الاقتصاد التونسي: هل يصبح نادي باريس قدرا لا مفر منه؟

روعة قاسم
حجم الخط
1

تونس ـ «القدس العربي»: سجل الاقتصاد التونسي نموا بنسبة 2.4 في المئة سنة 2022 مقابل 4.3 في المئة في 2021 وبلغت النسبة في الربع الأخير من سنة 2022 قرابة 1.6 في المئة. وهي نسب ضعيفة جدا، بإجماع كل الخبراء، ولا تحقق التنمية ولا تخلق مواطن الشغل ولا تساهم في تحسين معيشة التونسيين التواقين إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
وتركز الحكومة جهودها الحثيثة على إقناع صندوق النقد الدولي بجديتها في القيام بالإصلاحات اللازمة التي طالبت بها هذه المؤسسة المالية الدولية كشرط أساسي للموافقة النهائية على منح تونس القرض الذي وافق عليه خبراؤها في وقت سابق. فقد كان من المفروض أن تحصل الموافقة النهائية مع نهاية العام الماضي لكن الصندوق أرجأ الملف التونسي بدون ذكر الأسباب التي رأى البعض أنها سياسية تتعلق بعدم رضا الدول الفاعلة في الصندوق على أداء الرئيس سعيد، فيما رأى البعض الآخر أن التأجيل سببه عدم استيفاء الملف للشروط المطلوبة.
والحقيقة أن المبلغ الذي خصصه صندوق النقد الدولي لتونس، زهيد ولا يتعدى 1.9 مليار دولار ولن يحل مشاكلها الاقتصادية لكنه سيمنحها ثقة مؤسسات مالية أخرى ودولا مانحة تنتظر موافقة الصندوق لتضخ أموالها في الخزينة التونسية. فموافقة خبراء الصندوق، تعني بالنسبة لباقي المانحين أن الاقتصاد التونسي سيتعافى وأن البلد قادر على سداد أقساط قروضه، وبالتالي يمكن النسج على منواله بدون خشية أو خوف من عدم السداد.
كما سيشجع هذا القرض وكالات التصنيف الائتماني السيادي على رفع تصنيف تونس الذي تدهور كثيرا في السنوات الأخيرة بعد أن كانت تحتل مراتب متقدمة تجعلها تقترض في أي وقت دون الحاجة إلى دولة ضامنة للسداد، وتقتني البضائع التي تشاء من الأسواق العالمية دون اشتراط السداد المسبق كما هو حاصل اليوم. فالتصنيفات الحالية اقتربت من الحضيض حتى وصل بعضها إلى CAA2 مع آفاق سلبية فبات الوضع خطيرا ولا يحتمل أي تخفيض جديد من أي من هذه الوكالات التي باتت مرآة عاكسة للأوضاع الاقتصادية للبلدان يعتمدها المستثمرون والمانحون الماليون والمتعاملون في المبادلات التجارية. وتحتاج تونس  12.6 مليار دينار أي ما يعادل 4.05 مليارات دولار لتغطية عجز ميزانية السنة المنقضية. ووفق قانون الميزانية لهذا العام، فإن البلاد بحاجة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار أي ما يعادل 4.7 مليار دولار، وإلى قروض داخلية من البنوك المحلية بقيمة 9.5 مليار دينار أي ما يعادل 3 مليار دولار.

بدائل عديدة

ولعل السؤال الذي يطرح ماذا لو رفض صندوق النقد الدولي منح تونس هذا القرض أو ماطل فيه إلى أجل غير معلوم، ما هي البدائل الممكنة في هذه الحالة لبلد أهمل موارده الذاتية وتكاسل عن استخراج ثرواته الطبيعية وتراجعت صادراته وإنتاجه في كافة الميادين، وجنح إلى أسهل الحلول وهي التوريد والاقتراض؟ هل بات نادي باريس الذي يدفع إليه بعض خبراء الاقتصاد في البلاد قدرا لا مفر منه وهو الذي قد يملي على تونس شروطا جديدة منها ضرورة التطبيع مع الكيان الصهيوني كشرط للخروج بها من أزمتها الاقتصادية؟
يؤكد عديد الخبراء على أن الذهاب إلى نادي باريس ليس قدرا لا مفر بالنسبة لتونس، وأن هناك بدائل عديدة منها ماهو قريب ومنها ما هو بعيد المدى ويمكن العمل عليه للسنوات القليلة المقبلة. فالتكثيف من الصادرات ضرورة ملحة وخصوصا مادة الفوسفات، سواء تم تصديره خاما أو مصنعا بالمجمع الكيميائي التونسي خاصة وأن الطلب متزايد على هذه المادة وارتفع سعرها بشكل خيالي مع أزمة الغذاء العالمية.
فحسب خبراء فإن عودة تونس إلى إنتاجها العادي من الفوسفات لسنة 2009 والذي توقف بعد الثورة بسبب كثرة الإضرابات في مراكز الإنتاج في الحوض المنجمي، وهو 10 مليون طن، والذي أهلها في ذلك الوقت لتحتل المرتبة الثانية عالميا، سيجعلها تستغني عن الاقتراض وتسدد تدريجيا ما بذمتها من ديون سابقة. والأمر ممكن حسب هؤلاء بسبب الطلب المتزايد على الأسمدة الفلاحية ووجود أسواق فعلية تطلب الفوسفات التونسي ذا الجودة العالية ولا تتمكن الدولة من تلبية الطلب ورفع الإنتاج.
وتذهب أصابع الاتهام إلى دول شقيقة، بعضها منافس لتونس وبعضها الآخر يرغب في الهيمنة على قرارها السياسي بالضلوع في تعطيل الإنتاج بعد أن تم اختراق البلد في غفلة من أهله مع بدايات الثورة وقاموا بتفكيك بعض الأجهزة. ونتيجة لهذه الاختراقات وشراء بائعي الذمم تم الدفع إلى كثرة الإضرابات وإلى عدم تجديد مراكز الإنتاج بالتجهيزات والآلات وقطع الغيار اللازمة لتطوير إنتاج الفوسفات طيلة العشرية الماضية.

التضخم والديون

ومن الحلول أيضا التخفيض في العجز في الميزان التجاري مع دول مثل الصين وتركيا والجزائر التي تستورد منها تونس سلعا كثيرة لا تحتاجها السوق وتحقق معها عجزا كبيرا ولافتا في الميزان التجاري استنزف مدخرات البلاد من العملة الصعبة في السنوات الأخيرة. ومن بين الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي الخفض في نسبة العجز في الميزان التجاري، وفي هذا الإطار تتوقع الحكومة في قانون المالية لسنة 2023 أنه بإمكانها خفض عجزها إلى 5.5 في المئة.
ومن الحلول بعيدة المدى للنهوض بالاقتصاد التسريع في نسق إنتاج الطاقات البديلة ومسابقة الزمن في ذلك مع تطوير الإنتاج في بعض حقول النفط والغاز والعودة إلى التنقيب لاكتشاف غيرها. فتوريد المحروقات أهم ما يستنزف رصيد البلاد من العملة الصعبة ويحدث الخلل في الميزان التجاري في السنوات الأخيرة بعد أن تراجع الإنتاج المحلي من المحروقات مقابل ارتفاع الاستهلاك.
ولعل التحدي الأكبر فيما يتعلق بالاقتصاد هو الحد من نسبة التضخم التي وصلت مع نهاية العام الماضي إلى 10.1 في المئة، مع توقعات بأن تصل هذه النسبة إلى 11 في المئة في 2023. والسبب في ذلك هو رفع الأسعار من جهة بسبب الرفع التدريجي للدعم والتكلفة المرتفعة للمواد الاستهلاكية، مقابل الزيادة في الأجور من جهة أخرى استجابة للضغوط النقابية الممارسة على الحكومات.
ومن التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي هذا العام أيضا مسألة الارتفاع المتوقع في الدين العام والذي بلغ حجمه إلى حد الآن أكثر من 35.5 مليار دولار، ستون في المئة منه ديون خارجية. فمن المتوقع أن يرتفع هذا العام كل من الدين الخارجي والداخلي باعتبار عزم الحكومة الاقتراض من الخارج ومن البنوك التونسية على حد سواء وذلك رغم التحذيرات التي تتلقاها بعض هذه البنوك من بعض الجهات ومنها وكالة موديز للتصنيف والسبب في ذلك أن بعض البنوك التونسية تغلب إقراض الدولة على تمويل مشاريع الخواص من التونسيين وغيرهم وتتخلى بالتالي على دورها التنموي فتحقق أرباحا قياسية تبدو غريبة في دولة حكومتها عاجزة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن آكسيل:

    ههها ………! الجميع يترصدون بتونس ………! اضغاث احلام ………! تونس لن تذهب ابدا الى نادي باريس ……! مذا انتم فالعلوم إذا ……؟ وقاحة اللذين يتهجمون على تونس و على رئيسها و على حكومتها ما بعدها وقاحة ……!

إشترك في قائمتنا البريدية