«كابتن ماجد» في كل منا!

من اللحظات النادرة، تلك التي تفجر فيك حنين الماضي وتعود بك الى زمان ما كان، وتداعب مشاعر اعتقدت لوهلة وعلى مدى عقود أنها باتت من الماضي، الى أن تظهر فجأة صورة تعيد مخيلتك سريعا الى أيام بريئة.
هكذا شعر الملايين معي عندما انتشر خبر أن قصص الرسوم المتحركة الشهيرة لكرة القدم «الكابتن تسوباسا»، المعروفة بالنسخة العربية بـ«الكابتن ماجد»، تم صدورها للمرة الأخيرة يوم الخميس الماضي في اليابان، بعد 43 عاما من طرحها لأول مرة، وهي التي اشتهرت بشكل هائل في العالم العربي في العقود الأربعة الماضية وأسست لأجيال عاشقة بجنون للعبة، فقط بسبب هذه الرسوم.
لا أعتقد أن هناك رجلاً ما بين العشرينات والخمسينات من العمر، لم يتعلق بمشاهدة «الكابتن ماجد»، خصوصاً جيل الثمانينات، حيث لم تكن الانترنت معمولاً بها ولم تكن هناك فضائيات وقنوات متخصصة للأطفال والفتيان والشبان اليافعين، سوى بضع قنوات محلية أرضية، كنا نجبر على مشاهدتها في ساعات محددة، ولحسن حظنا كان «الكابتن ماجد» ضمن البرامج الأساسية في فقرات الرسوم المتحركة، حيث تعلمنا منه تسديد الكرات اللولبية والساقطة والصاروخية، وصدات الحراس البارعة، وعشنا معها لحظات ممتعة عوضت شغفنا باللعبة، وعدم قدرتنا على مشاهدة النجوم والمباريات على غرار ما يحدث اليوم، بل كانت أحلامنا لا تخلو من فنيات «الكابتن ماجد» ورفاقه، والتي كنا نسعى الى تطبيقها في ملاعبنا الترابية.
قال مؤلف قصص «المانغا» اليابانية يويتشي تاكاهاشي، والتي نُشرت لأول مرة عام 1981 في مجلة «شونين جامب» اليابانية الأسبوعية، إنه سيواصل ابتكار مغامرات لنجوم كرة القدم في قصته عبر الإنترنت، على شكل مخططات قصصية. واقتُبست السلسة خلال العقود الماضية بأشكال كثيرة، في الرسوم المتحركة أو ألعاب الفيديو، حتى أنها ألهمت تماثيل في الحي الذي ولد فيه تاكاهاشي في طوكيو، كما ألهمت مآثر «الكابتن ماجد» أساطير في كرة القدم خلال طفولتهم، من أمثال زين الدين زيدان وكيليان مبابي وليونيل ميسي، ومعهم الملايين في العالم، حيث بُثت سلسلة الرسوم المتحركة في أكثر من مئة دولة، فيما بيع من صيغتها القصصية نحو 90 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، لكن في كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن الرسام البالغ 63 عاما، انتهاء السلسلة في الشهر الجاري، عازياً ذلك إلى تدهور حالته الصحية وتطور صناعة المانغا.
كم كان غريباً علي عندما كنت أمارس عملي التحريري، وأنا في عقد الأربعين من عمري، عندما سمعت حديثاً عن «الكابتن ماجد» بين الزملاء، فمن المفترض أن يكون هذا الحديث بين فتيان المدارس أو اليافعين في الحي، لكن فضولي البالغ لسماع الحديث عن «الكابتن ماجد» من دون المشاركة في المناقشة، لاعتقادي أن هذا لا يليق برجل في سني، جرني من التلصص والتنصت على الحديث بازدراء وتعنت، الى مشاركة ونقاش محتدم مع الزملاء وكأن الزمن عاد بنا الى الوراء 40 سنة، مع فرحات طفولية تعلو محيانا، ونحن نتذكر أشهر اللقطات والمشاهد من تلك الرسوم.
نعم هذه الرسوم جمعتنا على عشق كرة القدم، لكن هل هو عشق للعبة أم عشق للحبكة الدرامية فيها؟ هل «الكابتن ماجد» كان حينها كـ»سندباد» أو «عنتر بن شداد»، أم العشق للرياضة ذاتها؟ عندما سألت زوجتي ان كانت تشاهد «الكابتن ماجد» في صغرها، فقالت: «سمعت عنه وحضرت بعضاً منه»، فعاجلتها: «مجبرة طبعاً»، فطأطأت رأسها بنعم قبل ان تضيف: «كنت أفضل زينة ونحول وافتح يا سمسم»، وطبعاً تيقنت أن الذكور من الأطفال والفتيان هم من تعلقوا في عشق «الكابتن ماجد». وهو ما قاد الى ان برامج الأطفال والنشء قبل عقود، كانت شحيحة وقليلة لكنها ذات مغزى ومعنى وهدف، بل وبلغة صحيحة، على عكس ما يتعلمه أطفال اليوم، من برامج أغلبها بنكهة غربية، ما يثير بعض الخشية في نفسي عندما أفكر في مدى التأثير الهائل لـ«الكابتن ماجد» على الاجيال على مدى 4 عقود، فكيف سيكون جيل المستقبل؟
هناك طفل في كل منا، وهناك «كابتن ماجد» يسكن وجداننا، ويرسم في مخيلتنا عشقا لشيء اسمه كرة قدم، بصورة «فانتازية» كنا نتمناها في فرقنا ولاعبينا الذين نعشقهم، لكن هل يخرج هذا الطفل من عتمات الماضي لينير الدروب لأطفال اليوم؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية