الموسيقى والغناء في موريتانيا

تحظى الثقافة الموريتانية بألوان خاصة من الموسيقى والغناء، وأنواع فنية قديمة الأصول، ترتبط بتاريخ البلد وجغرافيته، والحياة الاجتماعية القائمة على أرضه، والطبيعة الصحراوية التي تترك أثراً في المخيلة والنغم والإيقاع.
تقع موريتانيا جنوب المغرب وتطل على المحيط الأطلسي، كما هو معروف، وهي من الدول العربية، ولغتها الرسمية اللغة العربية، إلا أن لديها لهجة معينة تغلب على اللسان الموريتاني، تعرف باللهجة الحسانية، يقال إنها تعود إلى قبائل بني حسان، التي تعد من القبائل العربية القديمة، التي انتشرت واستقرت في موريتانيا وبعض مناطق المغرب، قد تبدو هذه اللهجة غريبة على أسماع البعض، إلا أنها تعد من اللهجات العربية القريبة إلى الفصحى، ويبدو أيضاً أن الحسانية تتجاوز مجرد كونها لهجة منطوقة، فهناك من الموسيقى عندهم، ما يسمى كذلك بالموسيقى الحسانية، أو الهول الحساني، وهناك الشعر الذي يطلق عليه اسم الشعر الحساني، ويكون لكل ما يطلق عليه صفة الحساني نظامه الخاص بطبيعة الحال، الذي يجعله ضمن إطار الحسانية كلهجة أو كنمط موسيقي أو شعري، أو كثقافة واسعة تشمل كل هذه المجالات.
قد تظهر الموسيقى الموريتانية للبعض بالمظهر التقليدي، الذي يكون معبراً بقوة عن الخصوصية الثقافية للبلد، كما أنها توحي بالقدم والأصالة، أو هي بالفعل موسيقى قديمة أصيلة، توارثتها الأجيال في موريتانيا، وحفظتها الذاكرة الجمعية وحرصت على استمرارها، ومن خلال هذا الفن، لا يتعرف المتلقي على الموسيقى والغناء الموريتانيين فحسب، بل يتعرف كذلك على الملابس الموريتانية التقليدية والأزياء الخاصة بالنساء والرجال، والآلات الموسيقية التقليدية الخاصة بموريتانيا فقط، وتميز موسيقاها عن موسيقى البلدان الأخرى، والجلسة التقليدية التي تتم وفق ترتيب معين له، دلائله الثقافية أيضاً المرتبطة بحياة الصحراء والعيش في الخيام، ومن خلال كل هذا أيضاً تتبدى ملامح التأثيرات العربية والافريقية، خصوصاً العمق الافريقي للثقافة الموريتانية بحكم الموقع الجغرافي، الذي ينعكس أحياناً على إيقاعات الموسيقى.

موسيقى على نظام خاص

تسير الموسيقى في موريتانيا وفق نظام خاص وقواعد معينة، ثبتت هذه القواعد واستقرت كأسس راسخة يقوم عليها الفن الموريتاني، وربما يكون هذا النظام من أكثر ما يميز الموسيقى الموريتانية ويسمها بالتفرد، فعندما يتعلق الأمر بالآلات الموسيقية على سبيل المثال، نجد أن هناك آلات خاصة بالرجال، وآلات أخرى خاصة بالنساء، والآلة التي يعزف عليها الرجل لا تعزف عليها المرأة، والآلة التي تعزف عليها المرأة لا يعزف عليها الرجل، وهناك كذلك ممارسة الموسيقى وفق تصنيف اجتماعي محدد، حيث تختص مجموعات ما بفن من الفنون، ويطلق عليها اسم إيكاون.
يعزف الرجال في موريتانيا على آلة التيدنيت، وهي من الآلات الموسيقية الوترية القديمة، التي ظهرت في موريتانيا، وتتكون كمعظم الآلات الموسيقية الوترية، من صندوق خشبي مجوف، وفتحة الصوت، والأوتار المشدودة على الذراع، أو الرقبة التي تكون رفيعة بدرجة كبيرة، بالإضافة إلى بعض القطع التي تقسم وتنظم عمل الأوتار.

وتبدو آلة التيدنيت بمظهر يذكر بالآلات الموسيقية التي عرفتها الحضارات القديمة، وتكون مزينة ببعض النقوش الخفيفة، وعند العزف عليها يجلس العازف متربعاً على الأرض، وتدعم الساقين الآلة بينما تمسك اليد اليسرى الذراع أو العنق، وتتحرك أصابع اليد اليمنى بحرية على الأوتار.
وإذا كانت آلة التيدنيت تذهب بالمخيلة نحو الآلات الموسيقية في الحضارات القديمة، فإن آلة الآردين تضاعف الشعور بالقدم والعراقة، وتذهب بالمخيلة لا نحو الحضارات القديمة فقط، بل نحو أقدمها، وإذا كانت آلة التيدنيت مألوفة تتشابه مع بعض الآلات الوترية كالعود والغيتار ولوطار، فإن آلة الآردين تبدو عصية على أن نجد له شبيهاً على تلك الهيئة، لكن يمكن القول إنها قد تذكر بعض الشيء بآلة الهارب من حيث الأوتار المثبتة طولياً.
تختص النساء دون غيرهن بالعزف على آلة الآردين في موريتانيا، وهذا يمنح للمرأة حضوراً قوياً في الفن الموريتاني، رغم الثقافة القديمة والعادات والتقاليد المحافظة، إلا أن المرأة كانت فاعلة في الثقافة الفنية منذ عهد بعيد.
تبدو آلة الآردين الموريتانية كآلتين في آلة واحدة، فهي آلة وترية وآلة إيقاعية في الوقت نفسه، ومن هنا تأتي فرادة تركيبها الشكلي، حيث تتكون آلة الآردين من صندوق خشبي كأنه وعاء أو نصف كرة، يمثل هذا الصندوق قاعدة الآلة، لكنها تستقر على الوجه المكور، ويكون الوجه المسطح نحو الأعلى، ومنه تخرج الذراع الطويلة التي تشد عليها الأوتار، عند العزف تمسك السيدة بالذراع وتضرب على الأوتار، ثم تترك الأوتار وتضرب على الوجه المسطح للصندوق الخشبي، كما لو أنها تضرب على الطبلة، ووضعية العزف تكون بالتربع على الأرض أيضاً، وتكون الآلة مستقرة على الأرض أمام العازفة، وأحيانا تحملها العازفة فوق ساقيها، خصوصاً عند استخدامها كطبلة.
لا تقتصر الآلات الموسيقية الموريتانية على آلة التيدنيت وآلة الآردين، فهناك الآلات الإيقاعية الخاصة بهم أيضاً المقابلة للطبلة والدف، وآلات النفخ الخشبية المقابلة للناي. ويقال إن للطبول على وجه التحديد أهمية خاصة في ثقافة الموسيقى الموريتانية، حيث إنها كانت ترتبط بالحروب في زمن ما، وفي سرد تاريخ تلك الحروب في ما بعد وحفظها في الذاكرة.

سرد حكايات الحروب

ويعد سرد حكايات الحروب من المواضيع الحاضرة في الغناء الموريتاني، إلى جانب المواضيع الأخرى العامة بطبيعة الحال، الموجودة في مختلف البلدان والثقافات، كالتعبير عن العواطف ومشاعر الحب، والمشاعر الإنسانية بشكل عام.

ومن أهم المغنيات الموريتانيات في العصر الحالي، المعلومة بنت الميداح، التي تنتمي إلى واحدة من الأسر الفنية العريقة في موريتانيا، وهي مطربة صاحبة صوت قوي جميل، تؤلف الموسيقى وتعزف أيضاً على آلة الآردين، وتكتب الشعر الغنائي وتعالج بعض المواضيع الاجتماعية من خلال أغانيها، ولها نشاط سياسي مهم أيضاً، ودور فاعل في المجتمع الموريتاني.
تحافظ المعلومة بنت الميداح على أصالة الموسيقى الموريتانية وتقاليدها المستقرة، وفي الوقت نفسه تعمل على تحديثها بما ما من شأنه أن يجذب الأجيال الجديدة، ويفتح أمامها الآفاق العالمية، فسعت إلى المزج بين اللون الموريتاني التقليدي وموسيقى الجاز والبلوز، والتنويع بين أوزان ومقامات الموسيقى العربية والموسيقى الافريقية.

كاتبة مصرية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية