محللة روسية لـ”القدس العربي”: لهذا لم تقم موسكو بإدانة الهجوم الإيراني على إسرائيل

حسن سلمان
حجم الخط
0

تونس – “القدس العربي”:

قالت محللة روسية إن موسكو فضلت العمل بمبدأ “التعامل بالمثل” تجاه تل أبيب، التي لم تقم سابقا بإدانة الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، وهذا ما دفعها لعدم “إدانة” الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل.

ولم تقم موسكو بإدانة هجوم إيران بعشرات المسيرات والصواريخ على إسرائيل، بل إن الخارجية الروسية نقلت عن نظيرتها الإيرانية قولها إن الهجوم يأتي في إطار حق الدفاع عن النفس وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، على اعتبار أنه جاء ردا على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى الحديث عن “تبني” موسكو لوجهة نظر طهران حول هذا الأمر.

“موسكو أرادت معاملة تل أبيب بالمثل بعدما لم تقم الأخيرة بإدانة الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية”

إلا أن لانا بادفان الباحثة في العلاقات الدولية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو نفت انحياز الجانب الروسي لإيران في هذه القضية، مشيرة إلى أن موسكو حذرت في مناسبات عدة من تفاقم الصراع في منطقة الشرق الأوسط، حيث “عبرت عن استيائها من عدم إدانة مجلس الأمن للضربات الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، لأن مثل هذا العمل قد يفتح أبوابا للانتقام أو الرد الإيراني على إسرائيل، وهو ما حدث فجر الأحد”.

قلق موسكو من توسع الصراع

وأضافت، في تصريح خاص لـ”القدس العربي”: “الجانب الروسي يسعى لئلا يكون هناك اتساع لرقعة الحرب والساحة العسكرية بين كلا الطرفين، وخاصة أن الجانب الروسي موجود ضمن الأراضي السورية، وهذا التوتر العسكري في منطقة الشرق الأوسط يثير القلق لديه، كما أن موسكو تفضل وقف إطلاق النار وعودة المفاوضات بين الأطراف المختلفة كي لا يكون هناك حرب إقليمية كبرى في الشرق الأوسط”.

“روسيا تخشى على مصالحها في سوريا في حال قيام حرب إقليمية كبرى في الشرق الأوسط”

وتابعت بادفان: “بالتالي كان تعليق الخارجية الروسية محايدا ويعبر عن السياسة الروسية الواضحة منذ أن أدانت موسكو الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، على اعتبار أنه سيكون له تبعات، كما أن إسرائيل يمكن أن تقوم لاحقا بالرد على الهجمات الإيرانية، مستعينة بنفس المبررات التي اتخذتها طهران في الهجوم عليها، والمتعلقة بالمواثيق الدولية التي تتيح لها الحق بالدفاع عن النفس، وهو ما سيؤدي لاتساع رقعة الصراع في المنطقة، وهو ما لا ترغب به موسكو”.

ولكن ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية ردت، في تدوينة على موقع تلغرام، على مطالبة السفيرة الإسرائيلية سيمونا غالبيرين لموسكو بإدانة الهجوم الإيراني، عبر تذكيرها لغالبيرين بعدم إدانة تل أبيب للهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، ودعمها المعلن للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي.

“اليهود الروس يدعمون إسرائيل ولديهم تأثير كبير في الإعلام والسياسة، كما أن المسلمين لديهم صوت مؤثر وداعم للفلسطينيين”

وعلقت بادفان على تدوينة زاخاروفا بالقول: “بالتأكيد في هذه المسائل تدخل التقاطعات السياسية والدبلوماسية بين الأطراف، فاليوم الجانب الروسي يرى أن إسرائيل لم تتخذ موقفا إيجابيا من العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، وأيضا فيما يتعلق بقيام أوكرانيا بعمليات إرهابية على غرار تفجير جسر شبه جزيرة القرم وأيضا التفجير الأخير في مجمع “كروكوس سيتي” في ضواحي موسكو وإطلاق المسيرات على المقاطعات الروسية. وكل تلك الأعمال التي طالبت روسيا بعقد جلسات لمجلس الأمن حولها، لم يقم الجانب الإسرائيلي بإدانتها، ومن هذا الباب تمسكت روسيا بمبدأ الرد بالمثل، وخاصة بعد تصنيف روسيا للدول الصديقة وغير الصديقة، وبالتالي ما قالته زاخاروفا كان متوقعا، وخاصة أن الجانب الروسي يرى أن ما قامت به إيران هو نتيجة رد فعل على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، كما ذكرت سابقا”.

المعاملة بالمثل مع إسرائيل

وأوضحت أكثر بقولها: “أعتقد أن الجانب الروسي بدأ يعتمد مبدأ المعاملة بالمثل وخاصة بعد العملية العسكرية على الأراضي الأوكرانية التي كشفت المواقف الدولية الحقيقية تجاه روسيا وما تضمره تلك الدول في محاولة لتدمير الاقتصاد وتفكيك روسيا وإحداث اضطرابات داخلية في عموم البلاد، وكل هذه العوامل جعلت روسيا تتعامل بناء على الاصطفاف السياسي، أي بمعنى هناك دول قد تتوافق مع روسيا سياسيا وأخرى لا تتوافق معها. أما فيما يتعلق بحلفاء روسيا فدائما ما يكون هناك حوارات أكبر وأعمق واتصالات دبلوماسية وقنوات اقتصادية وتجارية، وهذا ما شهدناه بين روسيا والصين خلال السنوات الأخيرة”.

وفيما يتعلق باحتمال وجود “دور روسي” في عملية طوفان الأقصى، قالت بادفان: “الجانب الروسي دائما ما ينكر تقديم دعم عسكري ولوجستي للفصائل الفلسطينية وخاصة حماس، ولكنه -بالمقابل- يرفض تصنيفها كـ”منظمات إرهابية”، لأنه ما زال هناك قنوات اتصال سياسية يمكن أن تستغلها روسيا مع هذه الفصائل دون أن يكون هناك عواقب أو محظورات، لذلك عندما زار وفد من حماس العاصمة الروسية جرى إطلاق رهائن روس كانت تحتجزهم حماس، وبالتالي هذه الحركة فتحت المجال أكبر أمام موسكو التي تستطيع تخليص مواطنيها بفضل وجود حوار سياسي مع هذه الأطراف”.

“النفوذ الروسي يتزايد سياسيا وعسكريا في القارة الإفريقية، وبدأ يتخذ طابعا رسميا بعدما اعتمد لسنوات على فصائل عسكرية غير رسمية على غرار فاغنر”

واستدركت بالقول: “في المقابل، روسيا لديها علاقات لا يمكن الاستهانة بها مع الجانب الإسرائيلي، وخاصة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكن منذ الاتحاد السوفياتي وحتى الاتحاد الروسي كان هناك اتجاه واحد وهو أن تعترف روسيا بإسرائيل مقابل اعترافها أيضا بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لذلك إذا ما قيمنا الموقف الروسي الحقيقي فهو داعم لإحياء الدولة الفلسطينية والقضية الفلسطينية وباعتراف دولي، ولكن ضمن خريطة وتاريخ معين وليس على كامل الأراضي الفلسطينية أو الإسرائيلية”.

كما أشارت إلى أن موسكو ترى أن “الحوار السياسي الفلسطيني وتوحيد الموقف والفصائل الفلسطينية يساهمان بشكل كبير بأن يكون هناك مستوى رفيع في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مقابل أن يكون هناك تعاون سياسي واقتصادي أيضا واعتراف بإسرائيل من قبل الجانب الروسي”.

تناقض روسي تجاه فلسطين

“روسيا تصنّف الدول إلى “صديقة” و”غير صديقة” بناء على مواقفها من عمليتها العسكرية في أوكرانيا”

وفسرت ما يسميه البعض “تناقضا” في السياسة الروسية تجاه القضية الفلسطينية، بالقول: “في زمن الاتحاد السوفياتي هاجر عدد كبير من اليهود من روسيا ودول مختلفة من الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية إلى إسرائيل، وهؤلاء لديهم نفوذ حاليا في التأثير على التوجهات السياسية والآراء وغيرها من المواقف في بلدانهم الأصلية، ومنها روسيا وأوكرانيا، وبالتالي هنا في الداخل الروسي هناك صوت مسموع من قبل اليهود الروس ولديهم تأثير كبير في الإعلام والسياسة، ولكن هناك -بالمقابل- صوت مؤثر وداعم للفلسطينيين وخاصة من المسلمين”.

وأضافت “بالتالي غالبا ما تمارس روسيا دورا سياسيا ودبلوماسيا مع الفلسطينيين وتقوم بدعمهم في المحافل الدولية، وفي المقابل هناك علاقات جيدة مع الجانب الإسرائيلي، ولكن لا ننكر أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل شهدت تدهورا منذ العملية العسكرية في أوكرانيا إلى حد هذه اللحظة”.

“الوجود الأمريكي قديم متجذر في الشرق الأوسط، وهو يعرقل إنشاء قواعد عسكرية روسية جديدة في المنطقة”

ويرى بعض المراقبين أن موسكو يمكن أن “تستفيد” من الصراع المتواصل في منطقة الشرق الأوسط، وسط الحديث عن “انحسار” الدور الأمريكي، وقد نشهد قواعد عسكرية روسية جديدة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وجود أمريكي متجذّر في الشرق الأوسط

وعلقت بادفان على ذلك بالقول “هناك بالتأكيد تزايد للنفوذ الروسي -سياسيا وعسكريا- في القارة الإفريقية، وقد شاهدنا مؤخرا سفنا وبوارج روسية تعبر البحر الأحمر للقيام بمناورات عسكرية واستخباراتية مع بعض الدول الإفريقية، ولكن هذه المرة العلاقة تتم بشكل مباشر بين الحكومة الروسية والحكومات الإفريقية بشكل مباشر، أي أن الجيش الروسي يتعاون بشكل مباشر مع جيوش هذه الدول، ولا يتم الاعتماد على فصائل عسكرية على غرار فاغنر مثلا”.

واستدركت بالقول: “ولكن أن نتحدث عن تدخل عسكري أو قواعد روسية جديدة في الشرق الأوسط فهي مسألة صعبة جدا بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية كثيفة وكبيرة، فضلا عن القواعد الإيرانية في دول أخرى. صحيح أن الجانب الروسي لديه قواعد معلن عنها في سوريا (غير القواعد التي يتم من خلالها إجراء المناورات العسكرية والتدريبات المشتركة) ولكن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط هو وجود متجذر، وبالتالي لا يمكن أن نقول اليوم إن الولايات المتحدة قد تخرج من الساحة العسكرية في الشرق الأوسط، وهذه المسألة قد تحتاج لسنوات طويلة، فبالتالي لا يمكن للجانب الروسي بسهولة إنشاء قواعد عسكرية جديدة في الشرق الأوسط”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية