قالها بنيامين نتنياهو بالصوت والصورة: «مثلما قلتُ من قبل، سنقاتل بأظافرنا وبمفردنا، إذا اضطررنا لذلك، ولكن لدينا ما هو أكثر بكثير من أظافرنا. قبل 76 عاماً فرضوا علينا حظراً على السلاح لكننا انتصرنا». كبيرُ الناطقين باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاغاري قال «إن الجيش لديه من الأسلحة والذخائر اللازمة لعملية رفح وغيرها من العمليات المقررة». وزيرُ الحرب يوآف غالانت خاطب «أعداء وأصدقاء «اسرائيل» قائلاً، إنها ستفعل ما يتطلّبه الأمر لتحقيق أهدافها الحربية في غزة».
دونالد ترامب المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بدّد أيّ شك عمّا سيكون عليه موقف المعارضين الجمهوريين الأمريكيين لو كان هو الفائز بالرئاسة بأن صرح، وهو يسارع إلى قاعة المحكمة في نيويورك، حيث يحاكم بتهمة دفع أموال لشراء صمت نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز، إن «ما يفعله بايدن يشكّل وقوفاً إلى جانب «حماس» وهو أمر مشين». ماذا قال الرئيس بايدن؟ أعلن في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»: «أوضحتُ للإسرائيليين أنهم إذا دخلوا رفح فلن أزوّدهم بالأسلحة». لماذا؟ «لأن «إسرائيل» لم تقدّم خطة مقنعة لتأمين المدنيين في رفح»، لكنه استدرك قائلاً: «القول بأننا نتخلّى عن «إسرائيل»، أو لسنا مستعدين لمساعدتها على إلحاق الهزيمة بحماس، لا يستقيم مع الحقائق». واضحٌ من مجمل تصريحات بايدن أنه ماضٍ في تسليح «إسرائيل» ودعم حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو على قطاع غزة، ذلك أن طوفان الأقصى وتداعياته على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها وحلفائها في المنطقة مرشحان لمزيدٍ من التعاظم، وإنتاج التحولات، الأمر الذي يستوجب، في نظر بايدن ومنافسه ترامب، دعم «إسرائيل» لتحقيق أهدافها الحربية. كما بات واضحاً أن تصريحات بايدن الانتقادية الناعمة ليس من شأنها ردع «إسرائيل» عن الاستمرار في حربها الوحشية.
واضحٌ من تصريحات بايدن أنه ماضٍ في تسليح «إسرائيل» ودعم حرب الإبادة على قطاع غزة، ذلك أن تداعيات طوفان الأقصى على مصالح أمريكا ونفوذها وحلفائها مرشحة لمزيدٍ من التعاظم
ماذا عن العرب؟ العربُ صنفان: عربٌ مقاومون، مباشرةً أو مداورةً، وعربٌ مؤيدون مباشرةً بالمفاوضات، أو مداورةً بتصريحات الاعتراض والتنديد. أبرزُ العرب المقاومين مباشرةً فصائلُ المقاومة الفلسطينية، وأبرزها «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، وفصائل المقاومة اللبنانية وأبرزها المقاومة الإسلامية (حزب الله)، وفصائل المقاومة اليمنية.
أبرزُ العرب المقاومين مداورةً سوريا التي تساعد على مدّ فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالأسلحة والذخائر الواردة إليها من إيران وغيرها. العربُ من حلفاء الولايات المتحدة والمطبّعين مع «إسرائيل» يكتفون بإطلاق تصريحات التنديد بتصرفات حكام «إسرائيل» المتطرفين، وقد تعالت تصريحاتهم ضد قادة «إسرائيل» لقيامهم برفض موقف «حماس» القاضي بقبول عرض مصر وقطر لوقف القتال والتحاور بشأنه، مع التمسّك بموقفها الثابت بضرورة الوقف النهائي لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل قطاع غزة. كلُ ما يفعله العرب المطبّعون مع «إسرائيل» والمتعاونون معها ومع الولايات المتحدة، غير كافٍ وغير مقبول في المدى القريب ومضرّ بهم، كما بالفلسطينيين في المدى البعيد. إن المرء ليندهش فعلاً عندما يرى عشرات الآلاف يتظاهرون احتجاجاً على حكومتي الولايات المتحدة و»إسرائيل» في شوارع نيويورك وواشنطن ولندن وباريس وبرلين، والآلاف مثلهم من الطلبة في جامعاتهم في أمريكا وأوروبا وافريقيا وآسيا، ولا يرى المرء مثيلاً لهم في شوارع دول عربية تصف نفسها بأنها «معتدلة».
هل يعتقد العرب من حلفاء أمريكا أو من المطبعين معها، أن بايدن سوف ينال منهم، إذا ما رفعوا أصواتهم عاليةً مطالبين بمواقف أكثر تشددا من «إسرائيل» تتخذها الولايات المتحدة، كما غيرها من دول أوروبا المتواطئة معها؟ أيّاً ما كان موقف الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والعالم من «إسرائيل» وحربها الوحشية، فقد بات واضحاً أن طوفان الأقصى وتداعياته الأمنية والسياسية، آخذةً في التعاظم، ولعل أولى نتائج تداعياته البازغة، في ضوء ثورة طلاب الجامعات في كل أنحاء العالم، تسريعُ عملية تهديم و»فتفتة» النظام العالمي الهرم، الذي تتزعمه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، في سياق تجاوزه لبناء نظام عالمي مغاير على أساس التعددية القطبية والعدالة والتنمية والسلام.
أما في عالم العرب، فلا شك في أن تعاظم نشوء وتمرّس المقاومات في شتى الدول العربية ضد الظلم والفساد والتهاون في مواجهة الأعداء، ولاسيما «إسرائيل»، سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى تجاوز النظام الإقليمي الراهن، والخاضع لسياسات الولايات المتحدة ونفوذها، ما يؤدي في قابل الأيام إلى تعزيز العلاقات ما بين الدول العربية المتحررة، والمتوافقة على اعتماد سياسة أكثر تشدداً ضد «إسرائيل» وحلفائها الأمريكيين والأوروبيين من جهة، ومن جهة أخرى المتجهة إلى اعتماد نهج وسياسة في الداخل قوامهما حكم القانون والعدالة والتنمية والتعاون الإقليمي، كما نزوع بعض دول المشرق العربي إلى الاندماج في دولة اتحادية ديمقراطية قادرة على مواجهة تحديات العصر. لا أعتقد أنني أحلم.
كاتب لبناني
[email protected]