الأردن والحفل «المسموم»: «إقصاء فصائل المقاومة»

أي قرار أو إجراء يتخذ أردنيا في اتجاه التساهل مع الحفلة النظامية الرسمية العربية والإسرائيلية والأمريكية التي يتم التحضير لها تحت عنوان «إقصاء حركة «حماس» وفصائل المقاومة» عن مستقبل الإجابة على سؤال غزة بعد الحرب ووقف العدوان سلوك قد لا ينطوي على حكمة أو توازن مطلوب بالحد الأدنى في ظل ظروف وبيئة الشارع الأردني المشحونة تماما بكل مشاعر السخط على إسرائيل والأمريكيين مقابل مشاعر الامتنان والدعم للمقاومة.
المغامرة بمساهمة أردنية في ذلك الحفل المؤذي قد تؤدي إلى نتائج معاكسة تماما تنعكس سلبا على مصالح الأردن، ليس في سياق العلاقة المتوترة أصلا وغير المضمونة مع اليمين الإسرائيلي أو مع الأمريكيين، لكن في سياق إثارة جدل في مسألة في غاية الحساسية ودون مبرر أو مكاسب داخل الأردن.
سمعنا بكل صراحة مؤخرا تلك النظرية التي تطرحها بعض أوساط المقاومة باسم انتقال غامض وغير مفهوم للموقف الرسمي من زاوية الإصرار على عدم التواصل مع فصائل المقاومة وتحديدا «حماس» وعدم إقامة أي علاقة رسمية معها، وهو أمر مفهوم من حيث الأسباب، وسبق أن تقبلته وتعايشت معه المقاومة منذ سنوات، إلى مستوى جديد، عنوانه التقارب مع تصورات وسيناريوهات بكل صراحة تتبعها بعض الدول العربية الصديقة منجذبة إلى سيناريو الإدارة الأمريكية بعنوان إقصاء المكون الحمساوي، وبالتالي المقاوم من مساحات أساسية وجدية حفاظا على التحالفات مع من يقول الدكتور مروان المعشر بأن شعبيتهم في الأرض المحتلة تقل عن 13 في المئة.
سمعنا بالمقابل ملاحظات ووجهات نظر ضد تحرشات قادة حركة «حماس» بالمصالح الأردنية وإطلاق تصريحات تسفر بأنها مستفزة.

عمان يمكنها الاستغناء عن أي مجازفات أو خطوات مراهقة في المدى الميداني ستؤسس إلى تحويل الأردن إلى ساحة صراع خلافا للأجندة الوطنية والاستراتيجية

في إطار توازن المصالح لابد من تذكير بعض أصحاب الاجتهادات التي يمكن تصنيفها مبكرا بأنها موتورة، بأن الاقتراب من حبة بطاطا ملتهبة وحارة وساخنة جدا في لحظات حرجة يمكن أن يؤدي الى خلط الأوراق في المائدة وبدون مبرر.
بالخلاصة من يريد، ونحن نصفق له هنا بكل حال، منع تحول الأردن إلى ساحة صراع بين أجندات إيرانية وإسرائيلية ينبغي أن يحتفظ بحياده واتجاهاته السيادية بعيدا عن إعادة تدوير الزوايا لصالح تصور مرتبط بأجندة أمنية لدولة صديقة أو شقيقة، خصوصا وأن مسألة المقاومة وبعد جريمة الإبادة الإسرائيلية ضد الأهل في قطاع غزة شغفت الشعب الأردني، وتحولت إلى قضية أردنية داخلية، ليس من حيث المساندة والمناصرة فقط، ولكن من حيث إيمان المواطن الأردني اليوم بأنه إذا لم يقف ضد جريمة الإبادة والتهجير في غزة والضفة الغربية اليوم وبكل طاقته سيضطر غدا لدفع الثمن، حيث يمكن لليمين الإسرائيلي أن يهدد مستقبل وحياة أطفال عمان أيضا.
قناعة الأردنيين وجدانيا راسخة بأن أي تكيف مع برنامج اليمين الإسرائيلي ستكون فاتورته المكلفة مستقبلا قاسية جدا على المواطن الأردني بصرف النظر عن مكونه الاجتماعي وهويته السياسية وبالتالي إحساس الأردنيين مرتفع جدا بالمخاطر التي ينكرها اليوم بعض الساسة هنا وهناك.
سبق للرأي العام الأردني أن تعايش مع فكرة أن حكومة البلاد لا ترغب باستقبال قادة «حماس» رسميا أو غيرهم من قادة المقاومة في عمان. ولا ترغب بفتح مكاتب لهم ولا إقامة علاقة أو اتصال رسمي وعلني مع فصائل تمثل اليوم أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لا بل الأنبل والأشرف في صفوفه.
تقبل الأردنيون ذلك إيمانا وثقة بمؤسساتهم وحساباتها، لكن مع ما أثارته فيهم وجدانيا تلك الجرائم الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر يمكن القول بأن المحترف الحصيف ينصح بأن لا تسعى حكومة البلاد إلى تطوير معادلة الاشتباك بحيث تصبح على الأقل المساهمة الأردنية في حفلة إقصاء مكون أساسي في وجدان الأردنيين اليوم وليس الفلسطينيين فقط مثل المقاومة و«حماس» مسألة تنتج الألم بعلنيتها. علنية على الأقل تلعب بقواعدها ومؤشراتها على الطريقة المصرية أو حتى الخليجية.
نحذر من طريقة اللعب المصرية أو الخليجية في هذا الملف ونرجو دوائر القرار».. لا تفعلوها ولا تشاركوا بالحفل المسموم».
الأردن يحتاج إلى تأمل وتعمق رسمي خلف الستائر أقوى، وعمان يمكنها الاستغناء عن أي مجازفات أو خطوات مراهقة في المدى الميداني ستؤسس إلى تحويل الأردن إلى ساحة صراع خلافا للأجندة الوطنية والاستراتيجية التي يحترمها ويقدرها الجميع.
ننصح وبشدة بوقف أي مغامرة أو مجازفة في اتجاه المساهمة بإقصاء حركة «حماس» ونذكر بما قاله وزير خارجية بلادنا عن أن الخيار العسكري في تقويض «حماس» وإخراجها من المعادلة أشبه بخطوة مجنونة.
نعم لا مصلحة لنا في الالتزام العلني الفاضح بأجندة الآخرين حولنا ضد المقاومة الفلسطينية.
تلك أشبه بعملية عبث بالطبق… مجددا: نتوسلكم لا تفعلوها من أجل الأردن ومصالحه.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية