العام والخاص في قضية مظاهرات الجامعات الأمريكية!

حجم الخط
0

هرمنا، وهرم محمد السطوحي في السر من وراء ظهرنا، حتى علمنا من تغطية قناة «الجزيرة» أن له ابنتين في الجامعة، تم اعتقالهن ضمن ألفي طالب من المتظاهرين في الجامعات الأمريكية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، ولم يكن قد أشار إلى ذلك، أو كتب عنه، فقد فعل هذا حافظ الميرازي، ليكون موضوع سؤال من ليلى الشيخلي في نهاية مداخلة له.
يغيب عني أحدهم وعندما أشاهد صوره في مناسبة ما أتأمله، لقد شاخ الفتى، فعشرُ سنوات كفيلة بهذا التحول، قبل أن أتذكر أنني هرمت أيضاً، لكن حضور السطوحي الدائم على شاشة «الجزيرة»، لا يجعل العين تلاحظ هذا التحول وآثار الشيخوخة، فلا يزال في عين مشاهديه هو الفتى اليافع، الذي كان يطل علينا عبر قناة النيل للأخبار، في عصرها الذهبي، رحم الله موتاكم!
وقد اختمرت القناة كفكرة في ذهن صفوت الشريف، وزير الإعلام، في الزيارة الشهيرة لمبارك للقناة، ودهشته لأن يخرج كل هذا من علبة الكبريت هذه، أو كما قال.
وقد أسند مهمتها لإعلامي مرموق هو حسن حامد، من خلال رئاسته لقطاع القنوات المتخصصة في ماسبيرو الذي تتبع له القناة، فاختار الكوادر بعناية، وكان من بينها محمد السطوحي، وكانت تجربة القناة واعدة ، فكتبتُ عنها هنا في هذه الزاوية مشيداً بها، لكن تأثير مفعول عبارة «التبكيت» التي اعتبرها صفوت الشريف موجهة له قد انتهى، ففقد حماسه للقناة، وكانت النهاية باختيار مديرين لها بعد رئاسة سميحة دحروج ، لم يكونوا على مستوى هذه التطلعات، وإن ظلت بعض الأسماء المتميزة عالقة في أذهاننا، وكان من بينها محمد السطوحي مراسل القناة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استمر هناك وانتقل من المراسل إلى المحلل!
يتميز الصحافي المحلل عن غيره، بأنه يدرك أن الخبر ضالته، فيدعم تحليله بالمعلومات، وهو أكثر وعياً من غيره بموضوع «وجاهة الفكرة وجاذبيتها»، فلا ينس نصيبه من ذلك، وهو ما يجعل لتحليل محمد السطوحي قيمة، والذي لا أتذكر أنني التقيته سوى عبر الشاشة، أومن خلال حضوره في منصات التواصل الاجتماعي، وقد كبر أمامنا، فلم ننتبه، حتى كان سؤال ليلى الشيخلي له، عن ما جرى لابنتيه، وكان واضحاً أنه ينأى بنفسه عن الخلط بين العام والخاص، فوصلت المعلومة عن طريق ما كتبه حافظ الميرازي، فأدركنا أن الفتى اليافع قد هرم!
وبما أنه قد هرم، يصبح من الطبيعي أن ينسب للأجيال القديمة من الصحافيين المصريين، والتي آلت إليها تقاليد صحافية غاية في التعسف، وهم يبالغون في الالتزام بها، ومنها هذا الفرز والتجنيب بين العام والخاص، وإن كان الخاص نفسه، يعطي العام وجاهته، ويحقق له الجاذبية المطلوبة، ولا نقول الإثارة لأنها مفردة سيئة السمعة!

يوم في حياة نورا وهبة:

لك أن تتخيل لو أن موضوع «نورا» و«هبة» محمد السطوحي، تم توظيفه اعلامياً لفهم هذه الحدث الفريد في أكثر من سبعين في المئة من الجامعات الأمريكية، كيف لطالبتين عاشتا في الغرب، أن تتفاعلا مع هذه القضية العربية، وحدود الدوافع الإنسانية في الموضوع؟، لأن من بين المعتصمين في الجامعات الأمريكية من ليسوا عرباً، وكيف جرى التحول في عقول الشباب الأمريكي، وقد تربوا على أن إسرائيل مجني عليها من محيطها الهمجي!!!، وأنها واحة الديمقراطية وسط غابة من الاستبداد!، فكيف تبددت الدعاية المستقرة في النفوس؟!
وهكذا نكتشف أن الخاص وثيق الصلة بالعام، وأن ما يتصوره السطوحي شأناً خاصاً يتجنب الحديث عنه، هو ما يخدم العام.
لقد أخذت ليلى الشيخلي ضيفها الى الخاص في نهاية اللقاء، ومن حديث الرئيس الأمريكي إلى اعتقال ابنتيه، وإذ طمأننا أنه جرى الافراج المؤقت عن «نورا» و«هبة»، على ذمة القضية، وتم فصلهما مؤقتا من الجامعة، فقد ذهب الى العام، فهما ضمن ألفي طالب وطالبة تم اعتقالهن!
يا إلهي، وعلى ذمة قضية؟، ولم يبق إلا أن يتم الإفراج بإجراءات احترازية، كهذه التي لا يزال زميل الوالد في قناة النيل للأخبار، قبل التحاقه بالجزيرة، محمود حسين يخضع لها، فرغم اخلاء سبيله بعد سنوات من السجن، استمر هذا الإجراء البغيض، الذي يمنعه من السفر، ويحد من حركته، فلا يغادر قريته إلا بعد الحصول على موافقة الضابط المسؤول!
فماذا بقي للولايات المتحدة الأمريكية من دعاية، بدأت بخطاب الزعيم الطلابي الإخواني مصطفى مؤمن: «إلى أمريكا زعيمة العالم الحر»، وانتهى بأنها واحة الديمقراطية وعنوانها، وهي إن تبين أنها ليست زعيمة العالم الحر، وراعية الاستبداد في عالمنا العربي، فإنها لم تفقد لياقتها بالداخل، لكن ها هو اللعب يصبح على المكشوف، وها هو الرئيس الأمريكي يبدو أمامنا «الخالق الناطق» كأي ديكتاتور عربي، وإذا بتراث مواجهة ثورة 2011 من جانب نظام مبارك، ينتقل إلى رأس البيت الأبيض!

موقعة الجمل الثانية:

مداخلة السطوحي على «الجزيرة» كانت للتعليق على خطاب بايدن في ذلك اليوم، وقد سكت الرئيس الأمريكي دهراً ونطق خطلا، فربط بين المظاهرات والعنف، وبين ادانتها للعدوان الإسرائيلي على أهل غزة وحصارهم وتجويعهم، بأنها مظاهرات معادية لليهود وللسامية، وقال إن المعتصمين اعتدوا على الطلاب الآخرين!
ولم يبق لإعلام الرئيس الأمريكي سوى أن يذيع أن هناك من يدفع لكل متظاهر خمسين دولاراً في اليوم ووجبة كنتاكي، كما كانت دعاية إعلام مبارك في أيام الثورة، بجانب مداخلة من «تامر بتاع غمرة»، وصاحب المداخلة الشهيرة في التلفزيون المصري، وكيف أنه كان في ميدان التحرير، وشاهد أناساً يتحدثون بالإنكليزي.. وسيكون لائقاً أن يقال إن المندسين في الجامعات الأمريكية يتحدثون العربية!
يكذب بايدن، ويتحرى الكذب، كأي ديكتاتور من حلفائه العرب، وهو يتحدث عن معاداة اليهود والسامية، ويقول إن الطلاب المتظاهرين اعتدوا على الآخرين، وبجانب مشاهد سحل الأمن الأمريكي (كأمن الحلفاء) للمتظاهرين السلميين طلاباً وأساتذة، فإن الأمن الأمريكي اختفى في واحدة من الجامعات ليفسح المجال للمتطرفين اليهود للاعتداء على المتظاهرين السلميين، وممارسة الردع البدني ضدهم، في غياب كامل لدولة القانون!
يا إلهي، إنه يستلهم تجربة موقعة الجمل، التي قامت بها أجهزة الأمن ضد الثورة المصرية بالسماح للخيل والبغال والحمير والشبيحة باقتحام ميدان التحرير وطرد المتظاهرين، وفي الحالتين فشلت الخطة، فمن أين تعلم القوم هذه الحيل، وكيف لهم أن يكونوا فشلة كحلفائهم في عالمنا العربي؟!
إنه من جاور القوم…!

أرض – جو:

هل لا يزال أحد يتذكر قناة «القاهرة الإخبارية»؟ هذه التجربة التي سوق لها القوم كما لو كانوا سيصنعون بها مجداً اعلامياً، فاذا بها تنتهي نهاية «اكستر نيوز»، و«دي إم سي»، وكأن القوم متخصصون في الفشل، وقد صاروا أصحاب خبرة عريقة فيه.
الأحداث في غزة مشتعلة، فهل شاهدت انفراداً في التغطية، أو فيديو يجذب الانتباه؟ والأصل أن الأجهزة المالكة للقناة تملك من الأخبار مالا يمكن لأي قناة أخرى أن تحصل عليه، لاسيما في مجال التفاوض، لك أن تتخيل لو تم تسريب بعض هذه الأخبار لإحياء القناة التي ولدت ميتة، لكنها أزمة غياب الكفاءة المهنية، فالأمر لا يحتاج لحرية سقفها السماء، أو غير ذلك من دعاية، الأمر يحتاج للنظر للمهنة باعتبارها الفريضة الغائبة!
لو مال يتامى الذي أنفق على هذه القنوات لما فشلت بهذا الشكل!
بعيداً عن القاهرة الإخبارية، فقد تكون منافسة الجزيرة في مجال التغطية لأي حدث ضرباً من الخيال، وكناطح صخرة يوماً ليوهنها، فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل. انما يمكن الرضا بالمكتوب في التقرير، والصورة، والمقابلة، والبرامج، أو تكون «العربية» فتصطف مع العدو، وأيضاً لن يشاهدك العدو ولا الحليف!

صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية