هآرتس.. خبراء: نحن على أعتاب كارثة بيئية في غزة تنتقل إلى إسرائيل

حجم الخط
0

من غير السهل حساب كمية ركام المباني الذي سيبقى في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. كل متر مربع لشقة مدمرة يعني تقريباً 1.5 طن ركام. في القطاع تم تدمير وإصابة أو تضرر 50 في المئة على الأقل من المنازل، الأمر الذي يعني على الأقل 25 مليون طن من الركام. هذا دون حساب ملايين الأطنان الأخرى من المخلفات التي بقيت بسبب تدمير الشوارع والبنى التحتية والمباني العامة. وللمقارنة، يتم إنتاج نحو 7 ملايين طن من مخلفات البناء في السنة في إسرائيل كلها. من المهم متى وكيف ستنتهي الحرب. في السنوات والعقود القادمة، يجب على الغزيين مواجهة هذا التحدي الكبير – ماذا سيفعلون مع هذه الكمية الضخمة من أجزاء الجدران وقطع الباطون والحديد والحجارة؟
مشكلة مخلفات البناء هي إحدى المشكلات البيئية الكبيرة التي تسببت بها الحرب في غزة، لكن من غير المؤكد أنها الأكبر. في الفترة الأخيرة، يحاول الخبراء فهم التأثير البيئي للحرب في غزة، وهل سيكون بالإمكان ترميم الحياة والطبيعة في القطاع. معطيات كثيرة حتى الآن غير واضحة – كم عدد القنابل التي تم إلقاؤها؟ ما الأضرار التي لحقت بشبكة المجاري؟ ما تأثير مشروع ضخ مياه البحر إلى الأنفاق؟ وما الذي يمكن أن يتسبب به من أضرار كبيرة للمياه الجوفية؟ ولكن الكثيرين يتفقون على أن الحرب تسببت بكارثة بيئية ومناخية غير مسبوقة في هذه المنطقة للقطاع وسكانه. أول أمس، وافقت انغر اندرسون، وهي المديرة العامة للبرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة، على طلب الحكومة الفلسطينية فحص الوضع البيئي في القطاع.

أشار الخبراء إلى عدد من المشكلات البيئية الرئيسية التي تسببت بها الحرب. الدمار الكبير للمباني، الذي أدى إلى مشاكل صعبة بسبب مخلفات البناء والتلوث الأرضي والجوي والبحري؛ والمس بالبنى التحتية لشبكة الكهرباء والمياه والمجاري؛ وتدفق مياه المجاري إلى المياه الجوفية بسبب تدمير البنى التحتية للمجاري؛ وخطر زيادة ملوحة المياه الجوفية؛ وتلوث الأرض بالمعادن والمواد الكيميائية والمواد المتفجرة؛ والإضرار الشديد بأراض زراعية واسعة، سواء بسبب قصف سلاح الجو أو بسبب شق الطرق للمركبات العسكرية في الحقول الزراعية منذ بداية العملية البرية.
“شاهدنا فترات من الدمار بسبب النزاع في غزة والمشكلات البيئية والصحية المتعلقة بالحصار. ولكنه مستوى مختلف من الدمار”، قال داغ فير للصحيفة، وهو مدير برنامج “الصراع والرقابة البيئية”، وهو معهد بريطاني يختص بالأضرار البيئية في مناطق القتال. “الضرر الكارثي للبيئة المبنية – مبان سكنية وتجارية وصناعية، أدى إلى انتشار مخلفات البناء ومواد أخرى قد تكون خطيرة. وهذا سيؤدي إلى تلوث الهواء والأرض، وتلوث المياه الجوفية عبر مياه الأمطار. جودة الهواء أيضاً تتأثر بالحرائق الكثيرة، والأراضي الزراعية تم تدميرها بسبب الحفر وحركة السيارات العسكرية”. وحسب أقواله، فأقرب مقارنة في العصر الحديث مع ما أضرار القطاع، هي التي ألحقها الروس بمدينة ماريوبول في أوكرانيا، والدمار الذي لحق بمدينة الموصل في العراق جراء المعارك ضد “داعش”. مع ذلك، المساحة الصغيرة للقطاع تضع تحديات صعبة في كل ما يتعلق بإعادة الإعمار. مثلاً، ثمة حاجة إلى مناطق واسعة لمعالجة الكمية الهائلة من مخلفات البناء. وهناك مشكلة أخرى معروفة من حروب سابقة، وهي العثور على عدد من القنابل التي لم تنفجر بين وداخل المباني شبه المدمرة، والتعامل غير الحذر معها قد يؤدي إلى عدد آخر من القتلى. أكد فير وغيره من الخبراء، أن المباني المدمرة لا تحتوي فقط على الباطون والحجارة، بل أيضاً على مواد خطيرة كثيرة مثل الإسبست، المعروف كمادة مسرطنة، والزجاج الصخري الذي يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي.

الدكتورة غاليا ليمور – سغيف، من الكلية الأكاديمية للهندسة باسم سامي شمعون، والتي تبحث في الأزمات البيئية، أشارت إلى مشكلات أخرى يتوقع أن تتسبب بها الحرب. وقالت: “البنى التحتية لشبكة المياه والمجاري تضررت، ومياه المجاري ستتدفق في الشوارع. الأنقاض تحتوي على مواد تحللها سيلوث الهواء والتربة، إضافة إلى الركام الذي يستخدم كملجأ للحشرات التي ستبدأ بالتكاثر. منظومة جمع القمامة انهارت، وتأثير ذلك هو العيش قرب أكوام القمامة. ماذا يعني العيش في هذا المكان؟ هل يمكن أن تبني بيتاً في مثل هذا المكان؟ رياض أطفال؟ الزراعة داخل كل هذا التلوث مع تربة مليئة بالسموم؟ ربما يمكن مقارنة ذلك بالمدن التي تم قصفها في أوكرانيا أو بالزلازل، حيث دمرت بلدات بالكامل”.
حسب أقوال الدكتورة ليمور – سغيف، فإن الوجود العسكري معروف كعامل تلوث بشكل خاص، بسبب استخدام الوقود والمواد الكيميائية. “هذه ملوثات تحتاج إلى أجيال لتنقيتها. الدمار ليس لمخلفات البناء فقط التي هي بحد ذاتها قد تكون عامل تلويث، بل بنى تحتية من كل الأنواع مثل الشوارع وأنابيب المياه وأعمدة الكهرباء والمنشآت والسيارات وخزانات الصفيح وما شابه. ويجب الحديث أيضاً عن تدمير المشهد الطبيعي، والمواقع التراثية، والشوارع، والمباني العامة والمباني الدينية، وكل ما يتعلق بمنازل الأشخاص والمجتمع، وبالطبع حظائر الحيوانات والنباتات التي لا يمكن ترميمها بنجاح دائماً”. إضافة إلى ذلك، ذكرت الدكتورة بأن من لم يشعر بالرحمة تجاه سكان غزة فعليه القلق من الوضع البيئي هناك. “البيئة لا تعترف بالحدود مع غزة، والملوثات تنزلق، ووادي حنون في شمال القطاع، وفي منطقة بيت لاهيا، يجري من القطاع نحو إسرائيل وينقل معه كل أنواع النفايات والملوثات. وتلوث مياه البحر سينزل بسهولة كما حدث قبل بضع سنوات عندما تعطلت إحدى محطات التحلية في “أشكلون” [عسقلان] بسبب تلوث مياه البحر نتيجة تدفق مياه المجاري من قطاع غزة”.
معهد العربة، وهو معهد بحث ودراسات بيئية، يضم طلاباً إسرائيليين وفلسطينيين ودوليين، هو أحد المؤسسات الإسرائيلية الوحيدة التي حافظت على علاقة مع غزة حتى في فترة الحرب. هذا المعهد يعمل منذ سنوات مع منظمات في غزة ويساعد في مجال البيئة والطاقة. “نلتقي عبر الزوم. في البداية، معظم المحادثات كانت حول الوضع وكيف يتدبرون أمورهم. بعد ذلك، بدأنا شيئاً فشيئاً في التفكير معاً باليوم التالي”، قال الدكتور طارق أبو حامد، وهو مدير المعهد وأحد سكان شرقي القدس. ويبدو أنه هو من القلائل الذين يتجرأون على التفكير باليوم التالي.
“على المدى القصير، يجب الاهتمام بالمياه والكهرباء ومعالجة مياه المجاري. على الجميع استخدام تكنولوجيا منفصلة عن الشبكة؛ لأن البنى التحتية ستستغرق سنوات لترميمها”، قال. التكنولوجيا موجودة. مشكلة المياه الفورية يمكن حلها بواسطة الشبكة الإسرائيلية “ووتر جيم”، التي طورت تكنولوجيا “لاستخلاص” المياه من الرطوبة في الهواء. “هناك منشآت تنتج 5 آلاف لتر يومياً، وهذا قد يحل مشكلة مياه الشرب لخمسة آلاف شخص”، قال أبو حامد. “بخصوص الكهرباء، من الواضح أننا سنحتاج إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية. لدينا أشخاص يمكنهم فعل ذلك”.
أبو حامد قصد أنه حتى اندلاع الحرب، كانت غزة إمبراطورية الطاقة الشمسية. حسب التقدير، فإن 25 في المئة من كهرباء القطاع كانت من الشمس، مقارنة مع 10 في المئة في إسرائيل. تعود سكان القطاع على الاعتماد على الألواح الشمسية التي كانت موثوقة أكثر من شبكة الكهرباء المتعثرة حتى قبل عمليات القصف الإسرائيلية. عشية الحرب، تم استكمال حقل الطاقة الشمسية الأكبر في القطاع في خان يونس، الذي كان ينتج 3 ميغاواط من الكهرباء، وتوفير احتياجات جميع المستشفيات في جنوب القطاع.
حسب أبو حامد، تم تدمير هذا الحقل بالكامل في عمليات القصف. وفي السنوات القادمة، سيضطر الغزيون إلى الاعتماد أكثر على الطاقة الشمسية. وستكون حاجة لإقامة مصانع لتدوير مواد البناء ولعلاج مخلفات البناء في القطاع. توجه طاقم معهد “العربة” إلى خبراء أتراك لفحص ما تم فعله هناك مع مخلفات البناء التي انهارت بسبب الزلازل في تركيا.

هناك حل محلي لتكرير مياه المجاري بواسطة منظومة “لغونا”، التي ترتكز على تحليل بيولوجي للملوثات الموجودة في مياه المجاري. ولكن مثل منظومات المياه والمجاري، فإن إقامة المنظومة يرتبط أولاً وقبل كل شيء بوقف القتال وإدخال المعدات إلى القطاع. “الأمر المقلق ليس التكنولوجيا، بل الجيل الجديد في غزة”، قال أبو حامد. “كيف سيتم إقناعه بإجراء حوار مع الجيران. على الصعيد التقني، يجب بناء كل شيء من جديد. نتحدث مع الشركاء حول تخطيط عصري قابل للحياة، لكن هناك صدمة في الطرف الثاني، ليس من ناحية ما حدث للغزيين فحسب، بل من ناحية استعداد الجيل القادم للتحدث مع الإسرائيليين. في هذا الوضع، تضاعف حماس قوتها – حتى الذين يكرهون حماس هم الآن يكرهون إسرائيل أكثر. محظور نسيان ذلك. وصلنا إلى 7 تشرين الأول بسبب القطيعة بين إسرائيل والغزيين. على إسرائيل الاستثمار في العلاقات معهم”.
نير حسون
هآرتس 28/2/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية