«أحلامنا لا تتعدى أسوار مدينتنا»: ليبيون بلا هوية ينازعون للحصول على حقوقهم المشروعة من دون استجابة

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس-»القدس العربي: لم تستطع سنوات من الجدال الطويل حل مشكلة أصحاب الأرقام الإدارية في ليبيا، البديل المزيف من الرقم الوطني والذي منحته الدولة لشريحة من الليبيين العائدين من المهجر ممن لم يشملهم الحصر القديم للعائلات الليبية فظلوا على أرضهم بدون أي حقوق أو أوراق رسمية عدا رقم لا يمنحهم أي حق من حقوق المواطن الرئيسية.

ورغم تصاعد الحديث عن أصحاب الأرقام الإدارية لم تتمكن الدولة حتى الآن من فرض أي إجراءات إصلاحية لوضعهم، حيث يرفض بعض الليبيين منحهم الجنسية رسمياً بحجة أن بعضهم ليسوا من المواطنين الأصليين، بينما يحتج آخرون مهددين بتصعيد مستوى الاحتجاج إلى إيقاف بعض موارد الدولة كالنفط.

العائدون من المهجر

وأصحاب الأرقام الإدارية هم الليبيون العائدون من المهجر ومن لم يشملهم حصر عامي 1954 ـ 1964 للسكان، وقد تم منحهم الأرقام الإدارية في 2014 وعددهم 17 ألف أسرة تقريبا أغلبهم من التبو والطوارق.
وحسب دراسات أجرتها منظمات حقوقية فهناك العديد من فاقدي الجنسية أو ناقصي المواطنة، فحسب القرار 538 لسنة 1981 تم حصر أكثر من 14 ألف عائلة معنية من فئة الطوارق، ولكن لم يصدر قرار بمنح الجنسية إلا لـ 7102 عائلة منهم في عام 2009 بموجب القرار 328 ويمثل هذا العدد فئة محددة من الطوارق المقيدين في السجل المؤقت حتى عام 1981 فقط، ولا يشمل بقية الفئات من ناقصي المواطنة.
ويقول نشطاء من الجنوب الليبي بأن أعداد المواطنين الذين لم يتمكنوا من إثبات جنسيتهم الليبية أو الحصول على رقم وطني فاق 60 ألف مواطن.
وقد منحت الدولة لهذه الفئات رقما إداريا بديلا ومؤقتا، حيث ظهر الرقم الإداري لأول مرة في عام 2014 بعد احتجاج مجموعة من قبائل الطوارق جنوب غرب ليبيا وإقفال حقل الشرارة النفطي، كوسيلة ضغط على الحكومة من أجل اتمام إجراءاتهم القانونية ومنحهم أوراقا ثبوتية.
ولا يحق لحاملي الأرقام الإدارية في ليبيا العلاج في المستشفيات الحكومية أو الدراسة في المدارس العامة أو الإيفاد إلى الخارج أو استخراج جواز سفر، كما لا يتمتعون بالحقوق المدنية ومنها إضافة المواليد وفصل المتوفين ولا يحق لهم حتى المشاركة في الانتخابات.
ويحق لحاملي الأرقام الإدارية استخراج شفرات الاتصال بدل فاقد فقط، واستخراج ورقة الدفن للميت والحصول على السلع التموينية، ما ضاعف معاناتهم وجعلهم يحتجون مطالبين الحكومات المتوالية بوضع حد للمعاناة التي يعيشونها على أرضهم.

تصاعد احتجاج حاملي الأرقام الإدارية

ومؤخراً تصاعدت أصوات حاملي الأرقام الإدارية الليبيين معلنين رفضهم لقانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الصادرين عن لجنة 6+6 والمصادق عليهما من قبل مجلس النواب في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لتزيد بذلك الأعباء على البرلمان.
وأكد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفضه التام للقوانين الانتخابية، معتبرا إياها كأنها لم تكن لافتقارها إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية والوطنية، فيما اعتبر المجلس الاجتماعي الأعلى للطوارق أن حذف حق أصحاب الأرقام الإدارية في المشاركة في الانتخابات بمثابة «فيتو» على حقوقهم المشروعة ويعد تمييزا عنصريا واضحا وصريحا لمكون أصيل.
وتشير بعض المصادر إلى أن أكثرية «عديمي الجنسية أو حاملي الرقم الإداري» في ليبيا، يقطن معظمهم المنطقة الجنوبية والشرقية وأغلبهم من أبناء القبائل العربية والطوارق الذين هاجروا من ليبيا في فترة الاستعمار إلى دول الجوار مثل النيجر وتشاد وعادوا إلى ليبيا تباعا بعد الاستقلال عام 1951.
وتعود جذور قضية «أصحاب الأرقام الإدارية» في ليبيا إلى سبعينيات القرن العشرين، وخلال العقود اللاحقة مرت قصتهم بفصول ومراحل عديدة.
ويرجع محللون وسياسيون ليبيون هذه إلى فوضى التشريع وعدم تطبيق بعض القرارات التي تحصلت عليها بعض الفئات من عديمي الجنسية المتعلقة بمنح الجنسية مثل قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 328 لسنة 2009 بالموافقة على منح الجنسية العربية لبعض الأشخاص أغلبهم من الموظفين في الدولة الليبية في مختلف المجالات وقرار رقم 53 لسنة 2011 بشأن منح الجنسية لبعض عائلات الطوارق التي استوفت شروط الحصول على الجنسية أو إهمال التقدم بطلبات الحصول على الجنسية.

«لا نملك أوراقاً ثبوتية كافية لتحمينا»

فاطمة محمد هي إحدى صاحبات الأرقام الإدارية في ليبيا تقص لـ«القدس العربي» معاناتها وغيرها من أمثالها قائلة «نحن نعاني جدا خاصة الحالات المرضية المستعصية بيننا لا سبيل لنا للخروج لتلقي العلاج في الخارج فلا أوراق بحوزتنا ولسنا قادرين حتى على التسجيل في المدرسة بشكل نظامي وإن سجلنا فسيجري حرمان المتفوق منا من الخروج للدراسة في الخارج، ولا تتعدى أحلامنا أسوار مدينتنا بل أحياناً نخشى الخروج بسبب سوء الأوضاع الأمنية فنحن لا نملك أوراقاً ثبوتية كافية لتحمينا».
وتابعت فاطمة «الدولة الليبية أعطتنا بعض الوثائق المنعوتة بالأرقام الإدارية، لكي تثبت أننا غير ليبيين وليس العكس، حيث لم يشهد هذا أي تحسن منذ عشرات السنين والنتيجة أكثر من 13 ألف أسرة لا يحملون الجنسية وممنوعون من ممارسة أي حقوق سياسية أو مدنية».
واستطردت فاطمة «لا نريد حقوقاً سياسية، نريد أن نعيش كالبقية يكفينا أن نتحصل على الحقوق المدنية أسوة بالجميع وألا يتم اعتبارنا مجرد بيادق في الحروب، نريد أن نتساوى بالمكونات الأخرى».
وعن تعامل الحكومات معهم وتطور قضيتهم تابعت «حصلنا بالفعل على قرارات جنسية ولم تنفذ بسبب تجاهل ومزاجية المسؤولين، ودائما ما يغلقون هذا الملف حين يفتح، وقد رفض وزير الداخلية السابق في حكومة السراج تنفيذ هذه القرارات التي تستوفي الشروط القانونية».
وأضافت فاطمة قائلة «نطالب الجهات المسؤولة بتحديد من نحن في نظر الدولة، وتجديد قانون الجنسية وتعديله وعدم ظلم كل المواطنين والأطفال الذين يمنعون من إصدار نتائجهم الدراسية لأن المنظومة مرتبطة بالرقم الوطني، كما يمنعون من إتمام عقود الزواج إلا بالرقم الوطني، نريد فقط أن تنظر لنا الحكومات بعين الاعتبار، تظاهرنا لأيام واعتصمنا بلا أي نتيجة».
وقالت فاطمة إن المفارقة الحقوقية العجيبة والتي ما زالت هذه الشريحة من المواطنين الليبيين تعاني من تبعاتها السلبية على حياتها ومستقبل أبنائها، هي أن الرقم الإداري هذا رغم أنه صدر من الجسم التشريعي الأعلى في الدولة الليبية الحديثة كإجراء بديل عن الرقم الوطني وقيل في وقت صدوره أنه سيحل محل الرقم الوطني في العديد من المعاملات الإدارية للمواطنين المقيدين في السجل المؤقت لغاية ما يتم استكمال إجراءاتهم الثبوتية لكن ما كان بعد صدور الرقم الإداري بأيام مخالف شكلا ومضمونا لكل ما قيل».
وبألم أكملت حديثها قائلة «اكتشفت هذه الشريحة من الناس الحقيقة والحقيقة المرة التي جعلتهم في دوامة داخل الدوامة الكبيرة التي تدور فيها ليبيا منذ عام 2011 فقد اكتشفوا أن كل ما قيل لهم عن في البداية عن المعاملات الإدارية التي يمكن للرقم الإداري أن يحل محل الرقم الوطني فيه قطاعات الدولة الليبية المختلفة، مجرد كلام على ورق، الغرض منه إسكات صوت المنظمات الحقوقية الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان في ليبيا».

عجز الحكومات عن حل المشكلة

وليس من حق أصحاب الأرقام الإدارية من الليبيين البدون الحصول على تعيين لصالح الدولة أو حتى في المؤسسات الخاصة المعتبرة لعدم قدرتهم على إبرام عقود عمل ما يحرمهم حقهم في الحصول على مرتب شهري.
ومع عجز الحكومات المتتالية عن حل المشكلة أغلق محتجون في الجنوب الليبي في كانون الثاني/يناير الماضي حقل الشرارة احتجاجاً على هضم حقوقهم المشروعة والتي من بينها عدم النظر في مسألة أصحاب القرارات الإدارية.
وعقب ذلك اعتبر عميد بلدية سبها، بلحاج علي، أن مطالب المحتجين في حقل الشرارة مشروعة، موضحا أن أهمها هو تفعيل الأرقام الإدارية، للحصول على حقوقهم كمواطنين في بلادهم وهو الأمر الذي بات معضلة مستمرة لسنوات، مشيرا إلى مطالب أخرى بتوفير غاز الطهي والوقود والخدمات.
وفي اذار/مارس العام 2022 أعاد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، الحديث عن قضية الأرقام الإدارية خلال لقائه وفدا من الطوارق، إلا أنه لم يحدث أي تحرك فعلي على صعيد هذا الملف منذ ذلك الحين.
وقبل ذلك وفي عام 2021 أثار قرار أصدره رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، جدلا واسعا على المستوى المحلي، حيث تناول القضية المقفلة منذ سنوات والتي لم تقم أي حكومة على مدار سنوات بتناولها بجدية، مع إجراءات عملية وفعلية تمهيدا للتطبيق.
حيث أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، قرارًا يقضي بتشكيل لجنة مركزية تهتم بدراسة طلبات الحصول على الجنسية الليبية وإثبات صحة الانتماء للأصل الليبي لمجموعة من الفئات التي حددها وأعلن عنها القرار.
ويأتي هذا القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء تحت رقم 322 لسنة 2021 بناء على الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة مع وزير الداخلية وبعض الأجهزة والإدارات المختصة لمناقشة الصعوبات التي تواجه الحاصلين على الأرقام الإدارية، وكذلك أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب.
وقد شكلت هذه اللجنة برئاسة رئيس مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب، وعضوية كل من رئيس مصلحة الأحوال المدنية، ومدير إدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخلية، ومحمد علي العمامي، وإدارة الشؤون القانونية والشكاوى بديوان مجلس الوزراء، ورئيس مكتب الشؤون القانونية بمصلحة الأحوال المدنية، ومندوب عن جهاز المخابرات الليبية، ومندوب عن جهاز الأمن الداخلي، ورئيس مكتب الجنسية وشؤون الأجانب.
وتضمن القرار تحديد اختصاص اللجنة حيث نص على أن تتولى اللجنة مراجعة الإجراءات المحالة إليها من اللجان الفرعية للتأكد من مدى استيفائها الشروط والأوضاع القانونية، والبت في صحة نتائج أعمالها، وتكون قراراتها مسببة وبموافقة أغلبية أعضائها.
كما جاء في القرار تشكيل لجان فرعية بالمناطق على أن يصدر بشأنها قرار من وزير الداخلية، أن تتولى اللجان الفرعية استلام طلبات الحصول على الجنسية الليبية، لأبناء المواطنات الليبيات، وزوجة المواطن الليبي والأرملة الحاضنة والمطلقة الحاضنة، وأبناء المواطن المتجنس الذين لم يتم إدراجهم بشهادة جنسية والدهم، ومن كانت أصوله ليبية ولم يستطع إثبات انتمائه للأصل الليبي فضلا عن القرارات التي صدرت بمنح الجنسية والبت في مدى صحتها.
وتتولى اللجان الفرعية دراسة طلبات الحصول على الجنسية الليبية وإثبات صحة الانتماء للأصل الليبي المقيمين في دائرة اختصاصها وإبداء الرأي فيها، على أن تحيل نتائج أعمالها إلى اللجنة المركزية.
وجاء في المادة السادسة من القرار أن للجنة الاستعانة بمن ترى لزوم الاستعانة به في سبيل إنجاز أعمالها، كما حدَّدت المادة السادسة مكافأة مالية شهرية لرئيس وأعضاء اللجنة المركزية والفرعية بواقع 2000 دينار تصرف من وزارة الداخلية.
وقد أشعل هذا القرار جدلا بين الحكومة ومجلس النواب حيث وصف النائب طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان قرار الدبيبة بالخطير للغاية معتبرا أنه يهدد الأمن القومي للبلاد من الناحية الديموغرافية. كما أضاف حسب ما أفادت وسائل إعلام محلية، أنه طلب من النائب العام فتح تحقيق مع رئيس الحكومة بشأن قرار تشكيل لجنة لمنح الجنسية الليبية.
وتمضي السنوات وتتعاقب الحكومات ويتهرب المسؤولون من وضع حلول لمشكلة أصحاب الأرقام الإدارية لتلبقى آمال هذه الفئة معلقة بانتخابات بات مصيرها مجهولاً للحصول على حقوقهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية