ثلاثة حقوق لا تقبل المساومة: الأرض والأسرى والإعمار

حجم الخط
0

المقاومة في فلسطين هي طليعة الشعب وقائدة جهاده في سبيل تحرير الأرض والأسرى وإعادة الإعمار. الأرضُ تحتلها «إسرائيل»، وعشرات الآلاف من الأسرى تحتجزهم «إسرائيل»، والدمار الهائل انزلته «إسرائيل» بكل مناطق وأنحاء قطاع غزة، للحؤول دون إعادة إعماره لأنها تريده أن يبقى أرضاً يباباً غير قابل للعيش والسكن.
لا يغيب عن المقاومة الارتباط العضوي بين الأرض والأسرى والإعمار، لذا حاولت في المفاوضات التي جرت وتعثرت في الدوحة، أن توازن في المداولات بين متطلّبات تحرير الأرض وإطلاق الأسرى، على نحوٍ يخدم كِلا القضيتين، ويؤدي تالياً، من خلال العمل الجهادي والعمل السياسي، إلى تحرير الأرض بالتزامن مع تحرير الأسرى وصولاً، بعد تحريرهما، إلى البدء بمشروع عملاق للإعمار والتنمية.

الأرض وتحرير الأرض والوجود في الأرض شروطٌ وجوبية للإفادة منها في كل الوجوه لذا تحريرها هدف أساس وعالٍ في جهاد المقاومة، وفي نضال النهضويين من أبناء الوطن

«إسرائيل» لا يهمها من كل هذه القضايا والمشاكل والتحديات إلاّ إطلاق أسراها، ومع تعثر المفاوضات بسبب تعنّت «إسرائيل»، نرى كبار الصهاينة في كل أنحاء العالم، لاسيما في الولايات المتحدة يحاولون مساعدتها في المفاوضات لتمكين حكومة بنيامين نتنياهو من استعادة كل أسراها، أو معظمهم، مقابل إطلاق عدد محدود من آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها، والتظاهر بقبول سحب قواتها من المدن والبلدات الفلسطينية، إلى مواقع قريبة من السياج الحدودي في الأرض المحتلة. في هذا الإطار طلبت القاهرة عقد اجتماع متابعة مع «إسرائيل» لاستئناف الجهود بغية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. مصدران مصريان كشفا أن مسؤولين مصريين وإسرائيليين وأمريكيين عقدوا اجتماعات وجاهية وعن بُعد، سعياً للحصول على تنازلات تكسر الجمود في المفاوضات الدائرة منذ أشهر للتوصل إلى هدنة في الحرب بين «إسرائيل» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحلفائها، التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. المقاومة لا تعارض المفاوضات، لكنها تبدو حذرة جداً مما تطرحه «إسرائيل» والولايات المتحدة خلالها. فقد بات واضحاً أن المقاومة لا تواجه «إسرائيل» فقط، بل الولايات المتحدة أيضاً، التي لا تكتفي بدعم الكيان الصهيوني بمليارات الدولارات وبكميات هائلة من الأسلحة الثقيلة والمتطورة، بل تقوم فوق ذلك بالضغط على حلفائها وبعض الدول الصديقة لها في الغرب، لتوجيه نداء لـِ»حماس» يدعو لإطلاق سراح جميع الرهائن لديها كسبيل لإنهاء الأزمة، دونما إشارة إلى آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. في تسويقه للنداء ادعى البيت الأبيض الأمريكي أن «الاتفاق المطروح على الطاولة لإطلاق سراح الرهائن، سيسمح بوقف فوري ومطوّل لإطلاق النار في غزة، ويسهّل زيادة إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى جميع أنحاء القطاع». قادة المقاومة وسائر أوساط الشعب الفلسطيني، يدركون خطورة الركون إلى مثل هذه الأقوال والوعود. فقد عانوا وما زالوا من نتائج الركون إلى وعود «إسرائيل» العرقوبية، ذلك أن «إسرائيل» لم تكتفِ سنة 1948 بما اعطاها قرار التقسيم الأممي من أرض فلسطين، بل سارعت إلى احتلال أجزاء من القسم المخصص للعرب الفلسطينيين، ثم ما لبثت أن سيطرت بموجب اتفاقات أوسلو سنة 1993 على كل ما تبقى للعرب في فلسطين، أي على أجزاء من الضفة الغربية والجليل والنقب ومن ثم على القدس الشريف، وباشرت في كل هذه المناطق عملية استيطان واسعة.
إلى ذلك، تحاول «إسرائيل» حالياً منع قيام سلطة فلسطينية في قطاع غزة، بعد تدميره وتهجير معظم سكانه، وذلك بمحاولة وضعه تحت وصاية دولية، وإقامة إدارة أممية يكون للكيان الصهيوني حضور فيها. أياً تكن المقترحات الجديدة التي يعدّها أركان المخابرات المصريون والأمريكيون والإسرائيليون، يجب ألاّ تغيب عن أذهان قادة المقاومة الفلسطينية الحقائق والوقائع والمحاذير الآتية:
الأرض وتحرير الأرض والوجود في الأرض شروطٌ وجوبية للإفادة منها في كل الوجوه الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. لذا تحرير الأرض هدف أساس وعالٍ في جهاد المقاومة، وفي نضال النهضويين من أبناء الوطن.
الأرض اليوم في أيدي الصهاينة، وبالتالي لا مجال لأهل الأرض الفلسطينيين للإفادة منها في أيّ وجه مفيد.
إطلاق الأسرى الإسرائيليين لا يؤدي بالضرورة إلى انسحاب «إسرائيل» من قطاع غزة. ذلك أن لـِ»اسرائيل» مطامع ومخططات أخرى تعتزم تنفيذها، ما يدفعها إلى الامتناع عن الانسحاب من قطاع غزة، إلاّ تقسيطاً وعلى دفعات، الأمر الذي يعرقل استخلاص القطاع من الاحتلال وإقامة إدارة فلسطينية فيه.
الأسرى الإسرائيليون ورقة بالغة الأهمية في يد المقاومة ويجب الاحتفاظ بها واستخدامها بذكاءٍ وروية، وبالتالي عدم إطلاقهم إلا مقابل انسحاب كل القوات الإسرائيلية من القطاع، وإطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
يجب ألاّ ينسى قادة المقاومة، أنه مقابل إطلاق الأسير الإسرائيلي شاليط وحده في الماضي القريب أطلقت «إسرائيل» آلاف الأسرى الفلسطينيين لديها، وكان بينهم يحيى السنوار، لذلك يجب الإصرار على أن يُطلق كل الأسرى الفلسطينيين لدى «إسرائيل» مقابل الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس».
يجب الإصرار على أن تبقى إدارة قطاع غزة بأيدي الفلسطينيين وحدهم. وإذا اقتضى الأمر وجود قوة للأمم المتحدة فيه خلال مرحلة انتقالية، فيجب أن تكون مكوّنة من جنود دول مستقلة ومحايدة، ولا تنتسب إلى دول الغرب الأطلسي أو تنصاع لها.
صحيح أن الولايات المتحدة تقود الغرب كله في دعم «إسرائيل»، في مواجهة دول عالم العرب وعالم الإسلام، لكن قدرتها على الفعل تراجعت لعوامل عدّة، لعل أكثرها لافتاً للنظر ومؤثراً في الوقت الحاضر هو ثورة طلاب الجامعات في كل الولايات الأمريكية وانتقال شرارتها إلى كندا شمالاً والمكسيك جنوباً، وإلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى في سائر أنحاء العالم، الأمر الذي يحدّ من نفوذ أمريكا، ومن قدرتها على فرض سياستها على دول الجنوب الضعيفة نسبياً.
عسى أن تضع المقاومة كل هذه الحقائق والوقائع والمحاذير في حسبانها، وأن تستخدمها على نحوٍ يخدم أهداف المقاومة الثلاثة، غير القابلة للمساومة بتحرير واستخلاص حقوق الشعب الفلسطيني: الأرض والأسرى والإعمار.
كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية