سيلين نوني في «آلينا غرام بوتين السري»: استنتاجات بعضها مبالغ فيه ضد الرئيس الروسي

سمير ناصيف
حجم الخط
0

تركز وسائل الإعلام الغربية ودور النشر الأمريكية والأوروبية هذه الأيام على الفضائح والارتكابات السلبية المرتبطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما كانت في حقب سابقة تحاول ترطيب صورة روسيا تحت قيادة بوتين ومحاولاتها التعامل الاقتصادي والسياسي الإيجابي مع دول المعسكر الغربي.
السبب في ذلك يعود حسب الخبراء في السياسة العالمية إلى مواقف بوتين في أوكرانيا والشرق الأوسط أخيراً التي ربما ترى فيها قيادات الدول الغربية تحدياً لهيمنتها وسلطتها عموماً في العالم.
فبعدما حقق المخرج السينمائي الأمريكي أوليفر ستون مقابلة طويلة مصورة مع بوتين في العقد الماضي أظهرت النواحي الإيجابية في مواقفه بالنسبة للغرب وقياداته وخصوصاً في أوروبا التي كانت لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا في حقلي الغاز والنفط، ومع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كانت لديه علاقة شخصية جيدة نسبياً مع بوتين، توترت علاقة روسيا مع الغرب بعد غزو روسيا لأوكرانيا وإثر تحدي بوتين لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط وإقامة روسيا علاقات جيدة نسبياً مع دول خليجية عربية كانت تدور حصريا في محور المعسكر الغربي وبعد تسلم جو بايدن الرئاسة الأمريكية.
وفضلاً عن الاتهامات التي توجهها الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والدول التابعة لهما حول وحشية بوتين في تعامله مع أوكرانيا ومع شعبه داخل روسيا، صدر مؤخراً كتاب للمؤلفة الفرنسية سيلين نوني المحررة في جريدة “ليكيب” الفرنسية والمراسلة السابقة لهذه المنشورة في موسكو، يوجه اتهامات لبوتين على الصعيد الشخصي والعائلي في السنوات الأخيرة.
عنوان الكتاب هو: “آلينا غرام بوتين السري”. تدعي كاتبته أنها أجرت بحثاً ودراسة عن آلينا كابايفا: “المرأة ذات النفوذ الأقوى في روسيا” لدعم كتابها. هذه المرأة (حسب المؤلفة) هي نجمة عالمية في رياضة الجمباز نالت ميداليات أولمبية ودولية عديدة عندما كانت في مطلع شبابها وهي حالياً في الأربعين من عمرها “وتعيش تحت مظلة بوتين وتقيم علاقة عاطفية معه بعد طلاقه من زوجته الأولى التي أنجبت له ابنتين خلال زواجهما حتى عام 2013”. وتشير نوني إلى أن بوتين التقى آلينا للمرة الأولى عام 2001 وتم ذلك اللقاء بتسهيل من مدربتها إيرينا فاينر وزوجها الاوليغارشي الثري الروسي اليشير اوسمانوف، صديق بوتين.
وآلينا نشأت في عائلة تعتنق الدين الإسلامي، في منطقة تاتارستان المحاذية لاوزبكستان، وعرّابها اوسمانوف من أوزبكستان أيضاً.
تقول المؤلفة إن آلينا ومدربتها إيرينا أكدتا في مقابلاتهما الصحافية أن الرئيس بوتين يعشق الرياضة عموماً، وهو يمارسها وخصوصاً الجودو التي يتألق فيها ويعتبر بانه من المفيد لروسيا السياسية تحت قيادته ان تضم نجوماً في الرياضة، وبالتالي يساهم بوتين في مساعدتهم للوصول إلى مناصب سياسية قيادية في “الدوما” (مجلس النواب الروسي) وفي الهيئات الاقتصادية والاجتماعية الروسية. (ص 91).
وفي أول لقاء لبوتين وآلينا في احتفال أقيم في جنيف عام 2004 منحها بوتين “ميدالية الصداقة العالمية” تشجيعاً لها لنيل المزيد من الميداليات. وقد أُعجب بها آنذاك وخصوصاً بجمالها وبشخصيتها وقدّم لها باقة من الأزهار وركز انتباهه على تطورها كرياضية وكامرأة. (ص 112).
وفي عام 2003 نالت آلينا ميدالية ذهبية في لقاء في برلين مع الفريق الروسي للجمباز، وحققت حلمها بنيل الميدالية الذهبية في أولمبياد أثينا ما ساهم في تحولها إلى نجمة تلفزيونية وشخصية عامة في روسيا وخصوصاً بفضل دعم عرابيها ايرينا فاينر واليشير اوسمانوف، علماً ان الأخير هو المدير المالي لشركة “غازبروم” للنفط والغاز، ومقرب جداً من بوتين ومن حوزته الخاصة.
وبرغم ارتباط آلينا العاطفي لفترة بالرياضي الروسي ديفيد موسيلياني ثم افتراقهما فإنها استمرت في التنافس العالمي على الميداليات وفازت في عام 2007 بميدالية ذهبية بالبطولة الأوروبية في موسكو وهي في الثالثة والعشرين من عمرها.
وعندما بلغت الـ25 قررت آلينا الانتقال إلى الحقل السياسي، وكانت تنتمي إلى حزب “روسيا الموحدة” الذي انشأه بوتين، وانتمى إليه عدد من الرياضيين الروس الذين أصبحوا نواباً في “الدوما” بفضل دعم الرئيس الروسي.
وكان بوتين يسعى إلى وقف هجرة الرياضيين الروس إلى الخارج توسلاً للإغراءات الغربية المادية بعد انتهاء فترة سيطرة حكم الشيوعية السوفييتية التي “شجعت نجوم الرياضة السوفييت على حساب باقي الشعب” بنظر المؤلفة.
هذا الأمر بدأ منذ أيام لينين “الميال إلى رياضة سباقات الدراجات وليونيد بريجنيف هاوي السباحة وبوريس يلتسن محب رياضة كرة المضرب”. (ص 150).
وبما ان بوتين أكمل هذا التوجه، فإنه كان بحاجة إلى أموال الاوليغاريشيين الروس الأغنياء جداً والذين انتفخت ثرواتهم بشكل كبير في عهده. كما أن بوتين سعى إلى تنظيم لقاءات رياضية ضخمة في روسيا ونجح في تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي عام 2014 وكأس العالم في كرة القدم في روسيا عام 2018. (ص 152). كما شجع بوتين الاوليغارشيين الروس على الاستثمار في الرياضة في أوروبا وأمريكا وباقي العالم.
وبالتالي اشترى رومان ابراهاموفيتش نادي تشلسي البريطاني لكرة القدم، ولكنه اضطر إلى بيعه لاحقاً بعد صدور العقوبات الغربية ضد روسيا ونقل أمواله إلى بلدان أخرى.
كما ان شركة “غازبروم” كانت تدعم مثل هذه المشاريع (حيازة الأندية وشراء الرياضيين البارزين) وكان اليشير اوسمانوف، زوج ايرينا مدربة آلينا، أحد أبرز حلفاء بوتين في هذا المجال. وقد اضطر بدوره إلى نقل أمواله وممتلكاته إلى أوزبكستان في كنف زوجته التي لم تخضع للعقوبات الغربية.
لعبت آلينا دوراً في حرب بوتين ضد غريمه الملياردير الروسي ميخائيل خودوروكوفسكي، ففي عام 2005 وعبر دورها الإعلامي البارز والفاعل شاركت في التوقيع على رسائل تتهمه بمخالفة القوانين وبالتالي سجنه لمدة تسع سنوات. ونالت رضى بوتين لهذا الموقف المؤيد له ضد خصمه الأقوى، فعينها مشرفة على المؤسسة الأم التي تدير الرياضة في روسيا. وفي عام 2007 انتُخبت آلينا كنائبة في مجلس النواب إلى مجموعة من الرياضيين الذين برعوا في حقولهم الرياضية المختلفة إضافة إلى باقي مؤيدي بوتين من النواب. بيد انها لم تشارك في النقاشات السياسية والاقتصادية نظراً لعدم ضلوعها في هذه الشؤون، وبالتالي قررت لاحقاً الاستقالة من “الدوما” وتكريس نفسها للقيادات المالية والرياضية التي كلفها بوتين بها وإلى علاقتها الشخصية مع بوتين التي ضاعفت سلطتها.
وتقول المؤلفة إن علاقة بوتين بآلينا توثقت خصوصاً بعدما قرر بوتين الطلاق من زوجته لودميلا تشكريبينيفا، التي تزوجها عام 1983 وطلقها عام 2013 واستمر في رفض التعليقات الصحافية والإعلامية حول هذا الزواج والطلاق. (ص 166). علما ان بوتين ارتبط بعلاقات حميمة مع نساء آخريات (حسب المؤلفة) خلال زواجه بالرغم من انه إدعى ويدعي بانه رجل محافظ ومتدين. (ص 170).
منذ لقاء آلينا الأول مع بوتين فإنها لا تتحدث عن هذه العلاقة علناً التي ما زالت طبيعتها غامضة للإعلام… (ص 173). وما زالت الأسئلة تُطرح: هل حصلت آلينا على سلطاتها المتزايدة في روسيا بسبب علاقتها العاطفية مع بوتين، وخصوصاً بعد طلاقه من زوجته؟ وهل سيقرران الزواج علنياً بعدما أشيع في السنوات الأخيرة بانها على ارتباط عاطفي دائم معه وانهما أنجبا أطفالاً معاً؟ وهذا موضوع لا تتوافر الأجوبة الواضحة عنه حتى الساعة (حسب المؤلفة). (ص 175 ـ 176).
وبالنسبة للإعلام حتى الساعة فآلينا هي “صوت بوتين في عالم الرياضة الروسية وفي مواجهة العقوبات المفروضة على الرياضيين الروس في العالم، وهي تسعى لتحسين صورة روسيا العالمية في هذا المجال وخصوصاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا”. (ص 190).
ومن الحجج التي تستخدمها آلينا في حملتها: “لماذا لم تُفرض عقوبات على الرياضيين من الدول التي نفذت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي تبين ان دوافعه كانت سياسية وغير مبررة دولياً؟”.
وعلى أثر استقالة آلينا من “الدوما” في عام 2014 بعد ست سنوات أصبحت صورتها الاجتماعية محافظة حيث كانت تظهر بشكل متواصل في المناسبات الاجتماعية وكانت نموذجاً للامرأة الجميلة والمغربة.
أما والدها مارات كاباييف الذي كان نجماً روسياً في كرة القدم فقد عاد إلى موطنه الأصلي تاتارستان (طشقند) وتحول إلى مدرب رياضة معروف بإيمانه المسلم، وارتبط بمؤسسة مصرفية خليجية (المؤسسة الدولية لتشجيع الاستثمار الإسلامي). وفي عام 2022 أعلن أن “العالم الإسلامي بإمكانه ان يلعب دوراً أساسياً في الاستثمار في روسيا”. (ص 179). وقد اعتمد مارات (حسب منطقه الخاص) على دعم بوتين له (بنظر الكاتبة) في حال أصبح الرئيس الروسي صهره. (ص 198). غير ان بوتين لم يشجع مواقف مارات عموماً ولم يدرجه في حلقته الخاصة المقربة منه كما أدرج ابنته آلينا.
وعانت آلينا من قربها من الرئيس الروسي إذ لاحقتها العقوبات الغربية ضد بوتين وأعوانه هي وشقيقتها ووالدتها وجدتها وعرّابها ليشير اوسمانوف الذي اضطر للجوء إلى أوزبكستان.
وتطرح المؤلفة أسئلة عما إذا كانت آلينا تعيش هي وابنها (أو أولادها التي لا تعرف عددهم) من بوتين معه في الكرملين أو في مكان آخر؟ ثم تتحول إلى مسار تحليلي سلبي عندما تسأل نفسها: لماذا لا؟ إذ أن بوتين ربما تحول إلى شخصية ذكورية من شخصيات العالم الثالث المتواجد خصوصاً في الشرق الأوسط والتي تتفاخر بإنجاب الأولاد من عديد من النساء.
يبقى أن الكاتبة لا توضح أين تعيش آلينا حالياً: أفي روسيا (الكرملين) أو في سويسرا أو في مكان آخر؟
وهل هي تعيش مع فلاديمير بوتين أو انها تتعامل معه فقط كإحدى المشاركات في نظامه؟
وتُطرح أسئلة كثيرة حول استنتاجات الكاتبة واعتبارها في الصفحات الأخيرة من الكتاب أن آلينا كاباييفا، وبعدما لمعت كرياضية عالمية وأولمبية في حقل الجمباز الاستعراضي، خضعت في النهاية لعالم الرجال الأقوياء والنافذين سياسياً واقتصادياً ولأصحاب السلطة في العالم.
وتبقى الأسئلة مطروحة في هذا المجال حول الجهة التي تخضع لها أو تتأثر بها مؤلفة هذا الكتاب الذي قد يبدو موضوعيا في فصوله الأولى، برغم تكرار ذكر الأسماء والتواريخ التي قد تهم جزءاً من القراء المهتمين برياضة الجمباز على حساب القراء الآخرين، ثم يصبح أقل موضوعية في فصوله الأخيرة.

Celine Noni: “Alina, L’Amour Secret De Poutine”
Flammarion, Paris, 2022
205 Pages.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية