هل القضية المركزية اليوم إعادة النازحين؟

حجم الخط
0

دول غرب أوروبا تخشى النازحين السوريين ولا تريدهم أن يلجأوا إليها، لذا قامت بفرض ضوابط وموانع وأقامت مؤسسات لتشجيعهم على البقاء في لبنان

لكل شعبٍ قضيته المركزية، بمعنى الأهداف والحاجات الأكثر أهمية وإلحاحاً الواجبة التحقيق. قبل طوفان الأقصى كان تحرير فلسطين والعودة إليها هو القضية المركزية للعرب.. ليس لكل العرب بل للعرب النهضويين فحسب. بعد طوفان الأقصى تضاعف عدد النهضويين، أنصار القضية المركزية، إذ بدا لهم عملاً أسطورياً غير مسبوق أن يتمكّن مئات فقط من المجاهدين الأفذاذ، من أن يمحوا في خمس ساعات عار هزيمةٍ كانت تكبّدتها جيوش العرب سنة 1967 في خمسة أيام.
بعد حرب إبادةٍ وتدمير شنّها العدو الصهيوني على قطاع غزة، وقتل في ستة أشهر أكثر من 33 ألفاً من الأهالي وجرح أكثر من 76 ألفاً، وألحق دماراً واسعاً بمعظم مدن القطاع، وهجّر أكثر من مليون ونصف المليون من سكانه وحشرهم في مدينة رفح في أقصى جنوبه، بلا غذاء ولا ماء ولا دواء ولا وقود، فقد أصبح للقضية المركزية مضمون إضافي ضاغط هو إعادة المشرّدين البؤساء إلى مدنهم وقراهم ومنازلهم بلا إبطاء.
من مفارقات الحرب الإبادية التي يشنها العدو على الفلسطينيين، أنه تسبّب لنفسه بمحنة نزوح ونازحين قد لا ترتقي إلى مستوى قضية مركزية، لكنها تشكّل بالتأكيد كارثة هائلة بكل المعايير هي، نزوح نحو 300 ألف من سكان مستعمراته في شمال فلسطين المحتلة وما يعادلهم من سكان مستعمراته في جنوبها ووسطها المحتلّين نتيجةَ عمليات المقاومة العربية المنطلقة من لبنان واليمن. النازحون الصهاينة، خصوصاً من الجليل المحتل، يرفضون العودة إلى مستعمراتهم المهجورة، طالما هناك مقاومة ناشطة يقودها حزب الله تنتشر وحداتها في القرى الممتدة على طول حدود لبنان مع شمال فلسطين المحتلة. بالعودة إلى لبنان، نقع على مشكلةٍ تنعكس سلباً على مركزية قضية فلسطين، كما على المقاومة الناشطة في ربوعه الجنوبية. إنها مشكلة وجود نحو أربعة ملايين نازح سوري في شتى مناطقه. لهؤلاء مشاكلهم الاجتماعية الخاصة، لكن المشكلة العامة الأخطر هي، استغلال وجودهم، فرادى وجماعات، من قِبَل أطرافٍ أجنبية معادية للبنان، كما للمقاومة الفلسطينية وحلفائها. أسوأ هذه الأطراف أوروبا وأمريكا. دول غرب أوروبا تخشاهم ولا تريدهم أن يلجأوا إليها، لذا قامت بفرض ضوابط وموانع وأقامت مؤسسات لتشجيعهم على البقاء، حيث هم. كيف؟ بالتعاون مع الأمم المتحدة وأمريكا على رعايتهم بتقديم مساعدات مالية وفيرة شريطة أن يتقاضوها في لبنان، حيث يقيمون وليس في سوريا حيث ينتمون، مع أن حكومة سوريا لا تمانع، بطبيعة الحال، بعودة مواطنيها إلى ربوعها. أمريكا لا تريد عودة النازحين السوريين إلى بلادهم لأنها تعادي نظام الحكم القائم في دمشق، بل تقوم بإغراء الآلاف منهم بالمال والسلاح للانضمام إلى تنظيمات ميليشياوية ناشطة ضد الحكومة في بعض مناطق البلاد.
إلى ذلك، يقوم بعض النازحين السوريين بتأليف عصابات لارتكاب سرقات وتعديات، كان آخرها اختطاف واغتيال رئيس فرع «حزب القوات اللبنانية» المعادي لحزب الله في مدينة جبيل، ما أدى إلى اندلاع بوادر فتنة مذهبية، لولا أن مخابرات الجيش اللبناني سارعت إلى وضع يدها على أفراد العصابة، وكشفت أن دافعها كان سرقة سيارة. لعل الجانب الأخطر لوجود النازحين السوريين في لبنان، البلد المتعدد الطوائف الدينية، هو استغلال واقع كونهم في غالبيتهم الساحقة مسلمين، ما أتاح ويتيح للدول والمخابرات الأجنبية المعادية للقوى الوطنية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية لاستخدامهم في عمليات ومخالفات بغيتها تغيير الميزان الديمغرافي في لبنان لمصلحة المسلمين، على حساب المسيحيين ما يتسبّب بفتنة طائفية. غير أن ثمة نوراً خافتاً بدأ يظهر في نهاية النفق، فقد قام الرئيس القبرصي نيكوس خرستو دوليدس بزيارة لبنان والاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على معالجة مشكلة قيام بعض العملاء المتمرسين، باتخاذ قبرص محطة انتقالية في عملية استدراج النازحين السوريين للهجرة إلى دول غرب أوروبا، وقد تردّد أن الرئيس القبرصي وعد الرئيس ميقاتي بإقناع المسؤولين الأوروبيين بالموافقة على اشتراط تسديد المساعدات المالية التي تُدفع للنازحين السوريين بتثبيت إقامتهم نهائياً في سوريا، وليس باستمرار إقامتهم في لبنان. بقي أن ينجح الرئيس القبرصي في إقناع المسؤولين الأمريكيين بهذا التدبير الإيجابي المخالف لسياسة واشنطن الراسخة في العمل لتدويم إقامة النازحين السوريين في لبنان واستخدامهم بشكل، أو بآخر ضد حكومة بلادهم. هكذا يجد قادة المقاومة الفلسطينية والعربية وحلفاؤها النهضويون في دنيا العرب أنفسهم أمام تحدٍّ جديد يمس مركزية القضية الفلسطينية هو، الانشغال بمسألة رعاية ملايين النازحين داخل ديارهم، أو الاضطرار إلى تخصيص المزيد من الجهود والأموال لرعايتهم ما يشكّل عبئاً ثقيلاً على الموارد المالية لقوى المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى يفتح باباً واسعاً للإنفاق على أمور ومتطلبات بعيداً من مركز الجهد الأساس الذي هو مقاومة العدو.
في ضوء هذه التحديات والتداعيات المستجدة باتت قوى المقاومة الفلسطينية والعربية ملزمة بأن تفكر وتعمل وتجاهد على خطين متوازيين ومتكاملين: المقاومة الميدانية والمقاومة المدنية، وان تهيّئ وتوفّر من الموارد والقدرات ما يمكّنها من الوفاء بمتطلبات القتال والعمل السياسي في آن معاً. صحيح أنها جادة في تحمّل مسؤولياتها في هذا السبيل، إلاّ أنه يقتضي التنبّه في هذه المرحلة العصيبة إلى أن رعاية النازحين داخل فلسطين المحتلة، وفي البلدان العربية المجاورة قد أصبحت أولوية وازنة، وأن النهوض بها يجب أن يكون موضوع اهتمام وعمل مشترك بين قوى المقاومة الميدانية وقوى المقاومة المدنية المتحالفة معها، على نحوٍ يحول دون استغلال العدو لضخامة الأعباء والمتطلبات الاجتماعية المفروضة على قوى المقاومة عامةً، فيضغط عليها بغية تقديم تنازلات سياسية وازنة على صعيد الأهداف الأساسية التي تشكّل المضمون العروبي والإنساني لمركزية القضية الفلسطينية.

كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية