رئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني السابق حسن منيمنة: توريط لبنان بـ«حرب غزة» لا يخدم المسألة الفلسطينية وسوريا لديها مبرِّر قانوني وأخلاقي لفتح جبهة الجولان

حاورته: رلى موفّق
حجم الخط
0

يرى رئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني السابق د. حسن منيمنة أن عنوان «وحدة الساحات» هو عنوان سياسي غير قابل للتحقّق إلا بحدود ما يخدم الأفرقاء المعنيين به، وأن أكثر ساحة مؤهلة لتنفيذ هذا الشعار هي الساحة السورية ولا سيما أن لديها المبرّر الأخلاقي والقانوني للمشاركة في هذه المعركة كون الجولان أرضاً محتلة. ويعتبر أن توريط لبنان في «حرب غزة» لا يخدم المسألة الفلسطينية.
القيادي السابق في «تيار المستقبل» الذي تولّى وزارة التربية في حكومة سعد الحريري الأولى، يؤكد أنَّ عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر زعزعت العقل الإسرائيلي وأعادت التشكيك بإمكانية بقاء الكيان. وهي تالياً حرَّكت المياه الراكدة في الموضوع الفلسطيني.
وإذ يُعرب عن اقتناعه بأن التطرّف الإسرائيلي سيضعف مع الوقت بعد الصفعة التي تلقّاها، وأنَّ تياراً داخل إسرائيل سينمو ليقرّ بأن لا حل للاطمئنان على بقاء دولته إلا بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني، يتوقع أن نشهد حل الدولتين بعد عقد من الزمن.
منيمنة يرفض توصيف «حماس» بأنها متطرفة حين يكون الأمر متعلقاً بالموضوع الفلسطيني، إذ ينظر إليها على أنها حركة تحرير وطني. يراها حليفة لإيران ولكن ليس تابعة ولا ترتبط بها أيديولوجياً كما هو حال «حزب الله».
ويتوقف عند الغياب التام للقيادات السياسية والدينية في لبنان، والتي كان من المفترض أن تتحرّك لتشكيل هيئة وطنية تخاطب «حزب الله» والمجتمع الدولي كما الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي لحماية لبنان، مشيراً إلى أن «حزب الله» سيعلن حين تنتهي المعركة انتصاره سواء انخرط كلياً فيها أو لم ينخرط، وسيعمل تالياً على استكمال إمساكه بلبنان من خلال الإتيان برئيس للجمهورية. وهنا نص الحوار:
○ كثر كانوا يرون أنَّ هذا الاحتقان الفلسطيني لا بدَّ له مِن أَن ينفجر، هل كانت الطريقة التي انفجر بها الوضع متوقعة؟
• الانفجار كان مفترضاً أكثر من القول إنه كان متوقعاً. أي مواطن عربي أو إنسان غربي يضع نفسه مكان الفلسطينيين في اللحظة التي انفجر فيها الوضع، وهي لحظة تخلٍ دولي حقيقي عن مشروع إيجاد حل للقضية الفلسطينية، كان سيصل إلى ذات النتيجة. كل الغرب والقرارات الدولية منذ العام 1967 تتحدث عن أن هذه الأرض هي أرض محتلة، والقوانين الدولية التي وضعها الغرب أساساً تُتيح للإنسان المُحتلة أرضه أن يقاوم ويقاتل لاسترجاعها، خاصة وأن الفلسطينيين عملياً منذ العام 1973 إلى اليوم قاموا بعشرات المحاولات مع المجموعة العربية لإيجاد حل سلمي للصراع العربي – الإسرائيلي وحل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. في المقابل، كان الإسرائيلي يبني المستوطنات ويقوم بالاعتداءات شبه اليومية ضد الفلسطينيين والأراضي المقدسة ويتعنّت، ويكتفي الغرب أمام ذلك بالحديث عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها.
في لحظة الانقلاب الكامل للقوى الغربية والأشد مرارة، جاء هذا التغيير في الموقف العربي نتيجة إعطائه الأولوية للصراع مع إيران على حساب الصراع مع إسرائيل، وبدأت بعض الدول العربية بما يُعرف بالتطبيع، حيث وجد هذا الفلسطيني نفسه في حالة تخلٍ كليّ عن الحل العادل لقضيته، ولا سيما أن القادة الإسرائيليين كانوا يتباهون في السنتين الماضيتين بالقول إن الموضوع الفلسطيني انتهى. واعتبر بنيامين نتنياهو أن لا شيء اسمه «القضية الفلسطينية»، إنما هناك صراع مع الفلسطينيين سنحلّه بطريقة أو أخرى، وإن العالم العربي يُطبِّع معنا.
○ هل تداعيات الانفجار الذي نشهده كانت ستكون هي نفسها لو جاءت عبر انتفاضة شعبية وليس عبر عمل عسكري كعملية «طوفان الأقصى»؟
• أعتقد أن الرد في هذه اللحظة ما كان ممكناً أن يكون إلا رداً عسكرياً، لأن الانتفاضات الشعبية لا تُشكِّل تهديداً للوجود والكيان والعقل الإسرائيلي. ما حصل هو أن هذا الحدث شكّل صدمة هائلة ليس عند القيادات السياسية والعسكرية فحسب إنما أيضاً عند الجمهور الإسرائيلي، وأعادته إلى مرحلة التشكيك بإمكانية استمرار هذا الكيان. إسرائيل عاشت سنواتها الأخيرة بحال من التفوّق الكامل وبدعم غربي وتطبيع عربي وتفوّق صناعي وعسكري وتكنولوجي ووضع اقتصادي مستقر، وشعرت أن الدولة التي أنشأتها باتت مستقرة وآمنة وأن لا تهديد لوجودها. جاء هذا الحدث بمضامينه ليُعيد زعزعة العقل الإسرائيلي بالكيان الصهيوني الموجود في فلسطين. نحن الآن نرى تباشير صغيرة، ولكن هذا الأمر سنشهد تأثيراته ونتائجه في المستقبل المنظور عند الإسرائيليين أنفسهم. فُقِدَت هيبة الجيش الذي يعتبره الإسرائيليون أنه المؤسسة القادرة على كل شيء، وسقطت هيبة النظام السياسي كما سقطت قناعة أن هذا الكيان سيستمر. هذا الحدث يقول للإسرائيليين إنه من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، سيبقى الفلسطينيون يناضلون في سبيل استعادة حقوقهم خاصة في استعادة الأرض المحتلة بعد 1967 وإقامة دولتهم. هذا هو المضمون الفكريّ والسياسيّ لما جرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وهذا ما يُعبِّر عنه المحللون العسكريون والسياسيون في إسرائيل، ولذا نرى هذا الإصرار على استعادة الهيبة ومكانة المؤسسة الإسرائيلية من خلال اقتحام غزة وإنهاء حركة المقاومة داخل غزة رغم كل التحذيرات الأمريكية والغربية من القيام هذا الهجوم.
○ إلى ماذا ستؤدي عملية «طوفان الأقصى» في اليوم الذي سيلي انتهاء المعركة… هل ستفتح كوّة حقيقية لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي؟
• نعم ستفتح كوّة حقيقية عند الإسرائيليين والغرب. الغربيون أدركوا أن هناك ضرورة وأهمية لإيجاد حل سياسي بعد كل الإهمال الذي مارسوه، لأنهم يدركون أن عدم وجود حل سياسي قائم على حل الدولتين، رغم النتائج القاسية راهناً على سكان غزة والشعب الفلسطيني، سيؤدي إلى تكرار هذا الفعل مرة ثانية وثالثة ورابعة إذا لم يجدوا حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، فهم لم يقوموا بعمل حقيقي وجاد منذ العام 1967 لإيجاد حل قائم على مشروع الدولتين. هذا الصراع لن ينتهي ما دام هناك شعب فلسطيني على هذه الأرض ومن حقة استرداد أرضه. وهذا العمل – مهما كانت نتائجه العسكرية – ستترتب عليه نتائج سياسية لمصلحة الشعب الفلسطيني.
○ تعتبر أن عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر نقطة تحوّل، وهي أسهمت في زعزعة العقل الإسرائيلي، لكن هل القوى المتطرفة على الضفتين الإسرائيلية والفلسطينية قادرة على أن تصنع سلاماً؟
• أنا لا أتوقف، فلسطينياً، عند توصيف فصائل متطرفة أو غير متطرفة، لأن الفلسطينيين هم في لحظة تحرّر وطني وفي حالة صراع لاستعادة أرضهم، مهما كان رأينا بـ«حماس» وبعقيدتها وفكرها. الكل يجب أن ينضوي في مواجهة هذا الاحتلال. أما التطرّف الإسرائيلي الذي وصل إلى أقصاه مع حكومة نتنياهو فيعكس حالة الانتصار التي شعر بها الإسرائيليون في السنتين الأخيرتين بعد التطبيع العربي، وبأن الدولة اليهودية قائمة إلى الأبد وأنهم يعيشون في استقرار وأنهوا خصومهم وأعداءهم، وما زال هناك بعض الصراعات مع الفلسطينيين يمكنهم أن يحلوها بطريقتهم. وزاد الدعم الداخلي للأكثر تطرفاً نتيجة ما أُوهموا به بأن هذا انتصار كامل لإسرائيل، ونتيجة لاعتقادهم بأنه كلما ازددت تطرفاً حققت مكاسب. تيار التطرّف داخل إسرائيل سيضعف مع الوقت بفعل الصفعة التي تلقاها.
○ ماذا بعد اليوم التالي؟
• هذا يتوقف على مسار المعركة. هل ستدخل إسرائيل إلى كامل غزة والاستيلاء عليها والخلاص من «حماس» وإنهاء كل المقاومين أم أن حسابات المعركة وكلفتها مع الضغوطات الغربية التي لا تؤيد العملية البرية هي التي ستحدد الأمر؟ حض الغرب إسرائيل على عدم دخول غزة ليس حرصاً على الفلسطينيين، بل خوفاً من أن يتم إنهاكها بشكل كامل إذا دخلت إلى القطاع. مَن يعرف العقل الإسرائيلي عامة يُدرك أنه لا يمكنه إلا أن يُقدِمَ على عمل تجاه غزة لأنه شعر بالصفعة الهائلة التي تلقاها، ويريد إعادة الاعتبار لمعنوياته وقناعاته التي وصل إليها في المرحلة الأخيرة. قد يختلف الأمر حول حدود هذا العمل. أعتقد أنه إذا لم يكن دخولاً محدوداً، فقد يتطوَّر إلى صراع أكبر من الصراع الحالي بين إسرائيل وغزة.
○ نظرية «محور إيران» بأن الإجهاز على «حماس» ممنوع، وأن ذلك سيؤدي إلى حرب إقليمية… هل أنت مقتنع بها؟
• الكلام الإسرائيلي الواضح هو الإجهاز على «حماس» وعلى كل مَن يقاتل من الفصائل الأخرى. هناك شباب من أبناء غزة ليسوا من المنتمين إلى «حماس»، التي هي السلطة القائمة فيها، إنما سيحملون السلاح للدفاع عن أرضهم. أنا حكماً ضد القضاء على كل فلسطيني يحمل سلاحاً داخل غزة. حمله للسلاح حق مشروع له في وجه هذا الاحتلال. منذ البداية سألت: ما المطلوب أن يفعله الفلسطيني في ظل الوضع الراهن الدولي والعربي والإقليمي والإسرائيلي؟ هل المطلوب منه أن يُسلِّم تحت حجة أن حركة «حماس» هي إحدى عناوين التطرّف الإسلامي؟!
○ البعض يرى أن ما جرى في غزة فرصة يمكن توظيفها في حل حقيقي يعطي الفلسطينيين حقوقهم. فمَن هي القوى على الضفة الفلسطينية والضفة العربية التي ستجلس إلى الطاولة؟ وهل يمكن أن تصبَّ نتائج المعركة في خدمة الفلسطينيين وحل الدولتين أم ستقطفها إيران وتوظفها في خدمة مشروعها ومصالحها، وتكون الحرب في غزة جولة من الجولات؟
• هذه المعركة مهما تكن نتائجها ستحرِّك المياه الراكدة في الموضوع الفلسطيني، وستدفع تدريجياً إلى إعادة طرح موضوع حل الدولتين، وسينمو تيار داخل إسرائيل نفسها يقرُّ بأن لا حل للاطمئنان على بقاء إسرائيل إلا بالإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني. الصدمة الراهنة ستُولِّد في إسرائيل، بشكل تدريجي، تياراً سيبدأ صغيراً وسيكبر مع السنوات وسينمو على قاعدة أن الضمانة الفعلية لإسرائيل هي بوجود حل الدولتين. بعد «اتفاق أوسلو»، قتلت الدولة الخفية في إسرائيل إسحق رابين وهو كان إسرائيلياً بامتياز. اليوم أعتقد أن موازين القوى والظروف السياسية والعسكرية والمعنوية مختلفة.
○ هل توقيت حماس لـ«طوفان الأقصى» له علاقة بتقدُّم ملف التطبيع السعودي – الإسرائيلي؟
• ربما، ولكن ليس هذا مهماً. أنا أنطلق من قاعدة ثابتة وهي أن هذه الأرض محتلة ومن حق أبنائها أن يقاتلوا من أجل استرجاعها بعدما فشل السلام مع إسرائيل. أما في ما خص استفادة الخارج مما قامت به «حماس» فنعم «حماس» متحالفة مع إيران وتلقى كل الدعم السياسي والعسكري منها، ولكن وضعها مختلف عن وضع «حزب الله». «حماس» حركة تحرير لأراضيها المحتلة وهذه إحدى عناوينها الأساسية. وليس هناك من حركة تحرُّر في كل دول العالم إلاّ وتحالفت مع جهة خارجية لتحرير أرضها. الفارق بينها وبين «حزب الله» أنها حليفة لإيران وليست تابعة. هي ليست مرتبطة أيديولوجياً بإيران وليست لديها طاعة وولاء كاملين للدولة الإيرانية. هناك تحالف مع إيران، وكل طرف يستعمل هذا التحالف لمصلحته. والأكيد أن إيران ستحاول الاستفادة من هذه المعركة بعلاقاتها مع الغرب أو بسعيها أخذ مطالب لها من الغرب. وهذا أمر طبيعي. أنا أعرف فكر وعقيدة «حماس» جيداً. في موضوع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أتعامل معها كحركة تحرير لأرضها.
○ محور إيران يعتبر أن احتمالات التوصل إلى أي حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد «طوفان الأقصى» أصبحت بعيدة، وأنتم ترون أن اهتزاز العقل الإسرائيلي لا بدَّ من أن يفرز قيادات تبحث عن حل، ما هو المدى الزمني برأيك الذي قد نحتاجه؟
• لا يمكن للمرء أن يُقدِّر الزمن وتفاعلاته داخل إسرائيل بعد انتهاء الصراع الراهن. هذا المسار لا بد من أن يبدأ. الموضوع الأساسي اليوم وغداً هو أن هناك حقاً للفلسطيني لاستعادة أرضه، وبالتالي، لا بد للعالم من إيجاد حل لتقف الحروب. فحتى لو قُمعت «حماس» اليوم سيخرج طرف آخر في المستقبل القريب غير «حماس» في غزة أو غير غزة. هذه النقطة قد تتحرَّك فعلياً في العقل الإسرائيلي أو العقل الغربي.
○ هل حل الدولتين ممكن في المدى المنظور؟
• خلال عشر سنوات من الآن، قد نرى هكذا حل. بعد حالة الجمود التي شهدناها في السنوات الأخيرة، فإن هذا الحدث ونتائجه سيحركان شيئاً في المياه الراكدة.
○ تحدثت عما هو مطلوب من إسرائيل والغرب، ما المطلوب ممنْ هم على الضفة الأخرى؟
• المطلوب عربياً رفع الصوت عالياً ورفض هذه الإبادة الإنسانية التي تحصل وممارسة ضغوط حقيقية على أمريكا والأوروبيين للدفع باتجاه وقف إطلاق نار فوري والانطلاق إلى حوارات دولية وعربية وإسرائيلية للسعي لإيجاد حل لهذه المسألة. المطلوب فعل عربي أقوى على هذا الصعيد. لا أحد يطالب بتدخل عسكري عربي بل ممارسة ضغوطات سياسية لدفع الآخرين للدخول بهذا التوجه.
○ هل يمكن أن نصل إلى تسوية من خلال الجانب العربي فقط من دون إيران؟
• أي دولة في العالم لها مصالحها، وستسعى من خلال الأزمات أو الانفراجات لأن تستغل هذه التوجهات في سبيل خدمة مصالحها. هذه قاعدة عامة ومسلّم بها بعيداً عن المبادئ والعقائد، فمصالح الدول هي التي تحكم مساراتها ومواقفها. حين قلت إن المطلوب من العرب موقف سياسي وضاغط لوقف هذه المجزرة، فذلك لأن انتصار إسرائيل الكامل في هذه المعركة سينعكس سلباً على العرب أنفسهم.
○ ما المطلوب فلسطينياً؟ ألم تستفد إسرائيل من الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، فها هم الفلسطينيون اليوم يدفعون ثمن إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية؟
• المطلوب منهم الاتفاق على موقف موحّد تجاه موضوع حل الدولتين وبناء سياسة موحدة لإزالة الاحتلال الإسرائيلي.
○ هل هم قادرون؟
• التجربة الماضية تقول إنهم غير قادرين وما زالوا يُغلّبون خلافاتهم وصراعاتهم على السلطة على أي قضية أخرى. بعد انتهاء المعركة لا بد من حوار ونقاش جريء وواضح. الآن ونحن في صلب المعركة لا فائدة من الخوض في ملف الصراعات الداخلية.
○ ترتفع وتيرة المخاوف من حرب إقليمية شاملة، لكن البعض يرى أن شعار «وحدة الساحات» عنوان كبير قد ينتهي بحرب على جبهتي غزة وجنوب لبنان، كيف تقرأ ذلك؟
• عنوان «وحدة الساحات» هو عنوان سياسي غير قابل للتحقق إلا بحدود ما يخدم الأفرقاء المعنيين بهذا الموضوع. لذا أحد الأسئلة التي تُطرح راهناً هو: لماذا لا تُفتح جبهة الجولان؟ في لبنان، هناك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومطالبات بإثبات لبنانيتهما. أما في الجولان، فهناك أرض محتلة، و«حزب الله» موجود في سوريا. توريط لبنان بهذه الحرب لا يخدم الموضوع الفلسطيني. يعتقد البعض أن دخول «حزب الله» في المعركة سيخفّف الضغط عن «حماس» في غزة، ولكن رغم قوة «حزب الله» العسكرية والضرر الذي سيلحقه بإسرائيل نتيجة نوعية السلاح الذي يملكه، فإن لبنان، الذي لا دولة فيه، لا يتحمل مستوى الدمار الذي سيحدث والذي سيكون على شاكلة ما يجري في غزة. والناس في حالة اقتصادية يُرثى لها ولا مقومات للتعامل مع الحرب. قبل فترة قصيرة، انهار مبنى بفعل السيول، فبقيت قوى الدفاع المدني أسبوعاً لرفع الأنقاض. لا يمكن تخيُّل الحالة التي سيكون عليها اللبنانيون لو وقعت الحرب. وبرأيي أن النتائج العسكرية لتلك الحرب قد تُغيِّر قليلاً في المعادلة لكنها لن تقلبها. لا ضرورة لأن يتورّط لبنان في هذه الحرب.
○ ولكن القرار ليس لبنانياً؟ والبعض يعتبر أن الحلقة الأضعف في الساحات التي تمسك بها إيران تبدو جبهة لبنان بعد غزة المشتعلة، إذا قرأنا المشهد في اليمن والعراق وسوريا وقارناه بغزة ولبنان، ما رأيك؟
• صحيح، القرار ليس لبنانياً سواء كنّا مع التورط أو ضد التورط. لا نتحدث عن دولة هشة في لبنان بل عن عدم وجود دولة بالكامل. لا دولة ولا قوى سياسية فعلية يمكن أن تحدّ من هذا القرار. العراق واليمن ليسا على الحدود، هما ساحتان رمزيتان، لن يدخل العراق كدولة في هذه الحرب. تبقى ثلاث ساحات: الساحة الفلسطينية حيث غزة مشتعلة، ولبنان، والساحة النائمة في الجولان. سوريا دولة عندها قيادة سياسية واحدة وجيش، وعندها حلفاء في مقدمهم روسيا. أكثر ساحة مؤهلة لتنفيذ شعار «وحدة الساحات» هي سوريا، ولا سيما أن لديها فعلياً أرضاً محتلة، ولديها المبرّر الأخلاقي والقانوني للمشاركة في هذه المعركة.
○ سوريا غير قادرة أو غير راغبة بالمشاركة؟
• إذا كانت «حماس» بهذه الإمكانات قادرة على خوض مواجهة مع إسرائيل، فبالتأكيد سوريا قادرة أكثر بكثير من «حماس». وإذا كان شعار «وحدة الساحات» حقيقياً، فلتُفتح جبهة الجولان.
○ هناك تحذيرات من الحرب الإقليمية الشاملة رغم اقتناع كثير من المراقبين أن لا مصلحة لإيران أو واشنطن بها، هل ذلك مستبعد بفعل أكلافها الكبيرة؟
• إذا قررت إسرائيل إنهاء وجود «حماس» والمقاتلين الفلسطينيين في غزة، والدخول إلى القطاع، هناك احتمال أن تتخذ القيادة الإيرانية قراراً بالدخول في المعركة ينفّذه «حزب الله»، وهناك احتمال أن تبقى مشاركة «حزب الله» في إطار المناوشات الحاصلة اليوم على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. ولكن إذا افترضنا جدلاً أن «حزب الله» دخل في المعركة بشكل واسع، فإننا سنكون أمام احتمالين، الأول: إسراع الأطراف الخارجيين للضغط باتجاه ذهاب الجميع إلى طاولة التفاوض. والاحتمال الثاني: الدفع باتجاه ما يقارب الحرب الإقليمية، خاصة إذا حصل تدخل أمريكي عسكري مباشر. لا أحد يستطيع أن يجزم في أي اتجاه ستذهب الأمور.
○ برأيك، اليوم بعد «طوفان الأقصى» هل ثبّتت إيران «ورقة غزة» بيدها؟
• أولاً، علينا أن ننتظر نهايات المعركة. ولكن على كل الأحوال، سواء دخل «حزب الله» المعركة أو لم يدخل، وسواء دخل الإسرائيلي إلى كامل غزة أو لم يدخل، فإن إيران على الأرجح، ستخرج معلنة انتصارها بصورة أو أخرى. إذا دخل «حزب الله» المعركة، ستعلن إيران انتصارها باعتبار أنها وقفت إلى جانب الفلسطينيين وضحَّت من أجلهم. وإذا لم يدخل «الحزب» ستخرج لتقول إنها منعت توريط لبنان. إيران عندها سياسات تقوم بها بحذاقة وشطارة، وهذا مع الأسف غائب عن كثير من الدول العربية.
○ ماذا ستكون انعكاسات انخراط «حزب الله» بالحرب على تركيبة لبنان؟
• أعتقد أننا سنكون أمام تغييرات كبيرة في البلد. سنكون أمام مزيد من إمساك «حزب الله» بالوضع اللبناني. برأيي، سواء انخرط «الحزب» أو لم ينخرط، سيعلن انتصاره حين تنتهي المعركة، في ظل الغياب التام لكل القوى، وغياب أي حراك حقيقي لقيام هيئة وطنية يمكنها أن تشكّل غطاءً وطنيا لحماية لبنان. الكل غارق في «لبنانياته». أحد المسؤولين يجول على السياسيين ليتحدث عن رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، ومسؤول آخر مهتم بالانتخابات الطلابية في هذه الجامعة أو تلك الجامعة، ومسؤول ثالث…
○ هل تلك الهيئة، إن وُجدت، قادرة على أن تؤثر على «حزب الله» أم أنَّ وجودها سيكون في نهاية المطاف الاصطفاف خلف «الحزب»؟
• المطلوب، في ظل عدم وجود الدولة بمكوناتها الأساسية، حيث لا رئيس للجمهورية وغياب لرئيس الحكومة والحكومة، أن تُشكّل القوى السياسية هيئة لحماية لبنان والدفاع عن حقوقه والدفاع عن الفلسطينيين. عليها أن تخاطب «حزب الله»، ولكن أيضاً عليها أن تخاطب المجتمع الدولي وتدعو لانعقاد القمة العربية وكذلك المؤتمر الإسلامي لتحمي لبنان كما غزة.
○ أنت عملياً تطلب من القيادات المسيحية أن تتحرّك في ظل التشتت شبة الكامل على الساحة السياسية السُّنية، ولا سيما أن القيادات السياسية والروحية الشيعية تقف خلف «حزب الله»؟
• لننسى القوى السياسية. أين المرجعيات الدينية التي تتصدر المشهد في هكذا وقت؟ أين البطريركية المارونية ودار الفتوى؟ هناك غياب كامل ومُرعب من كل القوى السياسية والدينية.
○ كيف سيُترجم «حزب الله انتصاره داخليا؟
• سيأتي برئيس للجمهورية وسيستكمل الإمساك بالبلد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية