أريج النصراوية تصنع بريشتها من الحزن أملا

حجم الخط
0

الناصرة – «القدس العربي»: ما زالت في مطلع العشرينات لكن أحلامها كبيرة، عيونها على العالمية، غنية بمعرفتها، تنظر بعمق وتتقن ترجمة أفكارها ومشاعرها للغة الرموز في ريشة خلاقة. أريج إدوار لاون (23) من الناصرة رافقتها موهبة الرسم منذ طفولتها فزاولتها مبكرا ولما بلغت سن الرشد نجحت بجمع بطيختي الفنون والرياضيات بيد واحدة. في جامعة حيفا درست الرياضيات والفنون جامعة بين الأرقــام والألــــوان وكأنهما غير متنافرين. تحب أريج النحت أيضا لكن قلبها مسكون بحب الرسم على أنواعه من الرصاص حتى الزيت والرسم الثلاثي الأبعاد.
بعد عدة معارض فردية في حيفا، طرعان والناصرة حيث نظمت معرضا بعنوان «خيالات واقعية» لوحاته مستوحاة من الخيال لكنها تروي الواقع. واليوم تستعد لاون لتنظيم معرض خاص بإبداعاتها نهاية الشهر الحالي يحتضنه متحف محمود درويش في رام الله. «حديث الناس» تمتعت بالتوقف عند لوحاتها للتأمل بجماليتها، مضامينها وإيحاءاتها. تدلل رسومات الرسامة النصراوية الواعدة أن الحزن يستهويها فتكثر موتيفات الطفولة البائسة أو الحزينة وآثار الحروب. أبرز رسومات أريج لوحة تستوقف الزائر وتبقى في ذاكرته وفيها تظهر ثلاث نساء تتقاسم العيون الواسعة كعيون المها وإن كانت بلون أخضر تنسجم مع ألوان ثوب فلسطيني تراثي ترتديه كل منهن. وتوافق الرسامة المتميزة بوعي سياسي رغم عدم انحيازها لحزب معيّن على أن هذه اللوحة ترمز لصمود الشعب الفلسطيني وتشبثه بالحياة الحّرة الكريمة وبالأمل رغم الحزن والألم والجراح.
وكما هو في الواقع أحيانا تبدو كل من النساء الثلاث قد تعالت على جراحها فدفنت حزنها وأبرزت قوتها من أجل أولادها وعائلتها ومجتمعها. في اللوحة تبدو المرأتان في الجانبين تحاولان إخفاء ملامح حزينة في وجه المرأة الوسطى وسوية يشكّلن صورة جميلة لافتة للمرأة الفلسطينية. وتستخدم أريج موتيف الفراشات المعبرة بقوة عن الحلم بالحرية في لوحة زاهية الألوان.
وتختار أريج وجهة المرأة للتعبير عن رواية الشعب الفلسطيني بكل ما فيها فتطل بواحدة من لوحاتها سيدة عجوز دارت عليها الأيام، تنطق ملامحها بالمعاناة والقوة والتحدي.
في لوحة أخرى يظهر زوجان خلفهما الجدار تطل بفضائها حمامة السلام وأضواء تتسرب من فتحة الجدار ترمز لحامية الحرية والفرح بعد إزالة هذا الغول الإسمنتي الذي يثقل على الفلسطينيين. وتحمل الطفولة الفلسطينية الآلام والآمال ذاتها ففي واحدة من لوحاتها تطل طفلة من داخل ورقة وتنزع السطور التي ترمز للقيود على أنواعها فتبدو وكأنها تمزقها. بجانبها لوحة مشحونة بمعان مشابهة فيها طفلة جميلة تصلي للسلام ومن شعرها تتطاير طيور الحمام.
وفي لوحة استثنائية بتقنياتها يتوقف عقربا ساعة عند الـ 48 لتقول للعالم أن زمن شعبها توقف قبل 66 عاما وهو يظهر على شكل رجل يزدان بكوفية يسعى لتحريك عقارب الزمن لتخليص شعبه العالق تحت الاحتلال والحصار ولكن حتى الآن دون نجاح كامل فالمسافة للتحريك ما زالت مفتوحة ولم تندمل الهوة بين المطلوب والموجود كما في الواقع الراهن على الأرض.
في واحدة من هذه الأعمال المتميزة بالابتكار اقتنت أريج على 256 فنجانا من فناجين القهوة الكلاسيكية المدورة الشكل وبرشاقتها نطق «الطحمل» وصارت الفناجين صورة وجه نسائي، وجه طفلة حزينة. «هذه فكرتي الخاصة وسعدت بإنجازها بنجاح رغم ما ترتب عليها من مجهود كبير» تقول أريج التي تقتدي بعدة رسامين في العالم لكنها تفضل ذكر الرسامين الفلسطينيين وعلى رأسهم الراحل اسماعيل شموط، نبيل عناني وسليمان منصور صاحب لوحة «حمل الحمايل». أريج التي يسحرها الحزن تكتفي بالحديث بـ «الرياضيات»… باقتضاب فهي فنانة تميل للغة الهدوء والصمت تقلل من استخدام الكلمات وتوجه طاقات التعبير لأناملها.
وربما ينعكس أحد مصادر إلهامها في لوحاتها: والدها الهاوي للعزف على عدة آلات موسيقية فترسم الكمان على طوله تتمدد إمرأة جمالها بجمال حرية البحر وبتوليفتها هذه تقول الرسامة أن العزف والرسم شقيقان رسالتهما في نهاية المطاف واحدة تهدف لجعل العالم أكثر جمالا ومتعة ورقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية