حراك الجامعات الأمريكية من أجل غزة يطرح سؤال استعادة دور الجامعات العربية والفلسطينية

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: يحتفي الفلسطينيون بالحراك القادم من الجامعات الأمريكية والذي يسعى لوقف حرب الإبادة الجماعية على غزة، يفسرون ويحللون حراكها من أكثر من منظور، مرة يتم التركيز على أن الحرك قادم من جامعات النخبة الأمريكية، التي تعتبر ماكينات تفريخ النخبة المهنية التي تمتصها الدولة العميقة في أمريكا، والشركات العملاقة ومؤسسات الإعلام وأجهزة الاستخبارات، والمؤسسات الأكاديمية رهن سياسات المموّل الرأسمالي، وتنصاع للأيديولوجيا السائدة، أما الجيوب الخارجة عن هذا النسق، حسب الباحث الفلسطيني وسام رفيدي، فيتم قمعها بلا هوادة، خاصة إذا تناول هذا الخروج بالنقد الرواية الصهيونية العنصرية. ومرة يتم التعاطي معه على انه نتاج اندحار الرواية الصهيونية الكاذبة وانتصار السردية والرواية الفلسطينية. يقول رفيدي إنه ومنذ السابع من أكتوبر، وبعد بضعة أيام نجحت خلالها الدعاية الصهيونية والإمبريالية في تشويه صورة الفلسطيني، عبر وسائل الإعلام العالمية، التي تجندت لعملية سياسية موضوعة بطريقة افتقدت في أحيان كثيرة إلى الاحترافية، لتقديم تلك الصورة، نقول بعد ذلك، وبعد انكشاف طبيعة ماكينة الكذب الصهيوني والإمبريالي حول الأطفال المقطّعة رؤوسهم، والاغتصاب الجماعي، وتعليق جثث الأطفال على الحبال، بعد ذلك كله، بدأت حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته تتصاعد، والأهم بدأت الجامعات، بما تعنيه من تمركز قطاعات شبابية مليونية، تشهد سلسلة من الفعاليات التضامنية.

غير أن الأهم هو أن الحدث الكبير والمتدحرج مثل كرة الثلج يطرح سؤالين مركزيين، الأول: أين هي الجامعات العربية؟ وأين هي الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية من هذا الحدث؟ يترافق هذان السؤلان مع التأكيد على حقيقة أن الحركة الطلابية الفلسطينية كانت تحرك دولا وتصنع وتشكل الرأي العام المحلي والعربي والدولي.
تكتسب الأسئلة السابقة أهمية كبيرة أمام طبيعة الجريمة التي ترتكب في القطاع، فبحسب الأكاديمي المقدسي خالد عودة الله، الباحث في الدراسات الاستعمارية فإن ما يجري في القطاع هو المعادل التاريخي للنكبة.
يقول عودة الله في حلقة «بودكاست» إن حدثا «بهذا الحجم يجب التعامل معه بالروح المصيرية. في ظل أن هناك مجموعة كبيرة من الأسئلة التي لا يجب تجاوزها، فما كنا نعتقد انه عالم قد تعايشنا معه تحت الاستعمار، اكتشفنا فجأة في اللحظة التي غير فيها الاستعمار طريقة تعاملنا معه أصبحنا مشلولين».
يطرح عودة الله رؤيته وأسئلته على المجتمع الفلسطيني كله، ولا يخص الجامعات والحركة الطلابية، لكنها طرفا فيه بكل تأكيد، في ظل تجارب الحركة الطلابية الفلسطينية عربيا وفلسطينيا.
يرى عودة الله أن الدلالة الأهم لهذا الشلل الذي يصيب الفلسطينيين في ضوء ما يجري في غزة هو أن كل ما كنا نعتبره وعيا سياسيا بالبعد المجتمعي وخاصة عند القوى التي كانت تعتبر نفسها فاعلة نضاليا ومجتمعيا مسألة غير موجودة، «لقد اكتشفنا في لحظة إعادة ضبط الاستعمار علاقته بنا أن وصلنا لشلل سياسي كامل». ويحلل ذلك بالقول إن الاستعمار كان قد طور حالة ووضع أبادنا فيه سياسيا، صحيح أنه منحنا الهامش للعمل والفعل لكنه في لحظة إلغاء هذا الهامش توقف الجميع.
ويرى أن الصدمة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني مسألة مفهومة أمام الحدث في القطاع بكل ثقله ووقعه، لكن يتابع أنه وبعد فترة، ولكل مجتمع يحترم نفسه، لا يجب الوقوف أمام الصدمة وفقط، حيث يظهر أن الحدث والجريمة محصوران في فئة جغرافية محددة وهي غزة، وكإنها حدث موضعي.
ويرى أن ما يجري في غزة يطرح أسئلة كبيرة على المجتمع الفلسطيني ككل، فالمجتمع هو شعب هو محصلة قوى سياسية، هناك إشكاليات سياسية وأخلاقية، ومن ضمنها أن هذا المجتمع بدا لنا «لا يمتلك قوة سياسية، كما أننا اكتشفنا أن كل المسميات الأخلاقية الكبرى ليس لها فعل، تشبه تماما الشعارات السياسية الكبرى، فيما الأخلاق التي كان يجب أن تكون بمثابة الجدار الأخير الذي يمكن أن يحافظ على قدرة شعب ما للدفاع عن ذاته بدت غير ذات تأثير».

إدراك الفشل

ويعارض الباحث في علم الاجتماع السياسي عودة الله تسمية حالة خذلان غزة بإنها حالة من العجز، معتبرا أن هذا مسمى غير بريء، فهو كلمة تشير إلى أنه ليس لدى الفلسطيني ما يقوم به، أما الخذلان فغالبا يتحول إلى نوع من جلد الذات، ويرى أن التوصيف الدقيق لما يجري هو الفشل.
ويرى أن أهمية تحديد الواقع الذي نمر به مسألة مهمة، فإدراك الفشل يجعل الناس والمجتمع يبحثون عن أسبابه ومسبباته، والحقيقة الماثلة أننا «فشلنا في الدفاع عن وجودنا وليس عن تحقيق أهداف سياسية فقط».
من إدراك الفشل في الدفاع عن وجود الفلسطيني في لحظة مصيرية يرى الباحث والإعلامي معز كراجة أن ما يدور في جامعة كولومبيا ويمتد لجامعات أخرى، ويشمل هيئات تدريسية وليس فقط الطلبة، يعد واحدا من أهم أشكال الحراكات التضامنية مع الفلسطينيين، فإن تجذرت وتوسعت سيكون لها ثقل مهم، لكن هذه المشاهد الآتية من أمريكا تفرض تساؤلات حول مكانة ودور الحراكات الطلابية والأكاديمية عربيا وحتى فلسطينيا.
ويتابع كراجة: «لم تعد الحركة الطلابية الفلسطينية تؤثر في المجتمع أو تساهم في قيادته، وهي التي كانت بحق المحرك والقائد في عقود سابقة».
ويرى أنه: «طالما كانت الأجسام الطلابية مستقلة عن مركزانية المجتمع ومشاكله وشبكة مصالحه وقيوده، وهي استقلالية تساعدها دائما على رؤية هذا المجتمع من خارجه والتأثير فيه. وهي أيضا أهم أدوات النقد الاجتماعي والثقافي. وهذه صفة كل الحراكات الشبابية في العالم عبر التاريخ».
لكن كراجة يخلص إلى استنتاج مفاده أن الجامعات، طلبة وأكاديميا، أصبحت امتدادا للمجتمع بكل ما له وما عليه، وهو ما يطرح اشكالية أخرى تفسر جانبا من حالة البلاهة والخمول السائد.
أما الباحث الفلسطيني حمدي الحسيني فيتناول ما يراها العوامل التي ساهمت مجتمعة في تقزيم دور الحركة الطلابية في جامعات الضفة الغربية تحديدا، فالنضال في إطار الحركة الطلابية له روافد متعددة أبرزها التوجه الأكاديمي للجامعات في دعمه نظرياً وفكرياً وحمايته، والآخر التعامل معه داخل الجامعات وكانه فضاء حر للتعبئة الوطنية والحشد، ومنع التدخل الخارجي فيه وقتل محاولات طمسه وشيطنته وإغراقه وتقييده بأجندة حزبية ذات حسابات بعيدة عن النضال.
ويخلص إلى أن عدم حدوث ذلك ترافق مع مساع سياساتية لفصل امتداد الحركة الطلابية عن عمقها النضالي وتركيز دورها على الجانب النقابي المحصور داخل أروقة الجامعة.
وعلى إيقاع الحراك في الجامعات الأمريكية يسأل الناشط الحقوقي عيسى عمرو، أين هي الأطر الطلابية في الجامعات الفلسطينية؟
ويطالب الجامعات ومجالسها الطلابية بتقديم النموذج بعيدا عن الشعارات والمناكفات الانتخابية والحزبية.
ويقول عمرو: «لماذا لا يكون هناك اعتصام مفتوح داخل الجامعات مع خيام من أجل التضامن مع الأهل في غزة؟ لا يجب أن يكون هناك حياة طبيعية تحت الاحتلال وفي وقت يتعرض شعبنا للإبادة».
ويخلص عمرو: «العمل السلمي والشعبي مهم جدا ومطلوب وهو من أهم أدوات التغيير».

لا تزال الإبادة مستمرة

ويكثف المحاضر في الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ حالة النقد حيث يرى أن الأولوية الآن ليست في أن نشرح لأنفسنا، في فلسطين، أنماط التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، واختلاف السياقات، وشكل النضال، وماهية المطالب، وصور الفاعلية، لأن ذلك تمرين أكاديمي سعيد ليس له محل من الإعراب.
ويتابع: «من يستمع إلى الشهادات والتقارير الإعلامية والرصدية من غزة ومن السجون، ومن يرى كتل الرمل في أفواه وعيون آلاف شهداء المقابر الجماعية الآخذة في التكشف، فيما لا تزال الإبادة مستمرة، يدرك أن الجثة الأكبر التي ستخلفها هذه الإبادة هي الجثة المتحللة للحركة الوطنية الفلسطينية (التي كانت يوماً منظمة التحرير الفلسطينية)».
وفي قراءة المشهد يرى الشيح أن «أشكالا بديلة من النضال، وعلى رأسها حركة المقاطعة ومقاومة التطبيع، في العقدين الأخيرين، أسهمت في زرع بذور ما يجري في شمال العالم وجنوبه اليوم. انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية من المحيط إلى المحيط تستحق التحية والمديح والدعم. ربما لا تكون ساحاتها، ولا أدواتها، ولا حتى مطالبها هي ما ينبغي محاكاته في الجامعات الفلسطينية والعربية، بل تقويض شر السلطة المنفذ بالمؤسسة السياسية والنافذ في المؤسسة الأكاديمية، وهو شر عام متطابق الجينات في أربعة رياح الأرض».
ويخلص إلى أنه «لا عزاء للحركة الطلابية والأساتذة في جامعات فلسطين، إلا حين يستعيدون دورهم في تبني شعار ممنوع أي ممنوع في وجه الاحتلال ووكلائه».
ويعلق عودة الله حول المقارنة الساخطة ما بين فوران الحركة الطلابية في الجامعات الأمريكية وموات الحركة الطلابية العربية بالتأكيد على ضرورة عدم اختزل التفاعل العربي مع الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعات الأمريكية في المقارنة والإشادة وإنما بالسعي للنهوض بالعمل الطلابي العربي ضمن شروطه ومعطياته وفهم أزمته وتاريخه، فالاحتجاج الطلابي الغربي هو تطور مهم في دعم غزة، والتفاعل معه فكريا مهم أيضا لبداية نقاش طلابي حول استرداد دور الحركة الطلابية العربية لدورها السياسي المجتمعي ضمن ظروفها وقضاياها من دون أن يتحول الفارق ما بين الحالين (الأمريكي والعربي) إلى مسطرة ونموذج وربما إلى مناسبة أخرى «لكره الذات».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية