الأخصائية والباحثة في علم النفس الاجتماعي بشرى المرابطي: حقوق الطفل كما يدافع عنها المغرب تطال فئة وتَحرِم فئة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج

ماجدة أيت لكتاوي
حجم الخط
0

الرباط- «القدس العربي»: يعيش المغرب على وقع نقاش كبير حول التعديلات المرتقبة في قانون الأسرة، ومن بين أبرز نقاطها الشائكة إثبات نسب الأطفال خارج إطار الزواج، حيث تنص المادة 148 من القانون نفسه أنه «لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة إلى الأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية».

 ومنذ التِئام أعضائها، عقدت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أكثر من 100 جلسة استماع، واطلعت على مقترحات أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات ومؤسسات عمومية، وكل من له اهتمام بدراسة وتحليل ومناقشة مدونة الأسرة.
صحيفة «القدس العربي» التقت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي بشرى المرابطي، التي تحدثت عن معاناة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، ولفتت إلى أن إثبات النَّسب يكتسي أهمية بالغة في المرحلة الراهنة، فلأول مرة في نقاش التعديلات التي صاحبت مدونة الأسرة يناقش الموضوع على هذا المستوى.
وأكدت الأخصائية النفسية المغربية أن الظروف التي يمر بها الأطفال المولودون خارج إطار الزواج، تعمِّق من جروحهم النفسية ومن تنمر المحيط عليهم، مُحذِّرة من التكلفة النفسية الباهضة ومن طبيعة السلوكيات التي قد يقدم عليها الطفل.
○ ما أهمية ما يتم طرحه من مقترحات وآراء علاقة بإثبات النسب خارج إطار الزواج؟
• أهمية الموضوع والمقترحات المقدَّمة يعود لسَبَبين، أولهما التاريخ الطويل للحركة النسائية، وما قدَّمته التجربة الميدانية من نتائج خلال اشتغالها على هذه الفئة ومطالبتها المستمرة بإثبات النسب وإحقاق حقوق الأطفال. ثم مبادرة وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي بمقترح إلزام الأب البيولوجي بالنفقة على الطفل، علما أن النفقة يوجد حولها إجماع الفقهاء إلا أن المغرب تأخر كثيرا بخصوص هذه النقطة.
كل هذه العوامل دفعت بكل مكونات المجتمع لنقاش الموضوع ما يفسر أن موضوع إثبات النسب ورد في كل مقترحات الفاعلين السياسيين والمدنيين والحقوقيين وحظي بنقاش كبير في الندوات الصحافية التي أقاموها قبل تقديم التعديلات وكذلك بعدها.
○ هل يوجد تمييز مجتمعي وقانوني بين الأطفال المولودين خارج إطار الزواج والأطفال داخل العلاقة الزوجية؟
• المغرب صاغ ترسانة قانونية للحفاظ على حقوق الطفل وصادق على العديد من الاتفاقيات ودخل في دينامية دولية مرتبطة بحقوق الطفل، لكن منظومة حقوق الطفل كما يدافع عنها المغرب ويشتغل عليها تطال فئة وتَحرِم فئة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج. وبالفعل يتعرض هؤلاء الأطفال للتمييز، ذلك أنهم محرومون من جميع الحقوق في مقدمتها النَّسب والذي يتولَّد عنه الحرمان من امتلاك أوراق الهوية، وبالتالي صعوبات الولوج لكل مرافق ومؤسسات الدولة، كالمدرسة والصحة والعمل والزواج والتصويت وغيرها، ومحرومون من الأب كوظيفة أساسية في نمو الشخصية تمكِّن الطفل/ة والمراهق/ة من استدراج قيم الرجولة والقيم المجتمعية العامة والمرتبطة بجنسه والتمكين من اختيار أدواره المجتمعية وبناء مستقبله وتشكيل هويته.
وظيفة الأب وظيفة أساسية في نمو الطفل والمراهق تجمع عليها النظريات النفسية وتؤكد عليها الأبحاث الميدانية في العالمين الغربي والعربي.
هؤلاء الأطفال محرومون من الأمان لكونهم معرضين للتنمر في المدرسة والحي وفي كل الدوائر الاجتماعية، ومحرومين كذلك من العائلة الكبرى من جهة أمهم، لأنها حين تجد نفسها حاملا وتخبر شريكها يتنكر لها وتضطر إلى الهرب عن أسرتها والابتعاد عنها وآنذاك تُقطع جميع الجذور والامتدادات العائلية والبيولوجية.
يعاني هؤلاء الأبناء من الفقر لكون الأب تملص من المسؤولية بينما الأم تعيش الهشاشة والفقر، ما يجعل الأمهات العازبات مضطرات للعيش في أحياء هامشية، ويتم تنشئة الطفل في هذه الأحياء التي لها مناخها الثقافي الذي يؤثر عليه.
ورغم أن العديد من الدول كألمانيا وسويسرا وفرنسا لديها مجموعة من القوانين الحمائية إلا أن الفقر لا يزال مؤشرا مرتبطا بهؤلاء النساء، وعموما يبقى الأطفال محرومين من كل شروط العيش الكريم ولا توجد أدنى مساواة بينهم وبين الأطفال الذين يولدون داخل مؤسسة الزواج. ويمكن القول إنهم أبناء من الدرجة الثانية.
○ في علاقة شائكة وضبابية بين أبوين أنجبا طفلا خارج إطار الزواج، من الضحية ومن المذنب؟ ومن يتم إلحاق العقاب به فعلا؟
• لدينا رجل وامرأة التقيا فأقاما علاقة أنجبت طفلا، بالمنطق الديني هي مُحرمَّة وبالمنطق المجتمعي هي مرفوضة وبالمنطق القانوني هي مجرمة. قبل أن يولد الطفل يتنكر له الأب، حيث يهجر الأب الأم وهي حامل، وتظل الأم مع الطفل التي ترعاه ويأخذ نسب أمه ولا يأخذ نسب أبيه. تنفق عليه أُمُّه وتضحّي من أجله والأب غير موجود، ويرث الطفل من الأم ولا يرث من الأب، والسؤال المطروح هنا، هل نعاقب الأب أو الطفل؟
فإذا كانت الأم قامت بالخطيئة لكنها كما قالت العديد من الأمهات العازبات «كان بإمكاننا إجهاض هؤلاء الأطفال وقتلهم، لكننا لا نريد ارتكاب فعل شنيع وحرام، يكفي الحرام المقترف، نريد أن تغتفر ذنوبنا». الإحساس بالذنب والخطيئة يلازم الأمهات طيلة حياتهن، والأب لعله أنجب الكثير من الأبناء، علما أن القانون أقيم ليعاقب المخطئين ويحد من الخطأ في المجتمع، كما أن الشريعة لديها العديد من القواعد المتعلقة بالزنا، أولها التضييق على المفسدين وهنا نطرح سؤالا: هل يتم التضييق على الرجل الزاني؟ بل أعطيت له كامل الحرية، بالإضافة إلى القاعدة التي تقول إن المعصية لا تضيع الحقوق، وبالتالي إذا عصا الأبوان فإن الطفل لا يتحمل مسؤولية والديه البيولوجيين، لأن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما.
○ ما التأثيرات النفسية على هؤلاء الأطفال المنبوذين داخل مجتمعهم؟
• من خلال نزولي إلى الميدان ومقابلاتي العلمية مع مجموعة من الأطفال والمراهقين، وجدتهم يعانون الكثير من الناحية النفسية. يعاني الأبناء من الوصم الذي ينعكس على مجموعة من السلوكيات السلبية منها السلوك العدواني واحتمال الوقوع في سلوك المخاطر كالجريمة وتعاطي المخدرات وإدمانها والدعارة أو القيام بالأنشطة الجنسية في سن مبكرة والحمل في سن مبكرة وخارج الزواج، ويتعرضون لمغادرة المدرسة في سن مبكرة وللتنمر من طرف المحيط المدرسي والحي الذي يقطنون فيه، وانخفاض تقدير الذات لإحساسهم أنهم أبناء من الدرجة الثانية، وانخفاض كبير على مستوى الشعور بالأمن النفسي.
كما يعانون من اضطراب الهوية النفسية نتيجة غياب الأب والوظيفة الأبوية التي تمكن الطفل من تعلم القيم والمبادئ المجتمعية والمساهمة إلى جانب الأم في التوازن النفسي وتقدير الذات وبناء مستقبله.
○ ما أكثر القصص التي تذكرينها علاقة باحتكاكك مع هؤلاء الأطفال على أرض الواقع؟
• أذكر بكاء شديدا لإحدى المراهقات التي تعرف أباها ويزورها مرة في السنة أو سنتين لكنه لا يعترف بها، وحين تتصل به هاتفيا وتريد سماع صوته، يقول لها «لا تزعجيني فأنا مع زوجتي وأبنائي» وحين تقول له «أنا بدوري ابنتك» يجيبها «أنت ابنة عادية» كانت تبكي بمرارة وحرقة. تذكر مرة أنها احتاجت 30 درهما وحين اتصلت به، أقفل الخط في وجهها ومنعها من الاتصال مرة أخرى، انخرطت في حالة هستيرية من البكاء.
شابة أخرى، انغمست في الغناء كل كلمات أغنياتها تحكي عن آلامها وعن الخطأ الذي ارتكبته الأم وتنصل الأب، وتعبر بكلمات مبدعة عن الهجر وعن معاناتها وعن شعورها أنها ابنة من درجة ثانية، تغني وتبكي وترتجف وتنهار وهكذا دواليك.
مراهق آخر، في ظل هشاشة الأم وفقرها، لم يجد الأب الذي يمنحه الأمان ويعلمه مواقع الخطر فتناول جميع أنواع المخدرات على اختلافها ولا يزال، قال لي: «لو كان أبي لما كنت على هذا الحال» وحين تحدثنا على العمل والدراسة قال «لم أتمكن من متابعة الدراسة، كنت أتغيب وأمي لم تكن تعلم، ولو كان لي أب للحق بي في كل مكان وأعادني». التكلفة ستكون تكلفة باهضة على الدولة ومستقبل هذا البلد، لأننا نضيع عناصر تنمية حقيقية لمجتمعنا.
○ ما ملاحظاتك بخصوص الأطفال؟ ما الذي قد يميزهم عن غيرهم؟
• في مرحلة الطفولة، الجميع يلتصق بأمه، وفي مرحلة المراهقة يرغب اليافعون بالابتعاد عن الأم والأب والسلطة الوالدية وهذا جزء طبيعي وأساسي في نمو الشخصية. لكن الأبناء الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، حتى في مرحلة المراهقة يلتصقون بالأم ويرتبطون بها بشكل كبير جدا وكأنهم لا يزالون في مرحلة الطفولة، يعتبرون أن العالم يتمركز حول الأم كما أن نظرتهم للحياة تتمحور حول الأم، وكذلك طموحاتهم وأحلامهم تدور حول الأم. لأنها تشكل الأمان بالنسبة إليهم. الأطفال الأسوياء قد يدخلون في مناكفات مع آبائهم وأمهاتهم خلال مرحلة المراهقة، هؤلاء الأطفال يعيشون شيئا آخر، لا يزالون يعيشون مرحلة الطفولة، لأن غياب الأب وما تعيشه الأم، تجعلهم يعيشون خوفا دائما من الانفصال عن أمهاتهم.
○ ما هي الأسباب التي تمنع الآباء من الاعتراف بأبنائهم المولودين خارج إطار الزواج في نظرك؟
• لا يتحمل هؤلاء الرجال مسؤوليتهم لأنهم يعيشون في مجتمع يؤمن بأن البنوة ترتبط بالنسب والنسب مرتبط بالذكر، وبين قوانين تميز بين البنوة الشرعية وغير الشرعية، هذه الأخيرة التي تنزل من قيمة الرجل ومن قيمة الأبناء. القانون هو الذي يحمل الرجل المسؤولية ويعلي من قيمة المسؤولية وهو من بإمكانه أن يعمق التملص من المسؤولية، لذلك آن الأوان لتغيير هذا الواقع لأن الكثير من الحقوق تضيع.
○ انطلاقا من المصلحة الفضلى للأطفال على المستويين النفسي والعقلي، ما هي الإجراءات أو التعديلات التي توصين بها لفائدة هؤلاء الأطفال؟
• أطالب بثلاثة أمور، أولها إثبات النسب، بالنظر لكل ما تم ذكره، ولأن المرجعية الإسلامية بدورها، تمنحنا ذلك، لأن جمهور الفقهاء قالوا بعدم إثبات النسب وآخرون قالوا به. والسؤال هنا، لماذا كان الفقهاء يقولون بعدم إثبات النسب؟ كان ذلك عقابا للرجل العربي وتضييقا عليه وعلى مكانته القائمة على عدد الأبناء وعن الثروة والنسب ومكانته وقيمته في المجتمع العربي قبل الإسلام حتى، فكان لازما على الرجل أن ينفق على ابنه ويرعاه دون أن يلحق نسبه إليه، كأنهم يقللون منه ويمنحونه درجة أدنى، وهي أمور كانت معروفة في الجاهلية، وحين اجتهد الفقهاء هذا الاجتهاد كانوا يضيقون على المفسدين وليس على الطفل.
وآخرون قالوا بما أن الضرر يلحق بالأبناء فمن الجيد أن يُلحِق الرجل نسب ابنه إليه ويضمه إليه.
ما يقع للأطفال المولودين خارج إطار الزواج، سيُعمِّق من جروحهم النفسية وستكون التكلفة النفسية باهظة جدا، وأحذر من طبيعة السلوكيات التي قد يقدم عليها الطفل.
المطلب الثاني، هي النفقة التي لا يجب أن تكون مشروطة بسن محدد تتوقف عنده، بل بمدى نضوج الابن أو الابنة ومدى تملكه للمهارات واستكماله للدراسة وإمكانية استقلاله المادي، ثم الرعاية المشتركة مع الأم تحت إشراف القاضي. لابد من تعزيز محاكم الأسرة وقضاة الأسرة ممن ينبغي أن يخضعوا لتكوينات خاصة وتعزيز الأمر بأخصائيين نفسيين ليساعدوا القضاة في الاشتغال على هذه القضايا.
○ رفض حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي ضمن مقترحاته لتعديل مدونة الأسرة، نسب الطفل إلى أبيه رغم الخبرة الجينية وقال بـ «تحميل الزاني جزءا من مسؤولية جبر الضرر اللاحق بالمجتمع. دون إلحاق ابن الزنا بنسب أبيه» ما تعليقك على هذا الموقف؟
• بالنظر لهذا المسار الذي قطعه المغرب وانخرطت فيه مختلف الأحزاب السياسية من مختلف تياراتها، كنت أعتقد أننا سنربح المحطة فيما يتعلق بإثبات نسب الطفل، وهنا أريد أن أحذر جميع التيارات التي اتفقت على نفقة الطفل واختلفت حول مسألة إثبات النسب، أقول لها ينبغي أن تنزل إلى الميدان وأن تستمع إلى الباحثين والأخصائيين النفسيين في هذا المجال، وتقف عن كثب على المعاناة العميقة والشديدة لهؤلاء الأطفال وأذكرهم أن جوهر الإسلام هو عدم الظلم وإحقاق الحقوق وأن المعصية لا تضيع حقوقا، وأناشدهم إعادة النظر في هذا الأمر لأن إثبات النفقة لفائدة الطفل دون إثبات النسب ستزيد من تعميق معاناته النفسية، وسنتحمل المسؤولية التاريخية أولا وتجاه هؤلاء الأبناء أمام الله ثانيا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية