فيلم «الأستاذ»: هل يستهلّ مرحلةً جديدة للسينما الفلسطينية؟

حجم الخط
0

محاولة الإجابة عن السؤال في العنوان، تنطلق من واقع أن أفلاماً في مسيرة السينما الفلسطينية استهلّت مراحل هي من ناحية منفصلة عن سابقتها، شكلاً ومضموناً، وهي من ناحية أخرى امتداد لها إنّما ضمن سياق تاريخي يفرض شروطه على العمل الفني وهو هنا سينمائي. الأفلام هي «عرس الجليل» لميشيل خليفي، و«سجل اختفاء» و«يد إلهية» لإيليا سليمان، باعتبار فيلمَي سليمان تجربة واحدة.
هذا يحيلنا إلى آخر إنتاجات السينما الفلسطينية، إلى فيلم مختلف بعد 23 عاماً من مرحلة واحدة بأفلام متآلفة بمعظمها في نوعها ومقارباتها. هذا الصيف صدر الفيلم الروائي الطويل الأول لفرح نابلسي، «الأستاذ» وهو أوّل فيلم منذ زمن الثورة، يتناول العمل المقاوم المنظَّم والواعي لذاته، بل هو على الإطلاق، على طول مسيرة السينما الروائية الفلسطينية، الفيلم الوحيد الذي يصوّر المقاومة بشكلها المباشر والفاعل، من خلال الشخصية الرئيسية والحدث المحوري، كلاهما يصبّان في المقاومة كفعلٍ متقدّم وثابت وتنظيميّ، كما هو واقعٌ جوهري للفلسطينيين في الضفة والقطاع.
كما كان «عرس الجليل» أول فيلم روائي طويل لخليفي، وكذلك «سجل اختفاء» لسليمان، «الأستاذ» هو أول فيلم كذلك لنابلسي، وكان مستشرفاً بشكل ساطع للحدث المفصلي في تاريخ الفلسطينيين وحركتهم الوطنية، عملية المقاومة الأعظم منذ عقود ومقابلها عملية الإبادة الأفظع كذلك منذ عقود. لا شك في أن الفيلم استبق العملية التي أسرت خلالها المقاومةُ أعداداً غير مسبوقة في تاريخها، من الإسرائيليين. فعملية المقاومة الأكبر في تاريخ النضال الفلسطيني تزامنت مع فيلم استبقها بشهر واحد، هو الوحيد، في تاريخ السينما الفلسطينية، الذي قدّم المقاومة والمقاومين كموضوع رئيسي ومحوري، وفي سلوك مقاوِم هو جوهر الفيلم. يبقى السؤال إن كان «الأستاذ» فيلماً افتتاحياً لمرحلة جديدة من السينما الفلسطينية، هذا ما تحدّده الأعوام المقبلة. الفيلم المبني على واقعة أسر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ثم تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني به في صفقة تبادل عام 2011، يحكي عن أستاذ مدرسة يشارك في تنظيم سري للمقاومة، يخفي جندياً أسيراً في بيته لغاية تحرير أسرى فلسطينيين، سنفهم من خلال الفيلم أن عمليات المقاومة والأسر ستستمر من خلال أحد تلاميذ الأستاذ. شهر فصلَ بين العرض الأول للفيلم (في مهرجان تورونتو السينمائي في أيلول/سبتمبر) وعملية الأسر الكبرى التي حققتها المقاومة في قطاع غزة (في تشرين الأول/أكتوبر). نحن هنا أمام أوّل فيلم فلسطيني صوّر المقاومة كفعلٍ متقدّم ومنظّم وبوصفه متناً للفيلم، لا هامشاً. ونحن أمام عملية مقاولة وأسر مفصلية في التاريخ الطويل للحركة الوطنية الفلسطينية.

كما استبق «عرس الجليل» الانتفاضةَ الأولى، و»سجل اختفاء» الانتفاضةَ الثانية، استبق «الأستاذ» طوفانَ الأقصى في تصوير مباشر ومستحق للمقاومين وبفيلم أوّل من نوعه في مقاربة المقاومة، وفي طبيعة العمل المقاوم، إذ كانت أبرز معالم «الطوفان» أسراً غير مسبوق لإسرائيليين، لغاية تطهير المعتق، كما صرّح أبو عبيدة، وكان الفيلم أساساً قصة أسر جندي لتحرير أسرى فلسطينيين.
في التاريخ السينمائي للفلسطينيين، قد يستحق «الأستاذ» مكانةَ فيلمَي خليفي وسليمان، ستثبت الأيام ذلك أو تنفيه، وإن كان للفيلم أن يستهلّ مرحلةً جديدة اليوم في السينما الفلسطينية، فهذا ما يستحقه الفلسطينيون، وهو شأنٌ آخر يتخطى «الأستاذ» إلى غيره من الأفلام تخرج في العامين المقبلين، تُحدّد معاً إن كان لهذه السينما مرحلة جديدة في شكلها ومضمونها، وتُظهر ملامح هذه المرحلة. لكن، الأساس في أي مرحلة جديدة تتماهى مع أحداث غزة اليوم ويمكن «للأستاذ» أن يكون قد مهّد لها في موضوعه، هو، الأساس، الصورة الواضحة للمقاومة كما يراها الفلسطيني، لا بما يقبله الغربي، والصورة الفاضحة لإسرائيل كما يعيشها الفلسطيني لا بما يرفضه الغربيّ. وهذا امتحانٌ للأفلام الروائية الفلسطينية من بعد «الأستاذ» أو من بعد «الطوفان».
استشرف «الأستاذ» حدثاً عميقاً في الواقع الفلسطيني، ومنح هذه السينما فرصة الدخول في مرحلة جديدة تخرج فيها من سبات جمالي وسياسي طال معظم أفلامها في الربع قرن الأخير وأشاع رتابةً بينها، باستثناءات دائمة. بمعزل عما يمكن أن نراه في العامين المقبلين، في تشكّل مرحلة جديدة لهذه السينما، أو استمرارية عامة للسبات، يُحسب لفيلم نابلسي تقديمُه معايير جديدة وغير مسبوقة في تصوير المقاومة الفلسطينية، كما تستحق أن تكون في عمل فنّي فلسطيني. لا حجّة لفيلم فلسطيني اليوم في التعتيم على الفعل المقاوم كونه واحدا من السمات الجوهرية للشخصية الفلسطينية، وكونه متناً لا هامشاً.

كاتب فلسطين سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية