الأمم المتحدة ومعنيون يحذرون من كارثة جفاف مقبلة على العراق

مصطفى العبيدي
حجم الخط
1

بغداد ـ «القدس العربي»: لم يكن العراقيون ينتظرون تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة، بأن العراق يواجه خطر نقص المياه ليدركوا حجم الكارثة التي بدأت بالبروز في بلد الرافدين، وتسببت حتى الآن في هجرة واسعة من الريف وخفض المساحات المزروعة وخسائر اقتصادية فادحة، مع توقعات بمستقبل أسوأ، وسط موقف حكومي مقيد لا يتناسب مع حجم الكارثة التي تجتاح البلد.

تحذيرات أممية

وخلال زيارته إلى العراق قبل أيام، حذر الأمين العام للأمم المتحدة  أنطونيو غوتيريش من «إن العراق يواجه خطرا في نقص المياه في نهري دجلة والفرات، ولا يجب أن يكون العراق بلدا بلا أنهار، ويجب أن تكون موارده المائية مضمونة لأن ندرة المياه في العراق تمثل تحديات للحكومة».
وكانت الأمم المتحدة توقعت مؤخرا، جفاف الأنهار العراقية في عام 2040 إذا استمر الجفاف وقطع المياه من دول الجوار، كما هو الحال الآن.
وتزامنت تحذيرات الأمم المتحدة، مع حملة في مواقع التواصل ووسائل الإعلام المحلية، تتداول مقاطع فيديوهات انتشرت بشكل واسع، تظهر انخفاضا كبيرا بمنسوب نهري دجلة والفرات وفروعهما، جراء قلة الأمطار هذا الموسم وقلة المياه الواردة من تركيا وإيران.
ففي محافظة ميسان جنوبي البلاد، تراجع منسوب مياه نهري دجلة والفرات بشكل كبير، وتحول مجراهما إلى برك وتجمعات صغيرة للمياه وأصبح بامكان الناس عبور الأنهار مشيا على الأقدام. وأدى هذا الجفاف إلى انخفاض مستوى نهر دجلة إلى نحو 35 في المئة، وإلى قطع المياه شبه كليا في بعض فروعه ضمن المحافظة.
وتداولت وسائل الإعلام المحلية الخميس الماضي، توقف معظم محطات مياه الشرب جنوبي محافظة ذي قار، وخاصة في مركز قضاء الإصلاح نتيجة جفاف النهر الرئيسي المغذي لشط أبو لحية في المدينة، ما يهدد 60 ألف نسمة بكارثة حقيقية بسبب عدم وجود المياه. وقد خرج سكان قضاء الإصلاح، بتظاهرات بسبب شح المياه في القضاء خلال العشرة أيام الماضية، حيث قطع المحتجون الطريق العام الرابط بين ذي قار وميسان بالإطارات المحترقة.
وفي نفس السياق، أعلنت الإدارة المحلية بقضاء كرمة بني سعيد جنوبي محافظة ذي قار والتي يسكنها نحو 75 ألف نسمة، عن بلوغ الشح المائي ذروته. وأعلن قائممقام القضاء، علي صالح الحلو ان إدارته توقفت عن جميع أعمالها اليومية وبات همها الوحيد كيفية إيصال الماء للمناطق عبر الآليات الحوضية بعد جفاف جميع الجداول في القضاء. ووصف القضاء بانه «يعتبر الآن بحكم المنكوب، ونتوقع أزمة خانقة في الصيف المقبل» داعياً السلطات في المحافظة وفي بغداد للضغط على الجيران «من أجل حصول البلاد على حصتها المائية المناسبة لها، لان بقاء الوضع الحالي، يعني حلول الكارثة قريباً بمناطقنا».
أما في محافظة الديوانية جنوب العراق، فإن الأنهار فيها شهدت ظاهرة نفوق آلاف الأسماك نتيجة ارتفاع الملوحة والتلوث في المياه بعد انخفاض مناسيب الأنهار إلى مستويات غير مسبوقة. وتداولت مواقع التواصل فيديو عن كميات هائلة من الأسماك النافقة وهي تغطي سطح الأنهار.
وفي الوقت الذي حذر مختصون من ان الجفاف ينذر بتغيير ديموغرافي يطول بعض المحافظات العراقية، التي بدأ الكثير من سكانها ترك أراضيهم الزراعية والتوجه نحو المدن القريبة، بسبب نقص مياه الأنهار الذي ينعكس على الزراعة وتربية الحيوان وحتى الشرب، فقد أكد عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية ثائر الجبوري، ان هناك مخططا ومؤامرة خارجية لتدمير الزراعة في العراق وتحويله إلى بلد مستهلك.
وقال الجبوري في لقاء تلفزيوني «منذ عام 2003 ولغاية الآن هناك مخطط كبير ضد العراق من أجل تدمير الزراعة فيه، لأن دول الجوار، تخشى من تحول العراق من مستهلك إلى مصدر للمواد الزراعية» مشددا على ان «هناك مؤامرة خارجية لتحويل العراق إلى بلد مستورد حتى للماء وإلى أبسط المنتجات الزراعية». وأقر الجبوري، «لا نجد اذانا صاغية من الحكومة لمناشداتنا لحل أزمة المياه مع دول الجوار، التي فاقمت الأزمة الزراعية في البلاد».
ويذكر ان وزارتي الزراعة والموارد المائية في العراق، قررت تقليص المساحات الزراعية إلى النصف عن المعتاد، في الموسم الحالي.

إجراءات الحكومة

ووسط الأزمة يرى أغلب العراقيين ان حكومتهم لم تدرك حتى الآن حجم مخاطر الجفاف في البلد وآثاره الكارثية، وتكتفي بالتصريحات وعقد الاجتماعات دون نتيجة تذكر، لأنها لا تلامس جوهر المشكلة، وهي قيام بلدان الجوار بقطع مياه الأنهار أو تخفيضها بنسبة كبيرة.
وخلال ترأسه اللجنة الوطنية العليا للمياه، ناقش رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الشحة المائية في العراق وآثارها على الواقع الإنساني والزراعي، وآليات دعم وزارة الموارد المائية في خططها المعدة لمعالجة شح المياه، فضلاً عن مناقشة الجهود الدبلوماسية في هذا الإطار. وأكد السوداني أن «شح المياه أزمة عالمية، لا تقتصر على العراق فقط، كما يجب ألّا تقتصر معالجتها على وزارة الموارد المائية، وهي تتطلب قرارات تُنفذ بشكل سريع» مبينا أن هناك معالجات قانونية وتنفيذية، تعتمد على الحوار مع دول المنبع وعلى المصالح المشتركة، والتعاون مع المنظمات الدولية بهذا المجال.
ووجّه رئيس مجلس الوزراء بضرورة العمل على إدارة المياه بشكل مهني ومدروس، «ضمن إجراءات من بينها اللجوء إلى تقنية معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الري، وإزالة التجاوزات على الأنهار، وتشجيع الفلاحين على الاعتماد على الري بالرش والتنقيط».
أما وزير الموارد المائية عون ذياب، فإنه حذر من جفاف نهر الفرات إذا استمرت دول الجوار بسياستها المائية. وقال ذياب في حديث تلفزيوني تابعته «القدس العربي» إن «مخزون المياه في العراق قليل وهناك اتفاقية سابقة بين العراق وتركيا وسوريا لتوزيع مياه الفرات بين الدول الثلاث» موضحا انه «تم الاتفاق على إطلاق كمية 500 متر مكعب في الثانية من تركيا إلى العراق وسوريا ولكن تركيا امتنعت عن تجهيز هذه الكمية وما تجهزه الآن هو نصف الكمية المتفق عليها وهناك مطالبات من العراق بزيادة الحصة لتصل إلى 600 متر في الثانية» مشددا «نحن بصدد مواجهة مشكلة الصيف القادم الذي سيشهد أزمة كبيرة في المياه».
ولم يكن المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، بعيدا عن هذا السياق عندما أعلن ان «الخزين المائي الآن وصل إلى مراحل حرجة، وان الوزارة لا تستطيع ضخ كمية مياه كبيرة للأنهر». لافتا إلى أن «الإيرادات المائية التي تأتي للعراق اليوم هي 30 في المئة من استحقاقه الفعلي و70 في المئة لا تصل».

مواقف دول المنبع

أما عن الموقف التركي من الأزمة، فتشير المصادر التركية إلى «ان تركيا لم تتنصل من اتفاقها، إلا ان الجفاف يضرب العالم كله» منوهين إلى ان أنقرة وافقت على اتفاقية في العام 1986 مع العراق لتقاسم المياه، ولم يكن التقاسم وفق القوانين الدولية والنسب المحددة بها، بل عمدت تركيا إلى إعطاء العراق كميات ونسب أكبر. وكشفت المصادر ان تركيا قامت بمنح الحكومة العراقية في عام 2010 عددا من القروض والمساعدات من أجل أن تقوم بغداد بإصلاح البنية التحتية المتهالكة للري والزراعة، كما أبدت أنقرة استعدادها للتشاور لحل الأزمة، لكن العراق حصل على القروض ولم يغير أي شيء، حسب قولهم.
وبالنسبة لإيران، يشير الخبراء إلى الموقف الخجول لحكومة بغداد ازاء قطع إيران 12 نهرا كانت تمد الأراضي الزراعية العراقية باحتياجاتها المائية، وتجاهلت طهران كل الدعوات العراقية للحوار حول تقاسم المياه والضرر الناجم عن نقص الأمطار في المنطقة. وهو موقف غير مستغرب نظرا لكون حكومة بغداد لا تستطيع لأسباب سياسية، اتخاذ إجراءات سياسية أو اقتصادية حازمة للضغط على إيران لإطلاق حصة العراق من الأنهار، بالرغم من أن قيام إيران بالقطع الكلي للأنهار عن العراق، يشكل انتهاكا خطيرا للاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الدول المشتركة في الأنهار.
وعموما تسود قناعة لدى العراقيين بعدم قدرة حكومتهم بتركيبتها السياسية الحالية وأزماتها وخلافاتها المتعددة، على ممارسة الضغوط على البلدان المجاورة لإطلاق حصص العراق من مياه الأنهار، وبالتالي فالمتوقع هو استمرار الأزمة المائية لسنوات مقبلة. ولذا فمهما اختلطت دعوات الاستغاثة من سكان المدن المصابة بالجفاف في العراق، مع التحذيرات الأممية، فإن المختصين في البيئة، لا يختلفون على ان كارثة إنسانية واقتصادية مقبلة على العراق الآن ومستقبلا، بسبب مواسم الشتاء الفقيرة في الأمطار في المنطقة منذ عدة سنوات، وما نجم عنها من تدني معدلات تدفق الأنها ، بالترافق مع آثار التغير المناخي، الذي جعل العراق وفق الأمم المتحدة، خامس أكثر دول العالم تضررا بالجفاف.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م. استشاري:علاء حسين عبدالامير:

    1-المباشرة في تبطين نهري دجلة والفرات وروافدها والتفرعات الجداول الرئيسية والثانوية والثالثية وصولًا الى الشاخات واستخدام المشابك (اقفاص) تحتوي على حجر مكسر(حصى)،مثال ذلك تبطين 600 م في صدر قناة مشروع المسيب الكبير المتفرعة من نهر الفرات ولكم فيها إسوة حسنة.
    2-فليكن شعارنا المياه للشرب أولآ
    3-الري بالرش والتنقيط وزراعة الخضرة بنظام المشاعيب(جمع مشعاب)، واعطاء مايسد حاجة الفلاح من الطعام خلال الموسم الأولوية.
    4-معاقبة المتجاوزين على الحصة المحسوبة والمقررة ، وذلك بتغريم المتجاوز حين أكتشاف أمره وباثر رجعي لقيمة المياه فوق الحصة المقررة ، إضافةً الى الاضرار التي لحقت بجيرانه ممن يشاركونه بالحصة الماءية من المجرى المشترك.
    5-توقيع المتجاوز على تعهد خطي مصادق من قبل الكاتب العدل لجيرانه بعدم تكرار التجاوز وانه مسؤول عن سلامته.
    6-التناوب على التبوير والزراعة بين الفلاحين بين موسم وآخر ؛ كما في اتباع الزوجي والفردي.
    7- الالتزام الصارم بمواعيد نظام المراشنة

إشترك في قائمتنا البريدية