تفاقم أزمة تصدير نفط شمال العراق عبر تركيا ولا حلول قريبة

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: تصاعدت مجددا أزمة تصدير نفط كردستان العراق عبر تركيا، وسط تبادل الاتهامات بين وزارة النفط الاتحادية وحكومة الإقليم والشركات النفطية الأجنبية العاملة معها، بالمسؤولية عن عرقلة معاودة تصدير النفط عبر تركيا، مع بروز مساع كردية لدى واشنطن للضغط على حكومة بغداد والاستجابة لطلبات الإقليم.

فقد أصدرت وزارة النفط العراقية بيانا حول توقف الصادرات النفطية من إقليم كردستان ردت فيه على بيان صادر عن (رابطة صناعة النفط في كردستان – ابيكور) بتاريخ 23/3/2024 الذي تضمن تشويها للحقائق وعددا من المغالطات، حسب وزارة النفط.
وردت الوزارة على الرابطة التي تمثل الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم، بنقاط أبرزها أن توقف الصادرات النفطية عن طريق الأنبوب العراقي التركي في آذار/مارس 2023 كان بسبب قرار تركي ترتب على إثر صدور قرار التحكيم الدولي من غرفة تجارة باريس لصالح العراق. وشددت «أن التصدير لم يتوقف ـ ولا ليوم واحد ـ نتيجة قرار عراقي اتحادي». وأشارت الوزارة «بعد مفاوضات مهمة قادتها الوزارة مع الجانب التركي توصل الطرفان إلى إعادة تشغيل الأنبوب وعلاج المشاكل الفنية التي نتجت عن إغلاقه، في أقصر وقت ممكن. وإن الحكومة الاتحادية هي المتضرر الأكبر من توقف التصدير لأسباب تتعلق بالسياسة النفطية السيادية وغيرها».
وأكدت الوزارة أن من أهم أسباب توقف التصدير حالياً هو امتناع الشركات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان العراق عن تسليم إنتاجها رسمياً إلى حكومة الإقليم ليتم تصديره وفقاً لقانون الموازنة العامة الاتحادية النافذ، وبالإمكان استئناف التصدير في مدة قصيرة في حال قامت تلك الشركات بتسليم النفط المنتج من الحقول الواقعة في الإقليم وفق القانون. ونوهت الوزارة إلى تقارير منظمة أوبك، والمصادر الثانوية الدولية المعتمدة من قبلها، والتي تؤكد وجود إنتاج نفطي في الإقليم بكميات تصل إلى 200-225 ألف برميل يوميا، بدون علم أو موافقة هذه الوزارة. في إشارة إلى معلومات عن استمرار تهريب النفط من الإقليم عبر إيران وتركيا.
وبخصوص العقود الموقعة بين حكومة الإقليم والشركات النفطية، شددت الوزارة «أن العقود المدعاة بين الشركات النفطية العاملة في الإقليم ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، لم يتم إقرارها من قبل الحكومة الاتحادية ولا وزارة النفط الاتحادية مطلقاً، لافتقارها إلى الأساس الدستوري والقانوني السليم. ولم يعد هناك مجال للنقاش بعد إصدار المحكمة الاتحادية قرارها البات والملزم للسلطات كافة، سوى الالتزام بالقرار».
وفي نقطة خلافية أخرى، أكدت الوزارة أن قانون الموازنة العامة الاتحادية نص على احتساب كلف إنتاج ونقل النفط بما يساوي المعدل الذي تدفعه هذه الوزارة في عقودها، حيث يبلغ معدل كلفة الإنتاج (6.9 دولار للبرميل) بينما تطالب الشركات العاملة في الإقليم بثلاثة أضعاف هذا المبلغ، كواحد من مجموعة شروط لاستئناف تسليم النفط المنتج. منوهة إلى أن الشركات مستمرة بالامتناع عن العمل، إلا بعد الخضوع مسبقاً لشروطها المخالفة للقانون، وهذا ما لا يمكن القبول به بأي حال من الأحوال، فيما عدت الوزارة، بيان الرابطة المذكور آنفاً تضمن تدخلاً سافراً بشؤون سيادية عراقية داخلية وخارجية لا علاقة لها بعمل الشركات.
وأكدت وزارة النفط الاتحادية، أنها «ملتزمة ببذل كل الجهود الممكنة لحل الخلافات، واستئناف التصدير عن طريق الأنبوب العراقي التركي وبما ينسجم مع الدستور والقانون. وعلى الشركات الأجنبية الراغبة بالعمل في العراق احترام سيادة البلد وقوانينه وقراراته القضائية، وتكييف أوضاعها وفقاً لذلك، بدل التدخل في شؤون سيادية وتتعلق بالسياسة الخارجية للعراق.

حل مشكلة نفط الإقليم

ولتوضيح موقف حكومة بغداد حول القضية، أكد المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، أن من أولويات الحكومة الحالية العمل على حل مشكلة نفط الإقليم وفق الطرق القانونية والدستورية، فيما أشار إلى تشكيل لجان فنية وقانونية تمثل الوزارة والإقليم للإسراع بإنجاز هذا الملف.
وقال جهاد في تصريح لوسائل إعلام محلية إن «ملف تسليم النفط المستخرج من إقليم كردستان إلى الحكومة الاتحادية معقد نتيجة تراكمات الأخطاء السابقة» مبينا، أن «التحديات التي واجهت الحكومة والدولة بشكل عام أسفرت عن قيام الإقليم بتصدير النفط وإبرام العقود دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية» منوها إلى أن «قانون الموازنة ينص على تسليم النفط المستخرج من حقول الإقليم إلى حكومة المركز وتتولى الحكومة الاتحادية تسليم استحقاقات الإقليم بهذا الشأن». وتابع جهاد، أن «طبيعة عقود الإقليم هي عقود مشاركة، وهي تختلف عن العقود التي تم إبرامها من قبل الوزارة؛ لأن عقود المركز هي عقود خدمة أي أن تمنح أجوراً لهذه الشركات وهي لا تشارك بحصة أو نسبة من النفط العراقي، بينما عقود الإقليم بصيغة مشاركة أي أن هذه الشركات لها نسبة وحصة في النفط العراقي، وبالتالي هذه مخالفة دستورية وقانونية» مؤكدا أن «وزارة النفط حاولت تغيير هذه العقود لكن لغاية الآن لم يتم التوصل إلى حل في هذا الإطار».
ويذكر أن أنقرة، أوقفت تدفق النفط العراقي عبر خط الأنابيب في 25 اذار/مارس 2023 بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية بأن تركيا انتهكت بنود اتفاقية 1973 من خلال تسهيل صادرات النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد. ولا يزال خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا متوقفا بسبب عقبات قانونية ومالية وخلافات بين حكومتي بغداد وأربيل حول إدارة الملف النفطي في الإقليم.
وأعلنت رابطة صناعة النفط في كوردستان «أبيكور» أن العراق خسر أكثر من 11 مليار دولار خلال عام من توقف صادرات نفط إقليم كردستان، مدعية أن الحكومة العراقية «لم تتخذ الإجراءات المطلوبة» لاستئناف التصدير، ومنوهة إلى أن «الإغلاق على شركات النفط العالمية (IOCs) العاملة في إقليم كردستان يؤدي إلى منع 450.000 برميل يومياً من صادرات النفط الخام».

ضغوط على حكومة بغداد

وازاء وصول المباحثات حول إعادة تصدير نفط شمال العراق عبر تركيا إلى طريق مسدود، تمارس حكومة الإقليم ضغوطا متنوعة على حكومة بغداد.
فخلال زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى واشنطن في 25 شباط/فبراير الماضي واجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكية والعديد من المسؤولين الأمريكيين والشركات الأجنبية، ركز على الملف النفطي وتوقف تصدير نفط شمال العراق عبر تركيا، محملا بغداد المسؤولية عن ذلك، وحرص الإقليم ان تتم هذه المساعي قبل زيارة رئيس الحكومة محمد السوداني المرتقبة لواشنطن شهر نيسان/ابريل المقبل.
ومن جهة أخرى، تحركت مجموعة الشركات النفطية الأجنبية «ايبكور» في الأوساط السياسية الأمريكية بهذا الصدد، حيث أعلن المتحدث باسم أبيكور، مايلز كاغينز، «أن الكونغرس الأمريكي سيوجه قريباً رسالة رسمية إلى البيت الأبيض بخصوص مسألة نفط إقليم كردستان، مؤكدا أن زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني لواشنطن كانت ضرورية، قبل أن تتم زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي لأمريكا».
وتعد إيطاليا أكبر مستورد لنفط إقليم كردستان، تليها اليونان وتركيا، غضافة إلى الصين وتايوان ورومانيا ودولا أخرى، فيما سحبت بعض الدول مثل بريطانيا والنرويج شركاتها النفطية من المنطقة بعد إيقاف إنتاج نفط الإقليم. ويذكر ان أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة، ارتفعت بفعل مخاوف من شح الإمدادات العالمية جراء تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت لتصل إلى 85.35 دولار للبرميل، وزادت العقود الآجلة للخام الأمريكي لتصل إلى 81.16 دولار للبرميل.
ومن جهة أخرى ذات صلة، كشف عضو لجنة النفط والغاز النيابية، علي عبد الستار، بأن إقليم كردستان طلب أن يكون له حق الفيتو ضد القرارات الصادرة من «مجلس النفط» المرتقب تشكيله، عاداً ذلك أبرز النقاط الخلافية بين الإقليم والحكومة الاتحادية لتمرير قانون النفط والغاز المطروح منذ سنوات في البرلمان من دون موافقة.
ويبدو أن قيام وزارة النفط الاتحادية، بالكشف عن مخالفات حكومة أربيل والشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم، يعكس تعقد الأزمة المزمنة بين حكومتي بغداد والإقليم والتي وصلت إلى طريق مسدود بسبب تمسك الطرفين بموقفهما وشروطهما لاستئناف تصدير نفط شمال العراق عبر تركيا، فيما تحاول حكومة الإقليم ممارسة ضغوط خارجية على حكومة بغداد.
والحقيقة أن ملف تصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا ليس العقدة الوحيدة في العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل، حيث توجد العديد من المشاكل أبرزها وأكثرها أهمية الآن، هي قضية رواتب موظفي الإقليم المتوقفة منذ أشهر بسبب خلافات بين الطرفين حول ربط الرواتب بالحكومة المركزية حسب قرار المحكمة الاتحادية، التي ترفضها حكومة الإقليم، وغيرها من الملفات الخلافية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية