الأردن مع «الأسف» وفي 4 أيام: مشاجرات «النواب والمهندسين» تقرع جرس «الإفلاس السياسي»

بسام البدارين
حجم الخط
6

عمان – «القدس العربي»: مواجهتان مثيرتان لكل نوازع الخشونة السياسية الناتجة في الأردن عن الإصرار على ما وصفه نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، عدة مرات وأمام “القدس العربي”، بـ “تجريف وتجويف” المحتوى السياسي.
شاهد الأردنيون مع كل مشاعر الأسف، نمطاً من النزعة إلى استخدام الأيدي والخشونة وأحياناً العنف اللفظي والجسدي في موقعين بقدر من التزامن يفترض أنهما أبعد ما يكون عن الخشونة ويمثلان مؤسسات مدنية عريقة تتدخل بها السلطات بين الحين والآخر، لكنها تشتكي طوال الوقت ودون أن تقدم نموذجاً يدفع الشارع إلى الاسترخاء.
أربعة أيام فقط فصلت بين ما يمكن وصفه بمشاجرتين قرعتا كل الأجراس، اشتبك في الأولى نفر من المهندسين الشباب خلال اجتماع للهيئة العامة لأهم النقابات المهنية في البلاد، وتشاجر في الثانية تحت قبة البرلمان نواب يمثلون الشعب وبطريقة غير مسبوقة، قوامها العراك بالأيدي وتوجيه اللكمات والشتائم.
كانت مفارقة مؤلمة وطنياً إلى حد بعيد، حيث إن الاجتماعات التي شهدت خشونة خارج تقاليد الأردنيين كان يفترض أن تناقش تعديلات قانونية ودستورية، في النسخة الأولى منها، تعديلات على أنظمة ولوائح نقابة المهندسين، وفي الثانية، تعديلات على نصوص دستورية يترقبها الجميع من رأس الدولة إلى أصغر مواطن بسبب أهميتها القصوى.
استخدم نشطاء ونقابيون ومعهم بعض النواب أيديهم وليس عقولهم أكثر من مرة، وألسنتهم في عبارات غير لائقة وخارج السياق، دون عبارات الحوار والتحاور في مشهد صادم، ويعني الكثير في حال الرغبة الوطنية في تفكيكه. وهو منتج، برأي الناشط السياسي محمد الحديد، يتصدر بعد فعاليات التدخل ووضع السلطة لأصابعها في كل التفاصيل، وهي نفسها المسألة التي اشتكى منها النقيب الزعبي مبكراً.
في اجتماع المهندسين اتهامات متبادلة بالبلطجة وانفلات وتنابز بالهتافات، لا بل محاولة الاعتداء على النقيب سمارة بضرب زجاجات مياه وأطنان من البيانات والتصريحات والتعليقات التي تظهر انقساماً كبيراً في صفوف أعرق وأضخم النقابات المهنية في الأردن.
“نعم، الانقسام مقلق، وطريقة التعبير الجمعة الماضية مقلقة أكثر”.. هذه العبارة استعملها الزعبي وهو يحاول التعليق على مسار الحدث المؤسف رداً على استفسار “القدس العربي”، لكن الناشط النقابي الإسلامي ميسرة ملص، وبعد إسقاط التعديلات المقترحة بالتصويت على مستوى الفروع، حاول إصلاح ما يعتقد بأنه صعب الإصلاح عندما اعتبر بأن الحاسم والفائز هو نقابة المهندسين في النهاية.
لكن الشرخ حاصل، والمواجهة التي لا يريد الجميع الاعتراف والإقرار بها هي في جذرها بين منطقين أو سيناريوهين: الأول يتحدث عن بقاء تحرير نقابة المهندسين الضخمة من أيدي الإخوان المسلمين، والثاني سيناريو إسلامي لا يقل تشدداً يتحدث عن استعادة تلك النقابة.
وفي الأثناء وبين حالتي تشدد، تُجرح القيمة المعنوية والوطنية لأحد أكبر بيوت الخبرة المهنية، فالمواجهة سياسية وليست مهنية أصلاً، والسلطات الرسمية التي تؤمن جذرياً بتجريف المحتوى النقابي مؤسساتياً وتخاصم التيارين الإسلامي ونقيضه، ويمكنها إعلان الانتصار المبكر ما دامت نقابة ضخمة خرجت عن السكة وبين أعضاء هيئتها العامة اليوم نزالات وسجالات واتهامات ومحاولة اعتداء أو ثأر في مستودع الذكريات. تلك تداعيات نقابية لا تنسجم إطلاقاً مع مرحلة تحديث المنظومة السياسية في البلاد. في مجلس النواب، لا يقل المشهد بؤساً؛ فالقوم كانوا بصدد اشتباك قوامه 30 تعديلاً على نصوص دستورية لأغراض تحديث المنظومة.
وفجأة، يخفق الجميع في البرلمان بدون استثناء، ويخفق معهم المهندسون في ظل المشهد أو تلك النظريات التي تهندس المسائل، حيث شتائم ومحاولات ضرب ولكمات وكلمات خشنة جداً ومشهد فوضوي بامتياز من النوع الذي يؤكد اقتراب اللحظة التي تقر فيها الدولة بأن كلفة بقاء المجلس الحالي أصبحت أعلى بكثير من كلفة ترحيله، وهو يقين كان قد وصل إليه الشارع أصلاً.
ثمة ثأريات وحسابات بين النواب، وثمة فوضى في هندسة أمورهم، وأحد كبارهم يقر أمام “القدس العربي” بأن النواب عموماً فوضويون الآن، وهم أقرب إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة ولأي سبب، حيث تغيب تماماً تلك الجملة التكتيكية الضاغطة للأحداث، وحيث يجد رئيس المجلس المخضرم عبد الكريم الدغمي نفسه أمام جبل من الاحتقان وسلسلة من “زلات اللسان” بصيغة يمكنها أن تقود الجميع إلى ما يسمى في العرف البرلماني بـ “صافرة الحكم”.
وهي صافرة تعني لاحقاً، إذا ما انطلقت، وقف التجربة أو تقصير عمر البرلمان مادامت مستويات الارتجال هي التي تحكم، مما يدل حقاً على الحاجة الكبيرة، -بتعبير النائب محمد ظهراوي- إلى تراكيب حزبية تجعل جبهة البرلمان أكثر صلابة مستقبلاً.
الجبهة اشتعلت في النقابات المهنية وفي البرلمان معاً، وعلى أساس تعديلات. لكن الأسئلة الوطنية الأعمق عالقة وبقوة بين معطيات الاشتباك التي تؤشر على غياب المطبخ الحكومي وأيضاً المطبخ التشريعي المركزي، وفي بعض الأحيان -للأسف الشديد- على غياب المنطق الذي يألفه الأردنيون في العادة، وهو “غياب الدولة” وتمركز حالة الإفلاس السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أردني يراقب.:

    اعزائي و أحبائي… والله والله لا جديد… هذة النقابة وهذا البرلمان وهذة الحكومة بالضرورة هما صورة حقيقية للشعب الاردني في الوقت الحالي… زمن الرقي والثقافة والحضارة والهدوء والحصافة السياسية وبالتالي الوطنية الغيورة الهادئة الذي كان سائداً في العهد الماضي ولى الى غير رجعة…

    1. يقول Dr. Abdelsalam Muhammad:

      صدقت

  2. يقول Bnm:

    وجه البكسة… المتعلمين بتوع المدارس..,لموا علينا امه لا اله الا الله

  3. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    ياسيداتي هذا إفلاس الخطة التي حددها الملك مع بايدن! ومايحصل في البرلمان مجرد صدى!

  4. يقول Al NASHASHIBI:

    يولمنا جميعا هذه المشاهد..حيث لم تكن في برلمان متطور يخدم المواطن والوطن معا
    نامل أن لا تتكرر لأننا جميعا ابنا أسره واحده اسره الوطن الإنساني الإسلامي والعربي

  5. يقول وسيم عبدالرزاق خوجه:

    كان الله في عون الأردن ملكا وشعبا والله عز وجل يحمي الأردن الشقيق والعزيز على أنفسنا .

إشترك في قائمتنا البريدية