توقف المسيرة التعليمية في غزة بعد تدمير الاحتلال الجامعات وقتل المعلمين والأكاديميين

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

عمد الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه المستعرة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي على تدمير البيئة التعليمية بشكل كامل، عدا عن تعمده تصفية نخبة من الكتاب والأكاديميين الذين يمارسون تعليمهم في كبرى جامعات قطاع غزة ويحملون درجات علمية عليا، حيث تعرض أكثر من 200 أستاذ جامعي وإداري للاغتيال، عدا عن تدمير عدد كبير من الجامعات بشكل كامل، الأمر الذي يجعل من إمكانية استئناف المسيرة التعليمية بشكل قريب أمرا مستحيلا وفق معطيات حقوقية.
وأقدم الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على تدمير أكثر من 14 مؤسسة تعليم عالِ في غزة، حيث دمر أربعة جامعات أساسية تصنف من أكبر وأقوى الجامعات في قطاع غزة مدعياً أنها معاقل لحماس، وطال التدمير الجامعة الإسلامية التي تصنف بالمرتبة الأولى من حيث الأداء التعليمي، وجامعة الأزهر والأقصى وجامعة القدس المفتوحة، حيث توجد جميع المقرات الرئيسية لهذه الجامعات وسط مدينة غزة في حي الرمال، وهي المنطقة التي ركز الاحتلال خلال الفترة الأخيرة على التوغل فيها، والقضاء على كافة المعالم الثقافية والعلمية التي تكتظ بها المنطقة قبل أن ينسحب منها مخلفاً دماراً هائلاً.
ويشل الدمار الذي أصاب الجامعات والكليات في قطاع غزة المستقبل التعليمي للطلاب المنخرطين في التعليم داخل تلك الجامعات، فمنهم من هو مبتدأ في السنوات الأولى من التعليم، وآخرون شارفوا على انتهاء المسيرة التعليمية، وهذا سيصعب عليهم اكمال مسيرتهم التعليمية في ظل الظروف الحالية الصعبة من غياب عدد كبير من الكوادر التعليمية، وهذا الحال طال أيضاً طلبة الثانوية العامة، الذين توقفوا قسراً عن إكمال مسيرتهم التعليمية مع استمرار الحرب للشهر الخامس على التوالي، الأمر الذي يهدد بضياع العام الدراسي الحالي، مع صعوبة رجوع الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية حتى لو توقفت الحرب، بسبب تدمير مئات المدارس عدا عن استشهاد المئات من المعلمين والطلبة.
ووثق «المرصد الأور متوسطي» لحقوق الإنسان قتل الجيش الإسرائيلي العشرات من أستاذة الجامعات، عدا عن قتل مئات المعلمين والطلبة والعلماء، حيث نفذ الجيش هجمات متعمدة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية في قطاع غزة، وتعمد قصف منازلهم وتدميرها فوق رؤوسهم دون سابق إنذار. وبين المرصد أنه وثق قائمة تضم 17 شخصية يحملون درجة البروفيسور و59 يحملون درجة الدكتوراه و18 يحملون درجة الماجستير وهذه الأعداد ليست نهائية، في حين أن جميع الأكاديميين المستهدفين يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة. وأكد المرصد أن ما يعزز احتمالية استهداف الاحتلال لكل مقومات الحياة في قطاع غزة، إقدامه على تدمير ممنهج وواسع النطاق الجامعات والمراكز الثقافية في قطاع غزة، وأشار المرصد إلى أن المرحلة الأولى من التدمير تمثلت في قصف مباني جامعتي الإسلامية والأزهر وصولاً إلى تفجير بعضها بعد أن تحولت إلى ثكنات عسكرية، لافتاً إلى أن تدمير وقتل الأكاديميين والطلبة سيزيد من صعوبة استئناف الحياة التعليمية بعد توقف الحرب.

تدمير ممنهج
لكل المؤسسات التربوية

من جهتها تحدثت «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» خلال ورشة عمل أعدت في وقت سابق تحت عنوان «الحرب المفتوحة على التعليم في قطاع غزة» عن التدمير الممنهج لكل المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات وأكاديميين، وأشارت المؤسسة إلى أن الاحتلال قضى على مظاهر التعليم في غزة بشكل كامل، وهذه الخطة لم تكن وليدة هذه الحرب، بل أن الحرب على التعليم في فلسطين بشكل عام تواجه الملاحقة الإسرائيلية المستمرة، بعد أن بات التعليم يشكل هاجساً خطيراً على الاحتلال، الذي بدأ عملية التحريف للمنهاج الفلسطيني ويشن حربا دعائية عليه، مدعياً أنه يتضمن العداء للسامية والكراهية، عدا عن خوض الاحتلال حروباً في المحافل الدولية ضد المنهاج الفلسطيني، ما أدى إلى تجميد المساعدات الدولية من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي المخصصة للمنهاج.
في سياق ذلك يقول رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الدكتور صلاح عبد العاطي، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جريمة متكاملة الأركان بحق المؤسسات التعليمية في قطاع غزة، بعد أن تعمد تدمير عشرات الجامعات والكليات الجامعية، بالإضافة إلى تدمير المئات من المدارس الحكومية ومدارس الأونروا، عدا عن اغتيال نخبة من كبار الأكاديميين والذين يؤثر غيابهم على إكمال المسيرة التعليمية.
وأوضح في حديثه لـ«القدس العربي»: أن الاحتلال ومنذ سنوات طويلة يعمل على محاربة التعليم كونه يشكل عقدة بالنسبة له، من خلال بث وترويج الإشاعات إلى دول العالم وبالتحديد الدول الداعمة لفلسطين، عن أن التعليم الفلسطيني يحرض على الإرهاب ومعاداة السامية، لكن الواقع غير ذلك، بل يفضح المنهاج الفلسطيني جرائم الاحتلال، ويدحض مزاعمه بأحقية الشعب اليهودي بأرض فلسطين.
وأشار إلى أن ما حصل من دمار كبير في الجامعات، سيشكل كارثة حقيقية على المسيرة التعليمية، ولن تتعافى قريبا، بل أن ذلك سيستغرق سنوات طويلة، وبالتالي يهدد مستقبل الأجيال في قطاع غزة، خاصة الطلاب غير القادرين على الالتحاق بالجامعات العربية، بسبب الظروف المالية الصعبة التي يواجهها سكان غزة، والخوف يزداد أيضاً من توقف المدارس عن التعليم الوجاهي لسنوات، نتيجة ما أصاب بعضها من دمار كامل، عدا عن اتخاذ الآلاف من النازحين الذين دمرت بيوتهم تلك المدارس مراكز إيواء إلى حين تشييد بيوتهم.
وطالب المجتمع الدولي بترجمة تضامنه مع الشعب الفلسطيني لخطوات عملية لوقف جرائم الإبادة ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، والتوقف عن التواطؤ والصمت والعجز عن لجم الاحتلال عن المواصلة في جرائم التدمير للمؤسسات التعليمية والمستشفيات، وانتهاك كافة القوانين والأعراف الدولية.

حرب إبادة
متكاملة الأركان

بدوره أكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي منذ عملية طوفان الأقصى، هو حرب إبادة متكاملة الأركان، يسعى من خلالها إلى تدمير كافة مظاهر الحياة في قطاع غزة، وجعل هذه البقعة الجغرافية غير قابلة للحياة والسكن، ودفع سكانها إلى الهجرة الطوعية نحو دول أوروبا بعد افتقارها لأدنى مقومات الحياة.
وأكد في حديثه لـ«القدس العربي» أن تدمير الحياة التعليمية في قطاع غزة بمثابة نوايا مبيتة لدى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعمل منذ سنوات على التحريض على المنهاج الفلسطيني، بل واستهدف خلال السنوات الماضية مباني الجامعات خلال تصعيداته السابقة على القطاع، وبالتحديد الجامعة الإسلامية التي تعرضت للقصف والتدمير، إلى جانب اغتيال كوادر تعليمية وأكاديمية بحجة انتمائهم إلى فصائل المقاومة.
وطالب المجتمع العربي والدولي بضرورة التدخل وبشكل فوري للجم الاحتلال عن ما يقوم به من تدمير كامل لمقومات الحياة في غزة، خاصة وأن التدمير الممنهج للبيئة التعليمية، يجعل الشباب الذين يعتبرون الأكثر قدرة ونشاطاً على صعيد مقاومة الاحتلال، يفرون لإكمال دراستهم والاستقرار خارج قطاع غزة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية