مذمة نتنياهو للجزيرة شهادة لها

كل الاعتذار لأبو الطيب المتنبي، عن التصرف بما ننقله عنه، وهو بيّنٌ بيانُ شعره، مضربا للأمثال، تتناقله الشفاه قياساً، ووصلاً بحكمة تسري في الأجيال، وإذا أتتكَ مذمتي من “كاذبٍ” فهي الشهادة لي بأني “صادقُ” !
قال بنيامين نتنياهو: لقد آن الأوان لطرد بوق حماس من دولتنا، قناة الإرهاب الجزيرة لن تبث بعد اليوم في إسرائيل، الجزيرة ألحقت ضررا بأمن إسرائيل ، وشاركت على نحو نشط في مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول ، وحرضت ضد جنود الجيش الإسرائيلي .

أمن الدولة

بدفع من نتنياهو شخصيا وبتطبيل من وزراء حكومته الموتورة، صادق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 71 نائبا مقابل عشرة نواب معارضين، وبالقراءات الثلاث على “قانون الجزيرة” الذي يسمح بمنع أي قناة أجنبية من العمل داخل إسرائيل، تضر بأمن الدولة، وحسب هذا القانون فإنه يحق لوزير الاتصالات بعد موافقة رئيس الوزراء بإصدار تعليمات لإيقاف بث القناة المعنية ، وإغلاق مكاتبها ، وحجب موقعها على الإنترنيت، ومصادرة أجهزة تزويد محتويات القناة الأجنبية، لمدة 45 يوما قابلة للتجديد !
الجزيرة فندت من خلال بيان لها مزاعم نتنياهو، وأكاذيبه وإفتراءاته، الخطيرة والمثيرة للسخرية، والتي يريد بها إسكات الأصوات الحرة، وتكميم الأفواه ، وحذرت من مغبة التعرض لأطقم عملها ومنشآتها داخل إسرائيل وخارجها، وشددت على مواصلة نهجها المهني ودفاعها عن حقوقها القانونية !
كان نتنياهو من المحرضين على التخلص من إسحاق رابين وتصفيته، فقط لأنه لا يتفق مع سياسته التي اتسمت بالاعتدال، وبعد عملية اغتيال رابين، تظاهر بالتأثر والأسف على فقدان من كان يقف بطريق صعوده.
هذا هو نتنياهو، لا يحسن غير اللعب على حبال التناقضات واختلاق الصراعات، التي تخدم تسيده على مسرح الحكم، انتهازية سياسية طافحة تضمر نرجسية غير مألوفة، وأشد ما يزعجه تعقب وكشف ما يتستر عليه من تآمر وفساد، وما أسلوبه الملتوي بالتسريبات للإيقاع بالمتصيدين أو المنافسين إلا عينة من عينات قدراته الفائقة على التلفيق، وإذا كان بهذه الروح يتعاطى مع رفاقه من بني إسرائيل فكيف سيكون تعاطيه مع الآخرين وبالتحديد الباحثين عن الحقيقة، وبكل موضوعية ومهنية تقرها القوانين السارية، ومادام هناك نزاع فلابد من وسائط لتفسيره وهذا حق وواجب تتوافق عليه شرائع الأمم وبعكسه ستسود شريعة الغاب النتنياهوية !

الرأي الآخر

كانت تغطية الجزيرة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول وأفغانستان ثم السطوع المتفوق لتغطية مجريات احتلال العراق، باكورة تجليها وانطلاقتها المجسدة للقدرة على تجاوز الذات نحو العالمية، وقد نجحت في عبور تحديات الحجوم ، والضغوط ، والابتزاز ، وتبلورت لها مصداقية يبرهنها حضور الرأي والرأي الآخر، والانحياز للحقيقة المجسدة بالصوت والصورة من ميدان الحدث أينما كان ، والملفت أنها حاضرة وإن غاب الآخرون ، من تورا بورا إلى كابل والبصرة وبغداد والفلوجة إلى ضاحية بيروت والقدس وغزة وإلى كل مكان يريد التعبير عن نفسه، حتى في أوج المناوشات القاتلة بين المقاومين والمحتلين، كانت الجزيرة صوت الذين لا صوت لهم ، وعندما انزعج العم سام من هذا الكشاف الفاضح ، وتحديدا بعيد احتلال العراق، أراد بوش وبلير إسكاتها لكنها صمدت لأنها تمسكت بما يتمسح به بوش الصغير وتابعه بلير، من قوانين حرية التعبير وحرية الصحافة ، وهي تفعل ذلك مع غزة التي عزلها نتنياهو عن العالم لينفرد بها قتلا وتدميرا، لكن الجزيرة لم تغب صارت عينا للعالم في غزة وعين الغزيين للعالم !

الصحافة الأجنبية

مع بداية حربها على غزة منعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أي تواجد للصحافة الأجنبية داخل القطاع ، لتكون هي المصدر الوحيد المورد للخبر من داخل غزة ، وراح إعلامها العسكري يبرمج ما يريد من أخبار مزيفة لينقلها الناقلون للعالم، وهو يعلم أن للجزيرة حضورا في غزة ، لذلك استهدف مراسليها ومصوريها وعوائلهم ، على أمل في تعجيزها أو تقليص حضورها لكن رياح الجزيرة تسير بما لا تشتهي سفن نتنياهو ، قتلت إسرائيل العشرات من الصحافيين والمصورين والمراسلين وأفراد من عوائلهم وبملاحقة متعمدة لإسكات صوتهم ، وكانت لأطقم الجزيرة حصة كبيرة من هذه العمليات الجبانة ، لكن الصوت باق ما بقيت روح في غزة ، فإن جرح وائل الدحدوح هناك غيره، وإن استشهد حمزة الدحدوح هناك من يتلقف رايته، وإن ارتقت روح سامر أبو دقة هناك من يتلقف كاميرته، رايته، ففي الجزيرة لكل أهل غزة رايات !

الخوف من الحقيقة

حسب إسرائيل، كل من لا يتفق مع مصالحها هو مذنب ، وكل منتقد لها هو عدو ، وكل ناصح لها هو جاهل ، وكل مقاطع لها هو مارق ، وكل مدافع عن نفسه أمامها إرهابي لا يستحق الحياة ، هي ترى في نفسها استثناء لا ينطبق عليه ما ينطبق على الآخرين ، وهنا عقدة العقد، خلطة تلفيقية والتي تبرر ما لا يبرر بشريعة بني البشر، لكن بني إسرائيل ليسوا من البشر العاديين، فالتفوق وإن كان دونيا يصير كبضاعة رواجها يمنح المتصهين سيطرة ما بعدها سيطرة، وارتباطه بإغراء المال وهيمنته عند أصحاب القرار يشكل رخصة لتمرير المحرمات حيث لا خطوط حمراء.
الأونروا مذنبة، والأمم المتحدة جاهلة، ومحكمة العدل الدولية غير مؤهلة، وجنوب افريقيا مذنبة بالاستعاضة، والفلسطينيون ليسوا بشرا، أما الجزيرة ثلة من الإرهابيين، لأنها لا تقر باستثنائية إسرائيل، وبالتالي فالجزيرة مستبعدة من التبرك ببركات أرض الميعاد !
حسب الجزيرة لا صوت يعلو فوق صوت الحقيقة التي تتردد بالصوت والصورة المباشرة ، ومن دون رتوش.

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية