إيران ستضرب إسرائيل: سيناريوهات براميل البارود والحرب الكبرى

محمد نون
حجم الخط
0

كان واضحا أن طهران تستخدم عامل الوقت لممارسة مزيد من الضغط بعد أن درست خياراتها، وتبادلت الرسائل بالواسطة مع واشنطن.

لندن ـ «القدس العربي»: عند كتابة هذه السطور كانت إسرائيل تنتظر ردا إيرانياً عسكرياً مباشراً على قيامها بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلها بطائرات أمريكية الصنع من طراز أف 35 قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان اللواء محمد رضا زاهدي مع عدد من كبار مساعديه من قادة الحرس الثوري بتاريخ الأول من نيسان/ابريل الحالي.

وتفاجأت إسرائيل يوم أمس السبت، بمعطى جديد تمثل في دخول أمن مضيق هرمز الاستراتيجي إلى دائرة الردود الإيرانية، حيث استولت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري على سفينة حاويات «MCS Aries» وهي مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي يدعى إيال عوفر وفقا لما أعلنته وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا» وهذا يعني بشكل واضح أن مرور السفن المرتبطة بإسرائيل من مضيق هرمز سيصبح ممنوعا عليها، تماما كما الحال في باب المندب في البحر الأحمر حيث تتولى هذ المهمة جماعة أنصار الله الحوثية .
وبينما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتحدث يوم الجمعة الماضي عن حتمية الرد الإيراني على إسرائيل عاجلا وليس آجلا، كان واضحا أن طهران تستخدم عامل الوقت لممارسة مزيد من الضغط بعد أن درست خياراتها، وتبادلت الرسائل بالواسطة مع واشنطن، سواء عبر السفارة السويسرية الراعية للمصالح الأمريكية في إيران، أو عبر الأصدقاء المشتركين التقليديين مثل سلطنة عُمان، أو عبر حلفاء أمريكا من الدول الغربية وخاصة بريطانيا.
كذلك أبلغت إيران مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي عبر ممثليتها في نيويورك أنها عازمة على رد الضربة لإسرائيل، فما كان بإمكانه تعديل الموقف والحؤول دون الرد (حسب وجهة نظر طهران) هو قيام المجلس بإدانة ما قامت به إسرائيل من قتل للقادة العسكريين في القنصلية الإيرانية في دمشق ثم القيام لاحقا بمعاقبتها، وهذا ما لم يحصل .
كذلك حملت الخارجية الإيرانية على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لعدم قيامها بإدانة تدمير القنصلية، ورأت في ذلك غطاء وتشجيعا لتل أبيب على ما قامت به.
لكن الرد الأمريكي كان يتمسك بمقولته أنه لم يكن على علم مسبق بما فعلته الطائرات الإسرائيلية، وذلك ردا على ما كان تسرب من معلومات إسرائيلية للصحافة الأمريكية مفادها أن تل أبيب أبلغت واشنطن بالغارة قبيل حصولها بقليل.

ارتداء لامةِ القتال

كثفت الإدارة الأمريكية تحذيراتها لإيران من مغبة قصف إسرائيل، في وقت أكملت فيه طهران ارتداء لامة الحرب، وتوعدت بعدم نزع لباس القتال مهما كان الثمن، فأعاد المرشد آية الله علي خامنئي ـ القائد الأعلى للقوات المسلحة، في خطبة صلاة عيد الفطر، إطلاق الوعيد بمعاقبة إسرائيل.
وبالمقابل اصطفت واشنطن خلف تل أبيب فبحث قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي الجنرال مايكل إريك كوريلا، يوم الجمعة الماضي مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، الجمعة، سبل الرد على هجوم إيراني محتمل.
وقال غالانت، بعد لقائه مع كوريلا، في قاعدة حاصور الجوية وسط إسرائيل، إن تل أبيب «مستعدة للرد على أي هجوم إيراني على الأرض وفي الجو» وفق بيان لوزارة الدفاع الإسرائيلية التي أضافت إن الجانبين «بحثا التقديرات بشأن هجوم إيراني على إسرائيل وأنه قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي».

سيناريوهات ما بعد الرد الإيراني

انتقت القيادة العسكرية الإيرانية عددا من الخيارات والأهداف العسكرية الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي، ووضعتها بتصرف المرشد خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي، فوقع الاختيار على بعضها من منظور ثنائي الأبعاد، يتمثل الأول في الرد على تدمير القنصلية في دمشق، بينما يهدف البعد الآخر إلى ردع تل أبيب وقيادتها العسكرية والسياسية عن التفكير مجددا في ضرب أهداف إيرانية في سوريا أو غيرها .
وقابل ذلك معادلة إسرائيلية ذات بعدين إثنين أيضا، أولهما التمسك بمفاعيل ما قامت به الطائرات الإسرائيلية بتدمير القنصلية في دمشق (رغم عدم الإعلان رسميا عن تبني مسؤوليتها) وثانيهما التوعد بالرد في داخل الأراضي الإيرانية إذا انطلقت الضربات منها.
وهنا برزت عدة سيناريوهات عن مستقبل المواجهة المباشرة بين طهران وتل أبيب:
السيناريو الأول: نموذج سليماني، ويتمثل في محاكاة ما حصل عند قيام الجيش الأمريكي باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني لدى خروجه من مطار بغداد عام 2020 برفقه قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
حينها قامت إيران بقصف صاروخي لقاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، والتزمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حينها عدم الرد على الرد، فتم احتواء الموقف عند هذا الحد.
وفي مثل هذا النموذج فإن رد إيران على أهداف عسكرية إسرائيلية لن يتبعه رد إسرائيلي بطلب من واشنطن التي تنظر إلى الخطر المحدق بقواتها في الشرق الأوسط في حال انفلات الأمور من عقالها.
السيناريو الثاني: النموذج اللبناني-الإسرائيلي، وهو يشبه محاكاة المعركة الدائرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بحيث ترد إسرائيل (وحدها) بضرب أهداف عسكرية داخل إيران، فتعيد إيران ضرب أهداف عسكرية إسرائيلية مماثلة، ثم تأخذ الأمور في التصاعد نحو صراع أوسع.
السيناريو الثالث: النموذج العراقي واليمني، وفي هذا السيناريو، تشترك القوات الأمريكية مع إسرائيل في ضرب أهداف عسكرية داخل إيران، تماما كما تقوم (مع بريطانيا وبعض الحلفاء) بضرب أهداف تابعة للحوثيين في اليمن أو للفصائل العراقية المتحالفة مع إيران، فتقوم الأخيرة بالرد على أهداف إسرائيلية داخل إسرائيل، وأخرى أمريكية موجودة في منطقة الشرق الأوسط.
وترددت بهذا الصدد معلومات بأن طهران حذرت واشنطن من التدخل لحماية إسرائيل وإلا فإنه سيتم أيضا استهداف القوات الأمريكية.
السيناريو الرابع: الحرب الكبرى، في حال تحقق السيناريو السابق، ستتدحرج الأمور بشكل كبير وواسع، وتشتعل الجبهات كلها بشكل متزامن وعنيف، وستزيد إيران وحلفاؤها في محور المقاومة ضرباتها وردودها على الحليفين الإسرائيلي والأمريكي ومن يشارك إلى جانبهما في المعركة، التي ستتدحرج حتى تتحول إلى حرب كبرى قد تشمل استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وقد يتم خلالها اقفال إيران بشكل تام لشريان النفط العالمي في مضيق هرمز الاستراتيجي في الخليج، ليضاف إلى ما قام به أنصار الله الحوثيون في اليمن من إقفال مضيق باب المندب في البحر الأحمر .
وهذا السيناريو يعتبر بمثابة كأس مرة لا يريد أحد تجرعها إلا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تُجمع التحليلات على القول إنه يريد توريط الجميع بمن فيهم الأمريكيون في حرب مباشرة مع إيران لإنقاذ نفسه والتعويض عن فشله في الحرب التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي ساقت إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ضد إسرائيل.
وتشير معظم التحليلات إلى أن الإدارة الأمريكية غير مستعدة لخوض حرب شاملة في الشرق الأوسط نظرا لعدة اعتبارات بينها اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة منذ اجتياح فيروس كورونا للعالم وحتى اليوم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية