النضال بلا نضال!

حجم الخط
1

أصحاب التفاؤل بالوصفات السحرية السياسية يرون عدم الحاجة الفلسطينية للنضال في وجه الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن الاحتلال لا بد أن يندثر ضمن معايير حتمية داخلية وظروف اقتصادية واجتماعية وايديولوجية ستؤدي إلى انتهاء الاحتلال وزواله واستسلام إسرائيل لواقعٍ لطالما رفضته.
ينطلق هؤلاء من القناعة الكبيرة بأن التركيبة السكانية الإسرائيلية وحجم التناقضات واختلاف الرؤى والعبء الذي يشكله المتدينون ومدارسهم الدينية على الخزينة الإسرائيلية، واختلافهم المبدئي والمعنوي مع بقية المجتمع، وتململ الطبقات الاجتماعية الأخرى من حاجة تلك الطبقات للتضحية بمساهماتها الضريبية والمادية، والمساعدات الخارجية باتجاه تحمل أعباء هؤلاء المتدينين، سواء من باب تحفظهم على المشاركة في الجيش أو إصرارهم على استغلال موارد الدولة باتجاه خدمة مواقفهم وتصرفاتهم العقائدية، ستؤثر مجتمعة وبصورة سلبية على نسيج الاحتلال وحظوظه في الاستدامة. ناهيكم عن التركيبة الطبقية التراكمية لمخرجات الهجرات اليهودية المتعاقبة والتمييز الاجتماعي والصحي والاقتصادي بين اليهود القادمين على اختلاف منابتهم. وعليه فإن دولة الاحتلال لا تستطيع أن تنكر حجم التناقضات القائمة بين اليهود المنحدرين من أصول أوروبية وأمريكية، وأولئك المنحدرين من أصول افريقية وعربية والبقية المنحدرة من دول المعسكر الشرقي سابقاً.
وقد شكلت ظواهر الشقاق المجتمعي القائمة على التفرقة الاجتماعية والخدماتية وحرب التحاصص المالي، قناعة دفعت زعماء الدولة العبرية للحديث في الخفاء والعلن عن عوامل التفكك، وخطورة ربط مواطني الدولة وبقائهم في إسرائيل بقدر الدعم المادي المتاح، واعتمادهم في تجانسهم على وفرة الامتيازات والتسهيلات والفرص التي تقدمها الدولة لمستوطنيها ومواطنيها ومتدينيها، وتأثير ذلك على الولاء للمشروع الصهيوني برمته. أمورٌ لو استفحلت لأدت كما يرى هؤلاء إلى تفوق ظاهرة الدولة الانتفاعية المصلحية على نظرية الدولة العقائدية الأيديولوجية.
وأمام الصراع الطبقي وحــــرب المصالح ومعارك المتدينين مع المجتمع والعبء الذي يشكله المستوطنون وقناعة العالم بتضاؤل التقبل السابق لحجة بقاء الاحتلال، كلها مجتمعة، تشــكل قناعة راسخة أمام البعض بأن إسرائيل ستصل إلى نتيجة تلقائية بضرورة تصفية احتلالها للتركيز على لملمة أمورها الداخلية وترابط مجتمعها خشية من انهيار مشروع الدولة بأكمله.
ومع تفكك الأحزاب الكبيرة واضطراب الحياة السياسية بظهور أحزابٍ مؤقتة وتشرذم الأحزاب التقليدية وتحكم الأحزاب الدينية المتعصبة في تكوين الحكومات، فإن مشروع الدولة الحلم سيواجه تحدياً كبيراً، بل ان البعض يرى انه لولا الانقسام الفلسطيني لكانت المعركة الديموغرافية بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد أثرت على طبيعة الصراع، باعتبار أن الكتلة البشرية الفلسطينية ما زالت موحدة ومتجانسة في رغبتها بإنهاء الاحتلال، لكن فصائلها ممزقة ومنقسمة بصورة أدت إلى تشتيت الرسالة وضياع القدرة على التركيز على إنهاء الاحتلال، خاصة في ظل الزمن الذي نعيش وما يملكه من تجليات أخرجت الناس عن صمتها وخضوعها للظلم وطلاقها لترددها السابق في إدارة المعركة بصدورها العارية لا بترسانتها المسلحة. لذا فان وصفة النضال بلا نضال ربما تكون وصفة سحرية لتصفية الاحتلال، لكنها حتماً لن تتم في ظل الانقسام والشرذمة الفلسطينية، وفي ظل استدامة الدعم المالي المتدفق على دولة الاحتلال مدعوماً بقوى الضغط المختلفة المالكة للقرار والمال والنفوذ… النضال بلا نضال في ظل بقاء مجمل المنغصات الحالية لن يكون إلا كحلمٍ لأبليس في جنة لن يطالها!
كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد يعقوب:

    هناك نسبة كبيرة من الصدق فى التحليل للمجتمع الإسرائيلى والتباينات بين أفراده سواء بسبب المنشأ أو اللون أو التدين. المجتمع الإسرائيلى ومهما بلغت قوة دولته وعنجهيتها وضربها بعرض الحائط بكل القوانين الدولية والتصرف كعصابة وهى فعلا كذلك، هذا المجتمع يعرف ويؤمن فى قرارة نفسه أن الرواية الصهيونية عن أرض الميعاد وأرض العسل واللبن، كلها كذب وتدليس وخداع وإفك. المشروع الصهيونى قام على الكذب والخداع وإستغلال الظروف والخيانة. بريطانيا التى تبنت المشروع الصهيونى خدمة لمصالحها وفى مقدمتها حماية الملاحة فى قناة السويس. قامت بإقناع الأوروبيين الذين كانوا يمقتون اليهود وتعاملاتهم الربوية وغيرها، أقنعتهم بأن الخلاص من اليهود لن يتم إلا بإيجاد وطن خاص بهم وتعهدت بريطانيا المجرمة بتوفير هذا الوطن على حساب العرب الذين خانتهم ونقضت عهدها معهم بإعطاءهم الإستغلال بعد وقوفهم الى جانبها ضد الإمبراطورية العثمانية التى كانت آيلة للسقوط. أوروبا تخلصت من اليهود وساعدت على إغتصابهم لفلسطين وإستمرت فى حقن هذه الدولة بكل أسباب الحياة. فعلا المجتمع اليهودى شعب متنافر لا رابط بينهم سوى ما يحصلون عليه من دولتهم من إمتيازات سواء كانت السكن أو غيره. الذى أعطى الإستمرارية لهذا الشعب أن يبقى حتى يومنا الحاضر هو الأمان الذى يعيش به بفضل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية التى تعتبر العين الساهرة للحفاظ على أمن المستوطنين. ساعد هذه الأجهزة أجهزة أخرى هى المصرية التى نتجت عن إتفاقية كامب دافيد. مصر والسلطة الفلسطينية هما المسؤولتان عن بقاء إسرائيل حتى يومنا الحاضر بفضل الأمن الذى وفرتاه لها. طبعا لا ننسى مليارات الدولارات التى تنهال على إسرائيل شهريا ويوميا والحماية لها من الدول العظمى التى تمنع حتى توجيه لوم لها وأصبحت إسرائيل بفضل كل هذا وذاك دولة مارقة لا تحترم أى قانون وتعربد فى المنطقة كيفما تشاء. أوافق مع الدكتور صيدم على أن إنهيار إسرائيل سيتم من الداخل فقط لأن الأمة العربية لا تفكر أصلا مجرد تفكير على محاربة إسرائيل، بل بالعكس كل تفكيرها وإتجاهاتها تنصب على إقامة علاقات سرية مع إسرائيل سواء كانت تجارية أو إستثمارية أو غيرها. أعتقد أن إنهيار إسرائيل لن يتم فى جيلنا الحاضر طالما لدينا هذه النوعية من القادة العرب المتخاذلين حتى لا أقول كلمة أخرى أقرب للحقيقة….

إشترك في قائمتنا البريدية