الرواية الفائزة بالبوكر العربية 2024… «قناع بلون السماء» للفلسطيني باسم خندقجي: وهم الحرية المزعوم والسلام الزائف

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: «أنا هو المسخ الذي وُلد من رحم النكبة والأزقّة والحيرة والصمْت!»
«أهذا رصاص احتلالي أم شجار مسلّح بين جماعتين متصارعتين على الوهم!» (الرواية)

نالت رواية الفلسطيني باسم خندقجي «قناع بلون السماء» الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2024 في دورتها الـ17، التي جاء في حيثياتها التي أعلنها الكاتب نبيل سليمان رئيس لجنة التحكيم.. «يندغم في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة. روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفكِكاً الواقع المعقد المرير، والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقّد فيها النبض الإنساني، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوّه البشر، أفراداً ومجتمعات. إنها رواية تعلن الحب والصداقة هويةً للإنسان فوق كل الانتماءات».
وباسم خندقجي قضى في السجون الإسرائيلية ما يُقارب العشرين عاما، حيث اعتقلته السلطات الإسرائيلية عام 2004 بعد تخرّجه في جامعة (النجاح الوطنية) في قسم الصحافة والإعلام، وحُكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرّات. وخلال فترة السجن كتب خندقجي مجموعتين شعريتين.. «طقوس المرّة الأولى» 2010، و«أنفاس قصيدة ليلية» 2013. ثم روايات، «نرجس العزلة» 2017، «خسوف بدر الدين» 2019، و«أنفاس امرأة مخذولة» 2020. وفي العام نفسه بدأ في ثلاثيته (المرايا)، فكتب «قناع بلون السماء» 2022، إضافة إلى روايتين ستُنشران تباعا بعنوان «سادن المحرقة» و«شياطين مريم الجليلية». وستصدران كما أولى الثلاثية عن دار الآداب في بيروت.

حرية مزعومة

لم تتواتر أحداث الرواية وفق روايات أدب السجون، فالبطل حر طليق ـ هكذا يظن ـ يتحايل ويحمل هوية مزيفة آملاً أنه بذلك تتحقق حريته أكثر، ولكنه يكتشف أنها حرية وهمية، كما السلام الموهوم، وما السجن التقليدي إلا نموذج مصغر لسجن أكبر يحيط الجميع. من هنا تأتي شخصية (نور) المتحرر الواهم، و(مراد) صديقه والسجين الفعلي، الذي تم اختطافه وهو يسير إلى جواره في الطريق، ليقضي باقي سنواته في السجن. وعن طريق الرسائل بينهما تتكشف معالم الرواية، أو حكاية الناس والمكان، ومناقشة العديد من الأفكار، بعيداً عن كليشيهات الكتابات الفلسطينية المعهودة، أو ما قد يتبادر إلى الذهن، إذا ما عرفنا أن الرواية لكاتب فلسطيني.

إرهابي قديم

(نور) هو ابن لمناضل سابق، قضى في السجون الإسرائيلية خمسة أعوام، حيث كانت عقوبته السجن المؤبد لربع قرن، لكنه خرج بعد توقيع معاهدة أوسلو. إلا أن الرجل بعد خروجه فرض على نفسه سجناً آخر هو العزلة، وانحسر نضاله في بيع الشاي والقهوة، بعدما أصبح رفاق النضال يرتعون في أضواء السلطة الزائفة، وقد وصفوا نضاله/نضالهم بالإرهاب.

باسم خندقجي

مريم الأخرى

من خلال الرسائل نتتبع أفكار (نور) الباحث الأثري حول كتابته لرواية، والحيرة في اختيار شخصيتها الرئيسية، التي ربما يمكنه عبرها التعبير عن أفكاره، ليستقر على شخصية (مريم المجدلية)، محاولاً كتابة تاريخها الحقيقي، وليس التاريخ المعهود، وهنا يعقد المقارنه بين شخصيتها التي يريد، وشخصيتها في رواية «شيفرة دافنشي» لدان براون، التي يراها أسطرة حكاية من هذه الأرض أراد براون ومَن هم على شاكلته تصديقها، والتعامل التاريخي من خلالها، وهنا تتماس هذه الشخصية والحكاية الفلسطينة بأكملها، فهكذا تُصاغ الأسطورة/الحكاية، وعلى الجميع التعامل معها فقط وفق وجهة النظر هذه.

نور العبري

وفي سبيل كتابة الرواية، وبالتبعية حرية البحث في الأرض المحتلة، يشعر نور بأنه سجين، لكن الحل الصدفوي أو القدري يحدث، فعند ذهابه إلى سوق الخردوات، يشتري معطفاً ليجد في داخله بطاقة هوية زرقاء لشخص يُدعى «أور شابيرا» (أور) الذي يعني بالعبرية (نور). ومن خلال هذه البطاقة يُتاح له التنقل والتحرك بسهولة، بل الالتحاق ببعثة أثرية يحاول من خلالها تحقيق هدفه، أو وجوده كما كان يظن. هذا القناع (الاسم) و(الهوية) أصبح يمثل ثقلاً لا يُحتمل، ويلعب الكاتب على معنى قناع بالعبرية (مِسخ)، ليتضح معناه الدلالي في اللغة العربية.. (مسخ). وما بين هوية مُنتحَلة وأخرى لم توجد بعد، فهو ينتمي إلى مخيم في رام الله لا اسم له.. «ليس ثمة معنى لاسم المخيّم الفلسطينيّ، إلا عندما تُرتكب فيه المجزرة، ليصبح اسماً من أسماء المآسي في تاريخ الإنسانيّة، عندها يصبح اسمه مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا أو جنين أو الشاطئ. وأما مُخيّمه هو، فلم تُرتكب فيه بعد أي مجزرة».

قناع بلون السماء

ولكن، ماذا عن لون السماء، فالسجن لا سماء له، سجن كبير يسع الجميع وسع السماء المشوّهَة، هذا القناع/المسخ، والمشوّه بدوره، يمكن أن يظهر في حالة واحدة فقط، نجدها في هذا الحوار الداخلي بين (نور) و(أور)..
«أور: أنتَ أصبحْتَ إنسانا خلال هذه المدّة بفضلي أنا.. بفضل هويّتي
نور: فإذا ما نزعْتُ قناعَكَ الآن، أفلا أصيرُ إنسانا؟
أور: …..
نور: أجبني.. أرجوك..
أور: حسنا..
لا أعلم.. ربّما، لكنّني أخشى من اختفائي أنا إذا ما أصبحتَ أنتَ إنسانا!».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية