نحو حملة عالمية لمواجهة أمريكا في مجلس الأمن

حجم الخط
0

تقوم إسرائيل بلا هوادة وبوحشية هائلة بقتل عشرات الآف الفلسطينيين في كل أرجاء وطنهم السليب، لاسيما في مدينة رفح ومحيطها. بنيامين نتنياهو أكد علانية أن الحرب ضد الفلسطينيين ستتواصل الى سنة 2025 ولغاية تحقيق أغراض ثلاثة: القضاء على حركة حماس، استعادة الأسرى الإسرائيليين، ومنع فصائل المقاومة الفلسطينية من العودة والنشاط في قطاع غزة.
الى ذلك، ثمة ثلاثة أغراض أخرى غير معلنة وشديدة الخطورة تقوم إسرائيل بالعمل على تحقيقها بوسائل فظة وغير مشروعة أبرزها تهجير فلسطينيي قطاع غزة الى صحراء سيناء المصرية، وتهجير فلسطينيي الضفة الغربية الى الأردن، وتهجير فلسطينيي النكبة سنة 1948 الذين تحكمهم إسرائيل في كيانها المغتصب الى لبنان.

القضية الأبرز حضورا وإلحاحا هي وقف امتهان أمريكا للأحكام المتعلقة بصلاحيات مجلس الأمن الدولي ونزوعها الدائم الى إساءة استخدامها

تدعم الولايات المتحدة نتنياهو علنا لتحقيق أغراضه الثلاثة الأولى وتؤازره مداورة لتحقيق الأغراض الثلاثة الباقية. ليس أدل على ذلك من رفضها المستمر وقف حرب إسرائيل الوحشية على قطاع غزة التي تستهدفه بشرا وشجرا وحجرا. لعل أفظع تجليات دعمها السخي والمفتوح لإسرائيل استخدامها مؤخرا حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد اقتراح الجزائر الرامي الى وقف إطلاق النار فورا وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الى أهالي قطاع غزة. اللافت أن 13 دولة من مجموع الدول الأعضاء الـ 15 في مجلس الأمن أيدت الاقتراح بينما امتنعت بريطانيا، حليفة أمريكا، عن التصويت ما وضع أمريكا في عزلة فاضحة أمام الرأي العام العالمي.
إذا كانت المقاومة الفلسطينية وحليفاتها تقوم بمواجهة ومقاتلة إسرائيل ببسالة نادرة منذ أكثر من أربعة أشهر، فإن عشرات الملايين من أحرار العالم تظاهروا وما زالوا يتظاهرون احتجاجا ضد وحشية إسرائيل ودعم أمريكا المخزي لها في معظم عواصم ومدن العالم وذلك على نحوٍغير مسبوق في التاريخ المعاصر. وإذ تتمادى إسرائيل في ارتكاب المجازر والمحارق ضد الفلسطينيين العزل، مدعومة بمواقف سياسية فاجرة ودعم عسكري سخي ومفتوح من أمريكا، فقد آن الأوان لتهب شعوب العالم لإقران احتجاجاتها وتظاهراتها المليونية بتدابير عملية لمواجهة غلو الولايات المتحدة في تأييدها الأعمى للكيان الصهيوني وارتكاباته الوحشية المنافية لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذلك بنقل المواجهة الشعبية العالمية ضد إسرائيل وأمريكا من الشارع الى قلب الأمم المتحدة، بل الى قلب مجلس الأمن الدولي حيث توظف الولايات المتحدة حق نقض قراراته لتبرير ودعم ممارسات إسرائيل البالغة الوحشية وغطرستها العنصرية.
كيف؟ ليس كثيرا على الشعوب ومنظماتها المدنية الناشطة في شتى مناحي دعم حقوق الإنسان والحريات والرعاية الإنسانية ومقاومة الاستبداد والنضال من أجل الحق في الحياة أن تبادر الى التواصل والتوافق مع تلك الحركات والنقابات والتنظيمات الناشطة في أربع جهات الأرض من أجل تأسيس وإطلاق هيئة في كل من دول العالم، لا سيما تلك التي تهب فيها حركات وتنظيمات وجماعات تناصر الفلسطينيين وتستنكر ممارسات إسرائيل الوحشية، على أن يقترن ذلك بتبني مطلب ودعوة أساسيين هما مناهضة تصرفات أمريكا في الأمم المتحدة، خصوصا في مجلس الأمن الدولي، لاستخدامها حق النقض لتعطيل القرارات الأممية المؤيدة لحقوق الإنسان والحرية ولضرورة وقف الحروب وأعمال العنف ضد الشعوب وحقها في الحرية والحياة والصحة والأمان، وتطوير تلك الهيئات المناهضة لتصرفات أمريكا المعادية للحرية وحقوق الإنسان باتجاه تنظيم حملة شعبية عالمية تطالب بتعديل ميثاق الأمم المتحدة بغية إلغاء الأحكام المتعلقة بحق الدول الكبرى الخمس باستخدام حق النقض ( Veto ) لتعطيل وخنق قرارات ومبادرات أممية لوقف الحروب وأعمال العنف المعادية للحق في الحرية والأمان والحياة وذلك بقصد إحباط النهج المخزي الذي تحرص الولايات المتحدة على اعتماده في هذه الآونة دعما لإسرائيل وممارساتها الوحشية في فلسطين عموما وفي قطاع غزة خصوصا.
إنها لمفارقة عجيبة غريبة وفظة أن تصبح إسرائيل التي جرى تشريع قيامها كدولة بقرار من الأمم المتحدة هي الكيان السياسي الأكثر والأعرق والأسوأ خرقا لقرارات المنظمة الدولية منذ إنشائها، كما هي الكيان الوحيد الذي لم يلتزم قط بتنفيذ أي من قرارات مجلس الأمن الدولي، بل كان وما زال حريصا على خرق وتشويه وتعطيل كل قرارات المجلس المتعلقة بممارساته غير المشروعة ضد الشعب الفلسطيني وشعوب الدول العربية المجاورة.
هذا مع العلم إن ميثاق الأمم المتحدة كان أُقر في سنة 1945، أي غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أفرزت موازين قوى ونظاما عالميا مغايرا لما كان سائدا قبلها، فبات من الطبيعي والحالة هذه أن تتغير موازين القوى وانساق العلاقات الدولية بعد نحو 80 عاما على إقراره الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في بعض أحكام الميثاق المذكور في ضوء الممارسات المنافية للمبادىء والأحكام التي نص عليها أصلا.
الى ذلك، ثمة قضايا وأمور أخرى في شتى حقول السياسة والاقتصاد والتسلح والحرب والصحة والثقافة والذكاء الاصطناعي وتغير المناخ باتت تستدعي إجراء تعديلات في بنود ميثاق الأمم المتحدة كيما تتكيف المنظمة الدولية في أدائها مع متطلبات العصر.
غير أن القضية الأبرز حضورا وإلحاحا في الوقت الحاضر هي وقف امتهان الولايات المتحدة للأحكام المتعلقة بصلاحيات مجلس الأمن الدولي ونزوعها الدائم الى إساءة استخدامها، لاسيما ما يتعلق منها باستخدام حق النقض لخدمة مصالحها وسياستها وعلى وجه الخصوص لدعم إسرائيل دائما وأبدا على نحو مشين ومخالف للقيم الإنسانية والحق في الحرية والسلام والأمان والحياة.
لا يفوت أنصار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والسلام في العالم العلم بأن هبة الشعوب في شتى أرجاء الدنيا اليوم على نحو عارم ومتصاعد أصبحت ظاهرة نادرة وغير مسبوقة ما يشجع على اغتنامها في مسار اكثر حيوية وتركيزا بغية الحد من هيمنة الولايات المتحدة وغطرستها، ويكون ذلك بالمبادرة الى تنظيم حملة شعبية عالمية من أجل الضغط لتعديل بعض أحكام ميثاق الأمم المتحدة، خصوصا ما يتعلق منها بالتصويت في مجلس الأمن الدولي، أقله اعتبار كل قرار يتخذه المجلس المذكور بأكثرية عشرة من أعضائه مبرما وبالتالي نافذا وغير قابل للنقض من جانب أي من الدول الكبرى التي تملك حق النقض.
*كاتب لبناني
[email protected]
حملة
الفيتو
الدول الدائمة العضوية
ميثاق الأمم المتحدة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية