لعبة برشلونة النفسية!

عندما خسر برشلونة على أرضه في نهاية يناير/ كانون الثاني أمام فياريال 3-5، كان الوجوم يعلو وجوه اللاعبين، والخيبة واضحة عند المدربين، والاستياء يملأ مدرجات ملعب «لويس كومبانيز الاولمبي» المؤقت، وفكرة الاحتفاظ بلقبه بطلاً للدوري الاسباني باتت شبه مستحيلة في ظل تألق العدو الازلي ريال مدريد وتفوق الجار المفاجأة والحصان الاسود جيرونا، لكن بعدها أدرك المدرب تشافي هيرنانديز أن عليه أن يقوم بتنفيذ الركلة الأخيرة… اما ان تصيب أو تخيب!
راهن تشافي بالاتفاق مع رئيسه جوان لابورتا على العامل النفسي كورقة أخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه، لأن النتائج الايجابية تجر دائما النجاحات وتجذب الجماهير وبالتالي تزداد المداخيل عبر التسويق، خصوصا في الزمن الحالي المتأزم للبارسا، الذي لا يملك أي هامش لخيبة جديدة، مثل عدم التأهل الى مسابقة دوري أبطال أوروبا أو عقد صفقة ضم لاعب فاشلة، فارتأى المدرب الشاب أن يعلن رحيله في نهاية الموسم، مع تبقي نحو نصف الموسم على النهاية، وهو النصف الحاسم الذي فيه الأدوار النهائية للكؤوس وحسم الألقاب، خصوصا بعد خيبة خسارات مفاجئة مع عروض مزرية، على غرار السقوط أمام الجار المغمور جيرونا على أرضه برباعية، والخسارة أمام المغمورين رويال انتويرب وشاختار دونيتسك في دور مجموعات دوري الابطال والتعادل مع فالنسيا ورايو فاليكانو في الدوري المحلي، مع عروض ضعيفة.
لكن قرار الاعلان عن الرحيل في نهاية الموسم، ضخ جرعة نشاط ورغبة في التألق عند اللاعبين لم تكن متوقعة عند الكثير من أنصار الفريق، فمنذ الخسارة أمام فياريال خاض الفريق 12 مباراة في كل المسابقات لم يخسر في أي منها، وحقق بينها الفوز الكبير على أتلتيكو مدريد بثلاثية في «مترو بوليتانو» واقصى نابولي بسهولة نوعا ما من دور الـ16 لدوري الأبطال، قبل أن يتفوق على أحد المرشحين للقب باريس سان جيرمان 3-2 في قلب العاصمة الفرنسية، مع تألق كبير للاعبين، وكأنهم تحرروا من قيود وأغلال حرمتهم في السابق من التعبير عن مواهبهم في أرض الملعب.
تشافي يقول انه على قناعة تامة بان موسم البارسا كان سيكون «كارثياً» لو لم يعلن نيته الرحيل في نهاية الموسم، معتبرا أن قراره حرر اللاعبين وقادهم الى التألق في الآونة الاخيرة، وانه لو لم يفعل ذلك لكان الوضع مختلفاً، ولما وجد البارسا نفسه يقاتل على أمل ضعيف على لقب الدوري مع قدوم مباراة الكلاسيكو أمام العدو اللدود ريال مدريد الاحد المقبل، ولما وجد نفسه متقدما على غريمه سان جيرمان، بل مرشح بقوة لتخطيه والتأهل الى الدور نصف النهائي في الأبطال.
لكن ماذا حدث بالضبط؟ وهل حقاً تحرر اللاعبون من الضغوطات والقيود؟ في الواقع الجواب ليس نعم بالمطلق، بل التألق الاخير ليس فقط بسبب تحرر اللاعبين، بل أيضا بسبب تحرر المدرب تشافي من الضغوطات، حيث بدأ يرى الامور بصورة أكثر وضوحاً وبدأ ياخذ قرارات صائبة وجريئة، فأعطى العديد من الواعدين فرصة مطلقة، فأصبح الامين جمال ابن السادسة عشرة أساسياً بدل رافينيا على الجهة اليمنى، وأمام لاعبين أكثر خبرة أمثال جواو فيلكس وفيران توريس، وفي ظل غياب بيدري وغافي أعطى تشافي فرصة للواعد فيرمين لوبيز، ولم يتكئ على قرارات خاطئة بل منذ اعلان قراره الرحيل صحح الكثير من هذه القرارات، فأعاد جول كوندي الى الجهة اليمنى من الدفاع، واعطى فرصة لابن السابعة عشرة باو كوبارسي لمشاركة رونالد أراوخو في قلب الدفاع، وعالج غياب الظهير الأيسر أليخاندرو بالدي بنقل جواو كانسيلو الى هذا المركز، وقدم قلب الدفاع أندرياس كريستنسن الى الوسط كلاعب ارتكاز ليغطي غيابات فرنكي دي يونغ بسبب الاصابة، وأيضا لتغطية خيبة اخفاق أوريول روميو، وليكون سندا في العدد في وسط الملعب عند الهجوم، ومعينا في صد الهجمات عند الدفاع، ولم يركن الى سمعة النجومية للواعد فيكتور روكي، معتبراً أن عليه ان يكسب مركزه بالعمل الدؤوب والجاد.
كل هذه القرارات صنعها تشافي بعد اعلانه الرحيل، أي انه هو الذي تحرر من الضغوطات والمطالبات الدائمة من مسؤولين ومن جماهير النادي بضرورة تحسن العروض والنتائج، في ظل محدودية القدرات المادية، والمطالبة الدائمة بتحقيق التوازن في الصرف والانفاق على ضم لاعبين جدد وبين سد الديون والرضوخ لمطالب رابطة الدوري بالتقيد بحدود معينة، عدا عن ضرورة البقاء في دائرة المنافسة في كل مسابقة وبطولة يشارك فيها، كي تبقى المداخيل في زيادة.
لا شك أن اعلان تشافي الرحيل كان بمثابة الحل السحري، الذي أثر في نفوس اللاعبين والاداريين والجماهيرن وقبلهم في نفس تشافي بالذات، وهو عامل اعتقد ليفربول أنه سيحصل عليه، كون مدربه يورغن كلوب أعلن الرحيل أيضا في نهاية الموسم، وأيضا جماهير بايرن ميونيخ تنتظر ردود فعل مماثلة من فريقها بعد اعلان رحيل مدربه توماس توخيل، لكن التأثير الايجابي في برشلونة يبدو وكأنه حصل كون القرار كان مدروسا ومخططا له بعناية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية