حارس الازدهار ولعبة الحامي والحرامي

كأن الذي يختار أسماء العمليات، والضربات، والغزوات، وحتى الأحلاف العسكرية الامريكية حول العالم ، مهووس بعناوين أفلام ، الأكشن الهوليودية ، وخاصة النمطية ، مثل البطولات الخارقة للعسكرية الأمريكية في البر والبحر والجو ، وفي الفضاء، حيث ستارترك ، ومن ثم الاستغراق بخيالات حرب النجوم الريغانية ، ففي الكثير من هذه العناوين ، والأسماء ، صور يعكس مزاجها ثقافة رجل الكاوبوي ، البطل الذي يغامر من أجل الفضيلة ، ويزيح من طريقه الهنود الحمر ، سكان أمريكا الأصليين، ثم تتوالى أفلام عولمته الموشومة بروح النورماندي، ورامبو ، والمحرر في فيتنام وأفغانستان والعراق !

عملية الثعبان

عملية الثعبان القوطي عام 1993 في مقاديشو، عملية المحارب اليقظ في العراق 1994 ، عملية حارسة الحرية في أفغانستان منذ 1914 حتى 2021 ، وقبلها كان اسم عملية احتلال أفغانستان 2001 حتى 2014 ، عملية الحرية الدائمة ، عملية تحرير العراق عام 2003 ، عملية الحامي الموحد في ليبيا عام 2011 ، وتعددت التسميات ، من عاصفة الصحراء ، إلى درعها ، إلى درع المحيط . . . الى حارس الازدهار في البحر الأحمر.
هل هناك حقا ازدهار في البحر الاحمر ليحرسوه ؟ أم يقصدون ازدهارا لسيطرتهم ولصوصيتهم ، وخنقا لمن يعترض على قسمتهم غير العادلة للازدهار، حيث الدعم المطلق لكيان غاصب قاتل، ازدهار الاستبداد ، والقوة الغاشمة ، والإخضاع بالحصار ، والتقتيل ، والتجويع ، إن أكثرية دول البحر الأحمر، بل أكثرية دول الشرق الأوسط تعاني من الفقر ، والديون ، والنزاعات ، وعدم الاستقرار، والمستفيد الأول والأخير ، أمريكا والغرب ، وإسرائيل ، من غزة حتى الصومال مرورا بالأردن ومصر والسودان وأرتيريا واليمن، كلها بلدان مفخخة ، ومرشحة للانفجار ، حمدا لله هناك استقرار نوعي في السعودية، ونتمنى أن يصمد بوجه ما يحاك من خلف الستار للنيل منه بواسطة تأجيج سياسة المحاور والاستقطاب التي تستفز النعرات وتهيج الحساسيات ، فالحكمة تقتضي التوازن وبمثله عدم الانجرار وراء الأهداف السرابية ، التي يراد منها جعل إسرائيل قائدة لمسارات المنطقة ، بدعم من راعيتها الرسمية أمريكا ، وذلك بالدوس على الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ، والتنازل عن الأراضي العربية المحتلة ، والاستهانة بالمشاعر العربية والإسلامية ، وهنا سوف ينقلب الموقف ، وسيتزعزع الاستقرار ، حتى النسبي منه ، في عموم دول الشرق الأوسط ، بما فيها دول الخليج ، ناهيك عن لبنان وسوريا والعراق ، واليمن ، بالإضافة إلى مصر والاردن الدولتين المطبعتين كليا مع إسرائيل!

الحقوق الدولية

من يرعى عمليات إبادة جماعية لشعب أصيل من شعوب المنطقة ، ويحمي كيانا مارقا من أي محاسبة مستحقة دوليا، لا يحق له تقديم نفسه كحارس للحقوق الدولية، وحامي حمى شرعيتها، إسرائيل تدوس على القانون الدولي ولا تحترم أي قرار من قرارات منظمة الأمم المتحدة ، وهي تنكل بها وتتنمر على رموزها ، وأمريكا تتغافل، إسرائيل تلميذة لها، وهي تقلد أفعالها ، إنها تحتل وتضم الأرض، وتمارس سياسة الفصل العنصري بأبشع صوره ، وتنتهك ، وعلى مدار الساعة كل مبادئ حقوق الإنسان، ونظامها يجافي الديمقراطية الحقة ، التي تقدس حقوق الإنسان والحريات العامة ، لنظامها حريات حصرية وحقوق حصرية مطابقة لنظام الأبارتهايد المقبور، فكيف يكون هناك ازدهار أصلا في بحر يطل عليه نظام بهذه المواصفات الشريرة ، العابرة لأي حدود ، دولية بحرية أو برية أو جوية ؟
لا تتمكن أمريكا وبريطانيا من إقناع العالم بشرعية ما يفعلانه في البحر الأحمر، وانتقاء ما يناسبهما من قوانين دولية يدافعان عنها ، وبنفس الوقت يزودان إسرائيل بما يلزم لخرق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بالطول والعرض ، وبالجملة وبالتجزئة ، إنه النفاق بعينه.
لا يقع اللوم على الذين يقابلون نتائج سياسات أمريكا ، وربيبتها إسرائيل ، اللوم كل اللوم على عاتق المسببين لكل الخراب الشامل في المنطقة ، وتحديدا غزة التي تذبح كل يوم أمام انظار العالم العاجز عن إيقاف المذبحة ، بسبب تخادم حراس الازدهار المزعوم!

العدل بوابة الازدهار

لا ازدهار بدون عدل، والعدل يقضي، إرجاع الحقوق لأصحابها، ومحاسبة المجرمين، ولإسرائيل يوم حساب تتقاسمه مع من يقف خلفها أو يجاريها أو يطبع معها ، وهي توغل في غيها !
كل الشعوب العربية تواقة للازدهار الحقيقي ، والحكم الرشيد المحصن شعبيا بإطلاق سراح الحريات العامة ، المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان ، وبالوقت ذاته هي وليس غيرها ستكون البنية التحتية التي تستند عليها الأنظمة القائمة لمواجهة ابتزازات ضغوط القوة الأمريكية الإسرائيلية المتعددة الاتجاهات، أمريكا وإسرائيل كانتا حليفين لشاه إيران الذي كان يتعجرف ويتطاول على مقدرات جيرانه العرب ، وعندما سقط نظامه جاء محله نظام آخر بنزعات أخرى حمالة أوجه ، كان يمكن أن تكون جسرا لكتلة تاريخية تشكل قاعدة ضاغطة لتصحيح الأوضاع المختلة في الشرق الأوسط ، وخاصة في الموضوع الفلسطيني والتنمية التكاملية ، لدول ، تشكل أكبر كتلة منتجة للطاقة في العالم، والتي يمكنها شل إسرائيل وجعلها تجنح للسلم صاغرة حتى من دون حروب خشنة ، لكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن ، فلا تكتل عربي للازدهار تشكل ، ولا تكتل إسلامي ، ويبدو أن التكتل الغربي الإسرائيلي هو المتشكل الوحيد ، والمستثمر الخفي بحالة الشقاق والنفاق السائدة في المنطقة !

شياطين التفاصيل

شياطين التفاصيل تتكالب ، بين إيران وجيرانها العرب ، وإذا بقي كل منهما يفصل ازدهارا لنفسه على حساب الآخر ، فستكون النتيجة انكسارا للجميع ، وانتصارا للغرباء عن المكان ثمة أمل بنضج الوعي الواقعي والعملي بتاريخ وجغرافية المكان ، والمتغيرات العالمية التي لا ترحم الجميع ، ربما تفعل فعلها نحو كتلة الازدهار بنسخة عربية إسلامية ، فيها التكافل والتعاضد والتبادل والاستقرار الناضج والنابع من واقع الخبرة والتجربة ، وبدلا من التنابز والاستنفار على ملكية حقل غازي هنا ، ونفطي هناك ، وجزيرة هنا وهناك ، ونفوذ هنا وهناك ، تكون النوايا الحسنة هي سيدة الموقف ، أما نذهب متفقين للتحكيم الدولي، أو يتنازل البعيد للقريب ، وبالتقابل ، والتبادل على قاعدة ” شيلني وشيلك ” ، تكاد تتوحد أوروبا ، وبين شعوبها ما صنع الحداد ، لما لا نكون بوحدتنا من سادة العالم ، ومن سادة الازدهار؟

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية