لأيهما الأولوية: انتخاب رئيس للبنان أم مقاومة «إسرائيل»

حجم الخط
0

إلى أزماته المتناسلة، يواجه لبنان دولةً وشعباً، تحدّي المفاضلة بين: انتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور مركزه منذ سنة وأربعة أشهر، أو الاستمرار في دعم المقاومة ضد «إسرائيل» على حدود البلاد الجنوبية وفي عمقها الجغرافي والديموغرافي. لكلٍّ من الفريقين المتصارعين على حسم ما هو في نظره الخيار الأهم والأجدى، حججه ودوافعه. للفريق المتمسك بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية حجج شتى أبرزها:
انتخاب الرئيس شرط أساس لوقف انهيار الدولة على جميع المستويات الوطنية والسياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وجود الرئيس في هرم السلطة، شرط ومدخل إلى إعادة بناء الوفاق الوطني بين اللبنانيين المتشرذمين حاليّاً، طوائف ومذاهب وعصبيات وأحزاباً ومافيات.
وجود الرئيس شرط أساس لتأليف حكومةٍ جديدة تحلّ محل حكومة مستقيلة لتصريف الأعمال وفق تحدّيات وصعوبات شتى من مختلف الجهات.
وجود رئيس للدولة شرط أساس لوجود الدولة ذاتها ولممارسة سيادتها وفعاليتها في جميع المجالات.

دايفيد بن غوريون مؤسّس «إسرائيل» المزروعة قسراً وظلماً في أرض فلسطين التاريخية1948 ، قدّم للإسرائيليين وصية صارخة في عدوانيتها: «تموت إسرائيل إذا توقفت عن التوسع»

التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية، فعل جذري في مسار بناء تضامن وطني لمواجهة الكيان الصهيوني، والتدخلات الأجنبية في شؤون لبنان.
للفريق المتمسك بأولوية مقاومة الكيان الصهيوني العدواني حجج متعددة أبرزها:
تمادي «إسرائيل» في اعتداءاتها المتكررة، من دون مواجهة فاعلة لها في لبنان حكومياً وشعبياً، يفاقم انهيار الدولة المتواصل على جميع المستويات.
عدم مقاومة العدوان الصهيوني المتصاعد في الظروف العصيبة الراهنة يعقّد، إن لم يحل دون استعادة بناء الوفاق الوطني والاتحاد في مواجهة العدو والمتدخلين الأجانب في شؤون لبنان الداخلية.
التوافق على أولوية مقاومة العدو الصهيوني يعجّل في إقرار أولوية أخرى موازية لأهمية دعم المقاومة الشعبية المسلحة هي، التفاهم على استراتيجية وطنية للدفاع عن البلاد، أساسها بناء جيش قوي بعقيدة قتالية وطنية وتسليحه من مختلف الدول والمصادر غير المتحالفة أو المتواطئة مع العدو الصهيوني.
تعاون الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المسلحة من شأنه توطيد اللحمة بين المجندين الشباب ما يعزّز الوحدة الوطنية بين مكوّنات لبنان الاجتماعية والسياسية.
يمكن الجمع بين مطلّبي انتخاب الرئيس ودعم المقاومة الشعبية المسلحة، وذلك بالتزامن المدروس بينهما، وبجهد موصول وحثيث للتوافق على شخص وطني جدير بأن يكون في سدّة الرئاسة خلال هذه المرحلة العصيبة.
في ضوء هذا التلخيص المكثّف لحجج ودوافع كِلا الفريقين المتصارعين، أرى أن ثمة نقصاً في تحديد متطلّبات البلاد لدى الفريق المتمسك بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية ناجم عن واقعاتٍ خمس:
الأولى،التغاضي عن حقيقة ساطعة هي أن «إسرائيل» ما زالت مصممة على متابعة حرب الإبادة والتجويع والتهجير ضد الشعب الفلسطيني عموماً وشعب قطاع غزة خصوصاً. ولعل أوضح الشواهد على ذلك قيامها يوم الخميس الماضي بإطلاق النار عشوائياً على آلاف الفلسطينيين الجوعى ممن كانوا يحاولون الوصول إلى قافلة إغاثة على مقربة من مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 وجرح أكثر من 700 حول شاحنات الإغاثة، ذلك كله بالإضافة إلى تصريحاتٍ أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن لا وقف للحرب قبل استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس، وتصريحات وزير الحرب يوآف غالانت بأن وقف النار في قطاع غزة لا يعني وقفها لاحقاً على الحدود مع لبنان، أو في عمقه الجغرافي، مُقرناً القول بالفعل بدليل قيام سلاح الجو الإسرائيلي بضرب قرى على مقربة من مدينة بعلبك التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن حدود فلسطين المحتلة.
الثانية، عرقلةُ «إسرائيل» المفاوضات الجارية في القاهرة وقطر وباريس، من دون إرسال وفدها المفاوض مجدداً إلى قطر قبل تسلّم قائمة بأسماء أسراها لدى حماس، علماً بأنها ترفض أيضاً مبادلة أسرى فلسطينيين من القياديين البارزين أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات.
الثالثة، ينسى أو يتناسى الفريق المتمسك بأولوية انتخاب الرئيس أن «إسرائيل» احتلت سنة 1982 نصف مساحة لبنان تقريباً قبل أن تنسحب منها إلى قطاعٍ على طول حدوده الجنوبية بطول نحو 100 كيلومتر، وعرض لا يقل عن 10 كيلومترات، ولم تنسحب منه ـ يا للمفارقة ـ بفضل الجيش اللبناني، بل بفضل المقاومة الشعبية المسلحة: حزب الله تحديداً.
الرابعة، ينسى أو يتناسى الفريق المتمسك بأولوية انتخاب الرئيس أن المقاومة فرضت على إسرائيل بعد حرب 2006 قواعد اشتباك امتنعت هذه الأخيرة عن خرقها طوال 18 سنة إلى أن قامت باغتيال صالح العاروري أحد كبار قادة حماس في ضاحية بيروت الجنوبية من دون أن يسبق واقعة اغتياله أي عملية جهادية لحزب الله داخل كيان الاحتلال أو على حدوده.
الخامسة، أن أحد أبرز أسباب التأخير في انتخاب رئيس الجمهورية ليس حزب الله أو القوى السياسية المتحالفة معه، بل النزاع المتوقّد داخل أوساط القوى السياسية المعادية للحزب، وعجزها عن التوافق على مرشح من وسطها.
إلى ذلك كله يقتضي لفت نظر الفريق المتمسك بأولوية انتخاب الرئيس، لاسيما القوى المتحالفة بينها مع دول الغرب الأطلسي، إلى أن نزوع «إسرائيل» المستدام إلى التوسع والحرب، له جذور دينية تاريخية وأخرى سياسية معاصرة، بدليل وجود لوحة مثبتة على مبنى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي تتضمن بالحرف نصاً من التوراة؛ «ملكك يا «إسرائيل» من الفرات إلى النيل». دايفيد بن غوريون مؤسّس «إسرائيل» المزروعة قسراً وظلماً في أرض فلسطين التاريخية سنة 1948، ترك لجمهور الكيان المحتل وصية صارخة في عدوانيتها وصراحتها: «تموت «إسرائيل» إذا توقفت عن التوسع». خلفاء بن غوريون جميعاً كانوا حريصين دائماً على تنفيذ مضمون وصيته بشنّ حروب متواصلة على دول الطوق العربية، بغية قضم المزيد من أراضيها، والملاحظ أن هؤلاء الخلفاء كانوا يحتفظون دائماً، بدعم مكشوف من الولايات المتحدة بالأراضي التي يحتلونها، كما هو الحال في منطقة الجولان السورية المحتلة، أو لا ينسحبون منها إلاّ مقابل معاهدة صلح تؤمّن لهم مصالح ومكاسب جمّة. أليس هذا ما حدث عند انسحابهم من سيناء المصرية، ومناطق الأغوار الأردنية؟ غير أن المفارقة الساطعة هي أن لبنان، البلد الصغير، تمكّن بفضل المقاومة من أن يضطر «إسرائيل» إلى الانسحاب من الشريط الجنوبي المحتل دون قيد أو شرط، فكان وما زال البلد العربي الوحيد الذي احتلت «إسرائيل» أرضه وأجبرته مقاومته الشعبية المسلحة، وليس جيشه النظامي، على الانسحاب من دون أن تفرض عليه معاهدة صلح، أو علم يرفرف على سفارة صهيونية في بيروت.
فكروا وتعقلوا يا ذوي الألباب.
كاتب لبناني
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية