عشت وعملت ودرست في عدن، سنوات 82 ـ 1987، كانت وقتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ملاذا لكل الذين لا ملاذ لهم، من ثوريين وقوميين ويساريين ومن كل أوصال العالم العربي، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، فدائيون يتدربون ويعسكرون ، مدرسون وطلبة، من غزة والضفة والشتات، عدن قلعة للفلسطينيين، والعراقيين، والسودانيين، والمصريين، والصوماليين.

سلالة واحدة

كانت عدن تجمعنا، وكأننا من سلالة واحدة، هي حركة القوميين العرب، واليساريين العرب، هذه الحركة الولادة، ومن حيث ندري أو لا ندري، هي صيرورة، قلبها فلسطين، كيف لا، وجذورها تعود، لتداعيات النكبة العربية، في فلسطين، هي رد فعل على فشل الأنظمة العربية في التعاطي مع المشروع الصهيوني الذي لا حدود لسرطانه، عدن حضن طيب ونقي، لأبناء الرعيل الأول والثاني، لحركة الحكيم جورج حبش، ووديع حداد، وباسل الكبيسي، ومحسن إبراهيم، وقحطان الشعبي، وعبد الفتاح إسماعيل، وعلي ناصر محمد .
عدن كانت درعا للجبهة الشعبية والديمقراطية، وفتح بكل رموزها، كانت مركزا فكريا وثقافيا لكل المغضوب عليهم من مبدعي المشرق والمغرب العربي، كانت بيتا مشرع الأبواب لمنظمة التحرير الفلسطينية وكان سفير فلسطين فيها، عباس زكي عميدا للسفراء.
عدن ملتقى حسين مروة، وسعدي يوسف، وأدونيس، ومحمود درويش، والجواهري، ومهدي العامل، ومحمود أمين العالم ، وأحمد فؤاد نجم .
عدن هي عاصمة البردوني وعبد العزيز المقالح، وأحمد فتحي، وأبو بكر سالم بالفقيه وعبد الله عبد الوهاب نعمان، وأيوب طارش، مثلما هي صنعاء عاصمة البلاد كل البلاد.
الإيمان يمان والحكمة يمانية، وصنعاء شقيقة عدن شاء من شاء وأبى من أبى، إذن لابد من صنعاء، لابد من عدن، لبلقيس تاج دوار كالزمن، لا يزن ميزانه ، إلا ذي يزن.

عطر فلسطين

صنعاء كذلك، كانت فاتحة ذراعيها لأبوعمار وجنده، كانت دارا ومدارا، كان ينعش صدرها عطر فلسطين، واليوم، صنعاء، تقف لغزة وقفة الواثق الذي يمشي ملكا، صنعاء تتعافى بنصرتها لغزة، صنعاء تنتصر لإيمانها وحكمتها، تنتصر لعزها، صنعاء هزت العالم وأعطته درسا أخلاقيا لن ينسى!
كائن من كان، حوثيا كان، جمهوريا كان، إصلاحيا كان، صنعانيا كان، عدنيا كان، حضرميا كان، اشتراكيا كان، أو بعثيا كان، المهم أنه يماني يتسق مع يمانيته ، ولو لبرهة فاصلة في زمن عزت فيه الفواصل، ويقف وقفة ذات تأثير استثنائي ، ليتجاوز ضيق النفوس بوثبة، تدغم العام بالخاص، وتطهر الحال من الأوحال !

عدن ليست أبو ظبي

ماذا جرى لعدن، ما أبعد اليوم عن البارحة، إنها ليست عدن التي عرفناها ونعرفها، أين رددي أيتها الدنيا نشيدي، ردديه وأعيدي وأعيدي . . . عشت إيماني وحبي أمميا، ومسيري فوق دربي عربيا، وسيبقى نبض قلبي يمنيا، لن ترى الدنيا على أرضي وصيا، رددي أيتها الدنيا نشيدي، ردديه وأعيدي وأعيدي ؟
الذي جرى، ويجري، أن أبوظبي تريد فرض نشيد آخر لا تستسيغه عدن، نشيد التسيد على أرض لا تقبل غير السيادة منذ الأزل، عدن ليست للبيع.
كيف يمنع أهل عدن من مناصرة أهل غزة ، ولو بمظاهرات تضامن، كما هو المنع في أبو ظبي، خوفا على مشاعر قتلة أطفال ونساء غزة ؟
أبو ظبي تفرض وصايتها على عدن، أي زمن أغبر هذا؟
أبو ظبي تريد تحويل عدن إلى ملحق من ملاحقها الملاحية، حول شبه جزيرة العرب، وتريد ضم سقطرى لخطوط بحريتها التوسعية، ويبدو أنها معجبة بأساليب الصهاينة في التوسع غير المشروع، أي تطاول وتجاسر هذا ؟
لم يكن الرئيس اليمني الأسبق، علي عبدالله صالح، من أتباع إيران أو من القرصان، وكان يقف كتفا لكتف مع قيادات المقاومة الفلسطينية، ونضالها ضد الصهيونية، لأنه سلوك طبيعي، هو شيمة قومية، وإيمانية مسلم بها، والذين يعملون عكسها دوافعهم شائنة مهما زينوها، وحتما ستحوم حولهم الشكوك.
جبال عيبان وشمسان ، تُذكر فاقدي الذاكرة ، بما جرى للريح، ومهما حصل، ويحصل.
ما يهزك ريح يا هذا الجبل، وبمعزل عن العناوين الفرعية، شعب اليمن هو ذاك الجبل الأشم، قد تربشه سموم الريح، لكنها ومهما حصل ، لن تزحزحه !
الهاشمي، قد قالها يوما: هذه مشكلة، وحلها بحب اليمن لا بد أن يكون ، شعبك بطل والطريق بأوله ، الأصل مصون، والمغشوش مركون !
ستحكم الحكمة طال أو قصر الزمن ، ووقتها سنعارض قصيدة عبدالله البردوني ، بقصيدة يكتبها وضاح جديد، حيث لن يكون هناك ، يمانيون في المنفى، ومنفيون في اليمن، ولا جنوبيون في صنعاء، وشماليون في عدن.
غزة تجمعنا كما جمعتنا عدن .

كاتب عراقي