“مجلس حرب” في حالة انعقاد دائم وإحاطة أمنية للمعارضة.. قيادة إسرائيل: “رغم ذلك”.. ردنا حتمي

حجم الخط
0

بعد إحباط هجوم الصواريخ والمسيرات الإيراني، يبدو أن إسرائيل تخطط للرد. رئيس الحكومة، نتنياهو، عقد أمس عدة لقاءات مستعجلة وكثيفة حول مسألة رد إسرائيل على العملية الإيرانية الاستثنائية. ورغم أنه تم إرسال أكثر من 350 صاروخاً ومسيرة نحو أراضي إسرائيل، فقد انتهى هذا الهجوم بفشل ذريع – أربع إصابات سطحية لصواريخ، وإصابة طفلة في النقب. تؤكد القيادة الإسرائيلية على هذه السابقة الخطيرة وتشعر بوجوب أن توضح لنظام طهران الثمن الذي ينطوي على ذلك.

سيعقد نتنياهو مجلس الحرب للمرة الثانية خلال 24 ساعة لمناقشة الرد المطلوب. وأعلن مكتبه بأن رئيس الحكومة استدعى عدداً من رؤساء المعارضة لتقديم إحاطة أمنية استثنائية لهم. يجب ألا نتجاهل الاعتبارات السياسية المقرونة باتخاذ القرارات. نتنياهو يواجه تحدياً من اليمين، من قبل رؤساء القوائم المتطرفة في الحكومة، بن غفير وسموتريتش، اللذين يطلبان علناً انتقاماً مدوياً من إيران.

الولايات المتحدة، التي كانت لمساعدتها لإسرائيل دور أساسي في إحباط الهجوم، تريد منها الآن الامتناع عن الرد. قال الرئيس الأمريكي ذلك في محادثة هاتفية مع نتنياهو صباح أول أمس، وتكررت الرسائل منذ ذلك الحين في عدة قنوات مع جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية. والدول الأوروبية التي ساعدت في حماية إسرائيل، من بينها بريطانيا وفرنسا، أرسلت أيضاً رسائل مشابهة. أوضحت الولايات المتحدة لإسرائيل بأنها لن تشاركها في أي عملية هجومية ضد إيران.

مع ذلك، حسب وسائل الإعلام الأمريكية، لا يحاول بايدن منع عملية إسرائيلية. جزء من التحفظ الأمريكي الذي تم التعبير عنه في المحادثة مع الرئيس ونتنياهو، نبع من تخوف الولايات المتحدة من أن يتم تشخيصها مع الهجوم الإسرائيلي، بعد بضع ساعات على قيام طيارين من الدولتين بإسقاط مسيرات وصواريخ مجنحة إيرانية معاً.

رغم تسرب الخلافات بشأن آراء المجلسين الوزاريين، المرتبطة أيضاً بعدم ثقة بين نتنياهو وشركائه في حكومة الطوارئ، الوزير غانتس والوزير آيزنكوت، فإن إجماع القيادة العليا يتجاوز المعسكرات السياسية، بل ويشمل رؤساء جهاز الأمن. قال رئيس الأركان هرتسي هليفي أمس أثناء زيارته في قاعدة “نيفاتيم” إن إسرائيل سترد على إطلاق النار على أراضيها. الاعتقاد أن الرد بات مطلوباً، حتى لو بدا بذل محاولة لاختيار عملية محسوبة، ترسل لإيران رسالة بدون أن تدهور منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.

مع ذلك، يجب التذكر بأن الاستخبارات الإسرائيلية أخطأت عندما قللت من تقدير الخطر قبل اغتيال الجنرال حسن مهداوي في 1 نيسان، وهو الحادث الذي بدأ جولة التوتر الحالية. الخطر الأكبر بهذا الشأن يكمن في حزب الله. إيران بنت حزب الله، التنظيم وترسانة السلاح كردع ورد على إمكانية هجوم إسرائيلي ضد منشآتها النووية. الآن يمكن أن تستخدمه أيضاً في الرد على أي هجوم محتمل، وتزيد خطر اندلاع الحرب.

حزب الله غير متحمس حتى الآن للانضمام لجهود إيران. فعلى الفور، بعد اغتيال مهداوي أوضح رئيس الحزب، حسن نصر الله، بأن الثأر شأن إيراني؛ لأن كرامة طهران هي التي مسّت. شارك حزب الله في إطلاق النار بشكل رمزي. ورغم ذلك، في حالة حدوث أي تدهور آخر ستضغط إيران على حسن نصر الله للانضمام للحرب.

       من وراء الكواليس

قدر بعض المراقبين الغربيين مؤخراً أنه كان هناك تدخل غير مباشر لدولة أخرى، روسيا، من وراء كواليس هجوم إيران الواسع. وحسب قولهم، عبّر الهجوم عن محاولة نظام طهران وقف هجمات “المعركة بين حربين” الإسرائيلية ضد رجاله في سوريا. أراد الإيرانيون وضع حد بهذا لمنحى زيادة عمليات الاغتيال والتفجيرات من قبل إسرائيل، وهو المنحى الذي كان رداً على المساعدة الإيرانية الواسعة لحزب الله والتنظيمات الفلسطينية.

لكن حسب هذا التحليل، كانت لروسيا مصلحة خفية، في إطار حلف استراتيجي يتعزز مع إيران. هجوم إيران الواسع استهدف في نظر موسكو أيضاً توجيه الاهتمام الدولي إلى منطقة الشرق الأوسط، إبقاءه لفترة طويلة، لتمكين روسيا من مواصلة حربها في أوكرانيا، حيث حققت نجاحاً في المعارك شرقي أوكرانيا. ارتفاع التوتر في الشرق الأوسط يحتاج أيضاً إلى توجيه موارد ووسائل قتالية على حساب إنتاج السلاح والمساعدات الأمنية التي يوفرها الغرب لأوكرانيا، التي تساعدها في تعزيز مكانتها أمام غزو روسيا منذ سنتين تقريباً. أي أزمة طويلة في الشرق الأوسط سترفع أسعار النفط وستخدم تصدير النفط الروسي.

النتيجة الأهم للأزمة إذا ما استمرت، قد تكون خسارة بايدن في الانتخابات في تشرين الثاني القادم، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية الحاسمة لنظام لبوتين. نظام روسيا يأمل عودة ترامب، الذي لم يخف إعجابه بالرئيس بوتين، وأمامه الكثير ليفعله. لكن فشل إيران قد يصبح فشلاً لروسيا. وهناك إشارات أولية على أن الحزب الجمهوري الأمريكي يرفع المعارضة على شرعنة المساعدات الحيوية التي قد تضمن بأن ترسل الإدارة الأمريكية عشرات مليارات الدولارات كمساعدات أمنية لثلاث دول يتم تهديدها، أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

منذ المذبحة في الغلاف في 7 أكتوبر، أدار الحزب الجمهوري بتشجيع من ترامب، حرب تمديد استهدفت تأخير المصادقة القانونية. لكن الآن قد تساعد خطورة التهديد على إسرائيل بايدن في إثبات الحاجة الملحة لإرسال السلاح. تمكنت إسرائيل منذ فترة طويلة من أن تثبت نفسها في المعسكر الديمقراطي إلى جانب الدول الأخرى التي تمت مهاجمتها، وأن تحصل على فرصة أخرى للحصول على بطاقة العضوية في النادي. لذا لم يكن سيضرها لو أوقفت التملص وعرضت دعماً علنياً لأوكرانيا في الوقت الذي تعقد فيه روسيا علناً تحالفاً مع إيران.

       نافذة ضيقة جداً

تعتبر الإدارة الأمريكية أحداث الفترة الأخيرة فتح نافذة وقت ضيقة كي تحاول تنفيذ خطط واسعة مرة أخرى. إحباط هجوم إيران لا يعتبر إنجازاً تاريخياً بالمنظار العملياتي والتكنولوجي، بل يعكس تنسيقاً وثيقاً غير مسبوق بين إسرائيل وبعض الدول العربية المعتدلة في المنطقة، كما نشر، تحت المظلة الأمريكية. يبدو أن ثمة نقطة انطلاق لحلم متفائل أكثر: خلق تحالف حقيقي بين هذه الدول كوزن مضاد لعدوان إيران.

تلاحظ هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي وجود فرصة أيضاً، ولكن تصعب رؤية كيف ستتحقق عندما تضطر السعودية لإدخال مكون فلسطيني في الواقع الإقليمي الجديد على شكل موطئ قدم لحركة فتح والسلطة الفلسطينية المستقبلية في الحكومة المستقبلية في قطاع غزة إذا تم إخراج حماس من هناك. نتنياهو غير مستعد لتوفير ذلك في الوقت الحالي تحت أي ظرف. المبرر أيديولوجي، لكنه سياسي أيضاً وينبع من تخوفه من بن غفير وسموتريتش.

للمرة الأولى منذ نصف سنة تقريباً، يزاح الوضع في القطاع من العناوين العالمية إزاء تبادل اللكمات بين إسرائيل وإيران. هذا وقت إيران، على الأقل حتى تتضح مسألة كيف ومتى سترد إسرائيل على الهجوم الذي تعرضت له. الانشغال برد إسرائيل دفع همّش النقاش حول العملية المحتملة للجيش الإسرائيلي في رفح.

في الوقت نفسه، أبعد النقاش حول وضع الـ 133 المحتجزين لدى حماس. وأمس، تم نشر رد حماس على اقتراح الوسطاء، الذي طرحت فيه حماس طلبات جديدة أكثر تشدداً. الجمود في المحادثات سيحتاج إلى انشغال إسرائيلي جديد في محاولة للبحث عن مسارات بديلة.

في الواقع، ربما يكون ذلك فرصة. الصفقة العالقة شملت إطلاق سراح المخطوفين على دفعتين، مع وقف إطلاق نار يستمر حسب الظروف. ربما حان وقت مناقشة صفقة شاملة على دفعة واحدة، مقرونة بتقديم تنازلات، مؤقتة على الأقل، عن الأحلام العبثية بالنصر المطلق. ولكن إذا أصبحت إيران وحزب الله بؤرة الحرب، فمن الجدير تجريب الجهد الأخير لإنقاذ المخطوفين قبل اختفائهم إلى الأبد في أنفاق غزة.

 عاموس هرئيل

هآرتس 16/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية