التعبير الحسي والرؤية البصرية في لوحات التشكيلي السوري إبراهيم حميد

لوحات تجسد بصدق نبض التشكيلي السوري إبراهيم حميد وتفاعلاته الحسية مع مختلف المظاهر المؤثرة أثناء إقامته في دولة الإمارات العربية المتحدة. فكل عمل فني يكشف أحداثا معينة ويبوح بقصص ذات معان سامية تنبع من أحاسيسه وتلامس قيم الأخلاق والفضيلة والحب. لقد صوّر بعشق الفنان وقلب المبدع التراث والطبيعة ومختلف المناظر الخلابة التي تزخر بها الإمارات العربية المتحدة، ووثق فنيا وتشكيليا لحظات متنوعة من حياة المجتمع الإماراتي وثقافته، فاعتمد في تشخيص ذلك على بعض الأشكال من الوسائط الفنية كوحدات بنائية لتثبيت الفضاء، الذي يقوم على العلامات والألوان المباشرة، ليُنتج المعنى القيمي المفعم بالدلالات العميقة، إذ وفر لذلك جملة من المواد برؤيته المخالفة للمعتاد، عن طريق إنشاء نظام شكلي يخترق الخامات التي تتداخل فيها الأشكال والعلامات والشخوصات الانطباعية المثبتة بتقنية عالية، بتوليف وانسجام بين كل المفردات الفنية والعناصر البنائية. إنه تطبيق عملي تم تنفيذه وفق رؤى جمالية، تتيح للبناء البصري صياغة تصورات تتفاعل مع المضامين وتستنطق المخزونات الإبداعية. إنه أسلوب ممنهج يختزل أشكالا من الحياة اليومية، وأشكالا من الفسحات التي ترتبط بالطبيعة والصقور ومظاهر العمران في أبعادها التراثية والحضارية. وهو بذلك يصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف الوسائط التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية. ليُشغل كل المساحة دون حدود للمكان، لكن القيمة الزمنية حاضرةٌ، تؤكدها حركية العناصر المكونة لأعماله والمتناغمة في ما بينها، وهي ترتكز على مسلك فني تعبيري نابع من الوجدان، يمتح مقوماته من الانفعال الباطني؛ حيث تتبدى أعماله وصفا يُعّبر عن معان نفسية وذهنية، ويؤكد ذلك انزياحه أحيانا نحو الانطباع برؤية تعبيرية، فيصنع شخوصات أو وجوها ذات ملامح فنية، يصيغها في اللون والشكل والخامة، فينسج منها المادة التعبيرية. ثم يشكل منها مواد رمزية وعلاماتية ذات دلالات، فيعمد إلى روابط علائقية يكثف بها الفضاء، ليفصح عن التراكمات المعرفية والثقافية والحضارية التي شكلت له عشقا وحبا في المكان والزمان. وبها يُؤصّل لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات المعنى المشترك بين المظاهر الواقعية التي حملها قلبه، وبين الخصائص الفنية التي قد يتفاعل معها القارئ.

إن جمال هذا الإيحاء في عمقه التشكيلي، يتجه نحو بلورة العملية الإبداعية، وفق أبعاد فنية جديدة، وأسلوب تشكيلي معاصر في التعبير، فالمبدع يجول بالقارئ في عمق الصورة التعبيرية بصيغ دلالية متعددة الجماليات تحكمها أنساق فنية متلائمة ومنسجمة مع كل العناصر التكوينية، تطاوع الحس الداخلي للمبدع، وتصوراته التي يحملها اللون والشكل وطريقة التوظيف، في سياق توليفي يمتزج فيه التعبير عن مظاهر الواقع والتعبير الحسي والتعبير بالرؤية البصرية، ما شكل مجالا خصبا قابلا للقراءة، في نطاق فني مفاهيمي قائم على إشراك القارئ في حيثيات المادة الفنية، وتبئير الشكل المنفتح على المحيط المجتمعي والواقع الطبيعي والسوسيو ثقافي، واستعمال الأشكال الفنية الجديدة في كل ما يخص إنجاز العمل الفني، وفق منظور ثقافي وحضاري مفعم بالقوة التعبيرية، ما يصل بأعمال إبراهيم حميد إلى متعة قرائية ودلالية أخرى جديرة بالتقدير.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية