النازحون في العراق نحو كارثة تهجير جديدة

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: لقي قرار وزارة التربية العراقية بإغلاق ممثليات مدارس النازحين في مدن إقليم كردستان، تمهيدا لإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية حالة من الغضب والاستياء لدى النازحين وأولياء أمور الطلبة، الذين طالبوا الحكومة بتوفير الظروف الأمنية وإعادة بناء مناطقهم المدمرة، قبل إجبارهم على العودة إليها.

وقبل أيام نظم النازحون في مخيمات إقليم كردستان العراق، تظاهرة كبيرة أمام مقر ممثلية التربية في أربيل مركز الإقليم، للاحتجاج على قرار وزارة التربية الاتحادية إغلاق المدارس في مخيمات النازحين. وتحدث ممثل عن المتظاهرين لوسائل الإعلام «ان قرار حكومة بغداد إغلاق المخيمات والمدارس فيها، سيلحق الضرر بـ 140 ألف طالب يدرسون حاليا في 379 مدرسة في مخيمات النزوح» مبينا أن أغلب سكان المخيمات لا يمكنهم العودة الآن إلى مناطقهم أما لأسباب أمنية أو عشائرية أو لأن مناطقهم مدمرة ولم تقم الحكومة بإعادة بناءها رغم مرور سنوات على انتهاء المعارك فيها. ورفع الطلبة المتظاهرون لافتات تدعو منظمات حقوق الإنسان واليونسكو للوقوف مع الطلبة لعدم حرمانهم من التعليم، داعين رئيس الحكومة محمد السوداني لإلغاء قرار إغلاق مدارس المخيمات، فيما رفع بعض الطلبة شعارات كتب فيها «لا للنزوح مرة ثانية لا للتطهير».
ومؤخرا وجهت وزارة التربية الاتحادية كتابا إلى ممثلياتها في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، أشارت فيه إلى أن مجلس الوزراء الاتحادي العراقي حدد يوم 30 تموز/يوليو 2024 موعداً نهائياً لإغلاق المخيمات وعودة النازحين إلى مناطقهم، وأنه بالاستناد إلى القرار، قررت وزارة التربية إغلاق ممثلياتها في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك في ذات التاريخ. وطالبت التربية في كتابها ممثلياتها بالعمل خلال الفترة المتبقية على اتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة لإغلاق الممثليات في الإقليم في ذلك الموعد.

غلق ممثليات التربية
في إقليم كردستان

وبدوره أكد المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، لوسائل الإعلام اتخاذ الوزارة قرارا بغلق ممثليات التربية في إقليم كردستان، مؤكدا ان «العام الحالي سيكون هو العام الأخير لمدارس النازحين والكوادر التربوية المقيمة في محافظات الإقليم، وسيتم غلق تلك الممثليات».
ومنذ عام 2014 وبعد سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من ديالى وبابل وكركوك، انتقلت الآلاف من العائلات الفارة من القتال للعيش في مخيمات ومدن إقليم كردستان. ولذا قررت وزارة التربية، وقتها فتح مدارس وممثليات لها في محافظات أربيل، ودهوك، والسليمانية، بمساعدة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المانحة. وقد قامت آلاف العائلات العربية في إقليم كردستان، بادخال أبنائهم في مدارس النازحين، لكون المدارس التابعة لحكومة الإقليم تدرس باللغة الكردية.
وعلى الرغم من إعلان حكومة بغداد عام 2017 القضاء على تنظيم «داعش» لكن مناطق كاملة ما زال الآلاف من أهلها لا يستطيعون العودة إلى منازلهم لأسباب أمنية أو عشائرية، أبرزها جرف الصخر في بابل، وبعض مناطق سليمان بيك ويثرب وعزيز بلد وبيجي في صلاح الدين، والسعدية وأطراف جلولاء في محافظة ديالى، حيث ترفض بعض الفصائل المسلحة أو العشائر، عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، فيما لا تزال بعض تلك المناطق مدمرة بسبب المعارك التي جرت فيها.
وضمن ردود الأفعال الأخرى على قرار حكومة بغداد، قال شيخ عشيرة السواعد مشتاق سعدي «إن ذلك القرار لم يأت في وقته» داعيا إلى ضرورة استمرار ممثليات التربية العراقية والمدارس في إقليم كردستان.
وقال سعدي لوسائل الإعلام «إن النازحين العراقيين في إقليم كردستان لديهم ممثليات في الإقليم منذ 2014» منتقدا تصريح وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية عن إغلاق ممثليات الحكومة العراقية في إقليم كردستان، داعيا إلى الأخذ بنظر الاعتبار «أوضاع النازحين داخل وخارج المخيمات، مؤكدا ان معظم النازحين يصفون إغلاق ممثليات وزارة التربية العراقية ومدارسهم في إقليم كردستان، بأنه قمعي». وطالب مشتاق سعدي حكومتي بغداد والإقليم، بحث قرار إغلاق ممثليات التربية ومدارس النازحين في إقليم كردستان وحل هذه المشكلة.

خطة وزارة الهجرة

ومن جانبها أكدت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، وجود قرار لحكومة محمد السوداني بإغلاق مخيمات النازحين هذا العام. وقالت وزارة الهجرة في بيان، مؤخرا، إنه «ضمن توجيهات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لإنهاء ملف النزوح في البلاد، وتنفيذاً للخطة الوطنية لإعادة النازحين وإدماجهم مع المجتمع، أعلنت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، إغلاق مخيم عربت في محافظة السليمانية وإعادة آخر وجبة من النازحين فيه والبالغ عددهم 170 نازحاً إلى مناطقهم في محافظة صلاح الدين». ودعت جابرو، الحكومات المحلية في أربيل ودهوك إلى «أن تحذو حذو السليمانية في تسهيل عودة النازحين إلى مناطقهم وفق الخطة الحكومية الرامية إلى إنهاء النزوح وإغلاق المخيمات».
وكانت جابرو، أعلنت أن «الوزارة ستغلق جميع مخيمات النازحين في كافة المحافظات باستثناء مخيمات إقليم كردستان» مبينة التوجه لإغلاق آخر مخيم للنزوح في الموصل وهو مخيم الجدعة. وأضافت أن «مخيمات الإقليم من الصعب إغلاقها لأنه لا توجد لدى الوزارة سلطة عليها وهي تابعة إلى حكومة الإقليم، لكن الوزارة تنسق لغلق مخيمات دهوك وأربيل والسليمانية» مؤكدة أن «الوزارة مع العودة الطوعية لكنها ترى عدم وجود إرادة حقيقية لدى إقليم كردستان لإنهاء ملف النزوح».
وادعت جابرو أن «أغلبية النازحين في مخيمات أربيل والسليمانية تم تهيئة مدنهم باستثناء أهالي سنجار، حيث لم يتم ذلك لحين تطبيق اتفاقية سنجار كي يتمكنوا من العودة إلى مدنهم». في إشارة إلى سيطرة حزب العمال التركي وبعض الفصائل على المنطقة.

إغلاق مخيمات

وسبق لوزارة الهجرة والمهجرين، الإعلان عن إغلاق 144 مخيما للنازحين من أصل 170 في محافظات كركوك وديالى والأنبار وبغداد، مشيرة إلى ارتفاع أعداد النازحين العائدين لمناطقهم.
وقال وكيل الوزارة كريم النوري للوكالة الرسمية في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إنه «‏بعد تنفيذ البرنامج الحكومي بإغلاق وإعادة النازحين إلى ديارهم، بدأنا بغلق أكثر من 60 مخيما خلال الفترة الأخيرة» مشيرا إلى أن «26 مخيما بقيت من أصل 170».
وعن إعادة النازحين إلى مناطقهم استقبلت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، نائب الممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة في العراق منسق الشؤون الإنسانية غلام محمد إسحق، برفقة رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إضافة إلى سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق توماس سايلر.
وبحث الجانبان التعاون المشترك فيما يخص أوضاع النازحين والعائدين، ضمن خطة الحكومة والوزارة لغلق مخيمات النزوح بشكل كامل في الثلاثين من تموز/يوليو المقبل، مؤكدة «أن قرار رئيس مجلس الوزراء ملزم للجميع وسينفذ في الموعد المحدد من دون تأخير».
ويذكر أن الأمم المتحدة خفضت المساعدات المقدمة للنازحين واللاجئين في مخيمات النازحين في الإقليم بنسبة 70 في المئة منذ بداية عام 2023 فيما بينت أن من أسباب التخفيض تصريحات المسؤولين العراقيين بأن ميزانية البلاد تفوق90 مليار دولار إضافة إلى الحرب في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة خاصة في قطاعي الصحة والتربية.
ويبدو أن خطة حكومة بغداد لإنهاء ملف النازحين، بعد 7 أعوام على تحرير مدن البلاد بالكامل من سيطرة داعش، جاءت ضمن برنامج الحكومة وتعهداتها، إلا أن المراقبين وسكان المخيمات يعترضون على تنفيذ القرار قبل تهيئة شروط وظروف عودة النازحين حيث توجد موانع حقيقية لعودتهم إلى مناطقهم أبرزها الأسباب الأمنية والخلافات العشائرية إضافة إلى أن الكثير من مدنهم ما زالت مدمرة ولا توجد فيها خدمات أساسية، مؤكدين أن القرار سياسي لاعطاء انطباع بأن الأوضاع مستقرة في العراق، إلا أنه لا يراعي الظروف على أرض الواقع والمعاناة الإنسانية التي سيواجهها النازحون وستكون له تبعات سلبية مؤكدة عليهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية