمام هذه الظروف الصعبة، بطريقة فعالة ومجدية.
وإلى جانب هذه الفعاليات، شهدت الأسابيع الفائتة إطلاق العديد من المبادرات الفنية والثقافية الداعمة لضحايا الزلزال، فأعلنت صالة «تجليات» للفن التشكيلي في دمشق بالتعاون مع الفنان بطرس المعري، عرض بعض لوحاته للبيع بنصف القيمة مع تخصيص ريعها كاملاً للمتضررين في المحافظات السورية. كما طرح العديد من الفنانين والفنانات داخل سوريا وخارجها عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات من أعمالهم للبيع مع التبرع بكامل قيمتها للمتضررين من الكارثة أو لمنظمات تعمل على إغاثتهم، ومنهم الفنانة سارة خياط والفنانة ريما الزعبي وغيرهم. ولم يقتصر الأمر على السوريين إذ أعلن فنانون عرب وأجانب أيضاً عن مساندتهم لهذه المبادرات والتبرع ببعض أعمالهم لتكون جزءاً منها.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلي محمد من المملكة المغربية:

    هل تسمحون لنا باالدخول لعالم التشكيل المليئ بالصور المختلفة ومن جميع جوانبها المتميزة التي لاتشيب ولايمكن لكي نضع بعض الحروف رقيقة جد ا سمحثم شكرا التشكيل في خدمة لانسان التشكيل ا لتسلية والمتعة فا سيظل يلد مادام هد ا الوجود ونقول أيضا مادام المصابون أي الدين أصيبوا بسهام من كنانته فهو لايخطئ الرمي واسع العيون صحيح المحنة كبيرة وبروح عالية أهدى التشكيل لوحاته المتميزة فهو واحد من صور الفن المتميزة جد ا فاتحية أحترام لريشة المتميزة ومن الجنس الثاني كدالك .

إشترك في قائمتنا البريدية