الحكومة المصرية… همها تخفيف الأحمال عن كاهلها… وإلقاؤها كاملة فوق ظهر المواطن

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يستأذنوا أحدا في نضالهم ولم يطلبوا من شقيق أو صديق مساعدة وكما فاجأوا العالم بطوفانهم المبارك، قبل سبعة اشهر، هاهم يفاجئون الجميع قبل ساعات حينما اتخذ الكثيرون منهم قرار العودة للشمال، مهما كانت المخاطر، ما يعني توجيه أكبر لطمة لسيناريو التهجير، الذي أراده لهم العدو بدعم من الشيطان الأعظم بايدن، وبمباركة من شذاذ الآفاق عجما وعربا، الذين يتآمرون على القضية الفلسطينية ويسعون لدفنها مع شعبها للأبد.
وعلى مدار الساعات الماضية اهتم الذين تؤرقهم المذابح التي يتعرض لها مليونا غزاوي، خاصة اولئك المطالبين بالكف عن مخاطبة ود الإدارة الامريكية ومجرم الحرب نتنياهو وشريكاه في القتل بايدن وبلينكن وسائر قوائم القتلة، كما طالب انصار القضية بالكف عن الدور السلبي تجاه المجاعة والمذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وسادت حالة من التفاؤل إثر التصريحات التي أطلقها شهود عيان لـ”بي بي سي” عربي أن الآلاف من سكان قطاع غزة سلكوا الطريق الساحلي في اتجاه الشمال، بعد سماعهم أنباء أن عدة أشخاص تمكنوا من عبور نقطة تفتيش مغلقة باتجاه مدينة غزة شمالي القطاع. وقد شوهدت أمهات يمسكن بأيدي أطفالهن وعائلات تتكدس مع أمتعتها على عربات تجرها الحمير، أثناء سيرها على الطريق من الجنوب باتجاه الشمال. يأتي ذلك بعدما انتشرت أحاديث بين النازحين مفادها أن الجيش الإسرائيلي يسمح للنساء والأطفال والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما بالذهاب إلى الشمال، وهو ما نفاه الجيش الإسرائيلي.
الرئيس السيسي استقبل سيرغي ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، والوفد المرافق له، بحضور الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة. وصرح المستشار الدكتور أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الاجتماع تناول تطورات الأوضاع الإقليمية، وعلى رأسها سبل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في ظل الأزمة في قطاع غزة، وما تشهده المنطقة من تصعيد للتوتر الإقليمي، إلى جانب التطرق لعدد من القضايا الافريقية، وملفات مكافحة الإرهاب، ومستجدات الأوضاع الدولية لاسيما في أوكرانيا وأفغانستان. وأضاف المتحدث الرسمي، أن اللقاء شهد استعراض الجهود المصرية لتهدئة الأوضاع في المنطقة من خلال التواصل مع الأطراف كافة، مع تأكيد رؤية مصر بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بكميات كافية، باعتبار ذلك الخطوة الأساسية لنزع فتيل التوتر الإقليمي، مع التشديد على أهمية التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وقد تم تأكيد الحرص في هذا الصدد على استمرار التشاور والتنسيق بين البلدين في مختلف الملفات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.
ومن أخبار الحكومة: قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، إن اجتماع وزير الصحة قبل أيام تناول ملف إضافة محافظات المرحلة الثانية لـ«منظومة التأمين الصحي الشامل»، خلال الفترة المقبلة، التي ستشمل 5 محافظات أخرى من بينها، مرسى مطروح ودمياط وكفر الشيخ وشمال سيناء، موضحا أن هناك تدريبا طبيا وتطويرا مهنيا مستمر ا لكل مقدمي الخدمة الصحية «الفريق الطبي بالكامل»، وأضاف عبد الغفار إلى أنه يتم تدريب الفريق الطبي وتأهيله على كل ما هو جديد في المجال الصحي، بمعدل ما يقرب من 15 إلى 20 ألفا سنويا.
ضباب المسيرات

هناك من يرى أن الهجوم الإيراني على إسرائيل ليس أكثر من فيلم أمريكي جاء باتفاق بين إيران وأمريكا، وأن إيران أخطرت أمريكا بموعد الهجوم، والدليل أن حجم الأهداف التي أصابها الهجوم كان محدودا للغاية، وأن إسرائيل أسقطت 99٪ من المسيرات والصواريخ التي وجهتها إيران وأنها أصابت هدفا واحدا وأصابت طفلة صغيرة.. الرأي الآخر الذي أنصت له فاروق جويدة في “الأهرام” يرى، أن الهجوم الإيراني كان إهانة لإسرائيل وأنها المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لمثل هذه الضربة التي شاركت فيها قوة تزيد على 300 قطعة ما بين المسيرات والصواريخ، وأن إسرائيل بدعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا نجحت في تدمير الهجوم الإيراني، أي أن إسرائيل خرجت منتصرة من هذه العملية، وإن إيران خسرت.. هناك رأي ثالث يرى أن اقتحام هذا العدد من المسيرات والصواريخ للأجواء الإسرائيلية في التوقيت وبهذه الدقة، يؤكد أن إيران نجحت في أن تتحدى الجيش الذي لا يقهر، وأن الدعم الأمريكي الإنكليزى الفرنسي لن يضيف شيئا لموقف إسرائيل.. وإذا كان الفيلم إنتاجا أمريكيا إيرانيا فلماذا تأخر عرضه كل هذه السنوات، ولماذا كانت العقوبات ومصادرة الأموال وحرمان إيران من أن تكمل مشروعها النووي، وكيف قبلت أمريكا إهانة إسرائيل أمام العالم، ولماذا فشلت في إقناع إسرائيل بوقف الحرب في غزة؟ وإذا كانت أمريكا بهذا الود مع إيران فلماذا تركت إسرائيل تدمر غزة وتقتل شعبها وهي أول من يعلم أن سلاح المقاومة يأتي من إيران.. الشيء المؤكد أن المشهد غامض ومرتبك ولا أحد يعلم ما يجري في الكواليس، لأن الفيلم إذا كان حقيقيا فهو سخيف وساذج وعلينا أن ننتظر حتى النهاية.

مجرد فرقعة

أوراق اللعب من وجهة نظر صلاح البلك في “الوطن” في يد أمريكا.. العاصي قبل الطائع يمتثل لأوامرها حتى في أقصى حالات الشطط والخروج على المخطط المرسوم مسبقا، وفي الغالب لا يعلن، حيث يتم التنفيذ ويصبح أمرا واقعا تفرضه معادلة القوة التي تحتكرها الولايات المتحدة الأمريكية، وتدور في فلكها دول تظن نفسها شريكا في صناعة سيناريوهات إدارة الصراعات الدولية على غير الحقيقة.. الكل تابعٌ ينفذ ما يملى عليه ولا يُسمَح لأحد بالخروج على النص المكتوب بحروف أمريكية لا يجوز مجرد التفكير في مخالفتها. الحليف الاستراتيجي الأول في العالم مسموح له بارتكاب كل الجرائم، ويتلقى كل الدعم ويُمنَح أحدث الأسلحة ويُسمَح له بالخروج على النص دون إخطار أحيانا، وطبعا دون حساب.. إسرائيل فوق القانون الدولي، ولا تحسب حسابا لأحد، العالم كله تحت إمرتها ولا ضرر من بعض الأصوات العالمية ضدها، طالما بقيت في حدود الظواهر الصوتية، ولم تترجم إلى إجراءات على أرض الواقع. العدو الإيراني عليه أن يسير وفق قواعد اللعب الأمريكي ويسمح له ببعض التصرفات والمواجهة المحسوبة لا أكثر ولا أقل، تعرف إيران أنها وسط محيط معادٍ من كل جانب، ولا حليف لها في المنطقة سوى أصابعها في اليمن ولبنان وسوريا وبعض الفصائل العراقية، وهي تجيد تحريك الأمور بما يحقق مصالحها، في الوقت الذي تتمتع فيه بقدرات خارقة على ضبط النفس، رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ولا تسمح بتوريطها في ما لا تريد، وتُحسن اختيار توقيتات التدخل المباشر، أو عن طريق وكلاء المنطقة. الهجوم الإيراني ومشاركة دول بعضها عربية في التصدي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية، لا يقلل من حقيقة القدرات الإيرانية التي لولاها ما تجرأت على المواجهة المباشرة وقصف أهداف إسرائيلية.

تجاذب العلاقات

ليس من الحكمة التقليل من أهمية الحدث وخطورته في ظل ارتباطه بالإبادة الجماعية الجارية في غزة، لكنه يبقى ضمن تجاذبات العلاقات الإيرانية الأمريكية، ووفقا لصلاح البلك يزيد مخاوف الغرب من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية. كل طرف أعلن من جانبه أنه صاحب الانتصار في هذه المواجهة المحدودة، إيران استطاعت الوصول لأهداف عسكرية محددة وفق ما خططت له، بما لا يسمح بالحرب المفتوحة، وإسرائيل اعتبرت ما حدث إحباطا ناجحا للهجوم الإيراني، ومكسبا استراتيجيا قد يغنيها عن رد عسكري غير محسوب العواقب، وفشلا إيرانيا ذريعا.. في كل الأحوال لم ينتصر ولم يُهزَم أحد، وبقيت احتمالات الرد المتبادل قائمة ولم تهدأ المخاوف من التصعيد المحتمل. الموقف الأمريكي والأوروبي الداعم لإسرائيل كشف عن قوة التحالف، رغم الاختلافات السياسية المعلنة بخصوص ما تقوم به في غزة، بخلاف الموقف الدولي الهش من الاعتداء على القنصلية الإيرانية، بما في ذلك القوى الدولية التقليدية التي غابت عن المشهد حتى في أضعف صور التعبير بالتصريحات المعتادة والمتوقعة في مثل هذه المواقف. الشعوب العربية المتعطشة لأي إجراء من شأنه إلحاق خسائر بدولة العدوان أصيبت بصدمة واعتبرت ما حدث دون سقف أحلامها بكثير وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ساحات مواجهة لفظية مع وضد، حيث اعتبر البعض ما حدث تمثيلية هزلية، فيما اعتبره فريق من الجمهور بداية تغيير معطيات المنطقة ودخول إيران على خط المواجهة وفق معايير تحددها بنفسها. كل المؤشرات تؤكد أننا أمام مرحلة متجددة من السيطرة الأمريكية على كل الأطراف بحسابات المصلحة الأمريكية المطلقة، وإن ظهرت بعض القوى الإقليمية في صورة العدو إلا أنها تخضع بشكل أو بآخر للتأثير الأمريكي، وفق حدود وسقوف وُضعت بشكل مسبق للصراعات ولا يُسمح بتجاوزها للحلفاء، فما بالنا بمن يُفترض أنهم أعداء يمثلون خطرا على مصالح القوة الحاكمة والمتحكمة في العالم.

حسابات معقدة

باستثناء محاولة استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في صحراء النقب، تركز الهجوم الإيراني، بالأساس، في هضبة الجولان السورية المحتلة، التي تعتبرها طهران أرضا سورية وليست إسرائيلية. ما يشي بنية إيرانية لتجنب إيذاء إسرائيل في عقر دارها، كما أخبرنا بشير عبد الفتاح في “الشروق” حتى لا تضطر إلى الرد على نحو أكثر إيلاما.. جاء الهجوم الإيراني “مركبا”. ولهذا المصطلح الاستراتيجي أبعاد لوجيستية، عسكرية وجيوسياسية. فلوجيستيا، تشن إيران الهجوم بمشاركة وكلائها؛ حيث أطلق حزب الله، من جنوب لبنان مئات الصواريخ من طراز”كاتيوشا” ضد شمال إسرائيل، وبعض القواعد الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، بهدف إشغال الدفاعات الجوية الإسرائيلية، لإفساح المجال أمام عبور الصواريخ والمسيرات المنطلقة من إيران وسوريا والعراق. وعسكريا، يتضمن الهجوم استخدام منظومات تسليحية هجومية متنوعة، مثل الصواريخ الباليستية، صواريخ كروز، صواريخ مجنحة، وطائرات مسيرة متنوعة المهام. أما جيوسياسيا، فيستهدف الهجوم مواقع متنوعة وأصول متباعدة داخل إسرائيل. رغم كونه رمزيا، إذ لم يخلف أي خسائر مادية أو بشرية تذكر، لن تدخر إسرائيل وسعا في استثمار ذلك الهجوم الإيراني لحصد مغانم استراتيجية شتى. فعسكريا، ستتحصل على مساعدات عسكرية أمريكية وأوروبية متطورة، بذريعة التصدي للتهديدات الإيرانية المتنامية. ودبلوماسيا، لن تتوانى إسرائيل عن انتزاع مؤازرة من مجلس الأمن الدولي لها، بما يوفر غطاء سياسيا وقانونيا لأي رد محتمل على الهجوم الإيراني في مقبل الأيام. ودعائيا، ستتفنن إسرائيل في إظهار نفسها للعالم بوصفها ضحية «للعدوان الإيراني»، بما يعينها على ترميم سمعتها المهترئة، وتحسين صورتها المشوهة، عالميا، جراء الجرائم التي تقترفها بحق الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

دون إزعاج

رغم استيائهم من بلوغ صواريخ إيران ومسيراتها العمق الإسرائيلي، يعول الأمريكيون والإسرائيليون على تحديات لوجيستية وجيوسياسية واستراتيجية عديدة، تحول دون تكرار هذا الأمر. فقد لا يتيسر لإيران وفقا لبشير عبد الفتاح عددا ملائما من الصواريخ والمسيرات، دقيقة التوجيه، قادرة على بلوغ إسرائيل، وتحقيق الكثافة النيرانية الكفيلة باختراق منظوماتها الدفاعية المتطورة. ناهيك عن انكماش العمق الإسرائيلي، المحصن بمنظومات دفاع جوي متعددة الطبقات، تنسق مع نظيراتها الأمريكية. فضلا عن بعد المسافة بين إيران وإسرائيل، بما يتيح لتلك المنظومات زمنا معقولا لتحييد الصواريخ والمسيرات الإيرانية. إلى جانب الدعم الأمريكي والأوروبي، مارست إسرائيل ردعا ممتدا ضد إيران، إذ أبلغ الإسرائيليون واشنطن بأنه في حال شنت إيران هجوما من أراضيها ضد العمق الإسرائيلي، انتقاما لاستهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، فإن تل أبيب ستقوم برد قوي، في بقاع عديدة، يأخذ المرحلة الحالية إلى مستوى أبعد. ومؤخرا، أجرى سلاح الجو الإسرائيلي تمرينا جويا بالتعاون مع نظيره القبرصي، يُحاكى هجوما على أهداف متنوعة داخل إيران. بموازاة الجهوزية، والإرادة الجادة، يتطلب نجاح استراتيجية الردع الوطني الإيراني، دعم الجبهة الداخلية واصطفافها خلف قياداتها. وهو الأمر الذي يكاد يتعذر توفره، في المستوى المطلوب، في الحالة الإيرانية. فعقب الرد الأخير، رحبت قطاعات منه بما اعتبرته مؤشرا جادا على تخلي النظام عن سياسة «الصبر الاستراتيجي»، التوقف عن التمترس خلف «استراتيجية الضربة الثانية»، الإقلاع عن الردع الشفهي، أو اللا متماثل، والتحرر من أغلال الرغبة في تلافي الصدام المباشر مع واشنطن أو تل أبيب. بيد أن ثقة غالبية الإيرانيين في نخبتهم الحاكمة، بدأت تتآكل بوتيرة مقلقة. فعلاوة على القمع والاستبداد، يعتقد إيرانيون كُثُر أن نظامهم يقامر بعسكرة سياسته الخارجية، وتوريط البلاد والعباد في صراعات غير مبررة، وأزمات مفتعلة، حيث يبتغي تأبيد بقائه في الحكم، رغم إخفاقه في حماية سيادة البلاد، وإدارة مقدراتها، بما يضمن حياة أفضل لشعبها، الذي يكابد الفاقة، رغم ثروات بلاده الهائلة.

بعد الضربة

رغم عدم نجاح الضربة الإيرانية في تحقيق أهدافها المعلنة وتدمير بعض القواعد العسكرية الإسرائيلية، إلا أنها كانت من وجهة نظر عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” عملية حقيقية أُعد لها بإتقان وفق الإمكانات الإيرانية، ونجح بالفعل كثير من المسيرات الإيرانية في الوصول إلى تل أبيب، ومدن أخرى، وكسرت هيبة الدولة العبرية وتحصيناتها، وأصابت سكانها بهلع كبير، في محاولة لجعلها دولة مثل أي دولة أخرى، واردا أن تُقصف أو تُستهدف، حتى لو لم تصبها هذه المرة أي أضرار. والحقيقة أن رد إيران جاء بالأصالة وليس بالوكالة، ونقل المواجهة مع إسرائيل من مرحلة الصبر الاستراتيجي إلى مرحلة «حروب الردع»، أي الدخول في معارك بالنقاط مع إسرائيل، وتجنب الحرب الشاملة. يقينا إيران دولة تمتلك أوراق قوة كثيرة، وهي دولة ممانعة مختلفة عن تجارب نظم عربية ممانعة اكتفت بالهتاف والشعارات، دون القدرة على الردع أو الدفاع عن النفس. صحيح أن إيران لديها مشروع ونظام سياسي محل خلاف، وفيه سلبيات كثيرة في الداخل، ودوره في أكثر من بلد عربي كان سلبيا وساهم في إضعاف هذه البلدان من أجل تعزيز النفوذ الإيراني إقليميا ودوليا، لكنها في الوقت نفسه دولة علم تدافع عن مصالحها بشراسة، حتى لو كان على حساب غيرها. الرد الإيراني يدخل في إطار «حروب الردع» وليس الحروب الشاملة.

من غير الوارد

من غير الوارد ولا من البطولة أو الذكاء وفق ما يرى عمرو الشوبكي أن ترسل إيران جيشها وأسطولها للهجوم على إسرائيل، لأن نتائج كل التجارب العربية في هذا النوع من الحروب، التي حركتها الشعارات وليس الحسابات الاستراتيجية، كانت كارثية وانتهت بهزائم وخيمة. إيران حسبت مصالحها بدقة بعيدا عن الشعارات التي ترفعها لصالح القدس وفلسطين، واعتبرت أنها يجب أن ترد بشكل محدود على الهجوم على قنصليتها. إن الغضب الإسرائيلي الكبير من الهجوم الإيراني (الذي لم ينجح) يؤكد أنه كان هجوما جادا ومخططا، وحقق أهدافا ولو رمزية لا تريد إسرائيل أن تحققها إيران، بأن تكون هناك دولة في العالم قادرة على الرد ولو بشكل محدود وغير مؤثر على أي عدوان تقوم به. ما بعد الرد الإيراني سيظل محكوما بسيناريوهين أساسيين: الأول يتمثل في عدم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني، خاصة بعد الضغوط الأمريكية التي ركزت في جانب رئيسي على القول إن إسرائيل والدول الحليفة منعت الصواريخ والمسيرات الإيرانية من تحقيق أهدافها، وبالتالي لا يوجد مبرر لرد إسرائيلي «على الرد». أما السيناريو الثاني فيتمثل في قيام إسرائيل برد محدود على الرد الإيراني، وهنا سنكون أمام إمكانية أن تعاود إيران الكرَّة بهجوم محدود أيضا. خطورة استراتيجية الحرب المحدودة أو حروب الردع المتبادل أنها قد تتحول نتيجة خطأ في الحسابات إلى حرب شاملة، حتى لو كانت كلٌّ من إيران وإسرائيل ومعهما الولايات المتحدة لا ترغب في إشعالها.

ليست فشنك

هل الرد الإيراني العسكري على إسرائيل كان مسرحية بإخراج أمريكي؟ أم أنه تغيير لكل قواعد اللعبة في المنطقة في اتجاه الردع الإيراني بدلا من الصبر الاستراتيجي؟ هذا السؤال صار مثارا للجدل الكبير في منطقة الشرق الأوسط وأنحاء من العالم، ويرى عماد الدين حسين في “الشروق” أن الذين يرون الرد الإيراني مسرحية يستدلون على ذلك بأن إيران بنفسها اعترفت بأنها أبلغت الولايات المتحدة وعددا كبيرا من دول المنطقة، خصوصا تركيا والعراق بموعد العملية العسكرية قبل تنفيذها بـ72 ساعة، بل أكدت أنها لن تستهدف إلا القواعد العسكرية التي انطلقت منها طائرات الـ إف 35 التي شاركت في الهجوم على قنصليتها في دمشق، تطبيقا لمبدأ الدفاع عن النفس، وأنها أكدت للولايات المتحدة أنها لن تهاجم قواعدها في المنطقة. يقول أصحاب هذا الرأي أن الطريقة الإيرانية في الرد أعطت إسرائيل فرصة ذهبية لانتظار الصواريخ قبل وصولها لأجوائها بساعات طويلة، وبالتالي تمكنت من تدميرها بوسائل الدفاع الجوي، كما أن هذا الإبلاغ مكن وسائل الدفاع الجوي الأمريكية والفرنسية والبريطانية من تدمير العديد من الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل دخولها للأجواء الإسرائيلية. يضيف هؤلاء أن العملية الإيرانية لم تسفر عن أي خسائر إسرائيلية في الأرواح أو حتى إصابات، الأمر الذي جعل قادة إسرائيل يقولون إنهم نجحوا نجاحا باهرا في التصدى للصواريخ الإيرانية بنسبة 99٪ مما يكشف أن القوة العسكرية الإيرانية «فشنك»، وليست كما تصور طهران وأذرعها الدعائية. وأنه كان ينبغي على إيران أن تستخدم كل أسلحتها الهجومية بطريقة مفاجئة ومتواصلة حتى تجبر إسرائيل على وقف عدوانها على غزة، بدلا من الإعلان عن نهاية العملية بعد أقل من ساعات قليلة من بدايتها.

لمصلحة نتنياهو

الذين يزعمون أن الضربة الإيرانية كانت «فشنك» أدت وفق ما يراه عماد الدين حسين إلى لملمة الداخل الإسرائيلي لمصلحة نتنياهو، وإرجاع تعاطف كل الدول الكبرى خصوصا أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل إنها قد تعطي فرصة لتحالف دولي مع إسرائيل لمزيد من العقوبات ضد إيران، بل استهداف برنامجها النووي. أصحاب الرأي الثاني يقولون إن العملية العسكرية الإيرانية تطور مهم وخطير في موازين القوى في المنطقة وإن إيران استهدفت الأراضي الإسرائيلية مباشرة للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وإنها تخلصت أخيرا من مفهوم «الصبر الاستراتيجي» الذي كانت تتبناه طوال السنوات الماضية إلى «الردع العلني والمباشر»، وإنها رفضت كل الطلبات الأمريكية والغربية والمناشدات من الدول الصديقة حتى لا ترد، أو ترد، ولكن ليس من أراضيها، أو ضد الأراضي الإسرائيلية، وإنه يمكنها مهاجمة سفارة أو قنصلية إسرائيلية في أي مكان بصورة متفق عليها، حتى تحفظ ماء وجهها. يضيف هؤلاء أن الهجوم الإيراني، حتى لو كان مضبوطا ومحددا فقد كسر نظرية الأمن والردع الإسرائيليين، ووجه ضربات مباشرة إلى إسرائيل، بل إن هذه الساعات القليلة من الهجوم أرغمت غالبية سكان إسرائيل على النزول للملاجئ، وكلفت الخزينة الإسرائيلية حوالي مليار دولار، بسبب استنفار منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي أو منظومات التحالف الغربي. يعتقد أصحاب هذا الرأي ومعظمهم من القوى والتنظيمات الموالية لإيران، أن هذه الضربة بداية لتغيير في موازين القوى في المنطقة. هذان هما الرأيان الأساسيان اللذان امتلأ بهما فضاء وسائل الإعلام الكبرى، ووسائل التواصل الاجتماعىي. ما شهدناه لم يكن مسرحية كما يقول أصحاب الرأي الأول، لكنه أيضا لم يكن تطورا دراماتيكيا يقلب موازين القوى في المنطقة كما يقول أصحاب الرأي الثاني. لكنه في كل الأحوال تطور شديد الأهمية قد يكون بداية لتطورات أخرى في المنطقة.

بؤس المصريين

قبل أن تفكر الحكومة في عودة تخفيف الأحمال عن شبكة الكهرباء أخيرا، وبعد انتهاء إجازة العيد كان ياسر شورى في “الوفد”، يأمل في أن تفكر في تخفيف الأحمال عن المواطن في متابعة الأسواق وضبط الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الارتفاع الجنوني للدولار. الحكومة المصرية، تفكر بالمقلوب وهمها دائما تخفيف الأحمال عن كاهلها وإلقاء الحمولة كاملة فوق ظهر المواطن. تخفيف أحمال الكهرباء يوفر على الدولة شهريا كما هو معلن 300 مليون دولار، وإن كان هذا الرقم صحيحا ويتم توفيره من الغاز الذي تعمل به محطات الكهرباء، فإنه ليس توفيرا ولا يحزنون.. لماذا؟ لأن هذا الرقم لم يتضمن خسائر شبكة الكهرباء أيضا من قطع التيار الكهربائي يومين لمدة ساعتين، وهي خدمة مدفوعة من المواطن ولن تحصل الوزارة قيمة قطع الكهرباء لمدة ساعتين يوميا.. إذن نحن نحرم في المقابل وزارة الكهرباء من أموال من الممكن أن تقترب من الـ300 مليون دولار. هذه واحدة.. أما الثانية فإن أصل المشكلة هي نقص إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء نتيجة تصدير الغاز المخصص لتلك المحطات للحصول على الدولار، والآن بعد حل أزمة الدولار لماذا لا نبقي على كمية الغاز المخصصة لمحطات الكهرباء، طبقا للحكمة المصرية – اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع، الحقيقة أن الشعب المصري تحمل الكثير خلال السنوات الماضية، وكان يجب أن يرى ثمارا لتحمله قبل تحميله تخفيف أحمال الحكومة. الأسعار انخفضت في مصر على الورق فقط كل يوم نسمع عن انخفاضات ولا نرى لها أثرا في الأسواق إلا في بعض المنتجات المحدودة، وأكبر دليل انخفاض سعر طن الدقيق، ومع ذلك لا يزال رغيف الخبز السياحي على سعره المرتفع، لصالح من ترك الأسواق هكذا لمافيا الدقيق وغيرها تجلد ظهور المصريين، ثم نضع فوق هذه الظهور أحمالا جديدة في بداية ولاية جديدة للرئيس يحاول فيها مكافأة المصريين على صبرهم معه من أجل البناء والاستقرار.

«من الزيرو للهيرو»

معادلة «من الزيرو إلى الهيرو» واحدة من المعادلات التي تصلح لشرح لعبة «الثراء الافتراضي» التي حدثت فجأة لبعض الأشخاص (البلوجرز والمؤثرين) وجعلتهم محط إعجاب غيرهم، ونموذجا يحاول البعض احتذاءه من أجل تحقيق اللعبة نفسها. أغلب البلوجرز الذين حصدوا أرباحا خيالية عن طريق عرض محتوى مرئي على مواقع التواصل الاجتماعي، هم وفق ما يراه الدكتور محمود خليل في “الوطن”، أشخاص عاديون، لا يتميزون بقدرات أو شهادات أو مواهب، اللهم إلا موهبة الإثارة والقدرة على اختراق مجالات وموضوعات تشد الناس، ومهارة الحديث بكلام قد يراه كثيرون محدود القيمة، لكن البلوجر بطريقته يستطيع أن يقدمه بأسلوب مشوق وأخاذ يغري بالمتابعة. إنها معادلة التحول «من الزيرو إلى الهيرو» التي تبحث في الكيفية التي تحول بها شخص من الحالة الصفرية في مجال معين إلى أن يصبح «بابا المجال»، وهي أيضا تحتمل فهما آخر يتحول معه أحد الأشخاص المغمورين إلى واحد من مشاهير المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأساس اللعبة كلها تقديم محتوى قادر على الجذب والاستقطاب، ويمكن أن تنقسم الآراء حوله بما يُغري بالمزيد من المتابعة. فهذا بلوجر يظهر هو وزوجته في فيديوهات تختبر كفاءة «الطبيخ» الذي تقوم به مطاعم معيّنة، يفرشان الأكل أمامهما ويبدآن في التذوق، وامتداح الأصناف كجزء من الترويج للمطعم وأصحابه. وبلوجر آخر تعلن أن زوجها تزوج صديقتها عليها، ويتم إنتاج محتوى حول الموضوع تنقسم الآراء حوله، وهذه حماة تعطي نصائح أو تحكي عن تجاربها مع زوجة الابن وهكذا.
مال افتراضي

طبعا والكلام ما زال للدكتور محمود خليل هذه القدرة على تحقيق الأرباح أغرت البعض بأن يحذو حذو البلوجرز والمؤثرين، وبات بعض الشباب يبحثون عن مساحة شبيهة يستطيعون من خلالها تقديم محتوى قادر على الجذب، وأصبح حلم البعض منهم إبداع فكرة معينة يمكن أن تُمثّل أساسا لمشروع يجلب لهم ملايين الدولارات، مُستلهمين في ذلك تجارب بعض الناجحين في مجال ريادة الأعمال، وإنتاج تطبيقات كمبيوترية قادرة على حصد الأرباح، ومسترجعين في الوقت نفسه تجارب الكبار من رجال الأعمال في مجال “الهاي تك”، الذين يحصدون سنويا مليارات الدولارات، مثل بيل غيتس ومارك زوكربرغ وغيرهما، ويستشهدون بأن رجال الأعمال الذين يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات تمكنوا من حصد مكاسب لم يسبقهم إليها أحد من رجال الأعمال. المكاسب الفلكية التي تحقّقت لدى عدد محدود ممن فهموا معادلة «المال الافتراضي» وعرفوا كيف يجمعون المال عبر هذه الوسائل الجديدة، ولّدت لدى البعض إحساسا بالسّعار، وجعلتهم يُبرّرون الحصول على المال الكثير بأقل مجهود ممكن، بعيدا عن أي قيم أو معايير أو منظومات أخلاقية، وبذلك تسبّب الانفتاح التكنولوجي في ضرب أول معول في حائط الأخلاق، فأدّى إلى حالة سُعار غير مسبوقة من جانب البعض على جني المكاسب والعيش في مستوى لا يتناسب مع إمكانياتهم ودخلهم، وكانت النتيجة تلك الأحاديث عن «الناس اللي اتسعرت أو تثعبنت».

ارحموا صلاح

ينهزم «ليفربول» يمسكون في شورت محمد صلاح ويقطّعون لحمه، يفوز يهتفون باسم يورغن كلوب ويصفقون لعبقريته الفذة. تسمع من جماهير «الريدز» عجبا، بيع صلاح، التخلص من صلاح، لم يعد فاعلا، خارج الخدمة، منتهي الصلاحية، ويحط نجوم ليفربول المعتزلون على رأس صلاح، وأي منهم من وجهة نظر حمدي رزق في “المصري اليوم” لم يحقق في تاريخه مع ليفربول عُشر ما حققه صلاح. تلهف المواقع الإلكترونية العربية والمحلية على نشر الهجمات المرتدة على صلاح محزن، راجع المانشيتات، تحس أن في بطونهم نارا من صلاح. صلاح رغم أنوفهم الفطساء هداف ليفربول ونجمهم الأول، نجم الشباك، ويتغنون باسمه، لم يتغنوا باسم لاعب قبله، وقيمة صلاح محفوظة في قلوب عشاق الريدز. صلاح يمر بفترة عصيبة، بعد الإصابة الجسيمة في كأس الأمم الافريقية، الكرة مش ماشية معاه، مش مطوعاه، ليست تحت قدميه، تتفلت منه كثيرا، تتقطع تمريراته، وتنحرف تسديداته، ويضل الطريق كثيرا عن الثلاث خشبات. جماهير ليفربول المحبة صعبان عليها من صلاح، واخدة على خاطرها، كانت مأملة فيه (من الأمل) وعشمانة فيه (من العشم) يفرح قلبها، ويقود الفريق إلى منصات التتويج. المحبون (وهم كثر) عندهم حق، والعتب على قد العشم، كانوا عشمانين، وقدر الله وما شاء فعل، وأصيب صلاح وحزن على إصابته خلق كثير.. جماهير «الريدز» لا لوم عليهم، نفسهم ومنى عينهم الفرعون يصول ويجول ويصنع ويسجل، وكما كان يغبطهم. خيبة الأمل مقسومة على نصفين، نصف لملايين المحبين، ونصف لصلاح وحده، صلاح شايل نص الشيلة، يدفع وحده ضريبة إخفاق ليفربول في حصد البطولات (رغم إصابته وعدم جاهزيته).

حزب أعداء النجاح

إصابة صلاح من وجهة نظر حمدي رزق في الأساس نفسية، صلاح نفسيته (تعبانة)، صعب تحمل كل هذا النقد واللوم والتوبيخ، دون ذنب جناه، عدم التوفيق من لزوميات الكرة، وكأنه يُعاقب في كل مباراة يلعبها في «أنفيلد» حتى لو صنع وسجل. الحملة المجيشة على صلاح تحتاج تفسيرا، حملة جاوزت اللوم إلى كونها حملة كراهية، وترجمت إلى تحبيط وتثبيط وإنكار، والأنكى والأمر التقزيم والحط من شأنه وموهبته. وبلغت الحملة مبلغا معيبا، مقارنات ممجوجة بينه وبين من لم يقدم عُشر ما قدمه صلاح، راجعوا أرقامه مع «الريدز» تجاوز كل جواهر التاج، الأحياء منهم والأموات. مستوجب التفرقة في المواقف تجاه صلاح، ليست كلها استهدافا ممنهجا، صلاح فعلا هدف لحزب أعداء النجاح، ويتعقبونه حتى قبل أن تصل إليه الكرة، ومستهدف من هذا الحزب العقور، هناك من يكره صلاح لله في الله، ويبتدره الكراهية، ويغتبط بخروجه مصابا، بل ويشكك في إصابته سبيلا للتشكيك في موهبته. صنفان من الكارهين، والكريه بالإشارة يُعرف، صنفان يتمنيان فشل صلاح، وفي كل مناسبة ودون مناسبة يقزمون منجزه، صنف عنده إحن لأسباب عنصرية يطول شرحها، والبعض الآخر لموقفه من قضايا وطنه وأمته (حساب سياسي)، بين الحسابات البغيضة يركض صلاح تدفعه دعوات الطيبين. وهكذا تسير الحملة المحزنة، هؤلاء ينسحب عليهم قول الدكتور زويل عن حزب أعداء النجاح، يحاربون صلاح (الناجح) حتى يفشل… والمضحك المبكى أن الفاشلين في الاستديوهات التحليلية (محليا) ينعون على صلاح، ويشككون في تواريخ صلاحيته، صحيح الخيبة الكروية بالويبة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية