كيف تحمين أطفالك من الآثار السلبية للإدمان على استخدام مواقع التواصل الإجتماعي؟

حجم الخط
1

لندن – «القدس العربي»: لمواقع التواصل الاجتماعي(التويتر وفيسبوك ويوتيوب وغيرها) سلبياتها وإيجابتها، وقد تكون السلبيات أشد أثرا في تماسك الأسرة والعلاقات الإجتماعية المباشرة. فالصغار قبل الكبار ينشغلون في معظم الأوقات بأجهزة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول «الموبايل» أو الـ«IPADS» وغيرها من الوسائل الحديثة التي أصبح من الصعب الاستغناء عنها، والتي أحدثت نقلة وثورة حقيقية في التواصل والتقارب والتعارف على طول الكرة الأرضية وعرضها.

آثار نفسية

الدكتور وليد خالد عبدالحميد الإستشاري في الطب النفسي والأستاذ المشارك في جامعة لندن تحدث لـ»القدس العربي» عن خطورة استخدامات هذه المواقع بالطرق الخاطئة وخاصة بالنسبة للأطفال فأكد إن الإدمان على الأجهزة الالكترونية بما في ذلك الموبايل الأكثر استخداما لخفة وزنه وكونه متحركا وذكيا وتتوفر فيه كل خدمات الانترنت المتنوعة، يكمن في ان الأطفال يجلسون لساعات طويلة أمام هذه الأجهزة وهذا يؤثر على الصحة النفسية والبدنية لهم، وتجعلهم يحبون العزلة. وخطورة الأمر أن مواقع التواصل الاجتماعي هذه قد تظهر فيديوهات وصورا غير مناسبة للأطفال، ولا يستطيع الأهل مراقبة كل ما يتابعه أطفالهم. المشكلة الأخرى في الإنعزال والعصبية والكسل وقلة الحركة وقد يتأثر الطفل بمشاهد العنف ويعتبره مسألة عادية ويقوم هو بممارسة العنف.
ويضيف «للأسف يعيش الصغير أو الكبير في عالم افتراضي يبعده عن الواقع وهذا يؤدي الى تأثر قابلية الإنسان على تعلم مهارات جديدة. الدراسات الحديثة أثبتت ان هذه المواقع تؤثر على القدرات العقلية، وتنشىء أشخاصا غير أسوياء. وهناك مشكلة أخرى لا ينتبه لها الأهل هي ان الكبار نموذج يقتدى به بالنسبة للصغار وبالتالي عندما يرى الطفل ان والده أو أمه يستخدمان الموبايل في كل مكان في المطبخ وغرفة النوم ولساعات طويلة فيعتبر ان الموضوع عاديا ويقوم بالتقليد، وهنا يلام الأهل لأنهم أهملوا أولادهم وجعلوا هذه الأجهزة تسيطر عليهم. هناك إهمال كبير من بعض الأسر من الطبيعي ان يؤدي الى انتشار هذه الظاهرة وأنصح الأهالي ان يحددوا أوقاتا معينة لأستخدام الكمبيوتر والموبايل دون اشعارهم بأنهم تحت المراقبة. وهناك برامج متخصصة تجعل الأسرة تسيطر على بعض المواقع الالكترونية غير المناسبة للأطفال قد تساعد في موضوع الحماية لما يتابعون حتى ولو إلى حين».
وينصح الدكتور وليد عبدالحميد بالجدية والإهتمام ومعرفة مدى خطورة هذه الظاهرة التي تسبب الإدمان والذي من الصعب التخلص منه، كما ويشير الى ان هذا الإدمان يولد أمراضا اجتماعية وصحية ومن الضروري ان يدرك الأهل حجم الخطر. ويؤكد على ضرورة اتخاذ حلول تربوية حديثة في علاج هذه الظاهرة، فمثلا لا يتم التعامل مع الأطفال بشكل صارم أو بالقوة في حال رفض الطفل التوقف عن استخدام الكمبيوتر أو الموبايل بل بايجاد الوسائل لإقناعه بهدوء عن طريق إشغاله في أمور تفيده كالمطالعة، الرسم، الرياضة، زيارة الأقارب والأصدقاء أو النشاطات المجتمعية.

ايجابيات التواصل الإجتماعي

أما بالنسبة لايجابيات مواقع التواصل يقول محمد بهجة باحث الدكتوراه في مواقع التواصل الإجتماعي(جامعة برونيل- لندن) لـ»القدس العربي»: هذه المواقع تتيح التواصل مع العالم الخارجي وتقرب المسافات وتساهم في تبادل الآراء ومعرفة ثقافات الآخرين، كما تفتح مجالات كبيرة لإطلاق الابداعات والمشاريع الشبابية والتي تهدف الى تنمية وإصلاح المجتمع، وقد ساهمت هذه المواقع في اسقاط أنظمة حكم ديكتاتورية، ولابد من الإشارة الى أنها ساهمت في ايجاد وتوفير فرص عمل بالإضافة الى أنها فرصة لنشر البحوث العلمية والإنسانية ومكنت من التواصل مع الشخصيات المؤثرة سياسيا واجتماعيا وفنيا حول العالم، وقد سمحت أيضا بإجراء المحادثات الفورية والتفاعل المباشر بين البشر وكسرت احتكار المعلومة. ويضيف «كل هذه الإستخدامات لم تكن لتتوفر في زمن الإعلام التقليدي واحتكار المعلومة، وقتها لم يكن الأمر بهذه السهولة، وهنا أتوقف عند الحوارات السياسية بعد سنين من الكبت والحرمان من التعبير عن الرأي أعطت هذه المواقع فرصة ذهبية للمتحاورين بكل حرية حتى لو أضطر البعض الى ان يخفي نفسه بأسم مستعار وشخصية أفتراضية. من إيجابياتها أيضا أنها نقطة تواصل آني فبمجرد مايحدث الخبر يتم تداوله من قبل النشطاء والحقوقيين في توثيقه وكان ذلك واضحا في الحرب الأخيرة على غزة بشكل خاص حتى أصبحت هذه المواقع مصدرا مهما لوسائل الإعلام المختلفة».
ويعتبر بهجة «أن عامل السرعة مهم جدا في نقل الأخبار وهذه من الميزات المتوفرة في هذه المواقع خاصة مع استخدام الموبايلات الذكية بين الناس أصبح المواطن هو الصحافي الذي ينشر ما يصوره من أحداث مهمة وبشكل سريع ومباشر وهي تسمح بنشر المعلومة بشتى الطرق سواء كانت المرئية، المقروئة أو المصورة».
أما عن سلبياتها فيشير الى أنه على الرغم من كل ما لهذه المواقع الالكترونية من إهتمام كبير وشعبية متعاظمة بين الناس وتحديدا الشباب لكنها تترك آثارا قد تتسبب في تهديد الأمن الاجتماعي، باعتبارها مركزا لنشر صور الرعب والخوف والقتل والإرهاب والجنس وغياب الرقابة على هذه المواقع يؤدي الى عدم شعور المستخدم بالمسؤولية. ومن ناحية أخرى فقد أصبحت بؤرة لضياع وقت المراهقين وابتعادهم عن مطالعة الكتب وواجباتهم المدرسية، مما يؤدي الى عزلتهم عن واقع الأسرة وعن المشاركة في النشاطات المجتمعية وإنعدام الخصوصية الذي يؤدي الى مشاكل نفسية ومادية.

حلول مقترحة

وعن الحلول الضرورية لحماية المستخدمين من الأطفال تحديدا يؤكد على «أهمية إدارة ومراقبة ووضع قوانين تدير محتوى مواقع التواصل الاجتماعي» ويقول «انه أمر مهم جدا لان هذه البيئة مفتوحة للجميع ومن الضروري توفير نوع من الحماية خاصة ان هذه المواقع تحتوي على فيديوهات وصور لا تناسب فئة الأطفال، على سبيل المثال قطع الرؤوس ومناظر العنف أمر خطير جدا وتزيد من الرواسب السلبية في عقول وأذهان الأطفال وتحديدا المراهقين وتشجعهم وترسل لهم بعض الرسائل السلبية لتقبل مثل هذه الصور غير الطبيعية فتصبح بالنسبة للطفل صورا عادية ويمكنه ان يقلد هذه السلوكيات المرعبة والمخيفة وقد حدثت بعض القصص الواقعية حيث قلد مراهقون بعض مشاهد العنف لمجرد حب المعرفة والإكتشاف».

خطوات فعالة لحماية الأطفال

ويضيف محمد بهحة «كنا ننادي دائما بسن قوانين تنقح هذا المحتوى من أي شوائب قد تؤثر على الفئات العمرية الصغيرة لكن الأمر يتسارع بشكل مرعب جدا بسبب انتشار الموبايلات في أيدي الصغار، لذلك أصبح الصغير قبل الكبير يصل الى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع ومفرط ولابد من اتخاذ خطوات جريئة لحماية الأطفال من هذه المواقع. وأنا كمختص في مجال مواقع التواصل الإجتماعي وكباحث في مرحلة الدكتوراه اتابع أهم البحوث والدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، وهي تؤكد أن هناك نسبة كبيرة من المواقع التي من شبه المستحيل ان تتم السيطرة عليها الا بتكاتف جهود جميع أطراف المجتمع بمن فيهم الأسرة، فهي المفتاح الأساسي وهي المراقب الحقيقي للطفل وفي حال عدم توفر الوقت لدى الوالدين للانتباه ولمتابعة ما يراه أطفالهم في هذه المواقع، يجب تحديد هذه الأجهزة بأمور قد تنفع الطفل وتوجهه لإستخدامها في الدراسة والبحث العلمي والهوايات.
صحيح ان هناك جوانب مفيدة لهذه المواقع الا ان استخدامها الخاطئ له سلبياته، فهي سلاح ذو حدين يجب عدم السماح للأطفال بالوصول اليه في كل الأوقات. لماذا لا نرجع لزمن المطالعة والقراءة والتواصل مع الأقارب والأصدقاء؟.

تجارب حقيقية

ياسمين كجي أم لطفلين تقول انه بسبب عملها تسمح لأطفالها باللعب ومشاهدة برامج الأطفال من خلال الموبايل أو الكمبيوتر لكنها بدأت تشعر ان أطفالها أصبحوا يجلسون ساعات طويلة أمام هذه الأجهزة دون ان يشعروا بالملل ولا حتى الجوع وأصبحوا لا يسمعون الكلام ويرفضون الخروج من البيت الا اذا أخذوا الموبايل أو غيره من الأجهزة معهم. وتضيف «المشكلة زادت تعقيدا فأستعمال الموبايل بشكل متواصل لدى الكبار وفي كل مكان يجعل الطفل يقلد ويعتبر الأمر طبيعيا، قلت لابني الصغير الذي يبلغ من العمر 4 سنوات فقط يجب ان تعطيني الموبايل لأنه حان وقت نومك فأجابني قائلا:»لماذا اذا تأخذي انت موبايلك الى السرير عندما تذهبين للنوم؟» في الحقيقة لم استطع الإجابة على سؤاله ونحن كأمهات أو آباء نتحمل المسؤولية أيضا فبسبب إنشغالاتنا الكثيرة ندع أولادنا يستخدمون هذه الأجهزة وبعدها نلومهم ونحملهم الذنب، أنا أخاف من ان تتغير سلوكيات أطفالي بسبب هذه المواقع. لدي جارة اكتشفت بالصدفة أن ابنها البالغ من العمر 11 سنة يتابع مواقع إباحية وجنسية وعندما يتحدث التربويون عن ان الأسرة مسؤولة عن ذلك ويجب أن تراقب أولادها أقول لهم كيف يمكن ان يتوفر ذلك عندما يكون الوالدان في العمل وهل من طرق تحمي الأبناء من هذه المواقع؟».
جيهان زين العابدين أم لثلاثة أطفال تقول «ان الايجابية تكمن في البحث عن المعلومات، فعندما لا أستطيع أن أجيب أبني على سؤال معين يستطيع هو البحث عن اجابات لأسئلته من خلال المواقع وهذا بحد ذاته يساعده على البحث في أمور العلم والحياة لكن السلبيات كثيرة، فعلى الرغم من متابعتي الدائمة لما يشاهده أطفالي إلا أني لا أستطيع مراقبة كل التفاصيل وأنزعج كثيرا عندما أراهم يجلسون لساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر أو الموبايل، أحيانا أقوم بمنعهم من اللعب بها وأطلب منهم أن يتفرغوا للدراسة أو المطالعة وآخذ منهم هذه الأجهزة بالقوة وتكون ردة فعلهم غاضبة جدا وينتهي الأمر بأن يرضخوا لشروطي التي تلزمهم بمراجعة دروسهم حتى أعيد لهم هذه الأجهزة». وتضيف المشكلة أن الأولاد أصبحوا أنطوائيين ولا يجيدون فن التواصل ولا حتى الحديث مع الآخرين بشكل طبيعي كما كنا نفعل نحن عندما كنا صغارا كانت هناك قيمة للتواصل المباشر بين أفراد الأسرة، كنا نجلس ونتحادث ونتناقش في مجمل الأمور، كانت أواصــر التماسك والتواصل قوية أما الآن فحتى نحن ككبار منشغلون بهذه الأجهزة التي تقرب المسافات فعلا بيننا كأصدقاء وكـأهـــل لكنها تحرمنا من الزيارات والعلاقات الاجتماعية ذات القيمة الإنسانية الراقية.

وجدان الربيعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Bashair:

    بارك الله جهودكم في هذا الموضوع لانه حقيقه ادمان خطير يؤثر على عقول جيل كامل و تأثيره السلبي على سلوكياتهم
    شكرًا على هذه المقاله وضيوفك الكرام لهذه المعلومات و الحلول.

إشترك في قائمتنا البريدية