الأستاذ الجامعي اللبناني أنطوان قربان: ضَمان السيادة اللبنانية يحتاج إلى تسوية إقليمية و«7 أكتوبر» زاد من وزن إيران كقوة تخْريبية

حاورته: رلى موفّق
حجم الخط
0

يرى الأستاذ الجامعي اللبناني د. أنطوان قربان أنه إذا استطاع الإسرائيليون تجاوز ضغوط أمريكا التي لا تريد توسيع الحرب، وإذا لم ينصَع «حزب الله» كاملاً لما تريده إيران، سيكون عندها تخوّف من توسّع الحرب.
ويعتقد أنَّ الإسرائيلي يستغل حرب غزة كي يحقق حلمه بما يسمى أرض الميعاد، من البحر إلى النهر، وأن المشروع الصهيوني اليوم ليس مشروعاً وطنياً قومياً علمانياً كما كان عند نشوء الفكرة الصهيونية، بل هو مشروع أصولية دينية يهودية، ولا يفرّقه شيء عن المشروع الإسلامي المتشدد سنياً كان أو شيعياً.
ويشير إلى أنَّ حرب غزة بما حملته من فظائع لفتت الجيل الجديد في العالم الغربي إلى أنَّ هناك قضية وطنية محقة، وأنَّ هناك شعباً سُلبت حقوقه. وهذا تحوُّل كبير يمكن أن يردع التطرّف الديني والهستيريا الدينية، كونه يفتح الباب أمام إمكانية عدالة للشعب الفلسطيني.
وإذ يؤكد قربان المتخصص في العلوم الطبية والإنسانيات في الجامعة اليسوعية وفي جامعة القديس جاورجيوس أن القرار الدولي 1701، كما القرارين 1559 و1680 فيهم خلاص لبنان، يذهب إلى اعتبار أنَّ ضمان السيادة اللبنانية لن يأتي إلا في إطار تسوية إقليمية أو دولية ستظهر معالمها مع انتهاء حالة الصراع الدموي من أوكرانيا إلى غزة ولبنان والبحر الأحمر، لافتاً إلى أنَّ مَن يستطيع أن يردع «حزب الله» هو الشعب اللبناني والقوى السياسية التي عليها الاتحاد على رؤية واحدة قوامها النضال السياسي من أجل مشروع وطني موجود هو الدستور اللبناني.
ويُشير إلى أن «7 أكتوبر» زاد من وزن إيران في المنطقة كقوة فاعلة بما لديها من قدرة تخريبية، وهدفها أن تجلس إلى طاولة المفاوضات لتفاوض على حساب العرب وشعوب المنطقة، لكن المعركة لم تُحسم بعد وعلينا أن نراقب ميزان القوى مع عودة أمريكا إلى الشرق الأوسط ببوارجها لتقول إن «الأمر لي».
وهنا نص الحوار:
○ جبهة جنوب لبنان مفتوحة منذ 3 أشهر تحت عنوان «إسناد غزة» هل تتخوف من توسُّع الحرب في لبنان ولا سيما بعد استهداف القيادي في حركة حماس صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»؟
• حتى الآن، لا يزال هناك التزام بقواعد الاشتباك التي هي ضامنة لحدود الاشتباك، ليس لأن «حزب الله» وإسرائيل يريدان ذلك، بل لأن أمريكا وإيران لا ترغبان بالتصعيد أكثر. إذا قام أي طرف من الطرفين بالخروج عن تلك القواعد وعدم الالتزام بضبط النفس، أي إذا استطاع الإسرائيليون تجاوز ضغوط أمريكا التي لا تريد توسيع الحرب، وإذا لم ينصَع «حزب الله» كاملاً لما تريده إيران، سيكون عندها تخوُّف من انزلاق الأحداث بما لا يحمد عقباه، وسنكون أمام توسع للحرب.
○ الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله اعتبر أنَّ على اللبنانيين أن يأخذوا العبرة من غزة في ما خصّ الحماية الدولية، وأنَّ مَن يقول لهم سلّموا سلاحكم لأن القرارات الدولية تحمينا مصابٌ بالعمى، فهل هو إقفال للطريق على المطالب الدولية لتطبيق القرار 1701 وإخلاء منطقة شمال الليطاني من وجوده المسلح؟
• التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701 كما للقرارين 1559 و1680 هو الخلاص للبنان. لكن للأسف أن الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة في حرب 2006 لم تقبل بأن يكون هذا القرار تحت الفصل السابع. السؤال هو: هل يريد السيد حسن نصر الله أن يصبح لبنان غزة ثانية؟ ما يزيد على 20 ألف ضحية ودمار هائل، لم نسمع منه كلمة ترحُّم على الناس التي ماتت. لم نسمع سوى انتصارات لهذا الشهيد وذلك. هذه هي ثقافة الموت التي تأتي لتعلّم الضحية أنَّ الحياة هي الموت، وأن تُقتل أو تَقتل هي الحياة. هذه ليس ثقافتنا، نحن نؤمن بالحياة. أقول إن الـ1701 فيه خلاص لبنان، ولكن لبنان بلد ذو سيادة منقوصة.
○ مَن سيؤمِّن له السيادة ما دام «حزب الله» هو صاحب القرار فيه، وبالتالي مسألة التطبيق مرتبطة بقبوله هو؟
• هو ليس صاحب القرار بل هو حاكم إيراني للبنان بقوة السلاح. ضمان السيادة اللبنانية لن يأتي إلا في إطار تسوية إقليمية أو دولية. أنا لا أتوقع حلولاً بقرار دولي، فبالأمس لم ينجح مجلس الأمن بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار. هناك حالة صراع دموي من أوكرانيا إلى غزة ولبنان والبحر الأحمر، وعلينا أن ننتظر إلى أن تنضج التسوية، فيتم عندها ترتيب الأمور.
○ نحن على أبواب الشهر الرابع من الحرب المدمرة في غزة، وليس هناك من أفق لوقفها، ما هو المتوقع؟
• يستغل الإسرائيلي هذه الحرب كي يُحقق حلمه بما يسمى «أرض الميعاد» من البحر إلى النهر والتي وعد بها إله من بلاد الرافدين قبل ثلاثة آلاف سنة لراعي غنم اسمه إبراهيم. ليس المشروع الصهيوني حالياً مشروعاً وطنياً قومياً علمانياً كما كان في أواخر القرن التاسع عشر، حين نشأت الفكرة الصهيونية. اليوم المشروع الصهيوني هو مشروع أصولية دينية، مشروع يهودي متديّن متشدّد. لا شيء يُفرِّق بين المشروع الصهيوني الحالي لبنيامين نتنياهو ومَن معه من اليمين المتطرف وبين المشروع الإسلامي المتشدد سنياً كان أو شيعياً. هناك شعوب في المنطقة تريد أن تعيش، ليس كل الإيرانيين مقتنعين بثقافة الظلام لولاية الفقيه، ولا كل الإسرائيليين متشددين وعنصريين، وليس كل المسلمين متطرّفين.
○ بعض المنظّرين يرون أن تداعيات هجوم «7 أكتوبر» قد تؤدي مع الوقت إلى إضعاف اليمين المتطرف. برأيك، هل يمكن أن نشهد نوعاً من عقلنة لدى القيادات الإسرائيلية باتجاه حل سياسي بعد «طوفان الأقصى» أم أنها فرصة لإحياء المشروع الديني المتطرّف؟
• ما حصل في «7 أكتوبر» ليس هدفه دينياً بل هدفه سياسي أو جيو-سياسي، وهو متعلق بإعادة تموضع إيران على حساب الشعوب العربية، لأن المنطقة كانت سائرة بمنحى ما نحو نوع من التطبيع وحل سياسي للمسألة الفلسطينية ربما كان سيصل إلى حل الدولتين، ولكن جاء «7 أكتوبر» ليُخرِّب كل ذلك، وهذه أهم التداعيات على المنطقة. من الناحية الإسرائيلية، هل هذا يُغيِّر العقلية الإسرائيلية؟ لا أعرف. ما أعرفه أن ما حصل في «7 أكتوبر» من فظاعات ارتكبتها حركة «حماس» وبعدها الفظاعات الأكبر التي ارتكبتها الدولة الصهيونية منذ «8 أكتوبر» إلى اليوم، عاد ليطرح القضية الفلسطينية أمام الرأي العام الدولي، وخاصة الشباب والذين هم غير متأثرين بتداعيات ونتائج الحرب العالمية الثانية والمحرقة اليهودية.
والأهم أنه تتمّ إعادة طرح المسألة الفلسطينية كمسألة وطنية. وقد رأينا كيف يتصرّف الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية. فرغم كل محاولات أسلمة القضية الفلسطينية، لا يزال الفلسطينيون على الألفة الوطنية. حين قصفت إسرائيل منطقة حي الزيتون حيث كنيسة القديس برفيريوس، وهي من أقدم كنائس العالم، سمعنا أسقف الكنيسة يقول في جنازة الضحايا: «نحن عشنا سوياً ونموت سوياً». المشكلة أنَّ هناك في الشرق الأدنى جهات من شعوبنا تُحب التطرّف والتجزئة الفئوية للشعب الواحد. لقد أعطانا الفلسطينيون درساً كبيراً في الوطنية، والوحدة الوطنية، وفي أن قضيتهم هي فلسطين، ويدافعون فوق أرضهم عن قضية فلسطين. وهذا محل تقدير كبير لدى كثير من الشعوب ولدى كثير من اللبنانيين، إنما ما هو مرفوض أن تكون هناك جهات فلسطينية، «حماس» أو غيرها، تقاتل من لبنان أو تستخدم الأراضي اللبنانية، أو تكون هناك قيادات فلسطينية تدير عمليات من لبنان، على غرار العاروري.
○ ولكن العاروري مُبعد من الأراضي الفلسطينية؟
• المعضلة هي أن الشعب الفلسطيني ضحية الصهاينة وحقدهم، ولكنه أيضاً ضحية الحركات الأصولية المتدينة المقاومة التي لا تفرق معها حياة الإنسان الفرد. المهم أن يقاتل هذا الفرد ويحارب ويموت، وليس كيف تحيا. السيد نصر الله قدَّم فلسفة أنثروبولوجية عن المجتمع المقاوم، ولكنه لم يتحدث عن مشروع وطني. لا وجود للأوطان في ذهنية محور المقاومة، بل الموجود هو مشروع ولاية الفقية، وهو مشروع إمبراطورية على أُسس دينية والثورة الإسلامية.
○ ثمّة مَن يُميز في هذه المسألة بين حركة «حماس» وباقي «محور إيران»؟
• نعم، حركة «حماس» حالة خاصة عندها مشروعها الوطني. ربما لذلك ليس لدى «محور المقاومة» والمشروع الإيراني ثقة بها، لأن عندها الرابط العربي الفلسطيني، فهؤلاء هم عرب وكذلك هم سنّة. «حماس» حليفة «المحور» ولكنها ليست لؤلؤة وتاج «المحور» مثل «حزب الله» في لبنان وجماعة «الحوثي» في اليمن. وبالتالي، يقفون عند حدود المساندة لحماس ولكنهم ليسوا مستعدين لأن يموتوا من أجل «حماس» إنما يموتون من أجل إيران. قضية فلسطين هي «الواجهة» لمشروع تمدد إيران في المنطقة.
○ قلت أن تداعيات «7 أكتوبر» جعلت جيلاً في العالم يلتفت إلى أن هناك قضية فلسطينية، وبالمناسبة لفت نصر الله إلى هذه النقطة على أنها من النتائج الإيجابية؟ هل الشعوب في الغرب التي تظاهرت من أجل أطفال غزة قادرة على أن تؤثر على حكامها؟
• نعم، الجيل الجديد التفت إلى أن هناك قضية وطنية محقة، وأن هناك شعبا سُلبت حقوقه. هؤلاء لم يخرجوا من أجل حماس و«محور المقاومة» وثقافته، كما حاول نصر الله الإيحاء. الذين ساروا في عواصم العالم رفعوا الصوت من أجل مساندة الشعب الفلسطيني. وهذا تحوُّل كبير وهذا يمكن أن يردع التطرف الديني والهستيريا الدينية، لأنه يفتح الباب أمام إمكانية عدالة للشعب الفلسطيني. كيف؟ لا أعرف. ولكن الشعوب في بلادٍ ديمقراطيةٍ تؤثر على حكامها عندما تذهب وتنتخب في صندوقة الاقتراع.
○ هل تداعيات حرب غزة وتأثيرها على المنطقة سترسم موازين القوى في المنطقة لمئة سنة مقبلة؟
• ربما بعد مئة سنة من انهيار الإمبراطورية العثمانية، وترتيب المنطقة بحسب إيجاد دول بحدود ما، وما يحصل في غزة إنما في سياق متصل بما يجري من أوكرانيا إلى باب المندب، يفتح الباب لإعادة خلق نوع من التوازن الجديد المتعدد الأقطاب في المنطقة، غير واضح المعالم بعد. من المؤكد أن نتيجة ما يحصل في غزة سيؤثر لأنه يأتي في سياق مواجهة كبرى في شرق المتوسط وشرق أوروبا والبحر الأحمر وبحر عُمان، وستُحدد هذه المواجهات ميزان القوى في المنطقة ومصيرها. لا أعتقد أنه سيكون هناك قرار كتلة واحدة أو كتلتين كما أيام الحرب الباردة. اليوم هناك أكثر من محور.
○ إذا كان هناك نظام عالمي جديد سيتشكّل من مخاض الحروب الحاصلة اليوم. برأيك لمن ستكون الغلبة إذا ما نظرنا إلى طبيعة اللاعبين اليوم وتأثيرهم؟
• من الصعب الجزم لمن ستكون الغلبة في النظام العالمي الجديد. فهذا متعلق بما يحصل على الأرض. على سبيل المثال، في أيام الحرب الباردة، كانت الدول العربية الخليجية تُحسب على الغرب. اليوم نرى أن هناك تبادل مصالح مع الشرق ومشاركة وتفاهمات مع الصين وروسيا وغيرهما، وهذا سيؤثر على نشوء عالم جديد وتوازن قوى جديدة متعددة الأقطاب. كذلك أثّرت تداعيات «7 أكتوبر» على مسار التطبيع. لا نعرف إن هزّته فقط أم ضربته، كما ضربت برأيي حل الدولتين. إسرائيل معزولة إلى حد ما من قبل الرأي العام العالمي. ولم يعد الرأي العام العالمي يساند بشكل غير مشروط الأيديولوجيا الصهيونية.
○ هل يمكن أن يؤدي هذا إلى حل ما على مستوى القضية الفلسطينية أم أنه يُمدِّد النزاع إلى مستقبل بعيد؟
• ما أعرفه أنه كان هناك مشروعً يسير بقوة ولكنه تخربط، ولا نعلم بعد كيف ستكون التحولات الناتجة منه.
○ كثير من المتابعين يرون أن ما نشهده اليوم هو صراع لرسم معالم نظام جديد قوامه أمريكا وحلفاؤها من جهة والصين وروسيا وإيران وحلفاؤهم من جهة ثانية؟
• ليس الكل ضمن المخيم الواحد متجانسين ومتشابهين. أوروبا الغربية ليست أمريكا الشمالية. روسيا والصين ليستا حالة واحدة، كانتا أيديولوجيا واحدة أيام الشيوعية. حالياً، نحن نرى تحولات ولكن لا أفق بعد. هذا الأفق سيظهر في المفاوضات التي لن تحصل قبل أن تتحدّد موازين القوى.
○ برأيك موازين القوى في المنطقة هي لمصلحة إيران؟
• «7أكتوبر» زاد من وزن إيران في المنطقة كقوة فاعلة. هي تقول: أنا «خربطتُ» مشروعكم ولا تستطيعون أن تتخطوني. هدفها أن تجلس إلى طاولة المفاوضات وتفاوض هي وليس العرب.
○ هل تريد أن تفاوض على نفوذها في الشرق الأوسط أم على الاتفاق النووي وحماية نظامها؟
• تريد أن تُفاوض على مصالحها. ومصالحها هي الثورة الإسلامية والقوة المسلحة لهذه الثورة ونشر الثورة سواء كانت نووية أو غير نووية، وتريد ذلك على حساب الشعوب العربية. هذه هي بلاد فارس. إيران لاعب ولها دور مهم جداً في المنطقة ولكنها ليست اللاعب الوحيد. هناك قوى أخرى أيضاً على الأرض. هناك الأمريكيون. إيران لها فاعلية تخريبية قوية.
○ قدرتها التخريبية قديمة وواضحة منذ أحداث «11 أيلول» 2001 إلى اليوم. إيران راهنت على خروج أمريكي من المنطقة، لكننا اليوم نشهد عودة أمريكية إليها؟
• صحيح نرى عودة أمريكية إلى المنطقة. ولكن هل ستحسم الموضوع أم لا؟ جاء الأمريكيون ببوارجهم إلى البحر المتوسط وأفهموا إيران أن «الأمر لي». علينا أن نراقب ميزان القوى. هل تستطيع إيران أن تتحدى القوة الأمريكية أو تُخرِّب بطريقة ما؟ لا أرى أنها قادرة على أن تتحدى. وهذا ما يفسر موقفها من عدم الدخول مباشرة في المعركة والاكتفاء فقط بدور المساندة من خلال أذرعها.
○ اليوم فتح الحوثي معركة البحر الأحمر تحت عنوان نصرة غزة. هل يمكن القول إن إيران هي المتحكمة بالمضائق ما دامت أمريكا شكلت تحالفاً دولياً جديداً تحت مسمى «حارس الازدهار» لحماية البحر الأحمر والمضائق الأخرى؟
• إيران ليست المتحكمة. هي المخرِّب. إيران تقول من خلال الحوثي: أنا أقطع الطرق البحرية والتجارة العالمية في اتجاه قناة السويس. هذا ليس أمراً بسيطاً. إيران تلعب أوراقها من أجل أن تكسب مكانة لها في المنطقة لتكون قوة متحكمة من طهران إلى بيروت.
○ هل كانت إيران قادرة على التمدد في المنطقة والتحكم في لبنان لولا المصالح المتبادلة بين الغرب وإيران من جهة وغياب المواجهة الداخلية لحزب الله من أجل حماية دور لبنان كخط الوصل بين الشرق والغرب من جهة ثانية؟
• مقولة أنَّ لبنان خط الوصل بين الشرق والغرب هي أسطورة قديمة. بيروت القرن التاسع عشر والقرن العشرين أصبحت في الخليج. لبنان ما عاد له دور محوري. هو ضاحية سياحية لبلاد الشرق الأوسط والأدنى. دوره التقليدي كجامعة الشرق، ومستشفى الشرق، ومصرف الشرق، قد انتهى تقريباً. قبل خمسين سنة، كان الخليج يرى العالم الخارجي وعالم الحداثة من النافذة اللبنانية. نحن أوصلنا الرسالة، وهم أخذوا هذا الدور ويعملون على تطويره.
○ ما الدور الذي تبقّى للبنان؟
• علينا أن نخترع دوراً جديداً. لبنان لديه مؤهلات للعب دور سياحي. نحن لدينا جمال الطبيعة، ولدينا شعب ذكي لديه ثقافة الإبداع.
○ هناك انقسام في لبنان حول فتح جبهة الجنوب وجر البلد إلى حرب مدمرة، هل يمكن أن يكون لهذا تأثير ما لمنع توسُّع الحرب؟
• كل مواطن لبناني صادق ويحترم كرامة بلده لا يريد أن تكون سيادة بلده منقوصة، وأن تأتي أي مجموعة وتقول إن الكلمة لها باسم دولة أجنبية وهي إيران. أكيد أنَّ هناك انقساماً طالما خرج «حزب الله» عن السياق اللبناني ويريد أن يفرض على اللبنانيين الإرادة الفارسية أو الإيرانية.
○ هل القوى الوطنية التي كانت يُطلق عليها «القوى السيادية» قادرة اليوم على المواجهة؟
• على القوى السيادية، قبل أن تواجه الإرادة الخارجية التي تقمعها، أن تتحد على رؤية واحدة. كل عملهم السياسي اليوم هو قضية محاصصة للسلطة. على هؤلاء أن يتوحدوا على النضال السياسي. المشروع الوطني موجود وهو الدستور اللبناني. لبنان دولة غير منحازة، وهذا ما ينص عليه دستور 1926 وميثاق 1943 وإعلان بعبدا 2014. هذه الوثائق تقول إن لبنان دولة مساندة وليس دولة مواجهة. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان يقول ذلك. إنما على الأرض هناك مَن يقول لنا «إننا دولة مساندة بالسلاح والصواريخ».
○ نصر الله قال بوضوح إن «حزب الله» حتى إن كان يحسب حساباً للمصالح اللبنانية، لكن إذا شُنّت الحرب على لبنان فإنّ مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية هو أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط، بمعنى لا مشكلة لديه إن تدمَّر لبنان؟
• هذا أهم برهان أنه يربّح اللبنانيين جميلاً أنه يداري مشاعرهم، ولكن إذا اقتضى الأمر، فهو سيتخطى المصالح اللبنانية لأن ليس لديه اعتبار لوطنه وشعبه.
○ مَن يستطيع أن يردع «حزب الله» عن استباحة للبنان، وكيف؟
• الشعب اللبناني والقوى السياسية اللبنانية قادرة على أن تردع «حزب الله» إذا عرفت كيف تضع جانباً حساباتها الصغيرة. وعلى الشعب اللبناني الذي يريد أن يعيش ويحب الحياة لا الموت أن يقول لنصر الله: «نحن نرفض منطقك وثقافتك». ماذا سيفعل عندها؟ هل سيقتل كل الشعب اللبناني؟
○ ألم يحصل ذلك في «ثورة 17 تشرين» 2019؟
• «ثورة 17 تشرين» لم تكن ثورة بل انتفاضة والمنتفضون تصرفوا كما لو أنهم مؤسسات غير حكومية ومجتمع مدني وكتبوا آلاف الصفحات من المشاريع الاقتصادية. هذه كانت انتفاضة جميلة وأظهرت أن هناك مجتمعاً ورأياً جماعياً ولكن ليس شعباً موحداً.
○ اعتبرت أن ما يجري من أوكرانيا إلى غزة هو لتحديد مراكز القوة، وأنَّ هناك تحولات جيو-استراتيجية ستحمل تداعياتها على العالم، وسبق لك في مواقف سابقة أن تساءلت عن مصير أوروبا الغربية، لماذا أوروبا الغربية؟
• أنا عندي عاطفة خاصة تجاه أوروبا الغربية لما قدمته للعالم ثقافياً. مصير أوروبا مهم جداً. وأوروبا الفاعلة كعالم حضاري يمتد وفق الجنرال شارل ديغول من برست في أقصى غرب فرنسا إلى موسكو. رؤية ديغول أن أوروبا بمعنى الفضاء الحضاري هي شمالاً وجنوباً البحر المتوسط، وغرباً المحيط الأطلسي، وشرقاً البلاد التي كانت تحت حكم الاتحاد السوفياتي. أكثرية دول أوروبا الشرقية أخذت خياراً آخر بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وإلى الاتحاد الأوروبي. وسياسة الحلف الأطلسي كانت عزل روسيا الاتحادية كما كان الحال مع الاتحاد السوفياتي السابق. وحتى الآن، ما زالت الحرب في أوكرانيا غير محسومة النتائج لرسم مشهد ما ستكون عليه أوروبا في المستقبل، ولكن لا يبدو أن العقوبات التي فُرضت على روسيا فاعلة، ولا يبدو أن عملتها (الروبل) قد انهارت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية