التخادم مع إسرائيل خيانة للإنسانية قبل غيرها!

وصف مسؤول عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة مارتين غريفيث الحرب الإسرائيلية على غزة أنها خيانة للإنسانية، فكيف نصف حالة بعض العرب المستميتين للتطبيع مع إسرائيل سرا وعلانية، في ذروة الاستباحة لكل ما هو إنساني وأخلاقي؟
غزة تحترق، ويباد شعبها، والضفة تنفجر، وضمائر الأحرار في العالم تصرخ بوجه الوحشية الإسرائيلية، التي تفوقت على النازية، كل هذا يجري ، مع سبق الإصرار والترصد، ومازال هذا الصنف من العرب المصاب بالانفصام الشامل، يراهن على التطبيع، وكأن ما يحصل هو مجرد سحابة صيف!

أمريكا ليست قدرا

من غير الوارد أن تترك أمريكا الشرق الأوسط ، ساحة مفتوحة لخصومها ومنافسيها الكبار على مستوى العالم، ففوضتها “الخلاقة” التي بثتها فيه، ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتبناه، كلها سياسات تشي بممهدات لهندسة استراتيجية جديدة، وواسعة بكبر الشرق الأوسط الذي تبتغيه، والطافحة معالمه من حدود الصين حتى موريتانيا، حيث تسعى ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وحلف وارسو إلى تحصين تفردها الأحادي القطبية بسياسة تقيها النمو المتوقع لأقطاب بعينها، تزاحمها، وتهدد نجمها بالأفول، تحديدا الصين وروسيا، وعليه فإن تعزيز نفوذها على العالم القديم، أوروبا وآسيا وافريقيا، يقع في لب سياستها، وفي المركز من كل ذلك ، الشرق الأوسط ، قلب هذا العالم ، وملتقى شرايينه، وتلاطم مصالحه ، وصراعاته الإقليمية والكونية.
سياسة الإجهاض والمحاصرة الأمريكية بوجه الصين وروسيا سائرة على قدم وساق، والأدوات الضامنة متوفرة أمنيا واقتصاديا، في ساحة أوروبا ، قيادتها لحلف الناتو الذي يذلل مشكلات التنافر الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة لشرق وجنوب شرق آسيا فهي تسعى لإجهاض التفرد الصيني بالنفوذ فيه، ومحاصرته وقطع الطريق على تمدده، وخاصة في الشرق الأوسط، حيث احتياطات الطاقة العالمية، التي تمثل غطاء لهيمنة الدولار كعملة احتياطية للاقتصاد العالمي، والذي يعد السبب الوحيد المتبقي لعملتها كمعادل، البترودولار، هذا إضافة إلى اعتماد تحالفات إقليمية كجدار صد ، فتحالف أمني وعسكري هنا، تقابله شراكة اقتصادية هناك ، كوريا الجنوبية وأستراليا واليابان، والنمور الآسيوية والهند ، أما في الشرق الأوسط فهناك التواجد الأمريكي المباشر في الخليج وهناك إسرائيل، وحتى تتجسر القواعد وتتكامل فلابُد من التطبيع، وتسوية القضية الفلسطينية بطريقة ترضي إسرائيل، وتجر الفلسطينيين اليها بعد ترويضهم، وتجريف مقاومتهم، وبعبع إيران خير المحفزين!

طريق الربط الكبير

حاولت الصين تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، ونجحت بحدود دبلوماسية مقبولة، ومن هنا يأتي، الربط البديل، بين الهند الجارة اللدود للصين مع الخليج وإسرائيل نحو أوروبا لعرقلة الربط الصيني المقبل!
تقدر التكلفة الإجمالية لطريق الربط الكبير من الهند الى إسرائيل عبر الخليج، بنحو مئة مليار دولار، ليشمل ربط سككي مواز للطريق البري، ومد لأنابيب، وموصلات الطاقة، بما فيها الهيدروجين، وكابلات لنقل البيانات، بحرا وبرا، من الهند إلى أوروبا، عبر شبه جزيرة العرب وسواحل إسرائيل!
الدافع الامريكي الأكبر، للإسراع بتنفيذ مذكرة التفاهم، التي وقعت في قمة العشرين في نيودلهي، عرقلة المشروع الصيني، الحزام والطريق، إضافة الى إقامة حلف إقليمي أمني واقتصادي بوجه التحديات الأمنية التي تشعلها القوى المناوئة!
جر العرب وإغراؤهم ، بالثمار الوفيرة ، لقاء اندماجهم الكلي بالمشروع الصهيوني، من خلال وضع بيضهم في سلته، سيجعلهم يتخندقون بمحور لا يخدم سوى أصحابه، وبقصد أو دونه ، سيكونون بمواجهة مع أبناء جلدتهم، لأن إسرائيل غير مستعدة لمجرد قبول فكرة الانصياع للقوانين الدولية، التي تقر بحق الشعب الفلسطيني، بإقامة دولته المستقلة، في الضفة ، والقطاع ، وعاصمتها القدس الشرقية، ناهيك عن حق العودة للاجئين ، وهي مازالت تحتل الجولان السوري، وأرضا من لبنان ، وهي تَسخر من مشروع السلام العربي، الذي تبنته القمم العربية ، إن السير ، خلف وعود ناكري الوعود هو خطيئة ، لا تجلب لأصحابها إلا الخسران ؟
باسم الانفتاح والتطبيع والسلام والازدهار ، تجري محاولات ، دمج إسرائيل في بنية ، ونسيج البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية ، لشعوب ، ودول المنطقة ، من خليجها إلى محيطها ، المفارقة أن المتحمسين من العرب لهذا التطبيع ، يدركون قبل غيرهم ، أن هناك حسابا يجب تصفيته مع إسرائيل ، قبل فتح حساب جديد معها، عليه يجب أن تسدد إسرائيل فواتيرها القديمة، كي يكون التطبيع سليما وشفافا، وبالتالي تكون الصفقة ناجحة، لكل الأطراف ، وهم يعرفون أن إسرائيل لا تريد أن تتحاسب ، فما دوافع الهرولة اذن ، إذا كانوا هم من سيتحملون نفقات الربح ، والخسارة ، وما ستجنيه هذه الدول بربط نفسها بكيان منبوذ ، إلا من الغرب الذي أوجده ، وكيف تتم حماية هذا الطريق العابر للحدود من الناقمين المحليين، وهم كثرُ؟
للدقة هي ضغوط أمريكية حثيثة، باتجاه التقارب، ومن ثم التكامل السياسي والأمني، مع إسرائيل، أما الدوافع الذاتية ، فهي قاصرة ، وتكاد تكون مسيرة ، فالربط الاقتصادي مصطنع ، وحصيلة تجربة التطبيع المستقرة نسبيا ، بين مصر والأردن وإسرائيل ، تؤكد ما ذهبنا إليه ، حيث بقي التطبيع رسميا ، وتحديدا أمنيا ، أما الباقي فهو هزيل !

من الأدرى بشعابه؟

يطالب دينيس آفي ليبكين في كتابه ” العودة الى مكة ” باستكمال إقامة مملكة داوود، لأن إسرائيل الكبرى ، حسب ليبكين ، ليست كما هو متداول في سطح السردية الصهيونية الدينية، من النيل للفرات، وإنما جنوبا أيضا إلى حيث الحجاز ، من تبوك الى مكة ، ويدعو لتوحد اليهود مع المسيحيين لاسترداد الإرث اليهودي الممتد في عمق الحجاز!
قد يخرج علينا مؤرخ او مستشار استخباري صهيوني آخر ، يطالب باستعادة الحقوق التاريخية لليهود في أرض سبأ في اليمن ، بعد أن يكون قد استعاد ، ارث بني قريظة والقينقاع ، وبعد أن استعاد التعويضات المناسبة عن اقتحام حصن خيبر!!
المطبعون، يسهلون مهمة الفكر التوسعي، والإحلالي الصهيوني، ويفتحون شهيته لمزيد من براح التوسع، الذي يستهدف إضعاف المناعة النفسية والفكرية والأخلاقية لمجتمعاتنا، وبالتالي تغذيتها بفايروسات عدمية، يمكن برمجتها، حسب الحاجة !
إضعاف وإسقاط خط الدفاع الأول، والذي يتجسد بالمشروع الوطني الفلسطيني، لصالح مشروع صهينة القدس، وضم الأراضي الفلسطينية والعربية، سيجعل الطريق سالكة أمام التغلغل الصهيوني، لكل مناحي الشرق الأوسط ، وستتواصل فتن الفوضى الخلاقة ، التي ستكون حتما بيئة طاردة لأي ازدهار حقيقي لشعوب المنطقة بأسرها ، غنيها وفقيرها!

كاتب من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية