من يمول أقدم صحيفة يهودية في بريطانيا وأنقذها من الإفلاس وما علاقة مسؤول في “بي بي سي” بها؟

إبراهيم دوريش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “إندبندنت” مقال رأي لألن رسبريدجر، محرر مجلة “بروسبكت” والمحرر السابق لصحيفة الغارديان ما بين 1995 -2015، تساءل فيه عن الجهة التي تمول الصحيفة اليهودية في بريطانيا “جويش كرونيكل” ولماذا يهم معرفة الجهة التي تقف وراءها.

وأضاف أن مجموعة غامضة تداعت قبل أربعة أعوام لكي تنقذ الصحيفة التي كانت تعاني من مشاكل مالية. وبعيدا عن قيادة سير روبي غيب، المعين من الحكومة لقيادة بي بي سي، للمجموعة، لا أحد يعرف الجهات التي تدعم الصحيفة من وراء الستار، لكن الانفتاح مهم وبخاصة عندما يتعلق بالسياسة.

وقال إن حالة من النشوة اعترت نواب البرلمان والصحافيين بشأن من يحق له تملك صحيفة في بريطانيا. وتبدو صحيفة “ديلي تلغراف” الآن آمنة من الوقوع في الأيدي الخطأ، لكن ماذا يحدث عندما لا نعرف بالتأكيد من يقف خلف ملكية صحيفة، وعندما يكون الممول لصحيفة بريطانية محترمة هو سر يتم التكتم عليه.

يتساءل الكاتب: ماذا يحدث عندما لا نعرف بالتأكيد من يقف خلف ملكية صحيفة، وعندما يكون الممول لصحيفة بريطانية محترمة هو سر يتم التكتم عليه؟

 ويستدرك الكاتب أن ما يقوله ليس سؤالا نظريا، فلا أحد لديه فكرة عمن يمول صحيفة “جويش كرونيكل” والتي تعد من أقدم الصحف اليهودية المستمرة في الصدور ببريطانيا والأكثر تأثيرا داخل المجتمع اليهودي البريطاني.

وبدأت الصحيفة بالصدور عام 1841، وعلى مدى 180 عاما ظل مالكوها وناشروها معروفين للسجل العام. وكل هذا تغير قبل أربعة أعوام، عندما اندفعت مجموعة غامضة لإنقاذ الصحيفة من تهديد التجميد. وكانت “محاولة مخزية لاختطاف” الصحيفة، حسب رئيسها الذي انتهت فترته ألان جاكوبس.

وقاد المجموعة الغامضة سير روبي غيب، المستشار السابق لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا مي، والمعين من قبل الحكومة في إدارة “بي بي سي”. وكجزء من الكشف عن مصالحه اعترف غيب بأنه يملك نسبة 100% من أسهم “جويش كرونيكل ميديا”. وهو الشخص الوحيد من الأشخاص المسجلين لديه سيطرة مهمة (وأنه يملك نسبة 75% أو أكثر من الصحيفة)، وهو الشخص الوحيد الذي يظهر اسمه في السجلات المقدمة لمكتب تسجيل الشركات “كومباني هاوس”، وهو بهذه المثابة الشخص الذي يوقع على حسابات الشركة. إلا أن غيب ليس لديه المال الذي يحتاجه لإنقاذ جويش كرونيكل.

قاد المجموعة الغامضة سير روبي غيب، المستشار السابق لتيريزا مي، والمعين من قبل الحكومة في إدارة “بي بي سي”. ورغم أنه ليس غنيا فقد زعم بأنه يملك  100% من أسهم “جويش كرونيكل”

 وبحسب السجلات الأخيرة والمقدمة في آذار/مارس 2024، يبدو أن هناك شخصا أو أشخاصا قدموا دعما بـ 3.5 مليون جنيه استرليني، تم شطبه الآن. وكان غيب على ما يبدو وبالتعبيرات الدارجة “واجهة”. ولكن لمن يريد أن يكون غيب واجهة؟ لا يقول.

 وأرسل الكاتب عدة أسئلة لمحرر الصحيفة جاك واليس سيمونز والذي رد بأدب وإن بشكل غريب: “الأسئلة التي تطرحها ليست لي”. وسأل الكاتب عددا من اليهود البارزين نفس الأسئلة بدون أجوبة. وحاول شحذ ذهنه بحثا عن جريدة بريطانية ملكها شخص مجهول في القرن الماضي ولكنه لم يعثر على واحدة. ومن هنا فمعرفة المالك أو الجهة المالكة لجويش كرونيكل مهم، ذلك أن النواب والصحافيين شغلوا أنفسهم بموضوع وقوع صحيفة تلغراف بيد “الأشخاص الخطأ” الذين يشترون الصحف لأسباب تتعلق بالربح، التأثير والإحسان.

وفيما يتعلق بصحيفة “جويش كرونيكل” علينا تجاهل فكرة الربح، ومن الآمن القول إنها تخسر كل عام مبلغا من ستة أرقام. وعليه، فالشخص أو الناس الذين ضخوا المال في شركة مريضة عام 2022، فعلوا هذا بأريحية أو لأنهم يريدون التأثير على جويش كرونيكل، وبالتالي من يقرأها أو يتأثر بتغطيتها وجدالها وبخاصة المتعلق بإسرائيل.

 إلا أننا لا نعرف، لكن تخيل داعم أجنبي غامض لديه واجهة بريطانية ظاهرة قام بشراء تلغراف، وبشرط عدم الكشف عن هويته، فسنرى صخبا برلمانيا بشأن هويتهم ومشاربهم ودوافعهم.

وكشف الكاتب عن أن شخصا شارك في مجموعة غيب عبر عن ندمه نظرا للطبيعة “الغامضة بشكل لا يصدق”. وقال إنه وغيره من الداعمين سأل عن بقية المشاركين ووجدوا “الباب موصدا” في وجوههم. وقالت مصادر للكاتب إن الجزء الأكبر من الأموال لجويش كرونيكل تأتي من الملياردير الأمريكي المتطرف، بول إي سينغر، والمعروف أحيانا بـ “الرأسمالي الجشع”.

وأنشأ سينغر “إليوت مانجمنت” وحقق ثروة تقدر بـ 6 مليارات دولار، حيث كان يشتري الديون المتعثرة ويبيعها بقيمة عالية. ويوصف بأنه “داعم قديم للقضايا المتشددة المؤيدة لإسرائيل”، وهو أحد الممولين لمركز البحث اليميني “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية” التي تتخذ مواقف حسب موقع “سليت” تتبع “عن كثب مواقف حزب الليكود الإسرائيلي وزعيمه بنيامين نتنياهو”.

فيما يتعلق بصحيفة “جويش كرونيكل” علينا تجاهل فكرة الربح، ومن الآمن القول إنها تخسر كل عام مبلغا من ستة أرقام

ونشرت الصحيفة اليهودية الأمريكية المعروفة “فورويرد” قائلة إن “سينغر استخدم ثروته أثناء النقاش بشأن الصفقة النووية مع إيران لدعم المعارضين لها بمن فيهم جماعة مسيحية تعارض الصفقة”. ويعلق الكاتب أن حقيقة دعم سينغر جويش كرونيل وتأثيره على الخط التحريري لها هو شأن في مصلحة الرأي العام. إلا أن متحدثا باسم المحفظة الوقائية لسينغر اعتبر الكلام عن علاقته بالصحيفة اليهودية البريطانية “سخافة”.

وتم طرح اسم شخص وهو ديفيس لوين له علاقة بصفقة الاستحواذ على جويش كرونيل، وقيل إن له علاقة مع مراكز أبحاث يمينية ومنظمات، مثل “جمعية هنري جاكسون” و”مبادرة أصدقاء إسرائيل” و”هاي ليفل ميلتري غروب”، لكنه شخص مراوغ، ومن يدري ما هي علاقته. ويتساءل الكاتب عن سبب التكتم على إنقاذ صحيفة مع أن هناك عدة أسباب تقضي بغير ذلك. فقد كرس تحقيق ليفيسون (2011-2012) جهده لمعرفة سبب محاولة ناشري ومالكي صحف التأثير على الأخبار، لكنه لم يذهب بعيدا، لكنه كان يتعامل مع أسماء ووجوه.

وفي آذار/مارس أعلنت جويش كرونيكل عن تحويل صفتها إلى جمعية خيرية وبدون تقديم تفاصيل أو تحديد المسؤول عن الخط التحريري. وشك الكثيرون في قدرتها على تحويل نفسها كجمعية خيرية نظرا للخط المتشدد واللاذع الذي تبنته من حرب غزة. ويظل السؤال المهم، عن استقلالية المحرر للجمعية الخيرية، ولا جواب حتى الآن. ووصف عضو في المجموعة الغامضة أن تغطية جويش كرونيكل الأخيرة لإسرائيل كانت عبارة “مع بلدي حقا أم باطلا”. وقال “حسب رأيي فإنها لا تخدم المجتمع اليهودي لأنها تعزز تلك الفكرة والتي، كما تعرف، أن المجتمعات اليهودية في الخارج متواطئة في صمتها على أعمال الجيش الإسرائيلي المفرطة”.

وقال عضو المجموعة إن محرر الصحيفة واليس سيمونز، وبخاصة من تصرفاته على منصات التواصل، بدا و”كأنه ناشط وليس صحافيا”. كما أن تغطية جويش كرونيكل لحرب غزة، جاءت بدون ذكر سلوك محررها غير المقيد على منصات التواصل الاجتماعي مثل منشوره “إلى الأمام حتى النصر” حيث نشر فيديو لقنبلة ضخمة تقتل عددا لا يحصى من الناس في غزة، وهو أمر يتناقض بشكل غريب مع مالكها الاسمي، غيب، الذي يدعو للحيادية عندما يرتدي قبعة بي بي سي.

يوصف سينغر بأنه “داعم قديم للقضايا المتشددة المؤيدة لإسرائيل”، وهو أحد الممولين لمركز البحث اليميني “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية” التي تتبع مواقف الليكود ونتنياهو

وإلى جانب الحيادية، فقد تعهد غيب وزملاؤه مدراء بي بي سي باحترام مبادئ نولان للمحاسبة والانفتاح. ويطلب منهم موقع مجلس الإدارة الالتزام بالتمحيص المناسب في عملهم، ويجب عليهم تقييد المعلومات عندما تكون هناك مصلحة عامة واضحة. لكن غيب يعتقد أن هذه المبادئ لا تنطبق عليه خارج بي بي سي وتجاهل أسئلة الكاتب عن دوره كمالك حقيقي لجويش كرونيكل، ولم يكشف عن المال الذي يقف وراء الصحيفة، ويتساءل الواحد عن تضارب المصالح.

ويجلس غيب في لجنة تنظر في المعايير التحريرية لبي بي سي، والحرب في غزة هي أسخن موضوع يواجه الهيئة الآن. ومن جهة أخرى، طالما هاجم محرره في جويش كرونيكل واليس سيمون طريقة تغطية بي بي سي للحرب. وطالب البرلمان بالتحقيق في تغطية الحرب وكتب “إسرائيلوفوبيا، خرجت عن السيطرة” وأن “عدم ثقتها بالدولة اليهودية تصل إلى حد الحالة المرضية”. فكيف يدعم غيب محرره وهو يجلس في مجلس بي بي سي. وهل يملك غيب “مالك” جويش كرونيكل سيطرة على محرره؟ وهل يركب غيب الذي أعيد تعيينه لأربعة أعوام في مجلس بي بي سي حصانين في وقت واحد؟ وهل هناك داعم مالي للصحيفة يسيطر على الخط التحريري لها؟ وهل يمكن للبرلمان التصويت ضد مالك معروف يريد الاستحواذ على صحيفة بريطانية ويتجاهل مالك مجهول لصحيفة أخرى؟

ويستشهد الكاتب بشعار صحيفة “واشنطن بوست”: “الديمقراطية تموت في الظلام” ويقول إن من الغريب أن تختار صحيفة بريطانية معروفة تجاهل الضوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية