مسرحية «شا طا را» المغربية ورهان الوسائطية: «ثلاث قصص… ثلاث نساء»

كريم بابا
حجم الخط
1

الرباط ـ«القدس العربي»: تفترض قراءة العمل الإبداعي أشياء لا تحضر بالضرورة لدى صانع العمل الفني، لكن الكتابة التالية للفعل العابر ليست فقط وصفا وتقريرا، بل هي قراءة ثانية للمادة وغوص في أفقها، من منطلق أن الفن هو رسم الأثر لا مجرد الخطو، فتكون القراءة النقدية إذن تتبعا للأثر لا الأقدام. تبعا لهذا المنظور، تقدم هذه القراءة التحليلية لمسرحية «شا طا را» لفرقة «تيمسفوين» المغربية، وضعها في سياقها الثقافي الراهن، ثم انتقالا إلى ما أثار انتباهنا في العرض، لننهي هذا المقالة بافتراض أفق يتجاوز العمل الإبداعي في حد ذاته إلى رهانات الوسائط في الفعل المسرحي ككل.

«شا طا را» السياق

مع بداية الحجر الصحي ربيع السنة الأولى لوباء «كورونا» (2020) وتزامنا مع بث استثنائي لعروض مسرحية على الإنترنت بسبب إغلاق القاعات العامة، سواء بمبادرات فردية أو مؤسساتية، أعيد فتح نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة بين الفاعلين في الحركة المسرحية حول موضوع «إقحام» الوسائط المتعددة في الفرجة المسرحية، من منطلق أن العرض المسرحي يتأسس على اللقاء المباشر مع الجمهور دون الحاجة إلى وسيط، سواء كان هذا الأخير حاملا لمادة، (نص- فيديو- غرافيك، إلخ) تُعْرَضُ ضمن عناصر العرض الحي ذاته، أو ناقلا له على مواقع ومنصات البث المباشر، وجعل المتفرج يتابع العرض عن بعد. وفي كلتا الحالتين يحضر الوسيط، فكان من الطبيعي أن نساهم في هذا النقاش المفتوح والمستمر، خاصة أن المناسبة هي «شا طا را»: أول عرض مسرحي قدم يوم الأول من تموز/ يوليو 2021 في مسرح محمد الخامس في العاصمة الرباط، بعد تخفيف إجراءات حالة الطوارئ الصحية.
هذه المعطيات تدفع المتتبع للشأن الثقافي عموما، والدرامي بشكل خاص، إلى وقفة للتوثيق أولا، وللقراءة ثانيا، دون تحميل العرض/المرحلة ما لا يتحمله، وأن نختبر ما تشاركنا في قوله، مع بداية ظهور كورونا، بأن ما بعدها لن يكون كما قبلها. وإذا استحضرنا أن «بروفا» العرض داخل فرقة «تيمفسويمين» انطلقت قبل عرضها الأول بسنة، بحكم أن برمجة عرض العمل كانت تفرض أن يًشاهدَه الجمهور ضمن السنة الثقافية 2019- 2020، فهل شَكْلُ العرض واختياراته الجمالية سبقت الاستنجاد الشامل بالرقمنة والوساطة من أجل إنعاش الحياة في مختلف فروعها الثقافية والعلمية والفنية والترفيهية في مواجهة إغلاق الفضاءات العمومية؟ أم إنه إدراك من مبدع هذا العمل بمكانة الوسائط المتعددة في صناعة الفرجة المسرحية بغض النظر عن سياق الطوارئ الصحية؟ وفي الحالتين معا، يبقى أن الموضوع ذو أهمية بالغة في مسار المخرج، من جهة تنويع رؤاه الإخراجية، ولأنه عمل جديد يراكم للباحثين المسرحيين ويضع أمامهم إبداعا جديدا في سلسلة التجارب المسرحية التي استثمرت الوسائط وجعلتها عنصرا رئيسا في العرض.

«شا طا را» العرض

تعرض المسرحية، كما هو في ملصقها الإعلاني «ثلاث قصص… ثلاث نساء»: (شا- طا- را) وكل حرفين يمثلان اسما لإحدى الشخصيات الثلاث (شاني – طاليا – ربيعة) بما يحمل كل اسم من إحالة على ثقافة وخصوصية محلية، لكنهن يشتركن جميعا في التعرض للعنف المادي والمعنوي من محيطهن الاجتماعي. وهي ثيمة تبدو متداولة في الدراما عامة، لهذا ارتأينا، من وجهة نظرنا، أن نسلط الضوء أكثر في هذه القراءة على عنصر مهم في العمل ككل وهو الوسيط الرقمي، نظرا للدور الواضح الذي لعبه في تثوير أبعاده الجمالية، شكلا ومضمونا. خاصة مع قلة تعاطي الفرجات المسرحية في المغرب مع الوسائطية.

في نهاية العرض، تقف الممثلات الثلاث أمام صورة للفنانة الراحلة ثريا جبران، استحضارا لما قامت به خدمة للمسرح وقضايا جمهوره، لكن الحكاية كما كتب على الشاشة لن تتوقف. فهل كسبت «شا طا را» رهان الوسائطية؟

نجد في مسرحية «شا طا را» شاشة سداسية الأضلاع، ظلت تعرض وسائط متعددة طيلة العرض، في شكل أشبه بالشكل البيولوجي النشيط للخلية عند انشطارها، لكن في هذا العرض كانت وسيطا/أداة ثابتة لعرضِ وسائطَ متعددة: (نص، صور، وثائق، رسوم، غرافيك، جينيريك) مع تسجيل هيمنة الموسيقى والأداء الغنائي على العرض، الشيء الذي جعله يأخذ هوية الدراما الموسيقية، خاصة أن الشخصيات الثلاث شكلت ذواتا منصهرة في جسد امرأة محطمة، وطال مخاض انعتاقها من أسر الفكر الذكوري، فكان سلاحها هو رفع الصوت تارة للاحتجاج، وتارة تحديا وسخرية، وتارة رقصا وتجاوزا. فبدا وكأن الشاشة عوّضت الحوار الكلاسيكي الذي يكون بين الشخصيات، وأضحت العامل الرئيس في بناء الحكاية وتطورها، لتفصح عن حقيقة ما استعارته باقي العناصر، وأولها اللعب على الركح.
وهنا نشير إلى أن الفنان أمين ناسور، معدّ مسرحية «شا طا را» ومخرجها، بدا أنه مستوعب جدا للمرحلة التاريخية والتقط خلاصات التوقف الإجباري للحياة خلال فترة الحجر الصحي، وعزلة الناس داخل بيوتهم محاطين بأجهزة الذكاء الاصطناعي، سواء للتعلم أو التعليم أو الترفيه والفرجة أو غيرها من أشكال الفعل والتفاعل «عن بعد» وخلقَ نوعا من الألفة بين عرضه والعنصر الرقمي، الذي ما زال «طارئا» على العروض المسرحية في المغرب، بغض النظر عن مساحة التوظيف ورهاناته الجمالية، مع العلم أن عمله السابق، (نايضة) كان بأسلوب إخراجي ثان/مختلف، تبوأ فيه الحوار/النص، لمؤلفه الفنان عبد الكريم برشيد، المكانة المتقدمة مقارنة مع عرض «شا طا را» الذي توارى فيه النص، باعتباره، وفق التصور الدرامي التقليدي، صلة الوصل الأولى بين مشخصي العرض، مما سمح بهيمنة الموسيقى والأداء الغنائي، دون أن نغفل الدور الكبير الذي قامت به السينوغرافيا في عملية الإبهار البصري. مع ضرورة التأكيد على العمل الواضح الذي قامت به الإضاءة في جعل هذا العرض يأخذ انسيابية وسلاسة في عملية الأداء، مما جعل الممثلات الثلاث (قدس جندل، آمال بنحدو، شيماء العلاوي) «يحاورن» برشاقة أجهزة ذات حمولة ثقافية مرتبطة بعولمة التواصل، وفي مقدمتها الهاتف، فالذي استثمره المخرج وجعل من المخدع مساحة للرقص، وتعبيرا عن رفض التقاليد المقيدة لحرية المرأة/الإنسان. وهنا نطرح سؤالا: أليس اختيار نساء من العالم الثالث يحمل تكريسا لصورة مصدر العنف الاجتماعي المبني على الجنس في أوطاننا؟ ألا يوجد عنف وإن اختلفت تمظهراته في الدول الغربية؟ ألا يستبطن هذا الاختيار اتهاما ضمنها بمسـؤولية الغرب عما وصلت إليه المرأة/الإنسان في دول ما يسمى بالعالم الثالث؟ ألا تعاني المرأة الناطقة بالإسبانية أو الإنكليزية عنفا لا يقل عما تعانيه الفتاة في دول الامتداد الثقافي الفرنكفوني؟ ألم تظهر جائحة كورونا أن العالم كله تضرر من النظام العالمي وأن الجميع أخذ نصيبه من التمييز؟

الأفـق

«حَادَّة» «تشيزوفرينيا» «مُنَمْنَمَات» «التأشيرة» «شا طا را» … هي أعمال مسرحية مغربية استثمرت الوسائط بمستويات مختلفة، وقدّمت عروضها على مسارح المملكة خلال العشر سنوات الأخيرة، وتستمر في فتح أفق متجدد لمواصلة إنعاش المسرح بعناصر هي من صميم هويته، بغض النظر عن شكلها المادي. فهل ستحقق النجاح والزخم نفسهما إذا عُرِضت على مسارح أخرى لا تتوفر على المؤهلات ذاتها التي يمتلكها مسرح محمد الخامس أو من هو في بنيته؟
في نهاية العرض، تقف الممثلات الثلاث أمام صورة للفنانة الراحلة ثريا جبران، استحضارا لما قامت به خدمة للمسرح وقضايا جمهوره، لكن الحكاية كما كتب على الشاشة لن تتوقف. فهل كسبت «شا طا را» رهان الوسائطية؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلي محمد من المملكة المغربية:

    هل يسمح لنا المنبر المتميز بقول بعض الكلمات شكرا فاالكتابة عن المسرح كافن عظيم وكأب لكل الفنون صعب جد ا فهو ليس بين قوسين كاالشعر أو كاالقصة أو كاالسينما المنافسة له وبلغة لاختصار المسرح المغربي واحد من المسارح العربية عرف قضايا اجتماعية قديما وساعتها كانت وجوها قد لاياتي الزمان بمثلها ربما عرفت كيف تتعامل وبطرق فنية وأساليب متنوعة كدالك معها اما اليوم فاالقضايا الاجتماعية تختلف وتتطلب خبرة فنية عالية وأساليب في المستوى الجيد فاالمسرح لازالت له القدرة على الحوار وأيجاد الحلول ولازالت له القدرة كدالك على أدخال الابتسامة على القلب الحزين الشاكي مرارة الزمان الدي نحن فيه .

إشترك في قائمتنا البريدية