أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي: لا بد من انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تدفع المستثمرين للاستثمار في تونس

حاورته: روعة قاسم
حجم الخط
0

تطرق أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي في هذا الحديث لـ«القدس العربي» إلى مختلف الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تونس. وأكد ان الوضع الاجتماعي السيئ وحالة الضبابية قد يؤديان إلى الاحتقان ويهددان المسار السياسي. وقال ان توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي سينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي مشيرا إلى ان تونس بحاجة إلى رؤية واضحة في قادم السنوات للخروج من الأزمة الراهنة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
يشار إلى ان رضا الشكندالي، هو أستاذ تعليم عالي في العلوم الاقتصادية بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بنابل (جامعة قرطاج، الجمهورية التونسية) ومدير مخبر «محيط المؤسسة» بالكلية، حاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، المدير العام السابق لمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتونس، ومدير الدراسات السابق للمعهد العالي للتصرف بتونس، ومستشار سابق بوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي بتونس، ومستشار سابق لدى منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة «الفاو». ألفّ العديد من الكتب والمقالات حول مختلف جوانب الاقتصاد وأشرف على العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير في الجامعات التونسية والفرنسية. وفي ما يأتي نص الحوار.
○ تم الإعلان عن اتفاق مبدئي بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار، فما توقعاتكم من هذا الاتفاق وتأثيراته على الوضع الاقتصادي لتونس؟
• الحكومة التونسية لم تجد إشكالا على مستوى التفاوض مع صندوق النقد الدولي على اتفاق جديد، باعتبار أن الملفات المطروحة هي أربعة ومحسومة وتتعلق بملف مناخ الأعمال، وهو متفق عليه بين الحكومة والمنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف، وملف الدعم وهو ملف محسوم أيضا لأن المنظمة الشغيلة طالبت في البداية بتقنين وإبطاء رفع الدعم على مراحل. يعني ليست هناك تخوفات على مستوى هذا الملف، وكذلك الأمر بالنسبة لملف المؤسسات العمومية. وأعتقد ان الحكومة تفتقد إلى رؤية في حين ان المنظّمة الشغيلة لها رؤية واضحة وقامت بندوات وضحت خلالها معالم رؤيتها ومقاربتها لهذه الملفات. ان رؤية المنظمة الشغيلة بالنسبة لإصلاح المؤسسات العمومية تقوم على أخذ كل ملف أو كل مؤسسة حالة بحالة مع التركيز على حوكمة هذه المؤسسات وهو الذي ستتبناه الحكومة وصندوق النقد الدولي. كذلك الملف الذي ظل عالقا طويلا وتوصلت أخيرا الأطراف المعنية إلى اتفاق بشأنه هو إصلاح الوظيفة العمومية الذي كان معطلا قبل المفاوضات الاجتماعية. وتقريبا بعد المفاوضات هذا الملف حُسم تماما وحتى الانعكاسات على المالية العمومية كانت ضعيفة تقريبا في حدود 600 مليون دينار على ميزانية تفوق الـ 57 مليار دينار. وبالتالي أعتقد ان هذه الحكومة كانت في طريق مفتوح لإمضاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتمتعت تقريبا بتسهيلات كبيرة وبتوافق تام على مستوى الملفات لم تملكه الحكومات السابقة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
○ لكن اتحاد الشغل حذّر الحكومة من «مغبة خيارات مؤلمة» ولوح بالاحتجاجات فكيف ترون ذلك؟
• هذا الموضوع مرتبط بملف الدعم وتقريبا الاتفاق حصل حول التدرج في رفع الدعم لكي لا تكون الآثار كبيرة على مستوى المقدرة الشرائية للمواطن التونسي. لكن التطورات الأخيرة، الصراع في أوكرانيا وتهديد روسيا باستعمال السلاح النووي، قد يجعل التقديرات حول أسعار الطاقة كبيرة جدا وقد تلجأ الحكومة التونسية تباعا إلى استعمال الآلة التعديلية للترفيع في أسعار البنزين في الأسواق المحلية، وهذا ستكون له تأثيرات كبيرة على أسعار كل المواد، إلا إذا لجأت الحكومة إلى عدم التدرج وبالتالي رفع الدعم بصورة كاملة لما للتطورات المتسارعة في أوكرانيا من انعكاسات سلبية على مستوى موازنة الدولة، فحينها قد تلجأ إلى عدم التدرج في رفع الدعم لسنتين. ويعني هذا انه قد يحصل تصعيد من طرف المنظمة الشغيلة إذا لجأت الحكومة إلى التسريع في رفع الدعم، وهذا ستكون له تداعيات سيئة على الوضع الاجتماعي. بالتالي فإن الاتحاد أو المنظمة الشغيلة يهدّد وينذر الحكومة بان لا تلجأ إلى التسريع في رفع الدعم ولا بد ان تلجأ إلى التدرج لكي لا يكون التأثير كبيرا على القدرة الشرائية للمواطنين.
○ كيف ترى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع في تونس؟
• هناك ثلاثة تداعيات أساسية، أولا فيما يتعلق بارتفاع أسعار البترول والطاقة والمواد الغذائية وهو له تأثير على باب هام من ميزانية الدولة وهو باب كلفة الدعم التي سترتفع بصورة كبيرة. فنحن نورد جانبا من المواد الأساسية والطاقات وبالتالي كلفة الدعم ستزيد. وهذا سينعكس على التوازنات الداخلية على مستوى موازنات الدولة ويزيد في الحاجة إلى التمويل الخارجي. التداعي الثاني هو الأزمة في أوروبا التي تأثرت بصورة كبيرة جدا بهذه الحرب وهناك تقديرات بان أوروبا ستشهد ركودا تضخميا اقتصاديا لم تشهده من قبل. وهذا سيؤثر على المبادلات التجارية لتونس مع أوروبا ويقلّص من حجم الصادرات إلى أوروبا وستكون له تداعيات على العملة الصعبة بالنسبة لتونس أي على مدخرات العملة الصعبة التي ستتراجع تباعا.
التداعي الثالث وهو الأخطر فيتعلق بالتسابق في استعمال السياسة النقدية بين الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي في الترفيع في نسبة الفائدة. وهو له انعكاس على كلفة استخلاص الدين بالنسبة لموازنات الدولة التونسية. وهذه الكلفة سترتفع بصورة كبيرة. والتداعي الذي يخصّ الارتفاع الكبير على مستوى أسعار الطاقة والمواد الغذائية له تأثير على العجز التجاري. ونلاحظ في الثمانية أشهر الأولى من هذه السنة تصاعدا كبيرا في العجز التجاري لم تشهده تونس منذ سنوات. وبالتالي الكلفة ستكون كبيرة جدا. لذلك المنظمة الشغيلة تحذر من التسريع في رفع الدعم لان له تداعيات سلبية على مقدرة المواطن.
○ تونس تعيش اليوم أزمة طاقة فإلى أين يسير الوضع؟
• في الحقيقة تونس تعيش هذه الأيام تأثيرات كبيرة لتواصل الصراع في أوكرانيا ويتعلق أساسا بقدرتها على التزود بالمواد الأساسية وبالطاقات، لأن مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي بدأ يتآكل بسبب تأخر دخول العملة الصعبة وتأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووكالات التصنيف الائتمانية العالمية مثل موديز وغيرها حذّرت من مخاطر كبيرة إذا لم يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. بالتالي تعيش تونس مخاطر كبيرة جدا على مستوى التزود بالمواد الأساسية إذا تواصلت الحرب الروسية. ولا بد من التسريع في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي حتى تنتعش خزينة البنك المركزي وبالتالي تكون قدرة تونس على التزود بالمواد الأساسية عالية خاصة ان ثقة المزودين لتونس قد تراجعت بصورة كبيرة بعد ان تراجع تخفيض موديز التي بدورها حذرّت مرة أخرى من مزيد التخفيض في حال لم يتم إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
○ لماذا تعثّر الانتفال الطاقي في تونس؟
• موضوع الانتقال الطاقي يتطلب استثمارات كبيرة من أطراف وشركات متخصصة في ذلك، لكن مناخ الأعمال والمشهد السياسي والاقتصادي بشكل عام لا يشجع أصحاب الأعمال في ميدان الطاقات المتجددة لكي يندفعوا في عملية الاستثمار. وحتى الحكومة التونسية ليست لها رؤية واضحة حول هذا الانتقال الطاقي وليست هناك نية بالنسبة لتونس لاتخاذ سياسات تؤدي إلى التخفيض من الكلفة الطاقية والتحول إلى الانتقال الطاقي وهذه المسألة سابقة لأوانها وتونس تعيش اليوم مشاكل أعمق من الانتقال الطاقي.
○ كيف يؤثر تخفيض وكالة موديز على الوضع الاقتصادي التونسي؟
• تخفيض تونس وغيره يعطي إشارة للمستثمرين الأجانب فيما يتعلق بقدرة الحكومة على الإيفاء بتعهداتها وبالتالي يبعث برسائل سلبية أو إيجابية للمستثمرين وحتى المؤسسات المانحة لا تمنح أموالها إلى البلدان التي ليست لديها قدرة على استرجاع الديون خاصة انها تعيش إشكالا كبيرا على مستوى ميزانية الدولة وعلى مستوى تفاقم العجز التجاري. وحاجة تونس إلى التزود بالمواد الأساسية هي أكثر من حاجتها لاسترداد الديون، ويشكك المانحون في قدرة تونس على استرجاع الأموال إذا كان التخفيض سيئا. وبطبيعة الحال إذا لم تقدر تونس على التزود بالمواد الأساسية نظرا للتصنيف السيادي الضعيف ونظرا لخسارة ثقة المزودين فإن ذلك سيؤجج الأوضاع الاجتماعية. فهذا الوضع الاجتماعي السيئ قد يؤدي إلى الاحتقان ويهدد المسار السياسي وبالتالي كل هذه الضبابية وعدم الاستقرار واليقين لا يشجع المستثمرين الأجانب على الاستثمار وحتى المستثمرين المحليين هم لا ينطلقون في عملية الاستثمار في ظل عدم الاستقرار وعدم اليقين.
○ ما هي أهم الاستحقاقات القادمة في تونس سياسيا واقتصاديا؟
• هناك عديد الاستحقاقات أهمها العجز التجاري الذي يجعل مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي يتآكل. وهذه مؤشرات تبعث على القلق وأعتقد انه من الضروري جدا التوصل لاتفاق لنخرج من الأزمة المالية ونعطي جرعة أوكسجين للاقتصاد التونسي. ولكن ذلك هو حل مالي وليس حلا اقتصاديا ولا بد لتونس من أن تمتلك رؤية واضحة في قادم السنوات. تونس كانت مضطرة لإمضاء الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي لكن التفكير مرّكز على جني الأموال أكثر من جدوى السياسات الاقتصادية التي ستجنيها من خلال هذا الاتفاق.
○ رئيس الجمهورية قيس سعيد طرح موضوع الصلح الجبائي والشركات الأهلية وغيرها فيما يتعلق بنظرته للاقتصاد التونسي فكيف ترى ذلك؟
• هناك مقاربات متضاربة بين الحكومة التي تتجه إلى رفع الدعم وتجميد الأجور والتفويت في المؤسسات العمومية ومن ناحية أخرى هناك خطاب آخر لرئيس الجمهورية يتحدث عن الشركات الأهلية والصلح الجبائي. وكأن رؤوس الدولة غير متناغمة وهذا يخلق غموضا كبيرا على مستوى الآليات التي ستقوم بها السلطة التنفيذية. ففيما يتعلق ببعث الشركات الأهلية والصلح الجبائي فإن هذه المسائل لم تدرج في المخطط الأخير لوزارة التنمية وفي البرنامج الذي توجهت به تونس إلى صندوق النقد الدولي. هناك حيرة وغموض حول ماذا سيحدث بعد ذلك وأعتقد ان غياب هذه الرؤية أو التناغم السياسي سيؤدي إلى مزيد الارباك ومزيد تعميق الأزمة الاقتصادية.
○ تونس مقبلة على استحقاقات انتخابية في ظل أزمة سياسية تؤثر على الوضع العام في البلاد فكيف تنظرون إلى ذلك؟
• أعتقد ان المشهد السياسي غير مستقر تماما بما ان جلّ الأحزاب السياسية انسحب من الانتخابات، ومصداقية الانتخابات قد تكون على المحك خاصة وان القانون الانتخابي ومسألة التزكيات لا ترشح برلمانا يتمتع بمصداقية كبيرة جدا. هناك ضبابية وعدم وضوح والمستثمرون ينتظرون ماذا سيحدث بعد هذه الانتخابات وبعد ذلك يقررون ان كانوا سيستثمرون أم لا. وبالتالي هذه خسارة كبيرة بالنسبة لتونس ولا بد من الوضوح ولا بد من تعديل بعض الأوتار خاصة على مستوى المسائل السياسية وعلى مستوى قانون الانتخابات. ولا بد ان يتحول خطاب رئيس الجمهورية من خطاب متشنج إلى خطاب موحّد ومجمّع بدل ان يكون مقسما ولا بد من ان تنخرط كل الأطراف السياسية والاجتماعية في بناء تونس الغد ويجب تشريكها في الانتخابات وأعتقد انها الطريقة الوحيدة التي ستؤدي إلى الخروج من الأزمة.
○ إذن ما الحلول برأيكم لكل هذه الملفات؟
• أعتقد ان الإشكال الكبير منذ الثورة ان الاقتصاد التونسي يشتغل بجزء فقط والأجزاء الأخرى معطّلة خاصة على مستوى الاستثمار الخاص والذي بقي معطلا مند الثورة وهو لا يندفع في عملية الاستثمار بما انه شهد عقبات كبيرة اجتماعية. إذ ليس هناك استقرار اجتماعي وليس هناك استقرار على مستوى المشهد السياسي وهناك سياسات اقتصادية عطّلت الاستثمار الخاص. وفيما يتعلق بالسياسة النقدية والترفيع المتواصل في نسبة الفائدة، فقد أدت إلى الترفيع في الضغط الجبائي إلى مستويات عالية جدا وهي الأعلى في أفريقيا. لقد كانت تونس في حدود 20 في المئة في مستوى الضغط الجبائي في أفريقيا فأصبحت في حدود 25 في المئة وكل ذلك أدى إلى مخاطر عديدة وإلى وجود تكلفة كبيرة للاستثمار. يعني ذلك أن القطاع الذي يخلق الثورة هو قطاع معطل ولا بد من انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تدفع المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب إلى الاستثمار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية