معاناة أهالي غزة الحاضر الأكبر في العالم العربي خلال شهر رمضان هذا العام

محمد نون
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: قد لا تكون عبارة «فلسطين في القلب» التي زينت أكبر مجسم لفانوس رمضاني في مصر، كافية لاختصار ما يعتمر في قلوب المسلمين في العالم وخاصة الدول العربية بشأن مدى الألم والقلق والسخط الذي يتملكهم من استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعدم توقفها من دون الاكتراث لحرمة شهر رمضان.

ذاك الفانونس الخشبي يتم نصبه سنويا منذ أربعة عقود في منطقة البراجيل، غربي العاصمة القاهرة، ابتهاجا بحلول شهر رمضان، لكن البهجة كانت مفقودة هذا العام، وتكاد لا تخلو مائدة إفطار من غصص يتجرعها الصائمون عندما تجول في ذاكرتهم صور الجوع الكارثي الذي يكوي أجساد أطفال ونساء ورجال قطاع غزة.
وتابع العالم العربي باهتمام تفاصيل الصمود الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة، سواء في مقاومة الجوع أو الصبر على جرائم القصف والقتل الجماعي، وصولا إلى إقامة النازحين الفلسطينيين صلاة الجماعة يوم الجمعة قرب أحد المساجد المدمرة في رفح.

مساعدات مكدسة محتجزة

والواقع المؤلم الذي تابعه العالم العربي كان عند الحدود المصرية الفلسطينية، ويتمثل في تكدس كميات ضخمة من المساعدات الغذائية عند الجانب المصري من معبر رفح من دون أن تسمح إسرائيل إلا للقليل منها بالوصول إلى الأهالي الجائعين في القطاع. من هنا كانت مطالبة وزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل يوم الخميس الماضي، بفتح معابرها البرية للسماح بوصول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة.
وأوضح وزير الخارجية المصري في مؤتمر صحافي خلال زيارة نظيره الإسباني للقاهرة أن «إسرائيل تسيطر على ستة معابر أخرى ينبغي أن تفتحها». وأضاف شكري «هناك طابور طويل من الشاحنات تنتظر الدخول، ولكنها تخضع لإجراءات التدقيق التي يجب الالتزام بها حتى تتمكن الشاحنات من الدخول بأمان، وحتى لا يتم استهداف السائقين، ويتم استقبالهم على الجانب الآخر». وتابع «لدينا القدرة على زيادة عدد الشاحنات لكن يجب أن تأتي التصاريح أولا».
وحتى الآن توجه المساعدات الإنسانية بشكل رئيسي عبر معبر رفح بين مصر وغزة ومعبر كرم أبو سالم القريب الذي تسيطر عليه إسرائيل، لكن مسؤولي الإغاثة يقولون إن الكمية التي تم تسليمها أقل بكثير من المطلوب.
ويؤكد مسؤولو الإغاثة أن النقل البري هو الطريقة الفعالة الوحيدة لزيادة عمليات التسليم لتلبية الاحتياجات على وجه السرعة.
وعلى الجانب الآخر من الحدود مع فلسطين، يعيش الأردنيون حالة ألم مماثلة لما يشعر به الغزيون، وهذا ما لخصته مواقف الملكة رانيا، عقيلة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حيث قالت: «إن الجوع في قطاع غزة ليس كارثة طبيعية، بل هو كارثة صنعتها إسرائيل… إنه الحرمان المقصود». وأضافت أن ما يحدث هو أمر مخز وشائن للغاية وإن «وقف إطلاق النار الفوري في قطاع غزة هو الأولوية المطلقة».
وعن عمليات الإنزال الجوي التي قام بها الأردن، قالت إن «السبب هو أننا وجدنا بعد المحاولة دون جدوى لإقناع إسرائيل بفتح نقاط الوصول البرية، أن علينا أن نفعل شيئا».

لبنان ومواساة النزوح

أما في لبنان وخاصة عند الحدود الشمالية لفلسطين، فإن عشرات آلاف اللبنانيين يشاطرون أهالي قطاع غزة قساوة النزوح لكن ليس مرارة الجوع.
فقد نزح أكثر من 90 ألف شخص من جنوب لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر عندما اندلعت الأعمال القتالية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل نتيجة لحرب غزة المستمرة منذ ذلك الحين وهو ما يطلق عليه حزب الله جبهة المساندة التي لن تتوقف إلا بتوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتشعر العائلات التي فرت من القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان بمرارة البعد عن بلداتها وخاصة في شهر رمضان الذي عادة ما ينعم فيه أفرادها بلذة الإفطار سويا، لكنهم مشتتون هذا العام بسبب الصراع.
وقال عماد عبد الله (64 عاما) وهو يفطر بمفرده في مدرسة تؤوي النازحين بمدينة صور «في حالة الحرب هذه، اختلف حالنا في شهر رمضان عما كنا نعيشه في بلدتنا زمن السلم حيث كانت العائلة حينها مجتمعة في بيت واحد وفي حالة يُسر».

اليمن واستمرار الضغط

أما في اليمن فيشاطر اليمنيون أهالي فلسطين معاناتهم، بتحمل تبعات استمرار اعتراض السفن المتجهة نحو إسرائيل، ومن تلك التبعات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب ضعف حركة الاستيراد سواء في شمال اليمن أو جنوبه إذ ان البلاد تستورد 90 في المئة من حاجاتها الغذائية، ولذلك انعكست تداعيات التصعيد العسكري على يوميّات نحو 33 مليون يمني، يعتمد ثلثاهم أصلاً على المساعدات. ويوضح كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة «نافانتي» الاستشارية الأمريكية محمد الباشا أن ارتفاع أسعار نقل البضائع المستوردة جراء التوترات في البحر الأحمر، يساهم في التضخم المتسارع أصلًا في اليمن بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن النزاع وارتفاع الطلب خلال شهر رمضان.
ويؤكد أن «أسعار المواد الأساسية ارتفعت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل تعز. وفي سوق المدينة يعبّر البائعون عن استيائهم من حركة خفيفة وهو أمر غير مألوف خلال هذا الشهر». ويقول التاجر يوسف عبد الجليل «نحن نتأثر عندما المواطن لا يأتي ليشتري، فيحصل ركود شديد للبضائع وبعضها يتعفّن. أنا لا أبالغ في ذلك».

مجلس التعاون
ووقف النار الفوري

الموقف الخليجي واصل إعلان مواقفه التضامنية مع الشعب الفلسطيني حيث طالب المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مُدينًا الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023.
وبشأن الوضع في غزة، أدان المجلس الوزاري الخليجي، العدوان الإسرائيلي على غزة مؤكدا «الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني».
كما طالب بـ«الوقف الفوري لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وضمان توفير وصول كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية» وأكد في بيان له على «ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسّع وآمن بدون عوائق». كما أعلن رفض «الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تشريد سكان غزة أو تهجيرهم».
وشدد المجلس على «أهمية عقد مؤتمر دولي عاجل يجمع الأطراف الدولية ويشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني ويلبّي حقوقه».

دعم شعبي متواصل

واستمرت التحركات الغاضبة والنشاطات الداعمة لفلسطين في عدد من الدول العربية سواء عبر إقامة ندوات فكرية عن النضال الفلسطيني في لبنان أو معارض فنية في الجزائر تروي قصة تشبث الفلسطينيين بأرضهم، أو عبر مسيرات كان على سبيل المثال لا الحصر، مسيرة في موريتانيا حيث تظاهر آلاف الموريتانيين بالعاصمة نواكشوط يوم الجمعة تضامنا مع قطاع غزة وللمطالبة بوقف الحرب المستمرة على القطاع منذ 6 أشهر.
وجابت المسيرة التي دعت اليها هيئة «الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني» (غير حكومية) شوارع رئيسية في نواكشوط، قبل أن تتوجه إلى مقر بعثة ممثلية الأمم المتحدة بالعاصمة الموريتانية.
ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، ولافتات كتب عليها: «غزة ستهزِم الأعداء» و«غزة ستنتصر رغم الجراح» و«غزة عنوان الصمود» و«غزة لن تنكسر».
وشارك في المسيرة قادة أحزاب سياسية ونواب في البرلمان وقادة هيئات نقابية ومؤسسات إعلامية.
ودعا المتظاهرون إلى المزيد من الضغط الشعبي للمطالبة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، وتكثيف المظاهرات والاحتجاجات حتى تتوقف الحرب.
كذلك دعت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، السلطات المغربية بفتح باب التبرعات أمام المغاربة، وانخراطهم في عمليات الإغاثة والدعم المالي والمادي لإخوانهم في غزة، وبفتح قنوات رسمية لإيصال الدعم والمساعدات. وجددت النقابة «إدانتها لحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني (إسرائيل) في غزة، والتي وصلت لحد القتل بسلاح الجوع والعطش والحرمان من الدواء، بدعم صارخ من قوى التحكم العالمي».
وفي تونس دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، إلى وضع حد «للإجرام الإسرائيلي ولحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني».
وقال سعيد إن: «الأمة يجب أن تجتمع من أجل وضع حد لجريمة الإبادة التي تقترفها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني».

مواقف تدين الغرب
الداعم لإسرائيل

ولوحظ ارتفاع منسوب الغضب في العالم العربي والإسلامي من المواقف الأمريكية والغربية الداعمة لإسرائيل بسبب جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.
وقال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ علي القره داغي: «إن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة أثبتت أن الغرب اليوم بلا مبادئ ولا قيم». وأضاف: «اليوم المحتلون الصهاينة اسودت وجوههم على مستوى العالم، وهذه بشارة، وأعتقد أنها بداية النهاية للحضارة الظالمة الغربية التي تدعم هذا الظلم وتتجاوز على كل شيء وتعتبر كل ما يحدث من إبادة جماعية بأنه دفاع من إسرائيل عن النفس». وأوضح: أن تقييمنا للوضع الإنساني مؤلم جدا جدا، فلم يشهد التاريخ لا أيام المغول ولا التتار مثل هذه المأساة التي نشاهدها في غزة، إبادة جماعية قتل وتدمير وتجويع وموت بالجوع».
وزاد من حدة الغضب في العالم العربي ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن عن اعتزامه إنشاء رصيف مؤقت قبالة غزة بحجة العمل على إيصال المساعدات إليها، وأن إقامة المرفأ تستغرق شهرين.
وقال بدر السيف – أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، إن إنشاء ممر بحري لتجاوز الطرق الأسهل لتوصيل المساعدات «ليس سوى أحدث عنصر في الاستجابة السياسية المحيرة» من قبل إدارة بايدن. وأضاف: «إن ذلك يبعث بإشارة سيئة للغاية بشأن القيادة الأمريكية. إنه يعزز ما يعتقده العديد من العرب أن إسرائيل هي التي تقود هذا العرض، وأن الولايات المتحدة تتبعها».
ورأى محللون أن الخطوة الأمريكية تعكس فتور رغبة الإدارة الأمريكية في وقف إطلاق النار في ظل تمسك إسرائيل بالمضي قدما في حربها حتى تحقيق كل الأهداف، وان ذلك يظهر مدى تماهي الموقفين الأمريكي والإسرائيلي بشأن الحرب في غزة، وأن واشنطن لو كانت جادة في مسعاها لألزمت تل أبيب بوقف الحرب فورا لأن الولايات المتحدة هي الداعم الأقوى والأبرز لإسرائيل ومزودها الرئيسي بالسلاح اللازم لاستمرار القتال، بعيدا عما يتداول في وسائل الإعلام عن خلافات بين الإدارتين.

استمرار المقاطعة

وتواصلت في معظم الدول العربية والإسلامية حملات مقاطعة البضائع والمأكولات التي تنتجها شركات داعمة لإسرائيل ومنها مطاعم الوجبات السريعة وخاصة في الكثير من الدول العربية الخليجية، كذلك صدرت دعوات لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وأحدى تلك الدعوات كانت من رئيس الشؤون الدينية في تركيا علي أرباش، إلى مقاطعة منتجات إسرائيل ردا على المذبحة التي ترتكبها في قطاع غزة الفلسطيني.
جاء ذلك أثناء إلقائه خطبة صلاة أول يوم جمعة من شهر رمضان، في مسجد الفاتح بمدينة إسطنبول.
وقال أرباش: «بينما نحيي رمضاننا بنعم عظيمة، لا ننسى شهداءنا الذين ارتقوا تحت القصف في غزة وفلسطين». وأشار إلى أن المؤمنين كالجسد الواحد، وأي مشكلة أو ظلم يصيب مسلما ما في أي مكان بالعالم يجب أن يزعج جميع المؤمنين والمسلمين. وتابع: «دعونا نستمر في نصرة المظلومين بأيدينا وألسنتنا وكل إمكاناتنا». وأردف: «دعونا لا نساهم ولو بقرش واحد للظالمين وداعميهم، فلنواصل المقاطعة».
مواقف التلاحم تلك مع معاناة قطاع غزة جعلت القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات شعوب العالم العربي، وجعل فرص التطبيع مع إسرائيل معدومة بعدما حفرت جرائمها بحق الفلسطينيين عميقا، فصارت تل أبيب معزولة على صعيد الرأي العام العربي والعالمي على حد سواء، ولكن شعوب المنطقة العربية ما زالت تطالب قادتها بمواقف أكثر قوة تكون لها نتائجها العملية المباشرة في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية