تقارير يومية عن وفد التفاوض على مكتب بشار الأسد… وأوراق واقتراحات تعدّها أجهزة الأمن

حجم الخط
0

غازي عنتاب ‘القدس العربي’ لماذا كانت ألفاظ من قبيل ‘قذر’ و’منحط’، وتحقير الطرف الآخر هي السمة البارزة لكلمات أعضاء وفد النظام أمام وسائل الإعلام في جنيف؟، وهل جاءت هذه الكلمات بمحض الصدفة، أم أن هذه النبرة العالية مقصودة وتم الإعداد لها مسبقاً؟
يرى دبلوماسيون سوريون منشقون عن النظام أن وفد الأخير في جنيف تقصّد هذه الصيغة في الظهور على وسائل الإعلام، لأنه بالأساس جاء إلى جنيف بقصد إفشال المباحثات مع وفد الائتلاف المعارض.
‘القدس العربي’ استطلعت آراء ديبلوماسييّن منشقيّن عن النظام حول أداء وفده في جنيف، الديبلوماسي الأول هو داني البعاج الذي شغل منصب السكرتير الثالث بالبعثة الدائمة لسوريا لدى الأمم المتحدة في جنيف، وديبلوماسي آخر رفض الظهور باسمه الصريح واكتفى باسم مستعار هو منهل عمار.
داني البعاج قال ل’القدس العربي’ إن ‘أداء التفاوض يأتي بناء على الأهداف التي يريد الوفد المفاوض تحقيقها، والنظام بالأساس لم يكن يتوقع مجيء المعارضة إلى جنيف2 لذلك أعطى منذ فترة موافقته على المشاركة في المؤتمر الدولي، وكان على يقين أن الائتلاف الوطني لن يحضر بسبب الخلاف بين أعضائه على المشاركة في هذا المؤتمر’، وأضاف البعاج ‘أنه بناء على هذه المعطيات جاء وفد النظام إلى المفاوضات بهدف عرقلتها، وهو يعلم أنه إذا التزم بالمفاوضات سيكون موضوع هيئة الحكم الإنتقالي هو الأساس في عملية التفاوض، وهذا يعني أنّ أشخاصاً كثيرين من النظام سيكونون خارج هذه الهيئة، وكان خطاب وليد المعلم أوضح تجسيد لذلك، ولاسيما أن مجيء النظام هو خسارة بالنسبة لمؤيديه، إذ كيف يحاور أناساً وصفهم سابقاً بالإرهابيين، لذلك جاء خطاب المعلم ليغطي على هذه الهزيمة، ومحاولة الظهور في مظهر القوة، وعدم الإكتراث للحاضرين في المؤتمر، وتقصد الخروج عن الأعراف الديبلوماسية أثناء إلقاء كلمته، ويمكننا القول إن خطاب وليد المعلم كان موجهاً للداخل فقط’.
وأكد الديبلوماسي السوري المنشق أنه عادة يأخذ الوفد المفاوض الإطار العام للتفاوض والخطوط الحمر من الرئيس بشكل مباشر، وهناك هوامش للتحرك، وفي مباحثات جنيف ‘أعتقد أنه كان هناك تقارير يومية تصل للرئيس الأسد بشكل يومي’.
ولفت البعاج إلى أن وفد النظام هو عبارة عن موظفين عند بشار الأسد، ‘في حال كان هناك جدية عند النظام في التفاوض كان أولى به أن يغير تركيبة الوفد ويرسل ممثلين عن القوى الفاعلة على الأرض، كرئيس الأركان مثلاً، وممثلين عن الجبهة الوطنية التقدمية، لأنها تضم خليطاً من الأحزاب السورية’.
ورأى البعاج أن ‘النظام سيستمر بهذا التكتيك الذي اتبعه في الجولة الأولى وبداية الجولة الثانية، لأنه يعتمد على غياب الخيارات لدى المجتمع الدولي في حال فشل جنيف 2، وهو يسعى في هذا الإتجاه’.
من جانبه أكد منهل عمار لـ’القدس العربي’ أن ‘كثرة التوجيهات المباشرة والغير مباشرة من كافة المستويات الأمنية وغير الأمنية في سوريا، وحالة الإستنفار الإعلامي التي فرضتها وسائل إعلام النظام على الوفد قبل وأثناء وجوده في جنيف أثرت بشكل كبير على أدائه، وزادت من حالة التعصب والتشدد والتشنج خلال دفاعه عن رأس النظام، وإطالة وزير خارجية الأسد لخطابه في الجلسة الإفتتاحية كان لإرضاء أكبر عدد ممكن من تلك الجهات النافذة في سوريا، الأمر الذي انعكس سلباً على مصداقية كل حرف نطق به وليد المعلم، وبدا ذلك واضحاً من خلال العزلة التي وضع وفد النظام نفسه فيها، باستثناء وزير خارجية لبنان ووزير الخارجية الروسي، إلى حد بدا وفد النظام يغرد وحيداً في جنيف’ .
وقال عمار إن ‘محددات التفاوض تحددها عادة طبيعة القضية المطروحة للتفاوض أولاً، وثانياً مستوى تلك القضية إن كان يتعلق بأمن النظام واستمراريته، حيث تنعدم المهنية الدبلوماسية، وتختفي أمام توجيهات النظام الأمني الحاكم الفعلي، أما بخصوص السقف التفاوضي أضاف عمار أن ‘حدوده هي خطوط حمراء تحيط بكل ما يمس وجود واستمرارية ومصالح الدولة الأمنية العميقة الغير معلنة، والتي أُسست على نمط دولة الحرس الثوري في إيران، وتوضحت لدى الجمهور السوري أكثر خلال سنوات الثورة الثلاث بعد أن كان يسمع بها’.
وأشار إلى أن النظام الأمني في دمشق معروف ببراعته في استهلاك الوقت، ومراوغته وتشتيت الآخر عندما يريد، ساعده في ذلك الترتيب الخبيث لبنود جنيف 1، وعدم وجود الضغط الكافي من رعاة المؤتمر الرئيسيين روسيا والولايات المتحدة، حيث انحصرت مهمة وفد النظام في شيئين الأول هو تشتيت بوصلة وفد المعارضة بالقضايا الإنسانية ومحاربة الإرهاب عبر مقترحات وأوراق كانت تقدم بشكل يومي معدة سلفاً في فروع الأمن، والثاني هو نسف العملية الانتقالية بحجة أنها متعلقة بالبند الثامن ويجب تنفيذ مقررات وبنود جنيف بالترتيب، بينما لاحقت وفد المعارضة مئات القضايا الملحة أولها المعتقلين وليس آخرها الممرات الإنسانية’ .
وفيما يتعلق بمقارنة أداء وفد النظام في جنيف بأدائه في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل قبل عدة أعوام أكد عمار أنه لا يمكن تشبيه مفاوضات النظام الحالية بمفاوضاته السابقة مع الاسرائيليين، حيث أن ‘ظرف المفاوضات مختلف كلياً، فالنظام مع الإسرائيليين لم يذهب مرغماً كما في جنيف، وإنما هو من كان يتوسل التفاوض مرة عبر الأمريكيين، ومرة عبر الأتراك، ومرة عبر الأوروبيين’، وأردف ‘أيضاً التفاوض مع الاسرائيليين كان لترسيخ حكم العائلة والنظام ضمناً، واسترجاع الأراضي المحتلة شكلاً، بينما مفاوضات جنيف هي من أجل الدفاع عن حكم العائلة والنظام من الإنهيار شكلاً ومضموناً’، لافتاً في هذا السياق إلى أن ‘النظام كان جاداً مع الإسرائيليين في إيجاد تسوية تجعل من حافظ الأسد بطلاً للحرب في عيون السوريين، ومن بشار بطلاً للسلام، بزعم أن ذلك سيرسخ وجوده ونظامه 30 سنة أخرى ريثما ينشأ جيل جديد قادر على تحمل المسؤولية التي أسس لها حافظ الأسد بدقة، أما في جنيف فوفد النظام حضر لمهمة واحدة فقط هي شراء الوقت والتسويف وعدم الخروج بأي نتيجة، ولاسيما وأن مقررات جنيف دون الضغط الدولي لا تمثل عامل ضغط عليه، حيث أن تنفيذ بند واحد فقط من تلك المقررات بشكل صحيح كفيل بإسقاط النظام’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية