الانتخابات الرئاسية في تونس: غموض بشأن التحالفات رغم تواجد الترشحات

روعة قاسم
حجم الخط
0

خريطة الترشحات للانتخابات الرئاسية ليست نهائية وما زال الباب مفتوحا لترشحات أخرى قد تقلب الموازين رأسا على عقب وتعيد ترتيب الأوراق من جديد في مشهد لا يستقر على حال.

تونس ـ «القدس العربي»:  خلافا للانتخابات التشريعية والمحلية اللتين تمت مقاطعتهما من قبل قوى المعارضة في تونس، يبدو أن الاستحقاق الرئاسي لهذا العام سيشهد مشاركة الجميع رغم عدم إعلان أحزاب المعارضة رسميا عن مرشحيها أو مدعوميها لهذا الاستحقاق العام. إلا أن هناك من أعلن عن نيته الترشح منهم عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، وعصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري وكلاهما متواجدان وراء القضبان من أجل قضايا يراها أنصارهم سياسية ويراها النظام الحاكم تتعلق بالحق العام.

والحقيقة أنه إذا تم قبول ترشح عبير موسي وكذا عصام الشابي فلن يتعلق الأمر بسابقة تونسية تحصل للمرة الأولى في تاريخ البلاد، حيث سبق لنبيل القروي أن خاض الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 وهو وراء القضبان. وترشح القروي إلى الدورة الثانية من هذه الانتخابات وأفرج عنه فقط قبيل الصمت الانتخابي واقتصر حضوره خلال الحملة الانتخابية على المناظرة التلفزيونية التي جمعته يومها بالمرشح قيس سعيد الرئيس الحالي للبلاد.
واللافت أيضا في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة أن هناك مرشحا متواجدا خارج البلاد وأعلن عن عزمه الترشح من خارج البلاد كذلك، ويتعلق الأمر بالمنذر الزنايدي الوزير الأسبق الذي تقلد عدة حقائب وزارية في زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وقد لقي إعلان الزنايدي عن عزمه الترشح معارضة واسعة من أنصار الرئيس قيس سعيد وتحدث عدد منهم عن تجاوزات قيل إن الوزير الأسبق قد قام بها حين كان بن علي في الحكم، خاصة وأن الزنايدي قد انتقد سياسات ساكن قرطاج في رسالة نسبت له.
أما باقي الترشحات ففيها الغث والسمين، وتتضمن ترشح الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي المعارض للرئيس قيس سعيد، ورئيس حركة قرطاج الجديدة الإعلامي نزار الشعري، ورئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي. كما أعلن الكاتب الصحافي التونسي المثير للجدل الصافي سعيد عن عزمه الترشح لهذا الاستحقاق الرئاسي للمرة الثانية وذلك بعد ترشحه لانتخابات سنة 2019 وحصوله على عدد محترم من الأصوات، وسيترشح أيضا الباحث الجامعي عفيف البوني لهذا الاستحقاق الهام.
ومن المتوقع أن تشهد البلاد خلال الفترة المقبلة ترشحات أخرى فيها الجدي وفيها ما يسمى بالفلكلوري والتي يرغب أصحابها من بعض المغامرين لفت الانتباه كما حصل في السابق خلال انتخابات 2014 و2019. لكن اشتراط المرسوم الانتخابي الجديد ضرورة حصول المترشح على عدد هام من التزكيات سواء من قبل النواب أو عموم المواطنين إضافة لشروط أخرى قد يحد من هذه الترشحات غير الجدية التي ستكون مكلفة على حزينة الدولة ومرهقة للناخب.
لقد جاء بالفصل 41 من المرسوم الانتخابي التونسي أنه تتم تزكية المترشح للانتخابات الرئاسية من قبل عشرة نواب من مجلس نواب الشعب، أو من قبل أربعين من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة. كما منح المرسوم الانتخابي إمكانية الترشح لمن تتم تزكيته من قبل عشرة آلاف من الناخبين المرسمين والموزعين على الأقل على عشر دوائر انتخابية على أن لا يقلّ عددهم عن خمسمئة ناخب بكل دائرة منها.
ويتساءل البعض عن مرشح حركة النهضة لهذه الانتخابات خاصة وأن أهم العائلات السياسية قدمت إلى حد الآن مترشحين لهذا الاستحقاق بالنظر إلى الصلاحيات الكبرى التي باتت لرئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد لسنة 2022. فالدساترة لديهم مرشحان وهما عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر ومنذر الزنايدي الذي ترشح كمستقل، واليسار ترشح منه عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، والقوميون ترشح منهم بصفة مستقلة الصحافي والكاتب الصافي سعيد.
يرى البعض أن الإسلاميين قد يتقدمون بمرشح للانتخابات الرئاسية كما انتخابات سنة 2019 التي ترشح فيها عبد الفتاح مورو عن حركة النهضة ولم ينجح في المرور إلى الدور الثاني، أو قد يدعمون مرشحا من خارج الحركة مثلما دعموا المنصف المرزوقي سنة 2014 في مواجهة الباجي قائد السبسي وفشل في الوصول إلى قصر قرطاج لخلافة نفسه. كما يرى البعض أن الحركة قد تدعم أحد الذين أعلنوا عن ترشحهم إلى حد الآن، وقد يكون مرشحها هو عصام الشابي حليف الحركة في جبهة الخلاص الوطني المعارضة وهي تكتل يضم أحزاباً سياسية.

المرشح التوافقي

وتستند هذه الفرضية على تصريحات سابقة لقيادي في الحزب الجمهوري، حزب عصام الشابي اعتبر فيها أن ترشيح عصام الشابي من قبل جميع أطياف المعارضة التونسية وارد جداً، وبأن الحزب سعى إلى تناول الانتخابات الرئاسية المقبلة بصورة جدية، في ظل سياق سياسي يتسم بالارتباك وذلك بعد إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق بعض المرشحين المحتملين وتوقيف آخرين، على حد تعبيره. كما أن هناك تصريحات أخرى لقيادات في المعارضة تصب في خانة التوجه نحو تقديم مرشح توافقي حتى لا تتشتت أصوات المعارضة ويبدو عصام الشابي شقيق أحمد نجيب الشابي الأقرب ليكون هذا المرشح باعتباره يحظى بالقبول في أوساط اليسار والإسلاميين على حد سواء، وحتى لدى القوميين باعتبار مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية وباقي القضايا العربية، وهي مساندة مبدئية وقديمة وليست وليدة الأحداث الأخيرة فحسب.
كما يرى البعض أن الوزير الأسبق منذر الزنايدي قد يحظى بدعم حركة النهضة بالاستناد إلى تقارب سابق قد يكون حصل بين الطرفين، فيما يراه آخرون مرشحا لقوى الموالاة لإضعاف عبير موسي والنهل من خزانها الانتخابي المتكون من الدساترة والبورقيبيين. ويعتبر هذا الخزان من أهم الخزانات الانتخابية من الناحية العددية وقد رجح الكفة سابقا للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي ولحزبه نداء تونس ولمرشحين آخرين، وتؤكد أهميته عمليات سبر الآراء التي كانت تمنح الحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسي أسبقية في الانتخابات التشريعية على خصومه.
ويرى البعض أن الرئيس قيس سعيد ينطلق بحظوظ وافرة للفوز بولاية ثانية في هذه الانتخابات وخلافة نفسه رغم عدم تحقيقه لأي إنجازات هامة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إذا استثنينا القدرة على سداد الديون في الآجال، وتميز عهده كسابقيه بالتركيز على المسائل السياسية والدستورية. فأنصار الرئيس يدعمون التتبعات القضائية التي تطال معارضيه، ومتحمسون للصلح الجزائي مع رجال الأعمال وملاحقة فاسدين، ولسداد أقساط الديون في آجالها، ولمواقف الرئيس الداعمة للقضية الفلسطينية، ولما يعتبرونه حفاظا على السيادة الوطنية في علاقة بصندوق النقد الدولي.
وبالتالي هناك توقعات بأن أنصار الرئيس، وأغلبهم من داعمي ثورة 17 ديسمبر 2010 من اليسار الاجتماعي ومن المواطنين الباحثين عن العدالة الاجتماعية، لن يتخلوا عنه ويرغبون بمنحه فرصة ثانية لتحقيق ما عجز عنه خلال الدورة الأولى التي تميزت برأيهم بالصراعات السياسية وعدم التركيز كما يجب على الشأن العام. كما أن من أنصار الرئيس كثير من المحافظين الذين يتنافس عليهم مع الإسلاميين واستقطب منهم الكثيرين، وكذلك القوميين باعتبار مواقفه المساندة للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى عدد من الدساترة الذين تدغدغ مشاعرهم شعارات السيادة الوطنية التي تحيلهم إلى زمن مقاومة الاستعمار وتحقيق الاستقلال وبناء الدولة الوطنية مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
ويرى البعض أن خريطة الترشحات للانتخابات الرئاسية ليست نهائية وما زال الباب مفتوحا لترشحات أخرى قد تقلب الموازين رأسا على عقب وتعيد ترتيب الأوراق من جديد في مشهد لا يستقر على حال. فالرئيس قيس سعيد نفسه لا أحد توقع فوزه عند تقديم ترشحه وكان البعض يتوقع أن تصل أسماء أخرى إلى قصر قرطاج مثل وزير الدفاع الأسبق عبد الكريم الزبيدي ونائب رئيس مجلس نواب الأسبق ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو لكن سعيد كذب كل التوقعات ووصل قصر قرطاج.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية