مؤيدو مرسي امام امتحان اللاعنف

حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت لفض اعتصامات رابعة العدوية والنهضة فاق جميع التوقعات وحطم ‘نظريات الفض السلمي’ للاعتصامات..
الحصيلة الثقيلة لعدد القتلى والجرحى لا تدع مجالا للشك بأننا أمام تطور خطير في السياسة المتبعة من طرف المتحكمين في شؤون الدولة المصرية.
فرغم حجم التضليل الإعلامي المعتمد من طرف القنوات الفضائية المصرية فقد تمكنت العديد من المنظمات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية المحايدة من توثيق العديد من الانتهاكات الخطيرة في الميادين، وتوفير العديد من الأدلة الدامغة على بشاعة ما ترتكبه القوات الأمنية في حق المتظاهرين السلميين من جرائم، وهو ما أسفر على سقوط عدد كبير من القتلى، من بينهم أطفال ونساء وكبار السن عن طريق استخدام القوة المفرطة والمميتة بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي وإضرام النار في الخيام..
لقد تمكنت 7 منظمات حقوقية كبيرة من رصد هذه الجرائم وتوثيقها، وهي منظمة الحقوق للجميع السويسرية والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان- جنيف، وأصدقاء الإنسان الدولية- فيينا، ومركز العدالة السويدي، ليبرتي كيتي، ومفوضة الحقوق المدنية الأمريكية، ومنظمة القانون الجنائي والإنساني الأمريكي، بالإضافة إلى منظمات حقوقية أخرى…وهو ما يجعل الموضوع المصري مرشحا ليأخذ أبعادا جديدة أمام المحافل الحقوقية الدولية وكذا أمام القضاء الجنائي الدولي.
إن ما حصل يعتبر من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بمثابة عقاب جماعي لمجموعة من المتظاهرين السلميين عن طريق هجوم منهجي واسع النطاق استهدف فض اعتصام سلمي لمواطنين مدنيين لهم مطالب سياسية معينة، وهو ما أسفر عن قتل متعمد للعديد من المواطنين المصريين، مما يندرج في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، ويستوجب إيفاد لجنة أممية للتحقيق وتحريك المساءلة القانونية أمام العدالة الجنائية الدولية لكل من أصدر التعليمات باستخدام القوة المفرطة ونفذ جرائم القتل العمد في حق المتظاهرين.
كما أن توسع القائمين على شؤون الدولة المصرية في تشديد الخناق على المعارضين واستهداف الحق في التعبير وفي التظاهر السلمي عن طريق الإعلان عن حالة الطوارئ، والزج بالعديد من القيادات السياسية المرموقة في السجن من قبيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وتحريك المتابعات القضائية ضد المخالفين في الرأي بمن فيهم من أيدوا الانقلاب في السابق مثل نائب رئيس الجمهورية المستقيل محمد البرادعي، كلها معطيات تفيد بأننا أمام جرائم سياسية تؤشر على منعطفات خطيرة تستهدف توسيع دائرة سفك الدم بصورة تهدد بانهيار منظومة الأمن والسلم الاجتماعي، ولا تقدر مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية تأتي على البقية الباقية من الأمل في بناء أسس دولة الحق والقانون وسيادة قيم ومبادئ حقوق الإنسان..
هذا المشهد الدرامي من الناحية الإنسانية يفتح النقاش على زاوية أخرى من التحليل لفهم خلفيات هذا التصعيد الخطير..
إن مخططي انقلاب 30 يونيو لم يتوقعوا ردود فعل الشارع، واعتقدوا أن بإمكانهم حسم المعركة عن طريق فرض سياسة الأمر الواقع ودفع جميع الأطراف إلى القبول به..
لكن ردود الفعل المؤيدة للشرعية الدستورية كانت أقوى من جميع التوقعات، ونجحت في نقل صورة إلى العالم تفيد بأن أعدادا هائلة من الشعب المصري تؤيد الشرعية الدستورية وترفض الانقلاب على الرئيس المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة من طرف أغلبية الشعب المصري..
فباستثناء خمس دول تعترف بالوضع الجديد، ومنها بعض الدول الخليجية التي أضحت رهاناتها مفهومة، فإن باقي دول العالم تبدو محرجة أمام المعطيات السابقة على تأييد الانقلاب، بما فيها الموقف الأمريكي الذي يمر بمرحلة ارتباك حقيقية..
وكما قلنا في السابق فإن صيرورة التحولات الجارية في مصر وفي المنطقة العربية بشكل عام، لا تجري بعيدا عن العوامل الإقليمية والدولية التي تصر على حماية مصالحها الاستراتيجية ولو على حساب الديموقراطية نفسها، فمن المؤكد أن العديد من إدارات الدول الغربية تريد ديموقراطية على مقاس مصالحها الاستراتيجية، وكما رفضت بالأمس نموذج الأنظمة الشيوعية والاشتراكية وحاربتها، فلن تسمح اليوم بوجود أنظمة سياسية تجمع بين الإسلام والديموقراطية والعدالة الاجتماعية..
في هذه النقطة هناك التقاء موضوعي مع بعض الأنظمة الخليجية التي تبني مشروعيتها على قراءة استبدادية للدين الإسلامي وترفض أي محاولة لاستنبات الديموقراطية في تربة إسلامية، لأنها بكل بساطة ضد التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة والمساواة بين الرجل والمرأة وغير ذلك…
هذه الصورة دفعت بالانقلابيين إلى لعب ورقة مكافحة الإرهاب، ومحاولة جر المتظاهرين إلى ساحة العنف..
هنا بالضبط يكمن الاختبار الصعب الذي يتعرض له مؤيدو الرئيس مرسي..كيف ذلك؟
إن الإمعان في القتل والإفراط في استخدام القوة وتفحيم جثث الضحايا ونشر هذه الصور المروعة له هدف واحد، هو توريط المتظاهرين في ردود فعل عنيفة تضعهم في خانة الإرهاب..
طبعا، من الصعب التحكم في مشاعر الغضب التي تعتري كل من فقد عزيزا له في مثل هذه المواقف، هذا الغضب الذي قد يصل إلى درجة الكفر بالديموقراطية وبالخيار السلمي، والتفكير في خيارات أخرى تبدو من الوهلة الأولى بسيطة وحاسمة، ولكنها محكومة بالرغبة في الانتقام وبمنطق رد الفعل بالدرجة الأولى..
لكن الخطير هو أن يجري تغليفها بالمبررات الشرعية وبقراءة ظاهرية لآيات الجهاد في القرآن الكريم..
هنا بالضبط يكمن امتحان مؤيدي الشرعية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التي تمتلك سلاحا أقوى من الرصاص وهو سلاح الخيار السلمي، وهناك خشية كبيرة أن ينزلق بعض أنصار الجماعة إلى خيار العنف، وهو خيار فاشل لعدة اعتبارات: الاعتبار الأول، وهو أن عنف الدولة أقوى من عنف الأفراد وأن الدولة قادرة على تحطيم النزعات الميالة إلى استخدام العنف ضد مؤسسات الدولة رغم ما قد يحدثه عنف الأفراد من إرباك ظرفي للدولة ومؤسساتها..
ثانيا، الانجرار للعنف هو خيار الأفراد والعصابات ولا يمكن أن يكون خيار الجماهير والشعوب، ولذلك فإن السقوط في دوامة العنف يفقد المتظاهرين السلميين ما يتمتعون به من شعبية في أوساط الجماهير بفعل مظلوميتهم وسلميتهم، سواء في الداخل أو في الخارج..الاعتبار الثالث، وهو أن خيار العنف يعطي المبررات التي يوجد الانقلابيون اليوم في أمس الحاجة إليها لتبرير انقضاضهم على السلطة، وتصوير تدخل الجيش في السياسة بضرورة مكافحة الإرهاب، وهي ورقة مدرة للتعاطف الغربي جرى استخدامها بفعالية في سياقات أخرى..
الاعتبار الرابع، وهو أنه في مواجهة العنف والإرهاب من الصعب الحديث عن احترام مقتضيات حقوق الإنسان، وهو ما قد يفقد المتظاهرين السلميين سلاحا فعالا في مواجهة الانقلابيين وهو الاحتكام إلى المعايير الدولية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تحرم تدخل الجيش في الحياة السياسية..
اليوم القضية أكبر من عودة الرئيس مرسي إلى منصبه، اليوم أنصار مرسي من مختلف الاتجاهات أمام امتحان عسير مطالبون بالنجاح فيه، حتى ولو أصر الانقلابيون على التمادي في خططهم..
فالمعركة الحقيقية هي معركة الدفاع عن المبادئ، وليست معركة الحصول على السلطة..ومن المبادئ التي ينبغي أن تظل راسخة إلى جانب الدفاع عن الشرعية الدستورية والديموقراطية مبدأ نبذ العنف بجميع صوره وأشكاله كيفما كانت الظروف ومهما علا صوت الظلم والطغيان..

‘ كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول jamal almallah:

    نبذ العنف واللا عنف امام حكم ديكتاتور او حكم منظومة عسكرية لا يجدي والا رحم الله الاخوان في دنيا مصر ،وسيسكنون السجون بدل ديارهم،كما هو حاصل بالفعل حاليا لمعظم قيادات الاخوان الثورية ..اللا عنف يكون في مع الانظمة المدنية ،الديموقراطية كما هو الشان في الدول الاوربية مثلا، او في اليابان او في الولايات المتحدة الامريكية او في روسيا …اما الانظمة العربية وعلى راسها جبابرتها وطغاتها فلا ينفع معهم الا العنف، و…و…ماذا نقول لحاكم عربي لا يترك كرسيه الا عندما يتدخل عزرائيل ويخلص الشعب منه…ترى لو لم يكن الموت موجودا الا يصبح الحاكم العربي ابديا؟؟ الحمد لله الذي انعم علينا بالموت والا لكانت الطامة الكبرى في دنيانا قبل الاخرة .والله الواحد الاحد .والحمد لله والشكر له .

  2. يقول عبدربه خطاب:

    نصيحة صادقة وسليمة صادرة من الاستاذ عبدالعلي نأمل أن تتّبعها قيادات التيار الثوري الاسلامي المعتدل في مصر وكافة انحاء العالم العربي. ولعل المشهد السوري خير دليل على ضرورة التمسّك بالسلمية مهما كانت اجراءات الأنظمة الأستبدادية. نعم ان الغرب الاستعماري لا يريد نظاما اسلاميا يسعى الى تطبيق مبادئه الراسخة والهادفة الى تحقيق العدل والمساواة والديمقراطية ، اعتقادا منهم ان فيذلك تهديدا لمصالحهم . لذلك فان من المهم توجيه اعلامنا الاسلامي الى شعوب تلك الدول الاستعمارية بهدف نفي تهمة الارهاب الاسلامي وتبيان الوجه الحقيقي للأسلام المعتدل .

إشترك في قائمتنا البريدية